المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الجنس الثاني الثوري أخبره عن معاوية بن إسحاق عن أبي صالح - الهداية في تخريج أحاديث البداية - جـ ٥

[أحمد بن الصديق الغماري]

فهرس الكتاب

- ‌8 - كتاب الزكاة

- ‌الجملة الأولى: على من تجب

- ‌الجملة الثانية: ما تجب فيه الزكاة من الأموال

- ‌الجملة الثالثة: معرفة النصاب والواجب من ذلك

- ‌الفصل الأول: في الذهب والفضة

- ‌الفصل الثاني: في نصاب الإبل والواجب فيه

- ‌الفصل الثالث: في نصاب البقر وقدر الواجب في ذلك

- ‌الفصل الرابع: في نصاب الغنم وقدر الواجب في ذلك

- ‌الفصل الخامس: في نصاب الحبوب والثمار والقدر الواجب في ذلك

- ‌الفصل السادس: في نصاب العروض

- ‌الجملة الرابعة: في وقت الزكاة

- ‌الجملة الخامسة: فيمن تجب له الصدقة

- ‌الفصل الأول: في عدد الأصناف الذين تجب لهم الزكاة

- ‌الفصل الثاني: في الصفة التي تقتضي صرفها لهم

- ‌الفصل الثالث: كم يجب لهم

- ‌9 - كتاب زكاة الفطر

- ‌الفصل الأول: في معرفة حكمها

- ‌الفصل الثاني: فيمن تجب عليه وعمن تجب

- ‌الفصل الثالث: كم تجب عليه ومماذا تجب

- ‌الفصل الرابع: متى تجب زكاة الفطر

- ‌الفصل الخامس: من تجوز له

- ‌10 - كتاب الصيام

- ‌كتاب الصيام الأول وهو في الصوم الواجب

- ‌القسم الأول: في الصوم وفيه جملتان:

- ‌الجملة الأولى: معرفة أنواع الصيام الواجب

- ‌الجملة الثانية: معرفة أركان الصيام الواجب

- ‌القسم الثاني: في الفطر وأحكامه:

- ‌أولا: أحكام من يجوز له الفطر

- ‌يتعلق بصيام وإفطار المريض أو المسافر

- ‌يتعلق بقضاء المسافر والمريض

- ‌الحامل والمرضع إذا أفطرتا ماذا عليهما

- ‌الشيخ الكبير والعجوز إذا أفطرا ماذا عليهما

- ‌ثانيا: أحكام من لا يجوز له الفطر

- ‌حكم من أفطر بجماع متعمد في رمضان

- ‌كتاب الصيام الثاني وهو في الصوم المندوب إليه

- ‌11 - كتاب الإعتكاف

- ‌العمل الذي يخص الإعتكاف

- ‌المواضع التي فيها يكون الإعتكاف

- ‌زمان الإعتكاف

- ‌شروط الإعتكاف ثلاثة

- ‌النية

- ‌الصيام

- ‌ترك مباشرة النساء

- ‌مطلق النذر بالإعتكاف هل من شرطه التتابع أم لا

- ‌موانع الإعتكاف

- ‌12 - كتاب الحج

- ‌الجنس الأول

- ‌الجنس الثاني

- ‌الجنس الثالث

الفصل: ‌ ‌الجنس الثاني الثوري أخبره عن معاوية بن إسحاق عن أبي صالح

‌الجنس الثاني

الثوري أخبره عن معاوية بن إسحاق عن أبي صالح الحنفي أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الحجّ جهاد والعمرة تطوّع". قال الشافعي: فقلت له: أتثبت مثل هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: هو منقطع. قال البيهقي: وقد روي من حديث شعبة عن معاوية بن إسحاق عن أبي صالح عن أبي هريرة موصولًا والطّريق فيه إلى شعبة طريقٌ ضعيف. ورواه محمد بن الفضل بن عطية عن سالم الأفطس عن ابن جبير عن ابن عبّاس مرفوعًا ومحمّد هذا متروك".

قلت: حديث أبي هريرة روي من غير طريق شعبة أيضًا. أخرجه ابن قانع ثنا بشر بن موسى ثنا ابن الأصبهاني ثنا جرير وأبو الأحوص عن معاوية بن إسحاق به موصولًا، هكذا أورده ابن حزم ثمّ قال:"إنه كذبٌ بحتٌ من بلايا عبد الباقي بن قانع التي انفرد بها والنّاس رووه مرسلًا من طريق أبي صالح ماهان فزاد فيه أبا هريرة وأوهم أنّه أبو صالح السّمّان". قلت: لكن رواه أبو بكر الرازي في الأحكام عن ابن

ص: 289

قانع فقال: "حدثنا بشر بن موسى ثنا ابن الأصبهاني ثنا شريك وجرير وأبو الأحوص عن معاوية بن إسحاق عن أبي صالح به مرسلًا". فزاد في الإِسناد شريكًا وأسقط منه أبا هريرة ووصف أبا صالح بالحنفي، وهذا يؤيّد ما يتّهمه به ابن حزم من التّلاعب بالأسانيد والأحاديث وإِن لم يقبل ذلك منه المتعصّبون المغرضون. والحقّ واضح غنيٌّ عن التّعصّب والدّفاع لمن بانت خيانته.

وحديث ابن عباس: رواه ابن قانع أيضًا.

وفي الباب أيضًا عن طلحة بن عبيد الله أخرجه ابن ماجه وابن قانع كلاهما من طريق عمر بن قيس أخبرني طلحة بن يحيى عن عمّه إسحاق بن طلحة عن طلحة بن عبيد الله أنّه سمع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الحجّ جهادٌ والعمرة تطوّع". وأعلّه ابن حزم بعبد الباقي بن قانع وقال: "قد أصفق أصحاب الحديث على تركه وهو راوي كلّ بليّة وكذبة، ثمّ فيه عمر بن قيس سَندل وهو ضعيف". قلت: أمّا ابن قانع فبريء منه لأنّ ابن ماجه رواه من قبله. وأمّا عمر بن قيس المكّي فمتروك منكر الحديث، ومع ذلك فقد اضطرب فيه، فمرّة قال كما سبق، ومرّة قال: عن إسحاق بن عبد الله بن أبي

ص: 290

طلحة عن عمّه عن ميمونة عن النّبي صلى الله عليه وسلم. أخرجه ابن أبي داود في المصاحف: ثنا يعقوب بن عبد الله بن أبي مخلد ثنا أبو منصور ثنا عمر بن قيس به. وهذا يدلّ على كذبه.

886 -

قوله في مواقيت الإِحرام: (أمّا لأهل المدينة فذو الحُلَيْفَة وأمّا لأهل الشّام فالجُحْفَةُ ولأهل نجدٍ قَرَن ولأهل اليمن يَلَمْلَم؛ لثبوت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر وغيره).

قلت: وهو كذلك فقد اتّفقا على حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يهلُّ أهل المدينة من ذي الحُلَيفة، ويهلُّ أهل الشام من الجُحْفَةَ، ويهلّ أهل نجد من قَرَن. قال ابن عمر: وذكر لي ولم أسمع أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ومهلّ أهل اليمن من يلملم". واتّفقا أيضًا على حديث ابن عباس قال: "وقّت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل

ص: 291

المدينة ذا الحُلَيْفة ولأهل الشام الجُحْفَة ولأهل نجد قَرَن المنازل ولأهل اليمن يَلَمْلَم. قال: فهي لهنّ ولمن أتى عليهنّ من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة فمن كان دونهنّ فمهلّه من أهله وكذلك حتى أهل مكة يهلّون منها".

887 -

قوله: (وقالت طائفة: بل رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي أقّت لأهل العراق ذات عرق والعقيق، وروي ذلك من حديث جابر وابن عبّاس وعائشة).

قلت: حديث جابر: رواه الشافعي وأحمد ومسلم والطحاوي في

ص: 292

معاني الآثار والدارقطني والبيهقي كلّهم من طريق ابن جريج "أخبرني أبو الزبير أنّه سمع جابر بن عبد الله يُسْأل من المهلّ فقال: سمعت -ثُمّ انتهى أُراهُ يريد رسول

ص: 293

الله صلى الله عليه وسلم فقال: مهلّ أهل المدينة من ذي الحُلَيفة والطّريق الآخر الجحفة ومهلّ العراق من ذات عِرْق ومهلّ أهل نجد من قَرَن ومهلّ أهل اليمن من يلملم". هكذا رواه ابن جريج بصيغة الشّكّ في رفعه. ورواه ابن لهيعة وإِبراهيم بن يزيد الخوزي وموسى بن عقبة عن أبي الزّبير فجزموا برفعه ولم يذكروا صيغة التردّد. فرواية ابن لهيعة خرّجها أحمد والبيهقي عنه قال: ثنا أبو الزّبير قال: سألتُ جابرًا عن المهلّ فقال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. ." وذكر مثله. لفظ أحمد. وقال البيهقي: "كذا قاله عبد

ص: 294

الله بن لهيعة وكذلك قيل عن ابن أبي الزّناد عن موسى بن عقبة عن أبي الزّبير والصّحيح رواية ابن جريج ويحتمل أن يكون جابر سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول ذلك في مهلّ أهل العراق". ثمّ أخرج ما رواه البخاري في صحيحه من حديث ابن عمر قال: "لمّا فتح هذان المصران أتوا عمر رضي الله عنه فقالوا: إنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حَدَّ لأهل نجدٍ من قَرَن وهو يجوز عن طريقنا فإِن أردنا أن نأتي قَرَنًا شقّ علينا قال: فانظروا حذوها من طريقكم. قال: فحدّ لهم ذات عِرقْ".

قلت: وهذا غير لازم لاحتمال أن يكونَ عمر رضي الله عنه لم يبلغه تحديد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات عِرْق لأهل العراق بل هو الواقع لوروده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طرق متعدّدة.

ورواية إبراهيم بن يزيد خرّجها ابن ماجه من رواية وكيع عنه عن أبي الزّبير عن جابر قال: "خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال .. وذكر الحديث. وفيه: ومهلّ أهل المشرق من ذات عِرْق، ثمّ أقبل بوجهه للأفق ثمّ قال: اللهمّ أقبل بقلوبهم". وإِبراهيم بن يزيد متروك.

ورواية موسى بن عقبة تقدّمت في كلام البيهقي مع الإِشارة إلى ضعفها أيضًا.

ص: 295

لكنّه ورد من وجهٍ آخر من رواية عطاء عن جابر أخرجه الطحاوي والدارقطني من رواية حفص بن غياث عنه عن عطاء عن جابر قال: "وقّت رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لأهل العراق ذات عرق". لفظ الدارقطني، وطوّله الطحاوي. ورواه الدارقطني والبيهقي من طريق يزيد بن هارون أنبأنا الحجاج عن عطاء عن جابر بن عبد الله وعن أبي الزّبير عن جابر بن عبد الله وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه قال:"وقّت رسولُ الله صلى الله عليه وسلم .. فذكر الحديث، وفيه: ولأهل العراق ذات عِرْق".

وحديث ابن عباس: رواه أحمد وأبو داود والترمذي والبيهقي كلّهم من رواية سفيان عن يزيد بن أبي زياد عن محمد بن علي عن ابن عباس "أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم وقّت لأهل المشرق العقيق". قال الترمذي: حديث حسن. وتُعُقِّبَ بأنّ يزيد بن أبي زياد ضعيف وأنّ محمد بن علي لم يسمع من جدّه، والمعروف روايته عن أبيه عنه. وهو تعقّب مدفوع بأنّ يزيد وإِن كان فيه مقال فهو من شرط الحسن لاسيّما فيما ثبت

ص: 296

أصله أو جاء من وجهٍ آخر كهذا فهو من الحسن المقطوع به؛ ولذلك روى له مسلم في صحيحه وذكره في مقدّمته فيمن يشملهم اسم السّتر والصّدق وتعاطي العلم. وأمّا الانقطاع فإِنّ محمد بن علي قد قيل إنّه روى عن جدّه وعلى أنّ ذلك غير ثابت فهو محمولٌ على روايته عن أبيه عنه لأنّ جُلّ مروياته كذلك فهذا منها ويؤيّده ورود الحديث عن ابن عبّاس من وجه آخر فقد أخرجه البزار من جهة مسلم بن خالد الزّنجي عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عبّاس قال: "وقّت رسول الله لأهل المشرق ذات عِرْق"، لكن رواه الشافعي عن سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء مرسلًا بدون ذكر ابن عباس. قال ابن جريج: فقلت لعطاء: إنّهم يزعمون أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يوقّت ذات عرق وأنّه لم يكن أهل المشرق يومئذ، فقال: كذلك سمعنا أنّه صلى الله عليه وسلم وقّت لأهل المشرق ذات عرق". وهذا لا ينفي كونه سمعه من ابن عبّاس كما هو ظاهر، لاسيّما وقد ورد من وجه ثالث أيضًا أخرجه ابن عبد البَرّ في التمهيد من طريق قاسم بن أصبغ ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا يزيد بن هارون ثنا حمّاد بن زيد عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عبّاس قال: "وقّت رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لأهل العراق ذات عِرْق". وهذا سندٌ رجاله رجال الصّحيح وهو أصحّ ممّا رواه الشّافعي عن مسلم بن خالد عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه قال: "لم يوقّت رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذات عِرْق ولم يكن حينئذٍ أهل مشرق فوقّت الناس ذات عِرْق". فلا تعارض بينه وبين روايته السّابقة، لضعف السّند ولاحتمال أنّه كان يرى هذا الرأي ثمّ بلغه حديث ابن عباس فصار يرويه، أو سمع الحديث من ابن عبّاس وحدّث به، ولكنّه رجع عن القول به لهذه الشبهة الباطلةَ التي قامت عنده، وقد ردّها النّاس عليه وعلى من قال مثل قوله وجعلوا ذلك غفلة منهم؛ لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم قد وقّت لأهل الشّام الجُحْفَة وهي دار كفر لم تفتح بعد فكذلك العراق.

ص: 297

فالنّبيّ صلى الله عليه وسلم وقّت المواقيت لأهل الآفاق لعلمه أنّ الله تعالى سيفتحها على أمّته كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المخرّج في صحيح مسلم: "مَنَعَت العراقُ درهَمها وقفيزَها ومَنَعَت الشّام مُدّها ودِينارَهَا ومَنعَت مصر إرْدَبَّها ودينارَها وعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ". مع أنّ الأقطار الثلاثة كلّها لم تفتح في حياته صلى الله عليه وسلم وإِنّما فتحت في خلافة عمر رضي الله عنه.

وحديث عائشة: رواه أبو داود والنسائي والطحاوي والدارقطني والبيهقي من حديث أفلح بن حميد عن القاسم عن عائشة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عِرْق". صحّحه ابن حزم وقال: "رجاله ثقات مشاهير". وقال ابن صاعد: كان أحمد ينكر على أفلح قوله ولأهل العراق ذات عِرْق. قال ابن عدي: ولم ينكر أحمد سوى هذه اللفظة وقد تفرد بها عند المعافى بن عمران وهو عندي صالح وأحاديثه أرجو أن تكون مستقيمة. قلت: قد أنكر أحمد حديثًا آخر على أفلح ولا حقّ له في ذلك فالرّجل ثقة اتّفق البخاري ومسلم على إخراج حديثه

ص: 298

والرواية عنه. وتوقيت النّبيّ - صلى الله علية وسلم - ذات عِرْق لأهل العراق صحّ من طرق فلا معنى لاتّهام أفلح به، والشبهة الموجبة لذلك في نظر أحمد باطلة كما قدّمناه.

وفي الباب عن الحارث بن عمرو السّهمي عند أبي داود والدارقطني والبيهقي وعن أنس بن مالك عند الطحاوي في معاني الآثار والطبراني في الكبير وإسناده ساقط. وأغرب الحافظ فاقتصر على عزوه للطحاوي في أحكام القرآن مع أنّه في معاني الآثار ولم يعزه للطبراني وهو تابع في ذلك المارديني فإِنّه سلفه في عزوه إلى أحكام القرآن للطحاوي مع سكوته على سنده وهو من رواية هلال بن زيد عن أنس وهلال هو أبو عقال متروك متّهم، وقد صرّح الذّهبي في الميزان ببطلان حديثه هذا، ولكنّه اعتمد على مثل ما اعتمد عليه طاوس، وهي غفلة منكرة. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أخرجه الطحاوي والدارقطني والبيهقي وقد سبق. وعن عبد الله بن عمر رواه إسحاق بن راهويه، ومن طريقه أبو نُعيم في الحلية من طريق عبد الرّزّاق قال: سمعت مالكًا يقول: "وقّتَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لأهل العراق ذات عِرق فقلت له من حدّثك بهذا؟ فقال: حدّثني به نافع عن ابن عمر". كذا

ص: 299

نقله الزّيلعي من مسند إسحاق، والذي في الحلية من طريق إسحاق "وقّت رسول الله صلى الله عليه وسلم قَرَنًا بدل ذات عِرْق". وقال أبو نُعيم: تفرّد به عبد الرّزّاق عن مالك فيما قاله سليمان يعني الطبراني. قلت: وكذا قال الدارقطني في العلل وزاد: ولم يتابع عبد الرّزاق على ذلك. وخالفه أصحاب مالك فرووه عنه ولم يذكروا فيه ميقات أهل العراق. ورواه أبو نُعيم في الحِلية من طريق جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران عن ابن عمر قال: وقّت رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة، فذكر المواقيت. وفي آخره قال ابن عمر: وحدّثني أصحابنا أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقّت لأهل العراق ذات عِرْق. ثمّ قال أبو نُعيم: هذا حديث صحيح ثابت من حديث ميمون لم نكتبه إلَّا من حديث جعفر عنه. قلت: الثّابت في الصّحيح ليس فيه ذكر العراق بل فيه قول ابن عمر: وذُكِرَ لي ولم أسمع أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ومهلّ أهل اليمن من يلملم كما سبق قريبًا. وفي الباب أيضًا عن عروة مرسلًا أخرجه البيهقي.

888 -

حديث: "دَخَلَت العُمْرَةُ في الحَجِّ إلى يَوْمِ القِيَامَةَ".

أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وغيرهم من حديث ابن عبّاس قال:

ص: 300

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذه عمرة استمتعنا بها فمن لم يكن عنده الهديُ فليحلّ الحلّ كلّه فإِنّ العمرة دخلت في الحج إلى يوم القيامة". ورواه الطيالسي وأحمد ومسلم وأبو داود وجماعة من حديث جابر بن عبد الله في حديثه الطويل في صفة حجّة النّبيّ صلى الله عليه وسلم وفيه: فقال النّبي صلى الله عليه وسلم: "يا أيّها النّاس إنّي لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهديَ ولجعلتها عمرة فمن لم يكن معه هدي فليحلل وليجعلها عمرة. فحلّ النّاس كلّهم فقال سراقة بن مالك بن جعشم: يا رسول الله ألعامنا هذا أم للأبد؟ فشبّك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أصابعه فقال: بل للأبد. ثلاث مرّات. ثمّ قال: دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة، لفظ أحمد. ورواه ابن ماجه والدارقطني من

ص: 301

حديث سراقة بن مالك نفسه وأصله عند النّسائي.

889 -

حديث مالك عن نافع عن ابن عمر: "أَنَّ رَجُلًا سَألَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا يَلْبَسُ المُحْرِمُ مِنَ الثّياب؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تَلْبسُوا القُمُصَ وَلَا العَمَائِمَ وَلَا السَّراوِيلاتِ وَلَا البَرَانِسَ وَلَا الخِفَافَ إلّا أحَدًا لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبس خُفَّيْنِ وليَقْطَعْهُمَا أسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ وَلَا تَلْبسُوا مِنَ الثيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ وَلَا الوَرْسُ".

ص: 302

قلت: هو في موطأ مالك ورواه السّتّة كلّهم وغيرهم من حديث مالك وغيره عن نافع.

890 -

حديث عمرو بن دينار عن جابر وابن عباس مرفوعًا: "السَّراوِيلُ لِمَنْ لَمْ يَجِد الإزَارَ والخُفُّ لِمَنْ لَمْ يَجِد النَّعْلَيْن".

ص: 303

كذا في الأصل: عن جابر وابن عباس وإنّما هو عن جابر بن زيد عن ابن عباس والحديث أخرجه أحمد والسّتّة وغيرهم واللّفظ المذكور هنا لمسلم وأبي داود، وعند أحمد وغيرهما "خطبنا النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعرفات فقال: من لم يجد الإِزار فليلبس السّراويل ومن لم يجد النّعلين فليلبس الخفّين". وفي لفظ للبخاري "سمعت النّبي صلى الله عليه وسلم يخطب بعرفات". وقال أبو عمرو بن حمدان في الثاني من فوائد الحاج: أخبرنا أبو يعلى وهو في معجمه أيضًا قال: حدّثنا إبراهيم بن الحجّاج ثنا حماد بن زيد قال: جلست إلى أبىِ حنيفة بمكّة فجاء رجلٌ فقال: لبستُ سراويل وأنا محرم، أو قال: لبستُ خفّين وأنا محرم، شكّ إبراهيم، فقال أبو حنيفة: عليك دم. قال حمّاد: فقلت للرّجل: وجدتَ نعلين أو وجدت إزارًا؟ قال: لا. فقلت: يا أبا حنيفة إن هذا يزعم أنه لم يجد. فقال: سواء وجد أو لم يجد. قال حمّاد: فقلتُ حدثنا عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال: سمعتُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "السّراويل لمن لم يجد الإِزار والخفّان لمن لم يجد النّعلين". فقال بيده هكذا أي لا شيء. فقلت له: فأنت عمّن تقول؟ قال:

ص: 304

حدّثني حمّاد عن إبراهيم قال: عليه دم وجد أو لم يجد. قال: فقمتُ من عنده، فتلقّاني الحجّاج بن أرطاة فقلت له: يا أبا أرطاة ما تقول في محرم لبس سراويل ولم يجد الإِزار أو لبس الخفّين ولم يجد النّعلين؟ فقال: حدّثنا عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عبّاس أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال .. وذكر الحديث، قال: وحدّثني نافع عن ابن عمر أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال مثله، قال: وحدّثني أبو إسحاق عن الحارث عن علي مثله. فقلت له: فما بال صاحبكم قال كذا وكذا؟ فقال: من ذاك وصاحب من ذاك؟ وقبّح الله ذاك. قلت: مثل هذه المعارضة الجافية القاسية هو الذي كان يحمل الأئمّة من السّلف على الطّعن في أبي حنيفة حتّى اتّهموه بالعظائم. ولو سلك كما سلك مالك رحمه الله في الجواب والاعتذار لكان أسلم لدينه وعرضه. ففي الموطأ: قال يحيى: سئل مالك عمّا ذكر عن النّبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: ومن لم يجد إزارًا فليلبس سراويل. فقال: لم أسمع بهذا ولم أر أن يلبس المحرم سراويل لأن النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس السّراويلات ممّا نهى عنه من لبس الثياب التي لا ينبغي للمحرم أن يلبسها ولم يستثن فيها كما استثنى في الخفين فاعتذر مالك بأنّه لا علم له بهذا الحديث ثمّ ذكر ما هو في نظره دليل على ضعف الحديث الذي لم يبلغه وهو معارضته للحديث الثابت عنده. فردّ الحديث بما هو مقبول متّبع في ذلك للعلماء بخلاف أبي حنيفة فإِنّه أشار بيده كالمستخفّ بالحديث ثمّ ردّه لمجرد رأي إبراهيم. وفي قول مالك: لم أسمع بهذا الحديث مع كونه في صحيح البخاري ومسلم وكونه مشهورًا بين سائر الأئمّة والحفّاظ

ص: 305

في عصره حجّة على مقّلديه الذين يعتقدون أنّه لا يعزب عن علمه مثقال ذرّة في السموات ولا في الأرض كما هو اعتقاد الجهلة في كلّ مجتهد.

891 -

حديث ابن عمر: "لا تَلْبسوا مِنَ الثّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرانُ وَلَا الوَرْسُ".

تقدّم قبل حديث واحد.

892 -

حديث عليّ: "أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ لبْس القَسِّيّ وعَنْ لبْس المُعَصْفَر". قال ابن رشد: خرّجه مالك.

قلت: هو كذلك لكن ليس فيه ذكر المعصفر في الموطأ رواية يحيى بن يحيى الليثي، ولفظها عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه عن علي بن أبي طالب أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس القَسِّي وعن تختّم الذهب وعن قراءة القرآن في الركوع". قال الباجي: ووقع في رواية أبي مصعب زيادة، ولفظه "نهى عن لبس القَسِّيَ والمعصفر".

ص: 306

وتابعه على ذلك القعنبي ومعن بن عيسى وأحمد بن إسماعيل السّهمي وجماعة. قلت: منهم يحيى بن يحيى النيسابوري عند مسلم وقتيبة بن سعيد عند الترمذي وعبد الرّحمن بن مهدي وإسحاق بن عيسى عند أحمد ومحمد بن الحسن وهي في موطئه ورواية القعنبي هي عند أبي داود. ورواه النّسائي وابن ماجه من غير طريق مالك وعند جميعهم ذكر المعصفر أيضًا. والحديث له عن علي عليه السلام طرق أخرى في مسند أحمد وسنن النسائي وغيرهما.

893 -

حديث عائشة قالت: "كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ فَإِذَا مَرَّ بِنَا رَكْبٌ سَدَلْنَا عَلَى وُجُوهِنَا الثَّوْبَ مِنْ قِبَلِ رُؤُوسِنَا وَإِذَا جَاوَزَ الرَّكبُ رَفَعْنَاهُ".

ص: 307

أبو داود وابن ماجة وابن الجارود والدارقطني والبيهقي كلّهم من حديث يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن عائشة به. وقال البيهقي: وكذلك رواه أبو عوانة ومحمد بن فضيل وعلي بن عاصم عن يزيد بن أبي زياد وخالفهم ابن عيينة فيما روي عنه عن يزيد فقال: عن مجاهد قال: قالت أم سلمة .. قلت: رواية ابن عيينة خرّجها الدارقطني عن يعقوب بن إبراهيم البزّار عن بشر بن مطر عنه، والحديث رواه أيضًا ابن خزيمة في صحيحه وقال: في القلب من يزيد بن أبي زياد. ولكن ورد من

ص: 308

وجه آخر ثمّ روى من طريق هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: "كنّا نغطّي وجوهنا من الرجال وكنّا نمتشط قبل ذلك في الإحرام". وهذا أخرجه أيضًا الحاكم وصحّحه على شرط الشيخين وأقرّه الذّهبي. لكن رواه مالك في الموطأ عن هشام بن عروة عن فاطمة قالت: "كنّا نخمّر وجوهنا ونحن محرمات ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصّدّيق". وقد ذكره ابن رشد أيضًا.

894 -

حديث: "نَهَى عَن النِّقَابِ والقُفَّازَيْنِ".

قال المصنّف: خرجه أبو داود، وبعض الرّواة يرويَه مرفوعًا عن ابن عمر وصحّحه بعض الرّواة أعني رفعه إلى النّبي صلى الله عليه وسلم. قلت: الحديث رواه أحمد

ص: 309

والبخاري وأبو داود والترمذي والنسائي والبيهقي كلّهم من طريق اللّيث عن نافع عن ابن عمر قال: "قام رجل فقال: يا رسولَ الله ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإِحرام؟ فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: لا تلبسوا القُمُصَ ولا السّراويلات ولا العمائم ولا البرانس إلَّا أن يكون أحدٌ ليست له نعلان فليلبس الخفّين وليقطع أسفل من الكعبين ولا تلبسوا شيئًا مسه زعفران ولا ورس. ولا تنتقب المحرمة ولا تلبس القُفّازين" لفظ البخاري، وقال عَقِبَهُ: تابعه موسى بن عقبة وإِسماعيل بن إبراهيم بن عقبة وجويرية وابن إسحاق في النّقاب والقُفّازين. وقال أبو داود: "وقد روى هذا الحديث حاتم بن إسماعيل ويحيى بن أيوب عن موسى بن عقبة عن نافع على ما قال اللّيث. ورواه موسى بن طارق عن موسى بن عقبة موقوفًا على ابن عمر. وكذلك رواه

ص: 310

عبيد الله بن عمر ومالك وأيوب موقوفًا ورواه إبراهيم بن سعيد المديني عن نافع عن ابن عمر عن النّبي صلى الله عليه وسلم "المحرمة لا تنتقب ولا تلبس القُفّازين". ثمّ أخرجه عن قتيبة بن سعيد عن إبراهيم بن سعيد المذكور. ومن طريق أبي داود خرّجه أيضًا البيهقي. ورواية موسى بن عقبة رواها النّسائي والبيهقي. ورواية جويرية خرّجها أبو يعلى والبيهقي ورواية محمد بن إسحاق خرّجها أحمد وأبو داود والحاكم والبيهقي ولفظه عن نافع عن ابن عمر "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى النّساء في إحرامهنّ عن القُفّازين والنّقاب وما مسَّ الورس والزّعفران من الثياب، ولتلبس بعد ذلك ما أحبّت من ألوان الثياب من معصفر أو خزٍّ أو حلي أو سراويل أو خفّ أو قميص". وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم.

ص: 311

895 -

حديث صفوان بن يعلى: "أن رجلًا جاء إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بِجُبَّةٍ مُضَمَّخَةٍ بِطيبٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي جُبَّةٍ بَعْدَمَا تَضَمَّخَ بِطِيب"؟ الحديث. قال ابن رشد: اختصرت الحديث. قال: وهو ثابت في الصّحاح.

قلت: هو كذلك، إلَّا أن الحديث من رواية صفوان بن يعلى بن أميّة عن أبيه يعلى فهو صحابي الحديث لا صفوان. أخرجه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والبيهقي وجماعة من رواية عطاء "أنّ صفوان بن يعلى بن أميّة أخبره أنّ يعلى كان يقول لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: ليتني أرى

ص: 312

النّبي صلى الله عليه وسلم حين ينزل عليه. قال: فلمّا كان بالجعرانة وعلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم ثوب قد أظلّ به، معه ناسٌ من أصحابه منهم عمر إذ جاءه رجلٌ عليه جبّة متضمّخًا بطيب فقال: يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبّةٍ بعدما تضمّخ بطيب؟ فنظر النّبي صلى الله عليه وسلم ساعةً ثمّ سكت فجاءه الوحي فأشار عمر إلى يعلى أن تعال، فجاء يعلى فأدخل رأسه فإِذا النّبي صلى الله عليه وسلم محمر الوجه يغط كذلك ساعة ثمّ سُري عنه فقال: أين الذي سألني عن العمرة آنفًا؟ فالتمس الرّجل فأتي به فقال النّبي- صلى الله عليه وسلم: أمّا الطّيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات وأمّا الجبّة فانزعها ثمّ اصنع في عمرتك كما تصنع في حجّتك".

896 -

حديث مالك عن عائشة قالت: "كُنْتُ أُطَيِّبُ رَأْسَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم -لإِحْرَامِهِ قَبْلَ أن يُحْرِمَ وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أن يَطُوفَ بالبَيْتِ".

أخرجه أيضًا البخاري ومسلم والأربعة وغيرهم من طريق مالك ومن

ص: 313

طريق جماعة غيره.

897 -

حديث عائشة أنّها قالت وقد بلغها إنكار ابن عمر تطيّب المحرم قبل إحرامه: "يَرْحَم الله أَبَا عَبْدِ الرَّحْمن، طَيّبْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَطَافَ عَلَى نِسَائِهِ ثُمَّ أصْبَحَ مُحْرِمًا".

أحمد ومسلم والنّسائي والطحاوي والبيهقي من حديث إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه أنَّه سأل عمر عن الرجل يتطيّب عند إحرامه

ص: 314

فقال: "لأن أطّلي بقطران أحبّ إليّ من أن أفعله". قال: فسأل أبي عائشة وأخبرها بقول ابن عمر فقالت: "يرحم الله أبا عبد الرحمن. كنت أطيّب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمّ يطوف على نسائه ثمّ يصبح محرمًا ينتضح طيبًا".

898 -

حديث عبد الله بن حنين: "أنَّ ابنَ عبّاسٍ والمِسْوَرَ بن مَخْرَمَة اختلفا بالأبْوَاءِ فقال عبدُ الله: يغسل المحرم رأسه. وقال المسور: لا يغسل المحرم رأسه. قال: فأرسَلَني عبدُ الله بنُ عباسٍ إلى أبي أيوبَ الأنصاريّ فوجدتُه يغتسلُ بين القرنين.

ص: 315

الحديث في غسل المحرم رأسه. قال ابن رشد: رواه مالك.

ص: 316

قلت: هو كذلك وأخرجه أيضًا أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والبيهقي.

899 -

حديث أبي قتادة: "أنّه كانَ مَعَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كانوا ببعضِ طريقِ مكَةَ تخلَّفَ مَعَ أصحابٍ لَهُ مُحْرِمينَ وهو غيرُ محرمٍ فَرَأى حمارًا وَحْشِيًا فاستَوَى على فَرَسِهِ فَسَألَ أصحابهُ أن يناوِلُوهُ سَوْطه، فَأبَوْا عليه فسألهم رُمْحَه فأبوا عليه فأخذه ثُمَّ شدَّ على

ص: 317

الحمارِ فقتَله، فأكلَ منه بعضُ أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وأبَى بعضُهم، فلمَّا أدْرَكُوا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن ذلك فقال:"إنَّما هِيَ طُعْمَةٌ أطعَمَكُمْ الله".

قال ابن رشد: خرّجه مالك.

قلت: هو كذلك. وأخرجه أيضًا أحمد والستّة كلهم وجماعة آخرون.

ص: 318

900 -

حديث عبد الرحمن التيمي قال: "كُنّا مَعَ طلحةَ بن عبيد الله ونحنُ مُحرمون فَأُهْدِيَ له ظبىٌ وهو راقدٌ فَأَكَلَ بعضُنا، فاستيقظ طلحة فوافق على أكله، وقال: أكلناهُ مَعَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم".

قال ابن رشد: ذكره النسائي.

قلت: هو كذلك. إلا أنّ الحديث خرّجه أيضًا مسلم في الصحيح فالعزو إليه أولى. وكان من حقّه أيضًا أن يقول: خرّجه أو رواه؛ لأنّ ذكره تقال فيما يذكر بغير إسناد. ثمّ إنّ الحديث عند مسلم والنّسائي وغيرهما بلفظ "فأهدي له طير" بدل ظبي. وعند البيهقي: "فأهدوا لنا لحم صيد وطلحة راقد فمنّا من أكل ومنّا من تورّع فلم يأكل. فلَما استيقظ قال للذين أكلوا: أصبتم. وقال للذين لم يأكلوا: أخطاتم؛ فإِنّا قد أكلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن حرم". وهكذا هو عند أحمد والدارمي أيضًا.

901 -

حديث ابن عباس عن الصّعب بن جثامة أنّه أَهْدَى لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حمارًا وحشيًا

ص: 319

وهو بالأبواء أو بِوَدّان فَرَدَّهُ عليه وقال: "إنّا لم نَرُدَّهُ عليكَ إلَّا أنّا حُرُمٌ".

قال ابن رشد: خرّجه مالك.

قلت: هو كذلك وأخرجه أيضًا: أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي.

ص: 320

902 -

حديث جابر: "صيدُ البَرِّ حلالٌ لكم وأنتُمْ حُرُمٌ ما لَمْ تَصِيدُوه أو يُصَادَ لكم".

الشافعي وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن الجارود والطحاوي والدارقطني والحاكم والبيهقي وغيرهم من حديث عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صيد البرّ لكم حلال وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصد لكم". وعند بعضهم: "لحْم صيد البرّ". الحديث. وقال الترمذي: المطلب لا نعرف له سماعًا من جابر. وقال النسائي: عمرو بن أبي عمرو ليس بالقوي في الحديث وإن كان قد

ص: 321

روى عنه مالك، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. وكذلك صححه ابن خزيمة وابن حبّان وغيرهم. وقال ابن حزم: إنَّه خبر ساقط لأنّه عن عمرو بن أبي عمرو وهو ضعيف. وأعلّه المارديني بأربع علل أحلاها الكلام في المطلب. ثانيتها أنّه لا سماع له من جابر فالحديث منقطع. ثالثتها الكلام في عمرو.

رابعتها أنّه اختلف عليه فيه فقيل: عنه عن المطلب عن جابر. وقيل: عنه عن رجل عن جابر، وقيل: عنه عن المطلب عن أبي موسى. قلت: أمّا المطلب فثقة، لم يتكلم فيه أحد إلا أنهم وصفوه بأنه كان يرسل الأحاديث. وهذا ليس بجرح. وانفرد ابن سعد وحده بقوله: ليس يحتج بحديثه؛ لأنه يرسل كثيرًا وليس له لغي وهذا في الحقيقة جرح في ابن سعد الذي يتعرض لجرح الناس بما ليس هو جرحًا فكأنه لا يفهم الجرح وما عدا هذا فقد وثقه أبو زرعة ويعقوب بن سفيان وابن حبان والدارقطني، وكفى. وأمّا كونه لم يسمع جابرًا فليس ذلك متفقًا عليه؛ فقد قال أبو حاتم: إنّه سمع منه، بل قد قالوا: إنّه سمع ممّن كانت وفاته قبل وفاة جابر بن عبد الله بمدّة طويلة كعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها. بل قال البخاري في التاريخ: إنّه سمع من عمر بن الخطاب

ص: 322

، وإن تعقب بأنّ هذا وهم، والصواب عبد الله بن عمر، وهو أيضًا ممّن توفي قبل جابر بن عبد الله، وكلاهما كان بالمدينة الشريفة. أمّا مولاه عمرو بن أبي عمرو فقد اختلف فيه، ولكن روى عنه مالك، وخرّج له البخاري ومسلم، ووثقه جماعة إلَّا أنهم وصفوه بأنّه كان يهم ويخطئ، وذلك ما يدل عليه اضطرابه في هذا الحديث؛ فقد رواه يعقوب بن عبد الرحمن كما عند أحمد وأبي داود والترمذي والنسائي وابن الجارود والطحاوي الدارقطني والحاكم والبيهقي عنه عن المطلب عن جابر. وتابعه على ذلك يحيى بن عبد الله بن سالم عند ابن الجارود والطحاوي والدارقطني والحاكم والبيهقي وتابعهما إبراهيم بن أبي يحيى عند

ص: 323

الشافعي والدارقطني وكذلك مالك عند الدارقطني وسليمان بن بلال عند الشافعي والبيهقي. وخالفهم الدراوردي فقال: عن عمرو عن رجل من الأنصار عن جابر رواه الشافعي وأحمد والطحاوي والدارقطني وتابعه ابن الزناد رواه أحمد، لكن رجّح الشافعي والبيهقي قول الجماعة الأولى. فقال الشافعي عقب رواية الدراوردي:"ابن أبي يحيى أحفظ من الدراوردي، وسليمان مع ابن أبي يحيى". وقال البيهقي بعد أن رواه من طريق يعقوب بن عبد الرحمن ويحيى بن

ص: 324

عبد الله بن أبي سالم وسليمان بن بلال عن عمرو: "فهؤلاء ثلاثة من الثقات أقاموا إسناده عن عمرو وكذلك رواه الشافعي عن إبراهيم بن محمد يعني ابن أبي يحيى. وكذلك رواه محمد بن سليمان بن أبي داود عن مالك بن أنس عن عمرو". ثمّ أسند عن الشافعي قوله: "وابن أبي يحيى أحفظ من الدراوردي وسليمان مع ابن أبي يحيى". قال البيهقي: "وكذلك يعقوب بن عبد الرحمن ويحيى بن عبد الله بن سالم وهما مع سليمان من الأثبات".

قلت: لكن سليمان اختلف عليه فيه أيضًا؛ فرواه الدارقطني من طريق يونس ابن عبد الأعلى ثنا أشهب ثنا عبد العزيز عن سليمان بن بلال عن عمرو بن أبي عمرو عن رجل من بني سَلَمة عن جابر به. إلَّا أنّ ذكر سليمان بن بلال في هذا الإِسناد عندي وهم. والصواب عبد العزيز وهو الدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو. والله أعلم. أما من قال: عن عمرو عن المطلب عن أبي موسى فيوسف بن خالد السمتي وهو متروك، بل كذّاب. رواه الطبراني في الكبير من جهته، لكن تابعه إبراهيم بن سويد عن عمرو. أخرجه الطحاوي عن ابن أبي داود عن ابن أبي مريم عن إبراهيم المذكور. وهو ثقة.

ص: 325

903 -

حديث عثمان بن عفان: "لا يَنْكِحُ المحرمُ ولا يَخْطُب". قال ابن رشد: رواه مالك.

قلت: وكذلك الشافعي وأحمد والدارمي والطيالسي ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن الجارود والطحاوي والدارقطني والبيهقي وجماعة. ولم يذكر بعضهم: "ولا يخطب". وزاد الدارقطني: "ولا يخطب على غيره". فقال: ولا يخطب على غيره. وكذلك هو عند

ص: 326

ابن حبان في الصحيح. ورواه الدارقطني كذلك أيضًا من حديث ابن عمر. وفي الباب عن أنس بلفظ: "لا يتزوج المحرم ولا يزوج". رواه الدارقطني.

904 -

حديث ابن عباس: "أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نَكَحَ ميمونة وهو مُحرِم".

قال ابن رشد: خرّجه أهل الصحيح.

قلت: نعم، وكذلك خرجه الطيالسي وأحمد والأربعة وابن الجارود والطحاوي والدارقطني وجماعة.

ص: 327

905 -

قوله إلّا أنّه عارضها آثار كثيرة عن ميمونة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوّجها وهو حلال" رويت عنها من طرق شتى عن أبي رافع وعن سليمان بن يسار وهو مولاها وعن يزيد بن الأصم.

قلت: لم يصرّح أحدٌ من هؤلاء بالرواية عنها إلَّا يزيد بن الأصم أخرج حديثه الشافعي وأحمد والدارمي ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن الجارود والطحاوي والدارقطني وأبو نعيم في الحلية

ص: 328

والبيهقي وغيرهم عنه. قال: "حدثتني ميمونة بنت الحارث أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوّجها وهو حلال". قال: "وكانت خالتي وخالة ابن عباس".

أمّا حديث أبي رافع: فأخرجه أحمد والدارمي والترمذي والطحاوي والدارقطني. وأبو نعيم في الحلية والبيهقي كلّهم من طريق

ص: 329

حمّاد بن زيد عن مطر الورّاق عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار عن أبي رافع، قال:"تزوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونه وهو حلال، وبنى بها وهو حلال وكنت أنا الرسول بينهما". وقال الترمذي: هذا حديث حسن ولا نعلم أحدًا أسنده غير حماد بن زيد عن مطر الورّاق عن ربيعة. ورواه مالك عن ربيعة عن سليمان بن يسار مرسلًا.

ص: 330

وكذلك رواه سليمان بن بلال عن ربيعة مرسلًا. وقال ابن عبد البرّ: هذا عندي غلط من مطر لأنّ سليمان بن يسار ولد سنة أربع وثلاثين وقيل سنة سبع وعشرين ومات أبو رافع بالمدينة بعد قتل عثمان بيسير. وكان قتل عثمان في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين فلا يمكن أن يسمع سليمان من أبي رافع ويمكن أن يسمع من ميمونة لأنها مولاته أعتقته وماتت سنة ست وستين. وقال الطحاوي: "مطر ليس ممّن يحتج

ص: 331

بحديثه، وقد رواه مالك وهو أضبط منه وأحفظ فقطعه". وأمّا مرسل سليمان المذكور فرواه مالك والشافعي عنه والطحاوي من طريق مالك أيضًا عن ربيعة عن سليمان بن يسار أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع ورجلًا من الأنصار فزوجاه ميمونة بنت الحارث ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة قبل أن يخرج.

906 -

حديث: "لو اسْتَقْبَلْتُ من أمري ما استَدْبَرْتُ لَمَا سُقْتُ الهَدْيَ ولجعلتها عُمْرَةً".

أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والبيهقي وغيرهم من حديث

ص: 332

جابر بألفاظ ليس هذا منها. وعند مسلم "لو أنّي استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة". -بدون لام- وهو في حديث جابر الطويل في صفة حجّ النبي صلى الله عليه وسلم. وفي الباب عن غيره.

907 -

حديث ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن الحارث بن بلال بن الحارث المزني عن أبيه قال: "قلتُ: يَا رسولَ الله أفَسْخٌ لَنَا خاصة أم لمن بعدَنا؟ قال: لَنا خاصّة".

قال ابن رشد: وهذا لم يصحّ عند أهل الظاهر صحة يعارض بها العمل المتقدم.

قلت: بل هو حديث ساقط بالمرّة باطل لا أصل له عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم. أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه من طريق ربيعة الذي تفرد به عن

ص: 333

الحارث بن بلال المجهول الذي لا يعرف فهو من افترائه أو من غلطه ووهمه؛ فإِنّ الحديث الصحيح المقطوع به قد صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف هذا، وأنّ ذلك إلى الأبد مما هو قاطع بكذب هذا الحديث وبطلانه.

908 -

قوله: "وروي عن عمر أنّه قال: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أنهى

ص: 334

عنهما وأعاقب عليهما؛ متعة النّساء ومتعة الحج".

ص: 335

سعيد بن منصور في سننه: ثنا هشيم أنا خالد الحذاء عن أبي قلابة قال: قال عمر. فذكره.

909 -

قوله: "وذلك أنّه روي عنه عليه الصلاة والسلام أنّه كان مفردًا وروي أنّه تمتّع وروي أنّه كان قارنًا".

قلت: سيذكر المصنف أحاديث في الأقوال الثلاثة.

ص: 336

910 -

حديث عائشة قالت: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع، فمنا من أهلّ بعمرة ومنّا من أهل بحج وعمرة، ومنّا من أهل بالحج وحده. وأهلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج".

قال ابن رشد: خرّجه مالك. قال: ورواه أيضًا عنها من طرق كثيرة.

قلت: أمّا بهذا اللفظ فرواه مالك عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن عن عروة عن عائشة ومن طريقه خرّجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وجماعة. ثم روى مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم أفرد الحج وعن أبي الأسود أيضًا عن عروة عن عائشة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج. وهكذا رواه مختصرًا من طريق القاسم عنها أحمد ومسلم والأربعة وغيرهم.

ص: 337

911 -

قوله: "قال أبو عمر بن عبد البرّ: روي الإِفراد عن النبي صلى الله عليه وسلم عن جابر بن عبد الله من طرق شتى متواترة صحاح".

قلت: المتقدّمون يطلقون على المشهور وما ورد من طريقين فأكثر. فالطرق عن جابر بما يفيد هذا المعنى لم تبلغ حدّ التواتر إنّما هي عن نحو ستة من أصحابه وهم: أبو سفيان وأبو الزبير وعطاء ومجاهد والباقر ومحمد بن المنكدر. ثم هي في الواقع ليست قاطعة في ذلك بل هي محتملة. ومن عبّر بما يفيد القطع فهو تصرّف منه ورواية بالمعنى على حسب ما فهم من قول جابر:

"خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلّين بالحج مفردًا". ففهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حج مفردًا أيضًا. والواقع أن جابرًا لم يقصد النبي صلى الله عليه وسلم وإنما قصد الصحابة وحدهم حتى أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بالتمتع وفسخ الحج إلى العمرة كما صحّ عن جابر وغيره. والدليل على هذا أنّه ورد عن جابر التصريح بأنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان قارنًا وأنّه جمع بين الحج والعمرة وطاف لهما طوافًا واحدًا وسعى لهما سعيًا واحدًا مما هو صريح لا يقبل الاحتمال بخلاف قوله: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلّين بالحج مفردًا" كما قدّمناه. فرواية أبي سفيان خرّجها أحمد والبيهقي من جهة أبي معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: "أهلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته بالحج". زاد البيهقي: "ليس

ص: 338

معه عمرة". ورواية أبي الزبير خرّجها مسلم وأبو داود والطحاوي وغيرهم عنه عن جابر قال: "أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلّين بحج مفرد" الحديث. ورواية عطاء متفق عليها عنه قال: حدثني جابر بن عبد الله أنّه حجّ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ساق البدن معه وقد أهلوا بالحج مفردًا فقال لهم: "أحلّوا من إحرامكم". الحديث. ورواية مجاهد خرّجها مسلم عنه عن جابر قال: "قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقول: لبّيك بالحج فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نجعلها عمرة". ورواية الباقي خرّجها مسلم وابن سعد وابن ماجه والطحاوي والبيهقي وجماعة من رواية

ص: 339

جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر "أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد الحج". هكذا قال ابن سعد وابن ماجه. وقال الطحاوي عن جابر في حديثه الطويل: "فأهلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوحيد، ولم يزد على الناس شيئًا ولسنا نرى إلَّا الحج ولا نعرف العمرة".

وقال مسلم والبيهقي وجماعة: "فأهلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوحيد؛ لبّيك اللهم لبّيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إنّ الحمد والنّعمة لك والملك لا شريك لك. وأهلّ الناس بهذا الذي يهلّون به، فلم يردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم شيئًا وشرع رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته. قال جابر: لسنا ننوي إلَّا الحج، لسنا نعرف العمرة". الحديث بطوله. ورواية محمد بن المنكدر خرّجها ابن ماجه من طريق القاسم بن عبد الله العمري عن محمد بن المنكدر عن جابر "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان أفردوا الحج". والقاسم العمري كذاب وضّاع، فهو من إفكه؛ فإِنّ أحاديث جابر الصحيحة ليس فيها ذكر أبي بكر وعمر. وقد ورد عن جابر بن عبد الله من طرق متعددة من رواية أبي الزبير وعطاء ومجاهد والباقر وغيرهم في السنن وغيرها "أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بحجّه وعمرته طوافًا واحدًا". وفي لفظ الباقر عن جابر عند الدارقطني "أنّ النبي- صلى الله عليه وسلم قرن العمرة والحج فطاف لهما طوافًا واحدًا".

912 -

حديث الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر قال: "تَمَتَّعَ

ص: 340

رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في عامِ حجّة الوداع بالعمرة إلى الحجّ وأهدَى وسَاقَ الهَدْيَ مَعَهُ مِنْ فِي الحُلَيْفَة".

متفق عليه من حديث الليث. وهو حديث طويل رواه البخاري في باب من ساق البدن معه عن يحيى بن بكير عن الليث، ومسلم في باب وجوب الدم على المتمتع عن عبد الملك بن شعيب بن الليث عن أبيه عن جده.

913 -

حديث ابن عباس عن عمر بن الخطاب قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم -يقول وهو بوادي العقيق: "أتَاني الليلَة آتٍ من رَبّي فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك وقل: عمرة في حجّة".

قال المصنف: خرّجه البخاري.

قلت: هو كذلك في كتاب الحج وفي المزارعة وفي الاعتصام. وأخرجه أيضًا

ص: 341

أحمد وأبو داود وابن ماجه والطحاوي والبيهقي، ووقع عنده في رواية زيادة، ولفظه "أتاني جبريل عليه السلام وأنا بالعقيق فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك ركعتين وقل: عمرة في حجة فقد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة".

914 -

حديث مروان بن الحكم قال: "شهدتُ عثمانَ وعليًا، وعثمانُ ينهىَ عن المتعة وأنْ يُجمعَ بينهما، فلما رأى ذلك عليٌّ أهَلَّ بِهِمَا، لبّيكَ بعُمرة وحجّة، وقال: ما كنت لأدع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول أحد". قال ابن رشد: خرّجهُ البخاري.

قلت: هو كذلك. وأخرجه أيضًا الطيالسي وأحمد والنسائي والطحاوي والبيهقي.

ص: 342

915 -

حديث أنس قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لبّيكَ عُمرةً وحجّة".

قال ابن رشد: خرّجه البخاري.

قلت: بل هو متفق عليه. وكذلك خرّجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والطحاوي والبيهقي وجماعة. وله عن أنس طرق بلغت حدّ التواتر لأنّه رواه عن أنس نحو العشرين من أصحابه.

ص: 343

916 -

حديث مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت: خَرَجْنَا مَعَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم عام حجّة الوداع فأهْلَلْنَا بعُمرة ثمّ قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهِلَّ بالحجّ مع العمرةِ ثمّ لا يحلّ حتى يحلّ منهما جميعًا".

متفق عليه من حديث مالك وهو في الموطأ لكنّه لم يسق لفظه من روايته عن ابن شهاب عن عروة، بل من روايته عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة، فذكر الحديث بطوله ثمّ قال: وعن ابن شهاب عن عروة عن عائشة بمثل ذلك. والشيخان وغيرهما ساقوه بتمامه من طريق ابن شهاب عن عروة.

917 -

حديث مالك عن نافع عن ابن عمر عن حفصة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: "إنّي

ص: 344

قَلّدتُ هَدْيي ولَبَّدْتُ رَأْسِي فلا أحلُّ حتى أنْحَرَ هَدْيِي".

البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والبيهقي وجماعة. ولفظ الحديث عن حفصة أنّها قالت: يا رسول الله ما شأن الناس حلّوا بعمرة ولم تحلل أنت من عمرتك؟ قال: "إنّي لبّدت رأسي وقلّدت هديي فلا أحلّ حتى أنحر".

918 -

حديث "لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ ما سقتُ الهَدْيَ ولجعلتُها عُمْرَةً".

ص: 345

تقدم.

919 -

حديث أسماء بنت عُمَيْس أنّها ولدت محمد بن أبي بكر بالبيداء، فذكر ذلك أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"مُرْهَا فَلْتَغْتَسِل ثُمَّ لتُهِلَّ".

مالك والنسائي من طريقه عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن أسماء به، وهو منقطع، لأنّ القاسم لم يلق أسماء. وقد وصله مسلم وأبو داود وابن ماجه والبيهقي من طريق عبيد الله بن عمر عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت: "نفست أسماء بنت عُمَيْس بمحمد بن أبي بكر فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا

ص: 346

بكر. . . ." الحديث. قال البيهقي: "جوّده عبيد الله بن عمر عن عبد الرحمن وهو حافظ ثقة، ورواه مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه مرسلًا دون ذكر عائشة، ورواه يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم بن محمد عن أبيه عن أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه أنه خرج حاجًا فذكره". قلت: رواية يحيى بن سعيد خرّجها النسائي وابن ماجه كلاهما من رواية خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد أنّه سمع القاسم بن محمّد يحدّث عن أبيه عن أبي بكر فذكره. وفيه: "فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمرها أن تغتسل ثم تهلّ بالحج وتصنع ما يصنع النّاس إلا أنّها لا تطوف بالبيت". وهذا أيضًا منقطع، لأنّ محمد بن أبي بكر لم يسمع من أبيه. وقيل أيضًا: إنّ القاسم لم يسمع من محمّد. قال ابن عبد البرّ: ولهذا الاختلاف في سند هذا الحديث أرسله مالك، فكثيرًا ما كان يصنع ذلك. وقال الدارقطني في العلل:

ص: 347

الصحيح قول مالك ومن وافقه.

920 -

قوله: "واتّفق العلماء على أنّ لفظ تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم "لبّيك الّلهم لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنّعمة لك والملك، لا شريك لك" وهي من رواية مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أصحّ سندًا".

قلت: وأخرجه أيضًا الشافعي وأحمد والطيالسي والدارمي والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنّسائي وابن ماجه وابن

ص: 348

الجارود والطحاوي والبيهقي وجماعة، كلّهم من حديث نافع عن ابن عمر قال:"كانت تلبية النبي- صلى الله عليه وسلم". فذكره.

921 -

حديث مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتانِي جبريلُ فَأمَرَنِي أن آمر أصْحَابِي ومَنْ مَعي أن يَرْفَعُوا أصواتَهم بالتَّلْبِيَة أو بالإهْلال".

قلت: اختلف في سند هذا الحديث على أقوال: الأول رواه مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الملك بن أبي بكر بن الحارث بن هشام عن خلاد بن السائب الأنصاري عن أبيه السائب بن خلاد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال

ص: 349

مثله. هكذا هو في الموطأ، وهكذا رواه الشافعي عن مالك، وكذلك أبو داود عن القعنبي والبيهقي من طريق ابن وهب كلاهما عن مالك. وكذلك هو في موطأ محمد بن الحسن عن مالك. وخالفهم خالد بن مخلد فقال: حدثنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن خلاد بن السائب عن أبيه بدون ذكر عبد الملك بن أبي بكر. وتابع مالكًا سفيان بن عيينة فرواه عن عبد الله بن أبي بكر عن عبد الملك عن خلاد بن السائب عن أبيه كما قال مالك، هكذا رواه عن سفيان بن عيينة جمهور أصحابه؛ أحمد بن منيع عند الترمذي وإسحاق بن راهويه عند النسائي وابن أبي شيبة عند ابن ماجه، ومحمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ عند ابن الجارود ومحمد بن عيسى بن حيان عند البيهقي في السنن وأبي القاسم الخرقي في فوائده وإسحاق بن بهلول

ص: 350

والحسن بن محمد بن الصباح كلاهما عند الدارقطني والحميدي عند الحاكم في المستدرك وأحمد بن شيبان الرملي عند البيهقي وقال الترمذي: حديث خلاد عن أبيه حديث حسن صحيح. وروى بعضهم هذا الحديث عن خلاد بن السائب عن زيد بن خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصحّ. والصحيح هو خلاد بن السائب عن أبيه وهو خلاد بن السائب بن خلاد بن سويد الأنصاري. وقال البيهقي: "الصحيح رواية مالك وابن عيينة، كذلك قاله البخاري وغيره". قلت: وخالف هؤلاء عثمان بن محمد فرواه عن سفيان بن عيينة عن عبد الله بن أبي بكر عن خلاد بدون عبد الملك؛ رواه الدارمي عن عثمان. القول الثانى عن عبد الله بن أبي بكر عن خلاد بدون ذكر عبد الملك كما قاله خالد بن مخلد عن مالك وعثمان بن عمر عن ابن عيينة كما سبق. القول الثالث عن عبد الله بن أبي بكر عن عبد الملك عن خلاد بن السائب عن النبي صلى الله عليه وسلم بدون ذكر أبي خلاد. قال ابن جريج: "كتب إلي عبد الله بن أبي بكر"، فذكره. كذلك ذكره البيهقي في السنن ولم يسنده. والذي ذكره البخاري خلافه فإِنّه قال في التاريخ الكبير: قاله مالك وابن جريج وابن عيينة عن عبد الله بن أبي بكر عن عبد الملك بن

ص: 351

أبي بكر بن عبد الرحمن عن خلاد بن السائب بن سويد عن أبيه عن النبي- صلى الله عليه وسلم. القول الرابع عن عبد الله بن أبي بكر عن خلاد بن السائب عن النبي صلى الله عليه وسلم بدون ذكر أبيه السائب وبدون ذكر عبد الملك بن أبي بكر رواه البخاري في التاريخ الكبير عن محمد بن يوسف عن الثوري عن عبد الله بن أبي بكر به، وكذلك قال يحيى ووكيع عن الثوري أيضًا. القول الخامس عن عبد الله بن أبي بكر عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن خلاد بن سويد عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه البخاري في التاريخ عن عيسى بن يونس عن محمد بن عمرو عن عبد الله بن أبي بكر. القول السادس رواه سفيان الثوري عن عبد الله بن أبي لبيد عن المطلب بن عبد الله أيضًا فقال: عن خلاد بن السائب عن أبيه عن زيد بن خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري في التاريخ من طريق قبيصة عن الثوري. القول السابع عن سفيان الثوري عن عبد الله بن أبي لبيد عن المطلب عن خلاد بن السائب عن زيد بن خالد بدون واسطة السائب. رواه أحمد وابن ماجه والحاكم في المستدرك كلّهم من طريق وكيع، والبيهقي من طريق عبد الرزاق كلاهما عن الثوري به. قال البيهقي:"وكذلك رواه شعبة عن عبد الله بن أبي لبيد". قلت: وكذلك رواه موسى بن عقبة عن عبد الله بن أبي لبيد. أخرجه البخاري في التاريخ: ثنا معلى عن وهيب عن موسى بن عقبة عن عبد الله بن أبي لبيد عن المطلب بن عبد الله بن حنطب بن خلاد بن السائب عن زيد بن خالد الجهني عن النبي- صلى الله عليه وسلم قال: "أتاني جبريل فقال: إن الله عز وجل يأمرك أن تأمر أصحابك أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية فإِنّها شعار الحج". القول الثامن عن عبد الله بن أبي لبيد عن المطلب بن عبد الله قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرني جبريل برفع الصوت بالإِهلال فإِنّه من

ص: 352

شعار الحج" رواه أحمد والحاكم والبيهقي. من طريق ابن وهب عن أسامة بن زيد أنَّ محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان وعبد الله بن أبي لبيد أخبراه عن المطلب به. وقال الحاكم: هذه الأسانيد -[يعني حديث خلاد بن السائب عن أبيه وحديث خلاد بن السائب عن زيد بن خالد وحديث المطلب عن أبي هريرة]- كلّها صحيحه وليس يعلّل واحد منها الآخر؛ فإِنّ السلف رضي الله عنهم كان يجتمع عندهم الأسانيد لمتن واحد كما يجتمع عندنا الآن. القول التاسع لموسى بن عقبة أيضًا. قال الدولابي في الكنى: حدثنا أحمد بن يحيى الصوفي أبو غسّان ثنا زهير ثنا موسى بن عقبة عن أبي المغيرة الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أتاني جبريل فقال لي: ارفع صوتك بالإِهلال فإِنّه شعار الحج". وقد ظنّ بعض المتأخرين أنّ أبا المغيرة الجهني هذا صحابي وليس كذلك، بل هو عبد الله بن أبي لبيد فإِنّ كنيته أبو المغيرة إلَّا أنَّ موسى بن عقبة أرسله ولم يسنده كما فعل سابقًا في رواية وهيب عنه. وفي الباب عن ابن عباس؛ قال أحمد: حدثنا عبد الصمد ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار ثنا أبو حازم عن جعفر عن ابن عباس أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتاني جبريل فأمرني أن أعلن بالتلبية". وجعفر المذكور هو ابن عياش من التابعين لم يجرحه أحد؛ فالسند صحيح.

922 -

قوله: وقال أبو حازم: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبلغون الروحاء حتّى تُبَحَّ حلوقُهم".

ص: 353

سعيد بن منصور في سننه، ثنا هشيم أنا الفضل بن عطية ثنا أبو حازم به. وروى ابن أبي شيبة من حديث المطلب بن عبد الله بن حنطب قال:"كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أصواتهم بالتلبية حتّى تبحّ أصواتهم".

923 -

حديث: "خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُم".

أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأبو نعيم في الحلية والبيهقي من حديث جابر بن عبد الله قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر ويقول: "لتأخذوا مناسككم؛ فإِنيّ لا أدري لعلّي لا أحجّ بعد حجّتي هذه". ولفظ النسائي: "يا أيها النّاس خذوا مناسككم فإِنّي لا أدري لعلّي لا أحجّ بعد عامي هذا". ولفظ ابن ماجه: "لتأخذ أمتي نسكها فإِنّي لا أدري. . . ." الحديث. وقال أبو

ص: 354

نعيم: "خذوا مناسككم لعلّي لا أحجّ بعد عامي هذا". وفي الباب عن عبد الله بن عمرو بن العاص، رواه الدارقطني في الافراد من طريق ابن أبي فديك عن سليمان بن داود بن قيس عن أبيه عن موسى بن عقبة عن الزهري عن عيسى بن طلحة عن عبد الله بن عمرو أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب القوم يوم النّحر فقال:"لتأخذ أمّتي مناسكها فإِني لا أدري لعلّي غير حاجّ بعد عامي".

تنبيه: قال الحافظ في التلخيص: وروى الشيخان من حديث جابر "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النّحر وهو يقول: "خذوا عني مناسككم" الحديث. وهذا وهم من الحافظ من وجهين: أحدهما أنّ الحديث لم يخرجه البخاري بل هو من إفراد مسلم. وثانيهما أن لفظه "لتأخذوا" باللام في أوّله وبدون عنّي كما هو المتداول بين الفقهاء. وإنّما رواه النسائي بلفظ "يا أيها النّاس خذوا مناسككم" بدون عنّي أيضًا.

924 -

حديث جابر قال: "أَهَلَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ التّلبِيَةَ التي فِي حديثِ ابن عمر وقال في حديثه: والناس يزيدون على ذلك "لَبَّيْكَ ذا المَعَارِجِ" ونحوه من الكلام. والنبي صلى الله عليه وسلم يسمعُ ولا يقولُ شيئًا".

أبو داود والبيهقي كلاهما من طريق يحيى بن سعيد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر. فأمّا أبو داود فباللفظ الذي ذكره المصنف، وأمّا البيهقي فقال: عن جابر

ص: 355

في حجة النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرجنا معه حتى استوت راحلته على البيداء وأهلّ بالتوحيد: لبّيكَ اللهم لبّيك. لبيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنعمة لك والملك. لا شريك لك. قال: والناس يزيدون "ذا المعارج" ونحوه من الكلام، والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع فلم يقل شيئًا". ثم رواه من طريق قتيبة بن سعيد عن محمد بن جعفر بالحديث. وفيه: "ولبّى النّاس لبيك ذا المعارج ولبيك ذا الفواضل، فلم يعب على أحد منهم شيئًا".

925 -

حديث مالك عن هشام بن عروة عن أبيه مرسلًا: "أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كانَ يُصلي فِي مسجدِ ذي الحُلَيْفَةِ ركعتينِ فإِذا استوتْ به راحِلَتُهُ أهَلَّ".

قلت: هو كذلك في الموطأ ولم يسنده أحد فيما رأينا من طريق مالك ولا من طريق عروة، وورد موصولًا من وجوه أخرى من حديث جابر وابن عمر وابن عباس وغيرهم في الصحيحين والسنن وغيرها وسيأتي بعضها.

ص: 356

926 -

قوله: (واختلفت الآثار في الموضع الذي أحرم منه رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجته من أقطار ذي الحليفة؛ فقال قومٌ من مسجد ذي الحليفة بعد أن صلّى فيه).

سبق في الذي قبله من مرسل عروة بن الزبير. وفي الموطأ والصحيحين والمسند وغيرها من حديث سالم بن عبد الله أنه سمع أباه يقول: "بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها. ما أهلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلَّا من عند المسجد" يعني مسجد ذي الحليفة -وفي الباب عن غيره وسيأتي.

927 -

قوله: (وقال آخرون: إنّما أحرم حين أطلّ على البيداء).

ورد ذلك من حديث سعد وأنس وجابر بن عبد الله.

فحديث سعد: رواه أبو داود والحاكم والبيهقي كلهم من حديث محمد

ص: 357

ابن إسحاق عن أبي الزناد عن عائشة بنت سعد بن أبي وقّاص قالت: قال سعد رضي الله عنه: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إِذا أخذ طريق الفُرع أهلّ إذا استقلت به راحلته، وإِذا أخذ طريق أُحُد". كذا قال أبو داود. وقال البيهقي: "وإذا أخذ طريق الأخرى أهلّ إذا علا على شرف البيداء". وقال أبو داود: "أهلّ إذا أشرف على جبل البيداء". واختصره الحاكم فاقتصر على قوله: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ طريق الفرع أهلّ إذا استقلت به راحلته". وقال: صحيح على شرط مسلم.

وحديث أنس: رواه أحمد وأبو داود والنسائي كلّهم من رواية الحسن عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى الظهر ثمّ ركب راحلته، فلمّا علا على جبل البيداء أهلّ".

وحديث جابر: رواه أحمد والترمذي والنسائي والبيهقي وأصله في صحيح مسلم من رواية جعفر بن محمد عن أبيه عنه قال: "لمّا أراد النبي صلى الله عليه وسلم الحجّ أذّن في النّاس فاجتمعوا، فلمّا أتى البيداء أحرم". لفظ الترمذي. وقال: حسن صحيح.

ص: 358

928 -

(وقال قوم إنّما أهلّ حين استوت به راحلته).

قلت: قاله ابن عمر وجابر وأنس وابن عبّاس وغيرهم.

فحديث ابن عمر: في الصحيحين وغيرهما عنه بألفاظ منها: قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يركب راحلته بذي الحليفة ثمّ يهلّ حين تستوي به قائمة".

وحديث جابر: رواه البخاري من طريق عطاء عنه "أنّ إهلال النبي صلى الله عليه وسلم من ذي الحليفة حين استوت به راحلته".

وحديث أنس: متفق عليه من رواية ابن المنكدر عنه قال: "صلّى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعًا وبذي الحليفة ركعتين، ثمّ بات حتى أصبح بذي الحليفة، فلمّا ركب راحلته واستوت به أهلّ". وكذلك خرّجه أبو داود والترمذي والبيهقي.

وحديث ابن عباس: رواه البخاري من جهة موسى بن عقبة عن كُرَيْب عن ابن

ص: 359

عباس في حديث طويل قال فيه: "انطلق النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة بعدما ترجّل وادّهن ولبس إزاره ورداءه هو وأصحابه، فلم ينه عن شيء من الأردية والأزر تلبس إلّا المزعفرة التي تَرْدَعُ على الجلد، فأصبح بذي الحليفة، ركب راحلته حتى استوى على البيداء أهلّ هو وأصحابه". الحديث. ورواه مسلم والبيهقي من جهة أبي حسان الأعرج عن ابن عباس "أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أحرم بذي الحليفة إذا استوت به راحلته البيداء أحرم عند الظهر وأهلّ بحج".

939 -

قوله: (وسئل ابن عباس عن اختلافهم في ذلك فقال: كلٌ حدّث لا عن أوّل إهلاله صلى الله عليه وسلم بل عن أوّل إهلال سمعه). الحديث.

أحمد وأبو داود والحاكم والبيهقي كلّهم من طريق خصيف بن

ص: 360

عبد الرحمن الجزري عن سعيد بن جبير قال: "قلت لعبد الله بن عباس عجبت لاختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أوجب. فقال: إني لأعلم النّاس بذلك؛ إنّها إنّما كانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حجّةٌ واحدة فمن هناك اختلفوا. خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجًّا، فلمّا صلّى في مسجد ذي الحليفة ركعتيه أوجبه في مجلسه فأهلّ بالحج حين فرغ من ركعتيه، فسمع ذلك منه أقوام فحفظه عنه ثم ركب، فلَمّا استقلت به ناقته أهلّ، وأدرك ذلك منه أقوام، وذلك أنّ النّاس كانوا يأتون ارسالًا فسمعوه حين استقلّت به ناقته يهلّ فقالوا: إنّما أهلّ حين استقلّت به ناقته، ثمّ مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمّا علا على شرف البيداء أهلّ، وأدرك ذلك منه أقوام فقالوا: إنّما أهلّ حين علا على شرف البيداء، وأيم الله لقد أوجب في مصلّاه وأهلّ حين استقلت به ناقته، وأهل حين علا على شرف البيداء. قال سعيد بن جبير: فمن أخذ يقول ابن عباس أهلّ في مصلّاه إذا فرغ من ركعتيه". قال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم". وأقره الذهبي. أمّا البيهقي فقال: "خصيف الجزري غير قوي، وقد رواه الواقدي بإِسناد له عن ابن عباس إلّا أنّه لا تنفع متابعة الواقدي". وتعقّبه النووي في المجموع فقال: قد خالف البيهقي في خصيف كثيرون من الحفاظ والأئمّة المتقدمين في هذا الشأن؛ فوثقه يحيى بن معين إمام الجرح والتعديل وأبو حاتم وأبو زُرعة ومحمد بن سعد، وقال النسائي: صالح.

930 -

حديث مالك عن ابن جريج أنّه قال لعبد الله بن عمر: "رأيتُكَ تفعلُ أربعًا لم

ص: 361

أرَ أحدًا يفعلُها. فذكر منها: ورأيْتُكَ إذا كنتَ بمكّة أهلَّ النّاسُ إذا رَأوا الهلالَ ولم تهلَّ أنت إلّا يومَ التروية، فأجابه ابن عمر: أمّا الإِهلالُ فإِني لم أرَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يهلُّ حتى تَنْبَعِثَ به راحلتُه".

قلت: هو متفق عليه. بل أخرجه الجماعة كلّهم من حديث مالك عن سعيد

ص: 362

بن أبي سعيد المقبري عن عبيد بن جريج "أنّه قال لعبد الله بن عمر: يا أبا عبد الرحمن رأيتك تصنع أربعًا لم أر أحدًا من أصحابك يصنعها، قال: ما هنّ يا ابن جريج؟ قال: رأيتك لا تمسّ من الأركان إلَّا اليمانين، ورأيتك تلبس النّعال السبتية، ورأيتك تصبغ بالصفرة، ورأيتك إذا كنت بمكة أهلّ النّاس إذا رأوا الهلال ولم تهلّ أنت حتّى يكون يوم التروية، فقال عبد الله: أمّا الأركان فإنّي لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسّ إلَّا اليمانين، وأمّا النعال السبتية فإِني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعال التي ليس فيها شعر، ويتوضأ فيها؛ فانا أحب أن ألبسها، وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها؛ فأنا أحب أن أصبغ بها، وأمّا الإِهلال فإِنّي لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته".

931 -

حديث: "أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ما زال يلبّي حتى رَمَى جمرة العَقَبة".

متفق عليه من حديث عطاء قال: "أخبرني ابن عباس أنّ الفضل أخبره أنّ

ص: 363

النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتّى رمى جمرة العقبة"، لفظ مسلم، وعند البخاري من حديث عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس "أنّ أسامة بن زيد كان ردف النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة إلى المزدلفة، ثُمّ أردف الفضل من المزدلفة إلى منى. قال: فكلاهما قال: لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يلبي حتى رمى جمرة العقبة".

932 -

حديث ابن عباس: "أنَّ الفَضْل بن عباس كانَ رديفَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأنّه لَبّى حتى رَمَى جمرةَ العقبة، وقطع التّلبية فِي آخِر حَصَاة".

ص: 364

ابن خزيمة في صحيحه من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن ابن عباس عن الفضل قال: "أفضت مع النبي صلى الله عليه وسلم من عرفات فلم يزل يلبي حتّى رمى جمرة العقبة يكبّر مع كلّ حصاة، ثمّ قطع التلبية مع آخر حصاة". قال ابن خزيمة: هذا حديث صحيح مفسّر لما أبهم في الروايات الأخرى، وإن المراد بقوله حتى رمى جمرة العقبة أي أتمّ رميها.

ص: 365

933 -

قوله في صفة الطواف: "لثبوت هذه الصفة من فعله صلى الله عليه وسلم".

سيأتي ذلك في أحاديث.

934 -

حديث أبي الطفيل قال: "قلتُ لابن عباس: زَعَمَ قومُكَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حينَ طافَ بالبيتِ رَمَلَ، وأنّ ذلك سُنَّة. فقال: صَدَقُوا وكَذَبُوا". الحديث.

قال ابن رشد بعد هذا: "وقد اختلف على أبي الطفيل عن ابن عباس فروي عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود وذلك بخلاف الرواية الأولى".

قلت: الحديث رواه أبو داود الطيالسي وأحمد، ومسلم وأبو داود

ص: 366

وابن ماجه والطحاوي والبيهقي من طرق عن أبي الطفيل؛ فرواه أحمد، والطحاوي في معاني الآثار من رواية فطر بن خليفة عن أبي الطفيل قال:"قلت لابن عباس: زعم قومك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل بالبيت وأنّها سنّة. قال: صدقوا وكذبوا. قد رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت وليست بسنّة، ولكن قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة والمشركون على قُعَيْقِعَان وبلغه أنّهم يقولون: إنّ به وبأصحابه هزالًا. فقال لأصحابه: ارملوا، أروهم أن بكم قوّة. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمل من الحجر الأسود إلى الركن اليماني فإِذا توارى عنهم مشى". هكذا قال الطحاوي: عن ابن مرزوق عن حجاج بن نضير عن فطر وأمّا أحمد فرواه عن يحيى عن فطر إلى قوله: "فأمرهم أن يرملوا ليريهم أنّ بهم قوة". ولم يزد أنّه صلى الله عليه وسلم كان يرمل من الحجر الأسود إلى الركن اليماني. ووافق فطر بن خليفة على ذكر المشي بين الحجر والركن عبد الله بن عثمان بن خثيم فذكر ذلك أيضًا عن أبي الطفيل. أخرجه أحمد وابن ماجه. ورواه الطحاوي من طريقه فلم يذكره، بل وقع عنده مختصرًا عن أبي الطفيل عن ابن عباس "أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر من الجِعِرّانة فرمل بالبيت ثلاثًا ومشى أربعة أشوط". قال الطحاوي: ففي هذا الحديث أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل الأشواط كلّها. كذا قال اعتمادًا على هذه الرواية التي وقعت إليه مختصرة، والواقع في رواية ابن خثيم بخلاف ذلك؛ فقد رواه أحمد من طريق

ص: 367

إسماعيل بن زكريا عن عبد الله بن عثمان به مطولًا، وفيه "فاستلم -يعني النبي صلى الله عليه وسلم ثم رمل حتى إِذا تضيف بالركن اليماني مشى إلى الركن الأسود". ورواه ابن ماجه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن ابن خيثم به بسياق آخر. وفيه "فلمّا دخلوا المسجد استلموا الركن ورملوا والنبي صلى الله عليه وسلم معهم، حتّى إذا بلغوا الركن اليماني مشوا إلى الركن الأسود، ثمّ رملوا حتّى بلغوا الركن اليماني، ثمّ مشوا إلى الركن الأسود ففعل ذلك ثلاث مرات ثمّ مشى الأربع. وخالفهما -أعني فطر بن خليفة وعبد الله بن عثمان- عبيد الله بن أبي زياد فقال: عن أبي الطفيل: "رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجر إلى الحجر". أخرجه الطحاوي لكنّه لم يقل عن ابن عباس بل جعله من مسند أبي الطفيل نفسه. رواه جماعة عن أبي الطفيل عن ابن عباس فأطلقوا .. فرواه مسلم والبيهقي من رواية معبد الجُرَيْرِيّ عن أبي الطفيل قال: "قلت لابن عباس: أرأيت هذا الرمل بالبيت ثلاثة أطواف ومشي أربعة أطواف السّنّة هو؟. فإِنّ قومك يزعمون أنّه سنة، فقال: صدقوا وكذبوا. قلت: ما قولك صدقوا وكذبوا؟ قال: إِنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم مكة فقال المشركون: إنّ محمدًا وأصحابه لا يستطيعون أن يطوفوا بالبيت من الهزال، وكانوا يحسدونه، قال: فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرملوا ثلاثًا ويمشوا

ص: 368

أربعًا". الحديث. وهكذا رواه أبو عاصم الغنوي عن أبي الطفيل. أخرجه الطيالسي وأحمد وأبو داود والطحاوي، وكذلك ابن أبي حسين أخرجه مسلم إلَّا أنّه لم يسق متنه بل أحاله على رواية الجريري. وليس بين رواية مَن أطلق الرمل ومن فصل اختلاف؛ لحمل الرواية المطلقة على المفصّلة؛ لأنّ فيها زيادة غير منافية، فهي روايات متّفقة، وإنما المخالفة رواية عبيد الله بن أبي زياد التي قال فيها: "من الحجر إلى الحجر"، وهي رواية منكرة؛ لشذوذها وضعف راويها عبيد الله المذكور مع مخالفته للثقات.

935 -

حديث جابر: "أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم رَمَلَ الثلاثة الأشْواط فِي حجّة الوداع ومَشَى أرْبَعًا".

قال ابن رشد: وهو حديثٌ ثابتٌ من رواية مالك وغيره.

قلت: هو في حديث جابر الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم. رواه أحمد

ص: 369

ومسلم وأهل السنن والصحاح وغيرهم، إلّا أن بعضهم يذكره مطوّلًا بتمامه وبعضهم يختصره فيذكر منه موضع الحاجة ومنهم مالك فذكر في موطنه هذه القطعة منه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر.

936 -

حديث: "خُذُوا عنّي مَنَاسِكَكُم".

ص: 370

تقدم.

937 -

قوله: "وذلك أنه كان عليه الصلاة والسلام حين رمل واردًا على مكة".

تقدم في حديث ابن عباس وجابر. ففي الأول أنّ ذلك كان في عمرة القضاء، في الثاني أنّه كان في حجة الوداع.

938 -

حديث ابن عمر: "أَنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يستلم إلّا الركنين فقط".

تقدم قريبًا في حديث مالك عن ابن جريج.

ص: 371

939 -

حديث جابر قال: "كُنَّا نرى إذا طفنا أن نَسْتَلِمَ الأركانَ كُلَّها".

الطحاوي في معاني الآثار، من رواية أبي الزبير عنه.

940 -

حديث عمر بن الخطاب وقوله حين بلغ الحجر الأسود: "إنَّما أنت حجر، ولولا أنَّي رأيتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قبّلكَ ما قبّلتُك".

قال ابن رشد: رواه مالك.

قلت: مالك رواه عن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر. وهذا مرسل. وقد رواه

ص: 372

البخاري ومسلم والأربعة وغيرهم من طرق شتى موصولة عن عمر أنّه قال: "إنّي لأعلم أنك حجر لا تضرّ ولا تنفع، ولولا أنّي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبّلك ما قبّلتك".

941 -

قوله: (وحجة الجمهور أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت سبعًا وصلّى خلف المقام ركعتين).

فيه أحاديث متعدّدة. ففي الصحيحين من حديث ابن عمر "أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف بالحج والعمرة أول ما يقدم فإِنّه يسعى ثلاثة أطواف ويمشي أربعًا، ثمّ يصلّي سجدتين". وفي مسند أحمد وسنن أبي داود من حديث ابن عباس "أنّ

ص: 373

النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة وهو يشتكي فطاف على راحلته، كلّما أتى على الركن استلم الركن بمحجن، فلمّا فرغ من طوافه أناخ فصلّى ركعتين". وفي صحيح البخاري قال إسماعيل بن أمية: قلت للزهري: إنّ عطاء يقول تجزئه المكتوبة من ركعتي الطواف. فقال: السّنّة أفضل ولم يطف النبي صلى الله عليه وسلم أسبوعًا قط إلَّا صلّى ركعتين.

942 -

حديث: "خُذوا عنّي مناسِكَكُم".

تقدم.

943 -

قوله: (لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف إلى الركعتين بعد وتر من طوافه).

ص: 374

هذا معلوم من الأحاديث في كونه صلى الله عليه وسلم طاف سبعًا.

944 -

حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لولا حِدثان قومك بالكفر لهدمتُ الكعبةَ ولصيّرتُها على قواعدِ إبراهيم".

قال ابن رشد: رواه مالك.

قلت: نعم، وكذلك أحمد والبخاري ومسلم والنّسائي والطحاوي كلّهم من طريق مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أنّ عبد الله بن محمد بن أبي بكر الصّدّيق أخبر عبد الله بن عمر عن عائشة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ألم تري أنّ قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا على قواعد إبراهيم"؟ قالت: فقلت: يا رسول الله أفلا

ص: 375

تردها على قواعد إبراهيم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت". قال: فقال عبد الله بن عمر: لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلَّا أن البيت لم يتمّم على قواعد إبراهيم.

945 -

حديث ابن عباس: "طافَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من وراء الحِجْر".

الحاكم والبيهقي عنه من رواية طاوس عن ابن عباس قال: "الحجر من البيت لأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت من ورائه. قال الله تبارك وتعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} ". ثمّ قال الحاكم: صحيح الإسناد.

ص: 376

946 -

قوله: (أمّا وقتُ الطلوع والغروب فالآثار متفقة على منع الصلاة فيها).

تقدم ذلك في الصلاة.

947 -

حديث جبير بن مطعم: "أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: يَا بَني عبدِ مَنَاف أو يا بَنِي عبد المُطَّلب إنْ وليتم من هذا الأمر شَيْئًا فَلَا تَمْنَعُوا أحَدًا طافَ بهذا البيت أن يصلّي فيه أيَّ ساعةٍ شَاءَ من لَيْلٍ أوْ نَهار).

قال ابن رشد: رواه الشافعي وغيره عن ابن عيينة بسنده إلى جبير بن مطعم.

قلت: أمّا الشافعي فرواه في مسنده عن سفيان بن عيينة عن أبي الزبير المكي عن عبد الله بن باباه عن جبير بن مطعم به ولم يقل: أو يا بني عبد المطلب، بل لفظه:"يا بني عبد مناف من ولي منكم من أمر النّاس شيئًا فلا يمنعن أحدًا طاف بهذا البيت وصلّى أيّ ساعة شاء من ليل أو نهار". قال الشافعي: وأخبرنا مسلم بن خالد وعبد المجيد عن ابن جريج عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله أو مثل معناه لا يخالفه، وزاد عطاء: يا بني عبد المطلب أو يا بني هاشم أو يا بني عبد مناف. وأمّا غير الشافعي ممّن

ص: 377

رواه عن سفيان بن عيينة فجماعة منهم أحمد بن حنبل والحميدي وأحمد بن عمرو بن السّرح والفضل بن يعقوب وأبو عمّار المروزي وعلي بن خشرم وعبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن المسور ويحيى بن حكيم ويونس بن عبد الأعلى والحسن بن عرفة ومحمد بن عباد. فرواية أحمد عنده في مسنده، ورواية الحميدي عند الحاكم في المستدرك، ورواية أبي السّرح والفضل بن يعقوب عند أبي داود، ورواية أبي عمار وعلي بن خشرم عند الترمذي، ورواية عبد الله بن محمد عند النسائي، ورواية يحيى بن حكيم عند ابن ماجه، ورواية يونس بن عبد الأعلى عند الطحاوي في معاني الآثار، ورواية الحسن بن عرفة عند الدارقطني، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، وقال الترمذي: حسن صحيح، قال: وقد

ص: 378

رواه عبد الله بن أبي نجيح عن عبد الله بن باباه أيضًا. قلت: رواية عبد الله بن أبي نجيح خرّجها أحمد والبيهقي كلاهما من رواية بن إسحاق عن عبد الله بن أبي نجيح به. ثمّ إنّ مرسل عطاء الذي سبق عن الشافعي وصله الطحاوي من طريق إبراهيم بن يزيد بن مردانبه عن عطاء عن ابن عباس أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا بني عبد مناف إن ولّيتم هذا الأمر فلا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت وصلّى أيّ ساعة، شاء من ليلٍ أو نهار".

948 -

حديث أنّه صلى الله عليه وسلم قال لأسماء بنت عُمَيْس: "اصنَعي ما يَصْنَعُ الحاجّ غير أن لا تَطُوفي بالبيت".

تقدم من حديث أسماء بنت عُمَيْس في قصة نفاسها بمحمد بن أبي بكر وهي

ص: 379

بالبيداء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

949 -

حديث: "الطّوافُ بالبيت صلاةٌ إلّا أنّ الله أحلّ فيه النّطق".

الدارمي والترمذي وابن الجارود والحاكم وأبو نعيم في الحلية والبيهقي وجماعة من حديث عطاء بن السائب عن طاوس عن ابن عباس مرفوعًا "الطواف بالبيت صلاة إلّا أنّ الله أحلّ فيه المنطق فمن نطق فلا ينطق إلَّا بخير" لفظ الدارمي، ولفظ الحاكم في التفسير مثله إلّا أنّه قال:"النطق" بدون ميم كما ذكره المصنف. وأخرجه الحاكم في التفسير أيضًا من وجه آخر من رواية سعيد بن جبير

ص: 380

عن ابن عباس به وقال: صحيح على شرط مسلم وأقرّه الحفّاظ على ذلك من كلا الوجهين. وكذلك صحّحه من الطريق الأولى ابن خزيمة وابن حبان وغيرهم.

ص: 381

وأمّا من أعلّه بالاختلاف في رفعه ووقفه أو رجّح الموقوف على المرفوع فلم يصب في ذلك رغمًا عن كونه لم يقف على طريق سعيد بن جبير السالمة من الاختلاف. ورواه النسائي والمفضل الجندي في فضل مكة والبيهقي من طريق الحسن بن مسلم عن طاوس عن رجل أدرك النبي صلى الله عليه وسلم: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال. وذكره هكذا وقع عند البيهقي من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن الحسن بن مسلم مرفوعًا. ووقع عند النسائي

ص: 382

من طريق حجاج وابن وهب، وعند المفضل من طريق موسى بن طارق كلّهم عن ابن جريج به موقوفًا على رجل أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقع عندهم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال. لكن عزاه الحافظ إلى أحمد والنسائي من هذا الوجه مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثمّ قال:"وهي رواية صحيحة تعضد رواية عطاء بن السائب وترجّح الرواية المرفوعة". قال: "والظاهر أنّ المبهم فيها هو ابن عباس". قلت: وقد راجعت مسند أحمد فإِذا هو قال: حدثنا روح وعبد الرزاق قالا أنا ابن جريج أخبرني الحسن بن مسلم عن طاوس عن رجل أدرك النبي صلى الله عليه وسلم أنّ النبي- صلى الله عليه وسلم قال: "إنّما الطواف صلاة فإذا طفتم فأقلوا الكلام". قال عبد الله بن أحمد: قال أبي: ولم يرفعه محمد بن بكر. فكأن الحافظ حمل رواية النسائي على رواية أحمد وظنّ أنّه وقع عندهما مرفوعًا، ولم يقع كذلك عند النسائي. وآفة العزو التقليد.

ص: 383

950 -

حديث: "أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كانَ يَسْعَى ويقول: "اسْعَوا فإِنَّ الله كَتَبَ عليكُمْ السّعي". قال ابن رشد: روى هذا الحديث الشافعي عن عبد الله بن المؤمل قال: فضعفوا حديث ابن المؤمل.

قلت: قال الشافعي: أخبرنا عبد الله بن مؤمل العايدي عن عمر بن عبد الرحمن ابن محيص عن عطاء ابن أبي رباح عن صفية بنت شيبة قالت: أخبرتني بنت أبي تجراة إحدى نساء بني عبد الدار قالت: دخلت مع نسوة من قريش دار آل أبي

ص: 384

حسين ننظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسعى بين الصفا والمروة فرأيته يسعى وإِن مئزره ليدور من شدّة السعي حتّى إنّي لأقول: إنّي لأرى ركبتيه، وسمعته يقول:"اسعوا فإِن الله كتب عليكم السعي": ومن طريق الشافعي رواه الدارقطني والبيهقي ورواه أحمد والحاكم كلاهما من طريق يونس بن محمد عن عبد الله بن المؤمل به وسمّيا صحابية الحديث حبيبة بنت أبي تجراة. وكذلك رواه عن عبد الله بن المؤمل جماعة، وعبد الله المذكور مختلف فيه، والأكثرون ضعفوه لسوء حفظه فقط. وقد ورد الحديث من غير طريقه؛ فرواه الحاكم من طريق محمد بن عمر بن علي المقدمي عن الخليل بن عمر قال: سمعت ابن أبي نبيه يحدث عن جدته صفية بنت شيبة عن حبيبة بنت تجراة قالت: كانت لنا صفة في الجاهلية. قالت: فاطلعت من كوة بين الصفا والمروة فأشرفت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا هو يسعى ويقول لأصحابه: "اسعوا فإنّ الله كتب عليكم السعي". الحديث مثله. سكت عليه الحاكم وزعم الذهبي أنّه لم يصحّ. وليس كما قال، بل هو صحيح لوروده من أوجه أخرى منها طريق ابن المبارك عن معروف بن مشكان عن منصور بن عبد الرحمن عن أمّه صفيّة بنت شيبة قالت: أخبرتني نسوة من بني عبد الدار اللائي أدركن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلن "دخلنا على دار ابن أبي حسين فاطلعنا من باب مقطع فرأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتدّ في المسعى حتى إذا بلغ رقاق

ص: 385

بني فلان، موضعًا قد سمّاه من المسعى استقبل الناس وقال:"يا أيها الناس اسعوا فإِنّ المسعى قد كتب عليه". رواه الدارقطني وسنده صحيح. ولا يضّر قولها "نسوة من بني عبد الدار" بدل قولها في الطريق الأول "حبيبة بنت أبي تجراة" فإِنّها من بني عبد الدار. ثمّ قد تكون حدثتها هي وغيرها فاقتصرت في الطريق الأول عليها وحدها وفي هذا ذكرت الجميع ومنها طرق أخرى وهم فيها بعض رواتها؛ فمنهم من قال: عن عطاء عن ابن عباس على الجادة، ومنهم من جعله من مسند صفية بنت شيبة لم يذكر بعدها حبيبة، ومنهم من قال: عن صفية عن تملك العبدرية وكل ذلك من سوء حفظ الرواة إلَّا أنّها تدلّ على ثبوت أصل الحديث، والطريق إلى الصواب من ذلك هي طريق عبد الله بن المؤمل كما قال الدارقطني.

951 -

قوله: (تَوَاتَرَت بذلك الأثار. أعني وصل السعي بالطواف).

ص: 386

قلت: ذلك مذكور في جميع أحاديث من وصف أفعال النبي صلى الله عليه وسلم في الحج كجابر بن عبد الله وغيره، وتواتر ذلك من طريق التوارث والنقل الفعلي.

952 -

حديث: "نَبْدَأُ بِمَا بَدَأ اللُّه به".

مسلم وغيره من حديث جابر بن عبد الله في حديثه الطويل في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدم عزوه. وهو عند مالك في الموطأ مختصرًا كما هنا.

953 -

حديث جابر: "أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كانَ إذا وَقَفَ على الصَّفا يُكبِّر ثلاثًا ويقول:

ص: 387

"لا إلهَ إِلَّا الله وَحْدهُ لا شَرِيكَ لَه، لَهُ المُلْك وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير". يَصْنَعُ ذلك ثَلاثَ مرات ويدعو ويَصْنَعُ على المروة مثل ذلك".

هذا في حديث جابر الطويل في الحج. وقد تقدم عزوه. واللفظ المذكور هنا لمالك في الموطأ، وقد ذكره مختصرًا كما هنا، ومن طريقه رواه النسائي كذلك.

954 -

حديث عائشة: "افْعَلِي كلَّ ما يفعل الحاجّ غير أن لا تَطُوفِي بالبيت ولا تَسْعَيْ بينَ الصَّفَا والمَرْوَة".

قال ابن رشد: تفرد بهذه الزيادة يحيى عن مالك دون من روى عنه هذا الحديث.

قلت: نقل الحافظ في الفتح عن ابن عبد البَرّ أنّ هذه الزيادة لم يقلها عن

ص: 388

مالك إلّا يحيى بن يحيى التميمي النيسابوري. وهذا النقل غريب عن ابن عبد البرّ وأخشى أن يكون وهمًا من الحافظ فإِنّ هذه الزيادة رواها يحيى بن يحيى الليثي القرطبي وهي موجودة في الموطأ المتداولة بين الناس اليوم من روايته ولفظه عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها قالت: "قدمت مكة وأنا حائض فلم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت ولا بين الصفا والمروة حتى تطهري". وقد رواه أصحاب مالك عنه بدون قوله "ولا بين الصفا والمروة" كما قال ابن عبد البرّ. وكذلك رواه محمد بن الحسن عن مالك بدونها كما في موطئه، وعبد الله بن يوسف كما في صحيح البخاري وسنن البيهقي وخالد بن مخلد كما في مسند الدارمي وكذلك

ص: 389

رواه سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم بدونها أيضًا كما في صحيح البخاري ومسلم وسنن النسائي وابن ماجه ومنتقى ابن الجارود وكذلك عبد العزيز بن أبي سلمة كما عند أحمد والبخاري ومسلم وحماد بن سلمة

ص: 390

كما عند الطيالسي ومسلم. وكذلك ورد عن عائشة من وجوه أخرى من رواية ابن أبي مليكة عنها كما عند الطيالسي ومن رواية الأسود عنها كما عند الترمذي.

955 -

حديث: "الحَجُّ عَرَفَة".

أبو داود الطيالسي وأحمد والدارمي وأبو داود والترمذي

ص: 391

والنسائي وابن ماجه وابن الجارود والدارقطني والحاكم والبيهقي وجماعة من حديث عبد الرحمن بن يعمر الديلي قال: "شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهو واقف بعرفة وأتاه ناسٌ من أهل نجد فقالوا: يا رسول الله كيف الحج؟ قال: "الحج عرفة. فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تمّ حجّه أيام منى ثلاثة فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخّر فلا إثم عليه ثمّ أردف رجلًا خلفه فجعل ينادي بهنّ".

956 -

قوله: (وأمّا صفته فهو أن يصل الإِمام إلى عرفة يوم عرفة قبل الزوال فإِذا زالت الشمس خطب الناس، ثمّ جمع بين الظهر والعصر في أوّل وقت الظهر، ثمّ وقف حتّى تغيب الشمس. وإِنّما اتّفقوا على هذا؛ لأنّ هذه الصفة مجمع عليها من فعله صلى الله عليه وسلم).

ص: 392

قلت: هذا مذكور في حديث جابر الطويل في صفة حجّ النبي صلى الله عليه وسلم المخرّج في صحيح مسلم وغيره كما سبق عزوه، ففيه قول جابر:"ما جاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشّمس أمر بالقصواء فرحلت له، فأتى بطن الوادي فخطب الناس"، فذكر الخطبة، وقال: "ثمّ أذّن، ثمّ أقام فصلّى الظّهر، ثمّ أقام فصلّى العصر. ولم يصلّ بينهما شيئًا، ثمّ ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء الى الصخرات، وجعل حبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة فلم يزل رافعًا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلًا

ص: 393

حتّى غاب القرص". الحديث.

957 -

حديث جابر: "أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا زاغَتِ الشَّمْسُ أمَرَ بالقَصْوَاءِ فَرحَلَتْ له وأتَى بَطْنَ الوادِي". الحديث.

تقدّم في الذي قبله.

958 -

حديث جابر الطويل في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: "أنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ والعَصْرَ بأذانٍ واحدٍ وإقامتين".

هو المذكور قبله أيضًا. فقد سبق فيه قوله بعد الخطبة ثمّ أذّن ثمّ أقام فصلّى الظهر ثمّ أقام فصلّى العصر وذكر الحديث إلى أن قال: "حتى أتى المزدلفة فصلّى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين" ولم يسبح بينهما شيئًا. وفي الباب عن ابن عمر عند البخاري والنسائي وعن أسامة في الصحيحين وعن

ص: 394

جماعة آخرين.

959 -

قوله: (وقول مالك مروي عن ابن مسعود).

يعني موقوفًا عليه غير مرفوع. أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري

ص: 395

والطحاوي والبيهقي من رواية عبد الرحمن بن يزيد قال: "خرجت مع عبد الله بن مسعود إلى مكة فلمّا أتى جَمْعًا صلى الصلاتين كلّ واحدة منهما بأذان وإِقامة ولم يصلّ بينهما". لفظ الطحاوي مختصرًا، وهو في الصحيح مطول.

960 -

قوله: (لم يختلف العلماء أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما صلّى الظهر والعصر بعرفة

ص: 396

ارتفع فوقف بجبالها داعيًا إلى الله تعالى).

تقدم هذا في حديث جابر قريبًا. وعند أحمد وأبي داود من حديث ابن عمر قال: "غدا رسول الله صلى الله عليه وسلم من منى حين صلّى الصبح في صبيحة يوم عرفة حتى أتى عرفة فنزل بنمرة وهي منزل الإِمام الذي نزل به بعرفة حتّى إذا كان عند صلاة الظهر راح رسول الله صلى الله عليه وسلم مهجرًا فجمع بين الظهر والعصر ثمّ خطب الناس ثم راح فوقف على الموقف من عرفة".

961 -

حديث عبد الله بن معمر الديلي قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول:

ص: 397

"الحجُّ عرفات. فمَنْ أدْرَكَ عَرَفَة قبل أنّ يَطْلُعَ الفَجرُ فقد أدرك".

هكذا في الأصل عبد الله بن معمر وهو تحريف والصواب عبد الله بن يعمر بالياء في أوّله لا بالميم. والحديث تقدّم قبل خمسة أحاديث.

962 -

حديث عروة بن مُضَرِّس قال: "أتَيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بِجَمْعٍ فقلت له: هَلْ لِي مِن حجّ؟ فقال: مَن صَلَّى هذه الصلاةَ معنا ووقفَ هذا الموقفَ حتى نفيضَ وأفاضَ قبلَ ذلكَ مِن عرفات ليلًا أو نهارًا فقد تَمَّ حجُّه وقَضَى تَفَثَه".

قال ابن رشد: وهو حديث مجمع على صحته.

قلت: هذه عبارة توهم أنه مخرج في الصحيحين وليس كذلك؛ إنّما أخرجه أبو

ص: 398

داود الطيالسي وأحمد والدارقطني وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن الجارود والطحاوي والحاكم والبيهقي وآخرون منهم ابن حبان وقال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحاكم صحيح على شرط كافة أئمّة الحديث وهي قاعدة من قواعد الإِسلام. وقد أمسك عن إخراجه الشيخان على أصلهما أنّ عروة بن مضرس لم يحدّث عنه غير عامر الشعبي وقد وجدنا عروة بن الزبير حدّث عنه ثمّ أخرجه من رواية يوسف بن خالد السمتي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عروة بن مضرس به لكن يوسف بن خالد السمتي كذاب متّهم، فالعمدة على الطريق الأول وحده.

ص: 399

963 -

قوله: (ومن اشترط الليل احتجّ بوقوفه صلى الله عليه وسلم حين غربت الشّمس).

تقدّم في حديث جابر فلم يزل واقفًا حتّى غربت الشّمس وعند أبي داود والترمذي وابن ماجه من حديث علي عليه السلام قال: "وقف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة فقال: "هذه عرفة وعرفة كلها موقف"، ثُمّ أفاض حين غربت الشمس". الحديث. وقال الترمذي: حسن صحيح، وعند أبي داود من حديث أسامة قال:"كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمّا وقعت الشّمس رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم". وقد ورد هذا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم قال الشافعي في مسنده: أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن محمد بن قيس بن مخرمة قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إنّ أهل الجاهلية كانوا يدفعون من عرفة قبل أن تغيب الشّمس ومن المزدلفة قبل أن تطلع الشّمس حتّى تكون الشمس كأنّها عمائم الرجال في وجوههم وإِنّا لا ندفع من عرفة حتى تغرب الشّمس وندفع من المزدلفة قبل أن تطلع الشّمس، هدينا مخالف لهدي أهل الأوثان

ص: 400

والشرك". وقد رواه الحاكم والبيهقي من رواية عبد الوارث بن سعيد عن شعبة عن ابن جريج موصولًا عن محمد بن قيس عن المسور بن مخرمة قال: "خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم" فذكر نحوه. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه قد صحّ وثبت بما ذكرته سماع المسور بن مخرمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا كما يتوهمه رعاع أصحابنا أنّه ممّن له رواية بلا سماع. كذا قال وأقرّه الذهبي، مع أنّ رواية الشافعي تدلّ على احتمال وقوع تحريف في رواية الحاكم وأنّه وقع فيها إبدال كلمة ابن المسور فجاء الحديث موصولًا مع زيادة النون في خطبنا وإِنّما هو خطب بدونها كما في رواية الشافعي ويؤيّده أيضًا رواية عبد الله بن قيس عن ابن جريج عن محمد بن قيس بن مخرمة "أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم عرفة". فذكره بمعناه. ذكره البيهقي. وكذلك رواه يحيى بن أبي زائدة عن ابن جريج قال: أخبرت عن محمد بن قيس بن مخرمة "أنّ النبي صلى الله عليه وسلم خطب بعرفة". أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه عن يحيى بن أبي زائدة وفي هذه الرواية زيادة أخرى وهي الانقطاع أيضًا بين ابن جريج ومحمد بن قيس فلا الحديث حينئذٍ صحيح كما قال الحاكم ولا فيه إثبات سماع المسور كما زعمه أيضًا ثمّ إنّه وقع عند الحاكم عبد الوارث بن سعيد عن شعبة عن ابن جريج، وعند البيهقي عبد الوارث بن سعيد عن ابن جريج بدون واسطة شعبة مع أنّه رواه عن الحاكم. وأخشى أن يكون ذكر شعبة فيه وهمًا مع أنه ثابتٌ في تلخيص الذهبي أيضًا. والله أعلم.

964 -

حديث: "عَرَفَةُ كلُّها موقفٌ، وارتفعوا عن بطن عُرَنَة، والمُزْدَلِفَةُ كلُّها موقفٌ

ص: 401

إلّا بطنَ مُحسِّر، ومنى كلُّها موقفٌ، وفجاجُ مكّةَ منحرٌ ومبيت". قال ابن رشد: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق ثم نقل عمّن قال: إنّه لم يأت هذا الحديث من وجه تلزم به الحجة.

قلت: يريد بزيادة الاستثناء لعرفة ومُحَسِّر وإلّا فهو بدونها في صحيح مسلم وغيره من حديث جابر في حديثه الطويل في صفة حجّ النبي صلى الله عليه وسلم المعروف من رواية محمد [بن] علي عن جابر. وفي حديث آخر له أيضًا من رواية عطاء عنه عند أحمد والدارمي وأبي داود والطحاوي في مشكل الآثار البيهقي ولفظه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كلّ عرفة موقف وكلّ مزدلفة موقف ومنى كلّها منحر وكلّ فجاج مكة طريق ومنحر". وصحّ أيضًا من حديث عليّ عليه السلام عند أحمد وأبي داود

ص: 402

والترمذي وابن ماجه والطحاوي في المشكل والبيهقي. وقال الترمذي: حسن صحيح. وورد أيضًا من حديث ابن عباس وأبي هريرة. أمّا بزيادة الاستثناء المذكور فورد من حديث جبير بن مطعم وجابر وابن عبّاس وأبي هريرة وحبيب بن خماشة وابن عمر.

فحديث جبير بن مطعم: رواه أحمد والبزار والطبراني وابن حبان في الصحيح والبيهقي عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلّ عرفات موقف وارفعوا عن عُرَنَة، وكلّ مزدلفة موقف وارفعوا عن مَحَسِّر، وكل فجاج منى منحر وكلّ أيّام التشريق ذبح". اختصره البيهقي فاقتصر على ذكر أيام التشريق منه، وهو حديث حسن وإن كان

ص: 403

سند أحمد وقع فيه انقطاع. أما الاختلاف الواقع من سليمان بن موسى فمحمول على أنّه سمعه من عبد الرحمن بن أبي حسين عن جبير بن مطعم وسمعه من نافع بن جبير عن أبيه أيضًا ومن محمد بن المنكدر عن جبير فهو لم يخرج بالحديث عن جبير الذي تعدّد من حدّثه به عنه وهو ثقة، فالحديث حسنٌ أو صحيح كما قال ابن حبان.

وحديث جابر: أخرجه ابن ماجه من طريق القاسم بن عبد الله العمري ثنا محمد بن المنكدر عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلّ عرفة موقف وارتفعوا عن بطن عُرَنَة، وكلّ المزدلفة موقف وارتفعوا عن بطن مُحَسِّر، وكلّ منى منحر إلّا ما وراء العقبة". والقاسم العمري ضعيف هو وأخوه عبد الرحمن الآتي في حديث ابن عمر إلّا أنّ الحديث ثابت عن محمد بن المنكدر مرسلًا. قال ابن وهب في موطئه: أخبرني محمد بن أبي حميد عن محمد بن المنكدر به مرسلًا بدون ذكر منى. وقد ذكره مالك في الموطأ بلاغًا وكأنه سمعه من تلميذه ابن وهب. ومحمد بن أبي حميد وإن كان فيه مقال إلّا أنّه ورد عن محمد بن المنكدر من وجه ثالث أيضًا. أخرجه البيهقي من طريق عبد الوهاب بن عطاء عن ابن جريج أخبرني محمد بن المنكدر به.

وحديث ابن عباس: أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار من طريق أبي الأشعث أحمد بن المقدام العجلي والحاكم والبيهقي كلاهما من طريق محمد بن

ص: 404

كثير والبيهقي وحده من طريق علي بن المديني ثلاثتهم عن سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد عن أبي الزبير عن أبي معبد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عرفة كلها موقف وارفعوا عن بطن عُرَنَة، والمزدلفة كلها موقف وارفعوا عن بطن مُحَسِّر، وشعاب منى كلّها منحر". لفظ الطحاوي. وقال: لم نجد هذا الحديث من رواية أحد من أصحاب ابن عيينة في إسناده أتمّ منه من رواية أبي الأشعث وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وشاهده على شرط الشيخين صحيح إلّا أنّ فيه تقصيرًا في سنده، ثمّ أخرجه من طريق يحيى القطّان عن ابن جريج أخبرني عطاء عن ابن عباس قال: كان يقال: "ارتفعوا عن مُحَسِّر وارتفعوا عن عرفات". وأخرجه البيهقي من طريق عبد الوهاب [أنبأ]. ابن عطاء عن ابن جريج عن ابن عباس قال: "ارتفعوا". وهذا لا يعلّل حديث أبي معبد فإنّ الحكم للرّافع لاسيما فيما لا سبيل للرأي فيه فإِنّ استثناء عرفة، ومُحَسِّر لا يدرك إلّا بتوقيف.

وحديث أبي هريرة: رواه ابن عدي في الكامل من جهة يزيد بن عبد الملك النوفلي عن داود بن فراهج عنه. والنوفلي ضعيف. لكن ورد بسند على شرط الصحيح؛ رواه عبد الرزاق عن معمر عن محمد بن المنكدر عن أبي هريرة، ذكره ابن

ص: 405

عبد البرّ فقال في كلامه على بلاغ مالك السابق: "هذا الحديث ينقل من حديث علي وجابر وابن عباس وأكثرها ليس فيه ذكر عرفة، واستثناؤه صحيح عند الفقهاء ومحفوظ من حديث أبي هريرة، ذكره عبد الرزاق عن معمر". الخ.

وحديث حبيب بن خماشة: رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده قال: حدثنا محمد بن عمر ثنا صالح بن خوات عن يزيد بن رومان عن حبيب بن عمير بن عدي عن حبيب بن خماشة الجهني قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بعرفة: "عرفة كلّها موقف إلّا بطن عُرَنَة، والمزدلفة كلها موقف إلّا بطن مُحَسِّر".

وحديث ابن عمر: خرّجه ابن عدي وفيه عبد الرحمن بن عبد الله العمري ضعيف.

وفي الباب عن عمرو بن شعيب وسلمة بن كهيل مرسلًا. رواه ابن وهب في موطئه عن يزيد بن عياض عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن عمرو بن شعيب وسلمة بن كهيل به ويزيد وشيخه واهيان، إلَّا أنّ شهرة الحديث بين الفقهاء في الصدر الأول وورده، من هذه الطرق المتعددة يدفع كلّ وهن يتطرّق إلى الحديث من جهة الإِسناد على أنّه قد مرّ له ثلاثة أسانيد صحاح.

965 -

قوله: "وأجمعوا على أنّ من بات بالمزدلفة ليلة النّحر وجمع فيها بين المغرب

ص: 406

والعشاء مع الإِمام ووقف بعد صلاة الصبح إلى الإِسفار بعد الوقوف بعرفة أن حجّه تام، وذلك أنها الصفة التي فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم".

قلت: ذلك في حديث جابر في صفة حجّ النبي صلى الله عليه وسلم الذي تقدّم عزوه مرارًا، ففيه بعد الإِفاضة من عرفة قوله "حتّى أتى المزدلفة فصلّى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبّح بينهما شيئًا، ثمّ اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى طلع الفجر وصلّى الفجر حين تبيّن له الصبح بأذان وإقامة ثمّ ركب القصواء حتّى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعاه وكبّره وهلّله ووحدّه فلم يزل واقفًا حتّى أسفر جدا فدفع قبل أن تطلع الشمس". الحديث.

966 -

حديث: "أنّه صلى الله عليه وسلم قَدَّمَ ضَعَفَةَ أهله ليلًا فلم يَشْهَدُوا معه صلاة الصُّبح بها".

ص: 407

يعني المزدلفة- أحمد والبخاري ومسلم والأربعة وغيرهم من حديث ابن عباس قال: "أنا ممّن قدّم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة من ضعفه أهله". وفي الصحيحين من حديث عائشة قالت: "كانت سودة امرأة ضخمة؛ ثبطة، فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تفيض من جَمْع بليل فأذن لها". وفي مسند أحمد من حديث ابن عمر "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لضعفة الناس من المزدلفة بليل". وفي الباب عن غيرهم.

ص: 408

967 -

حديث عروة بن مُضَرِّس: "مَنْ أدْرَكَ معنا هذه الصلاة: يَعْنِي صلاةَ الصّبح بِجَمْع وكانَ قَدْ أتى قبلَ ذلكَ عرفات ليلًا أو نهارًا فقدْ تَمَّ حجُّه وقَضَى تَفَثَه".

قال ابن رشد: متفق على صحته.

يريد أنّه مخرج في الصحيحين. وليس كذلك كما نَبهت عليه قريبًا قبل أربعة أحاديث مع تخريجه.

ص: 409

968 -

قوله: "وذلك أنّ المسلمين اتفقوا على أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بالمشعر الحرام؛ وهي المزدلفة بعدما صلّى الفجر ثمّ دفع منها قبل طلوع الشمس إلى منى وأنّه في هذا اليوم وهو يوم النحر رمى جمرة العقبة من بعد طلوع الشّمس".

تقدّم قريبًا في حديث جابر قوله: "ثمّ ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعاه وكبّره وهلّله ووحّده فلم يزل واقفًا حتى أسفر جدا فدفع قبل أن تطلع الشمس". وتقدّم في حديث "خذوا عني مناسككم"؛ حديث جابر بن عبد الله قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يَرمي على راحلته يوم النّحر ويقول: "لتأخذوا مناسككم" الحديث. وفي صحيح مسلم من حديث جابر قال: "رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة يوم النّحر ضحى. وأمّا بعدُ، فإِذا زالت الشمس". وفي الباب عن ابن عباس قال:"وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بِجَمْع، فلمّا أضاء كلّ شيء قبل أن تطلع الشّمس أفاض". رواه أحمد وعن ابن عمر رواه الطبراني.

ص: 410

969 -

قوله: "وأجمعوا أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرم يوم النّحر من الجمرات غيرها".

هذا معلوم من أحاديث صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم كحديث جابر وغيره أنّه صلى الله عليه وسلم رمى يوم النّحر جمرة العقبة ضحى ثمّ انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثًا وستين بيده، ثمّ أعطى عليًا فنحر ما غَبَرَ وأشركه في هديه ثمّ أمر من كلّ بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها ثمّ ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت فصلّى بمكة الظهر". الحديث. لفظ جابر بن عبد الله في صحيح مسلم وغيره ..

970 -

حديث: "خُذُوا عنّي مناسِكَكُم".

تقدّم.

ص: 411

971 -

حديث ابن عباس أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَدَّمَ ضَعَفَةَ أهله وقال: "لَا ترْمُوا الجمرةَ حتّى تَطْلُعَ الشمسُ".

عبد الرزاق وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والبيهقي من رواية الحسن العرني عنه قال: "قدّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أغيلمة بني عبد المطلب من جَمْعٍ بليل على حُمُراتٍ لنا فجعل يَلْطَحُ أفخاذنا ويقول: أبَيْنِيَّ "لا ترموا الجمرة حتّى تطلع الشّمس". وزاد بعضهم: قال ابن عبّاس: "ما أخال أحدًا يعقل يرمي حتّى تطلع الشّمس".

972 -

حديث عائشة قالت: "أرْسَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمّ سَلَمة يومَ النّحرِ فرمت الجمرةَ قبلَ الفجرِ ومضتْ فأفاضَتْ وكانَ ذلكَ اليوم الذي يكونُ عندها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم".

قال ابن رشد: خرّجه أبو داود وغيره.

ص: 412

قلت: هو كذلك. وأخرجه أيضًا الشافعي والطحاوي في شرح معاني الآثار والحاكم والبيهقي وقال الحاكم: صحيح على شرطهما. وهو كما قال إلَّا أنّه اختلف فيه على هشام بن عروة فقيل: عنه عن أبيه عن عائشة. وقيل: عنه عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أمّ سلمة. وقيل: عنها عن عائشة. وقيل: عن عروة مرسلًا. وهذه الطرق بعضها عند الشافعي والباقي عند الطحاوي والبيهقي ..

973 -

حديث أسماء أنّها رمت الجمرة بليل وقالت: "إنّا كنّا نَصْنَعُه على عَهْدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم".

أبو داود والنسائي والبيهقي من رواية ابن جريج عن عطاء قال:

ص: 413

أخبرني مخبر، وسمّاه النسائي مولى لأسماء، عن أسماء أنّها رمت الجمرة، قلت: إنّا رمينا الجمرة بليل، قالت: إنّا كنّا نصنع هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورواه البخاري ومسلم من حديث ابن جريج أيضًا قال: أخبرني عبد الله مولى أسماء عن أسماء أنّها نزلت ليلة جَمْعٍ عند دار المزدلفة فقامت تصلّي فصلّت ثمّ قالت: "يا بنيّ. هل غاب القمر؟ قلت لا، فصلّت ساعةً ثمّ قالت: يا بنيّ هل غاب القمر؟ قلت: نعم. قالت: فارتحلوا. فارتحلنا فمضينا حتّى رمت الجمرة ثمّ رجعت فصلّت الصبح في منزلها. فقلت لها: أي هنتاه ما أرانا إلَّا قد غلّسنا. قالت: كلّا يا بنىّ إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن للظُّعُن".

974 -

حديث "أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ لرُعاة الإبل أنْ يَرْمُوا ليلًا".

ص: 414

ابن أبي شيبة في المصنف عن ابن عيينة والبيهقي في السنن من طريق ابن وهب كلاهما عن ابن جريج عن عطاء "أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رخّص لرعاء الإِبل أن يرموا الجمار بالليل". ووصله ابن أبي شيبة في المسند من طريق عبد الرحمن بن إسحاق والبيهقي في السنن من طريق عمر بن قيس كلاهما عن عطاء عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الراعي يرمي بالليل ويرعى بالنّهار". لفظ البيهقي. ورواه البزّار والبيهقي من حديث ابن عمر "أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رخّص لرعاء الإِبل أن يرموا بالليل". وفي إسناده مسلم بن خالد الزّنجي، وحديثه حسن في الشواهد والمتابعات كهذا، ولذلك حسّنه الحافظ وإن وهم في عزوه إلى الحاكم. ورواه الدارقطني من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص "أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رخّص للرّعاء أن يرموا باللّيل وأيّ ساعة من النّهار شاءوا". وفي إسناده جهالة وضعف.

975 -

حديث ابن عبّاس أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ له السّائلُ: يَا رسُولَ الله رميتُ بعدما أمسيتُ. قَالَ: "لا حَرَج".

ص: 415

البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه والبيهقي من رواية عكرمة عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل يوم النّحر بمنى فيقول: "لا حرج" فسأله رجل فقال: حلقت قبل أن أذبح. قال: "اذبح ولا حرج". قال: رميت بعدما أمسيت. فقال: "لا حرج".

976 -

قوله: (ومن خالف سنّة من سنن الحج فعليه دم على ما روي عن ابن عباس).

مالك في الموطأ والبيهقي من طريقه عن أيوب السختياني عن سعيد بن

ص: 416

جبير عن ابن عباس قال: "من نسي من نسكه شيئًا أو تركه فليهرق دمًا". قال البيهقي: قال مالك: لا أدري قال: ترك أم نسي. قلت: ليس ذلك قول مالك بل هو قول أيوب كما في الموطأ. قال البيهقي: وكذلك رواه الثوري عن أيوب: من ترك أو نسي شيئًا فليهرق له دمًا" كأنّه قالهما جميعًا. قلت: ورواه علي بن أحمد المقدسي عن أحمد بن علي بن سهل المروزي عن علي بن الجعد عن ابن عيينة عن أيوب به مرفوعًا. أخرجه ابن حزم وأعلّه بعلّي بن أحمد وشيخه وقال: إنهما مجهولان.

977 -

قوله: (وثبت أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى في حجّته الجمرة يوم النّحر ثمّ نحر بُدُنَهُ ثمّ حلق رأسه ثمّ طاف طواف الإِفاضة).

تقدّم هذا في حديث جابر قبل ثمانية أحاديث.

ص: 417

978 -

حديث عبد الله بن عمر [عمرو] قال: "وَقَفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم للنّاس بمنى والنّاس يَسْألُونَهُ، فجاءَهُ رجلٌ فقال: يَا رسولَ اللهِ لم أشعرْ فحلقتُ قبل أن أنحرَ. فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: "انحرْ ولا حَرَج". ثمّ جاءه آخرُ فقال: يَا رَسُولَ الله لم أشعر فَنَحَرْتُ قبلَ أن أرميَ. فقالَ النّبِي صلى الله عليه وسلم: "ارمِ ولا حَرَج". قال: فَمَا سُئِلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يومئذ. عن شيء قُدِّمَ أو أُخِّرَ إلّا قالَ: افعلْ ولا حَرَج".

قال ابن رشد: رواه مالك.

قلت: كذا وقع في الأصل عبد الله بن عمر وإنّما هو عبد الله بن عمرو بن العاص. والحديث رواه مالك في الموطأ والشافعي عنه وأبو داود الطيالسي وأحمد والدارمي والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن

ص: 418

ماجه وابن الجارود والطحاوي في معاني الآثار والبيهقي وآخرون وله عندهم ألفاظ.

979 -

قوله: (وروي هذا من طريق ابن عبّاس عن النبي صلى الله عليه وسلم).

تقدّم قبل ثلاثة أحاديث. وقد رواه البيهقي مرفوعًا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فأخرج من طريق عباد بن العوام عن العلاء بن المسيب عن رجل يقال له الحسن سمع ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من قدّم من نسكه شيئًا أو أخّره فلا شيء عليه". وفي الباب أيضًا عن علي وجابر وأسامة بن شريك وأبي سعيد الخدري.

فحديث علي: عند أحمد والطحاوي.

ص: 419

وحديث جابر: عند الطحاوي والبيهقي.

وحديث أسامة بن شريك وأبي سعيد: عند الطحاوي.

980 -

قوله: "وعمدة مالك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم على من حلق قبل محلّه من ضرورة بالفدية".

مالك والطيالسي وأحمد والبخاري ومسلم والأربعة والبيهقي وجماعة من حديث كعب بن عجرة قال: "كان بي أذى من رأسي فحملت

ص: 420

إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي فقال: ما كنت أرى أنّ الجهد قد بلغ منك ما أرى أتجد شاة؟ قلت: لا. فنزلت الآية: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} . قال: هو صوم ثلاثة أيام أو إطعام ستّة مساكين نصف صاع طعامًا لكل مسكين". وفي لفظ لأحمد ومسلم وأبي داود عنه قال: "أتى عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية فقال: "كان هوام رأسك تؤذيك"؟ فقلت: أجل. قال: "فاحلقه واذبح شاة أو صم ثلاثة أيام أو تصدّق بثلاثة آصع من تمر بين ستّة مساكين". زاد أبو داود في رواية أخرى "فحلقت رأسي ثمّ نسكت".

981 -

قوله: (مع أنّ الحديث لم يذكر فيه حلق الرأس قبل رمي الجمار).

قلت: وليس كذلك فقد روى محمد بن أبي حفصة عن الزهري شيخ مالك في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص السابق وفيه قول عبد الله بن عمرو: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه رجلٌ يوم النّحر وهو واقف عند الجمرة فقال: يا رسول الله إنّي

ص: 421

حلقت قبل أن أرمي قال: "ارم ولا حرج" رواه أحمد ومسلم والدارقطني والبيهقي وتابعه معمر عن الزهري، أخرجه ابن الجارود في المنتقى والدارقطني والبيهقي وكذلك سفيان بن عيينة عن الزهري، رواه أحمد وكذلك ورد الحلق قبل الرمي في حديث ابن عباس وجابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري وعطاء مرسلًا.

فحديث ابن عباس: رواه الدارقطني وأبو نعيم في الحلية والطبراني والبيهقي من طريق الدارقطني كلّهم من حديث عبد العزيز بن رفيع عن عطاء عن ابن عباس قال: "جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنّي زرت قبل أن أرمي فقال: "ارم ولا حرج". قال يا رسول الله حلقت قبل أن أرمي قال: "ارم ولا حرج". الحديث. ورواه الدارقطني من طريق روح ثنا هشام عن عطاء عن ابن عباس أنّ

ص: 422

رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل يوم النّحر عن رجل حلق قبل أن يرمي أو ذبح أو نحر وأشباه هذا في التقديم والتأخير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا حرج، لا حرج".

وحديث جابر: رواه الإِسماعيلي في صحيحه من طريق حماد بن سلمة عن عبّاد بن منصور وقيس بن سعد عن عطاء عن جابر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن رجل رمي قبل أن يحلق وحلق قبل أن يرمي وذبح قبل أن يحلق فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "افعل ولا حرج". وقد أشار البخاري في صحيحه إلى طريق حماد بن سلمة هذا ورواه البيهقي من طريق أسامة بن زيد عن عطاء عن جابر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى ثمّ جلس للنّاس فجاءه رجل فقال: يا رسول الله إنّي حلقت قبل أنّ أنحر. قال: "لا حرج"، ثمّ جاءه آخر فقال: حلقت قبل أن أرمي قال: "لا حرج" فما سئل عن شيء إلّا قال: "لا حرج".

وحديث أبي سعيد الخدري: رواه الطحاوي في معاني الآثار من طريق عبادة بن نسى حدثني أبو زيد قال: سمعت أبا سعيد الخدري قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بين الجمرتين عن رجل حلق قبل أن يرمي قال: "لا حرج" وعن رجل ذبح قبل أن يرمي قال: "لا حرج" ثمّ قال: "عباد الله، وضع الله عز وجل الحرج والضيق وتعلّموا مناسككم فإنّها من دينكم".

ومرسل عطاء: رواه الدارقطني من طريق ابن جريج قال: ثنا عطاء وغيره هؤلاء الثلاث عن النبي صلى الله عليه وسلم لرجل حلق قبل أن يرمي قال: "ارم ولا حرج الحلق من

ص: 423

الرمي والرمي من الحلق". وقال رجل آخر جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم: نحرت قبل أن أرمي. قال: "ارم ولا حرج. النّحر من الرمي والرمي من النحر". . . الحديث. قال الدارقطني: قال لنا أبو بكر النيسابوري: روى ابن جريج حديث عطاء هذا في إثر حديث ابن شهاب عن عيسى بن طلحة عن عبد الله بن عمرو "أنّ النبي صلى الله عليه وسلم بينا هو يخطب يوم النّحر". . . فذكر الحديث وقال فيه: ما كنت أحسب يا رسول الله أنّ كذا قبل كذا لهؤلاء الثلاث. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا حرج" وفي هذه الثلاث الحلق قبل الرمي.

982 -

حديث ابن مسعود أنّه استبطن الوادي ثمّ قال: "مِنْ هُنا والذي لا إلهَ غيرُه رأيتُ الذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سورةُ البقرة يَرْمِي".

أحمد والبخاري ومسلم والأربعة وغيرهم من حديث عبد الرحمن بن

ص: 424

يزيد قال: "رمى عبد الله بن مسعود جمرة العقبة من بطن الوادي بسبع حصيات يكبّر مع كلّ حصاة قال: فقيل له إنّ أناسًا يرمونها من فوقها فقال عبد الله بن مسعود هذا والذي لا إله غيره مقام الذي أنزل عليه سورة البقرة وله عندهم ألفاظ متعدّدة مختصرة ومطوّلة.

983 -

حديث جابر وابن عباس وغيرهما: "أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم رَمَى الجِمارَ بمثلِ حَصَى الخذف".

أمّا حديث جابر: فهو في حديثه الطويل في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم الذي سبق عزوه. وفيه "أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبّر مع كل حصاة منها، مثل حصى الخذف. . . ." الحديث. وهو من رواية محمد الباقر عن

ص: 425

جابر. وفي مسند أحمد وصحيح مسلم وغيرهما من حديث أبي الزبير عن جابر قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة بمثل حصى الخذف".

وأمّا حديث ابن عباس: فرواه أحمد والنسائي وابن ماجه وابن الجارود والحاكم من رواية أبي العالية الرياحي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة: "هات القط لي حصيات من حصى الخذف"، فلما وضعهن في يده قال:"بأمثال هؤلاء، بأمثال هؤلاء، وإيّاكم والغلوّ في الدين فإِنّما هلك من كان قبلكم بالغلوّ في الدين". قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجاه. وكذلك صّححه ابن حبان وغيره. وقد قيل في الحديث عن ابن عباس عن أخيه الفضل بن عباس وذلك لا يضرّ. وروايته عن الفضل في مسند أحمد وصحيح مسلم، لكن بسياق آخر.

وأمّا حديث غيرهما فلم أره الآن من فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر وابن عبّاس بل من أمره صلى الله عليه وسلم وذلك من حديث الفضل بن عباس وأمّ سليمان بن عمرو بن الأحوص وعبد الرحمن بن معاذ التيمي وسنان بن سنة والهرماس بن زياد عن أبيه كلّهم

ص: 426

رووا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: "عليكم بحصى الخذف. وبعضهم روي: "إِذا رميتم فارموا بمثل حصى الخذف". وهي في مسند أحمد وسنن أبي داود وابن ماجه والدارمي والبيهقي.

984 -

قوله: (والسّنّة عندهم في رمي الجمرات كلّ يوم من أيام التشريق أن يرمي الجمرة الأولى فيقف عندها ويدعو، وكذلك الثانية، ويطيل المقام، ثمّ يرمي الثالثة ولا يقف لما في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه كان يفعل ذلك).

أحمد والبخاري والنسائي والحاكم والبيهقي من حديث ابن عمر

ص: 427

"أنّه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات يكبّر على إثر كلّ حصاة ثمّ يتقدّم فيُسهل فيقوم مستقبل القبلة قيامًا طويلًا فيدعو ويرفع يديه ثمّ يرمي الجمرة الوسطى كذلك فيأخذ ذات الشمال فيُسهل ويقوم مستقبل القبلة قيامًا طويلًا فيدعو ويرفع يديه، ثمّ يرمي الجمرة ذات العقبة من بطن الوادي ولا يقف ويقول: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعل". لفظ البخاري. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجاه. وهو واهم في ذلك. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظّهر ثمّ رجع فمكث بمنى ليالي أيام التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشّمس كلّ جمرة بسبع حصيات يكبّر مع كلّ حصاة ويقف عند الأولى وعند الثانية فيطيل القيام ويتضرّع ثمّ يرمي الثالثة ولا يقف عندها". رواه أحمد وأبو داود وابن الجارود والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، والبيهقي.

985 -

قوله: "والتكبير عندهم عند رمي كلّ جمرة حسن؛ لأنّه يروى عنه عليه الصلاة والسلام".

تقدّم ذلك من حديث ابن مسعود وجابر بن عبد الله وابن عمر وعائشة.

ص: 428

986 -

قوله: (وأجمعوا على أنّ من سنّة رمي الجمار الثلاث في أيام التشريق أن يكون ذلك بعد الزوال).

تقدّم قبل حديث واحد حديث عائشة، وفيه قولها:"ثمّ رجع تعني النبي صلى الله عليه وسلم فمكث بمنى ليالي أيام التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشّمس". وتقدّم أيضًا حديث جابر بن عبد الله المخرّج في صحيح مسلم قال: "رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة يوم

ص: 429

النّحر ضحى. وأمّا بعدُ فإذا زالت الشّمس".

987 -

حديث سعد بن أبي وقّاص قال: "خَرَجنَا مَعَ رَسُوَلِ الله صلى الله عليه وسلم فِي حجّتِه فبعضُنَا يقولُ: رميتُ بسبعٍ، وبعضُنا يقولُ: رميتُ بستٍّ، فلمْ يَعِبْ بعضُنا على بعضٍ".

ص: 430