الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكَانَ من أسدّ النَّاس ذهناً وإدراكاً وَيَقُول عَنهُ ذَاك شَاب وَكَانَ نظام الدّين يَقُول عَن أَبِيه أبي شيخ كودن لاقتصاره على الْمَذْهَب)
3 -
(القَاضِي أَبُو الْعَبَّاس الوَاسِطِيّ الحمداني)
أَحْمد بن مَحْمُود بن أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ ابْن أبي الهيجاء ابْن حمدَان أَبُو الْعَبَّاس الْفَقِيه الشَّافِعِي من أهل وَاسِط قَرَأَ بالروايات على أبي بكر الباقلاّني وعَلى عَليّ بن عَبَّاس الْخَطِيب هما من أَصْحَاب أبي الْعِزّ القلانسي ودرس الْفِقْه على عَمه أبي عَليّ الْحسن بن أَحْمد وعَلى يحيى بن الرّبيع وَقَرَأَ شَيْئا من أصُول على المجير مَحْمُود البغداذي وَسمع الحَدِيث من مُحَمَّد بن عَليّ ابْن الْكِنَانِي وَهبة الله بن نصر الله بن مخلد الْأَزْدِيّ وَمُحَمّد بن عبد السَّمِيع بن عبد الله الْهَاشِمِي وَغَيرهم وَقدم بغداذ وَقَرَأَ الْمَذْهَب وَالْخلاف على أبي الْقَاسِم ابْن فضلان وَسمع من أبي الْفَتْح ابْن شاتيل الدباس وَغَيره قَالَ محب الدّين ابْن النجار وَسَمعنَا بقرَاءَته كثيرا وَكَانَ يقْرَأ سَرِيعا صَحِيحا ولي الْإِعَادَة بمدرسة ابْن الْمطلب مُدَّة ثمَّ ولي مدرسة الْجِهَة أم الْخَلِيفَة وَولي الْقَضَاء بالجانب الغربي وَلم يزل على الْقَضَاء إِلَى أَن مَاتَ
وَكَانَ حَافِظًا لمَذْهَب الشَّافِعِي سديد الْفَتَاوَى وَمَا رَأَيْت أجمل طَريقَة مِنْهُ وَلَا أحسن سيرة مَعَ ديانَة كَامِلَة وزهد وَعبادَة وعفة ونزاهة وَكَانَ من ألطف النَّاس وأكيسهم وَأَكْثَرهم تودداً وتواضعاً وتحبباً إِلَى النَّاس كتبت عَنهُ شَيْئا يَسِيرا وَكَانَ ثِقَة نبيلاً توفّي سنة سِتّ عشرَة وسِتمِائَة
3 -
(ابْن الْجَوْهَرِي الْمُحدث)
أَحْمد بن مَحْمُود بن إِبْرَاهِيم بن نَبهَان الْحَافِظ الْمُفِيد شرف الدّين أَبُو الْعَبَّاس ابْن أبي الثَّنَاء الدِّمَشْقِي الْمَعْرُوف بِابْن الْجَوْهَرِي أحد من عني بِهَذَا الشَّأْن وتعب عَلَيْهِ ورحل وسهر وَكتب الْكثير وَحصل مَا لم يحصله غَيره ثمَّ أدْركهُ الْأَجَل شَابًّا وَكَانَت لَهُ دنيا أنفقها فِي طلب الْعلم وَكَانَت الصدرية قاعة فاشتراها مِنْهُ ابْن المنجّا ووقفها مدرسة وَلما احْتضرَ وقف كتبه وأجزاءه بالنورية وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وسِتمِائَة
3 -
(كَمَال الدّين ابْن الْعَطَّار)
أَحْمد بن مَحْمُود الإِمَام الأديب البليغ المنشىء كَمَال الدّين أَبُو الْعَبَّاس ابْن أبي الْفَتْح الشَّيْبَانِيّ الدِّمَشْقِي ابْن الْعَطَّار ولد سنة سِتّ وَعشْرين وَأَجَازَ لَهُ ابْن روزبه وَسمع من ابْن المقيّر وَأبي نصر ابْن الشِّيرَازِيّ والسخاوي وخرَّجت لَهُ مشيخة وسمعها الشَّيْخ شمس الدّين وَحدث ب صَحِيح البُخَارِيّ بالكرك بِالْإِجَازَةِ سنة سَبْعمِائة وَكَانَ ديّناً وقوراً بديع الْكِتَابَة والترسل جيد)
النّظم والنثر توفى سنة اثْنَتَيْنِ وَسَبْعمائة وَلم يزل رَئِيسا فِي ديوَان الْإِنْشَاء بِدِمَشْق مشاراً إِلَيْهِ بالتعظيم إِلَى أَن مَاتَ رَحمَه الله تَعَالَى كتب إِلَى محيي الدّين عبد الله ابْن عبد الظَّاهِر
(سقى وحيّا الله طيفاً أَتَى
…
فَقُمْت إجلالاً وقبّلته)
(لشدَّة الشوق الَّذِي بَيْننَا
…
قد زارني حَقًا وَقد زرته)
وافى من الجناب العالي المحيوي آنس الله الْمَمْلُوك بِقُرْبِهِ وَحفظ عَلَيْهِ مَنْزِلَته من قلبه وهداه إِلَى الطَّرِيق الَّتِي كَانَ ظفر فِيهَا بمطلب البلاغة من كتبه وَلَا شغله بسواه حَتَّى لَا يسمع غير كَلَامه وَلَا يرى غير شخصه وَلَا ينْطق إِلَّا بِذكرِهِ لغَلَبَة حبه وَمَا زَارَهُ فِي الْمَنَام وَلَا أَتَاهُ فِي خفيةٍ واكتتام وَلَا شَاهده بِدَعْوَى الإحلام بل فَإِن المنى أَحْلَام المستيقظ وَهُوَ بِهِ طول المدى حالم وَالنَّاس نيام وَلَا يُنكر الْإِخْلَال بالمكاتبة على نَائِم الْقَلَم مَرْفُوع عَن النَّائِم غير أَن الْمَمْلُوك أَمَاتَهُ الشوق فانتبه بعد مَا رَآهُ بِعَيْنِه فَهُوَ لَا يتَأَوَّل وَلَا سِيمَا فِي أَمر مَا اشْتبهَ وَمَا كَانَت زيارته لَهُ إِلَّا مُنَافَسَة لَهُ بظنّه أَن الْمَمْلُوك علقت بِهِ أَسبَاب الْكرَى ومناقشة لطلبه زور الخيال حَقِيقَة لما سرى لينفي الوسن عَن نظره ثمَّ ينْصَرف على أَثَره وَلما سجدت لَهُ الأجفان ظنّ بهَا سنة فزارها منبّهاً وَمَا كَانَ إلاّ سَاهِيا بمزاره عَن خدمته فَلَا يُنكر على جفْنه السُّجُود لمّا سَهَا وَلكم علّةٍ للشوق أطفأ حرّها بمزاره وأعلق بِهِ أشراك الأجفان خيفةً من نفاره وعقله بحبائل جفنيه خشيَة أَن تنْزع يَد الْيَقَظَة حَبِيبه من يبن جَنْبَيْهِ وَضمّهَا على خياله ضمّ الْمُحب للعناق يَمِينه على شِمَاله وَلَكِن مَا فَازَ بالعناق إِلَّا يَد أَو يدان وعناق الْمَمْلُوك للطيف من فرط الوجد بأَرْبعَة أيدٍ من الأجفان وَإِن لم تُؤْخَذ هَذِه الدَّعْوَى مِنْهُ بِالتَّسْلِيمِ وَقيل مَا زَارَهُ بل استزاره فكر لَهُ فِي كلّ وادٍ يهيم فبلى وحقّه لقد قصد مزارا إِن الْكَرِيم إِذا لم يستزر زارا وتالله لقد وافاه ويسراه على حشاه ويمناه متشبثة بأذيال دجاه
ومحبه فَوَجَدَهُ على أَبْرَح مَا يكون من الوجد الَّذِي عَهده إِلَّا أَن ضيف الطيف مَا أهتدى إلاّ بِنَار أشواقه وَمَا سرى بل سَار فِي ضياءٍ من بارق دمعه وَمَا يوري قدحاً من سنابك براقه
وتسوّر أسوار الجفون وخاض السُّيُول من الْعُيُون
فَكتب ابْن عبد الظَّاهِر الْجَواب إِلَيْهِ عَن ذَلِك
(فِي النّوم واليقظة لي راتب
…
عَلَيْك فِي الْحَالين قرَّرته)
(تفضّل الْمولى إِذا زَارَهُ
…
طيف خيالي مِنْهُ أَن زرته)
)
ورد على المملوكأدام الله نعْمَة الجناب الكمالي وَلَا أسهر جفْنه إِلَّا فِي سَبِيل المكارم وَلَا سهّدها إِلَّا فِي تَأْوِيل رُؤْيا مغارم الْفضل الَّتِي يَرَاهَا من جملَة الْمَغَانِم وَجعله يتعزّز بحلمه هفوة الطيف وَكَيف لَا يحلم الحالمكتاب شرِيف حبّب إِلَيْهِ التَّشْبِيه بِنصب حبائل الهدب من الجفون والاستغشاء بالنعاس لعلّ خيالاً فِي الْمَنَام يكون وليغنم اجتماعه وَلَو فِي الْكرَى وتصبح عينه مَدِينَة وَإِن مضى عَلَيْهَا زمن وَهِي من الْقرى وينعم طرفه من التلاقي بِأَحْسَن الطّرف وَيَقُول هَذَا من تِلْكَ السجايا أطيب الْهَدَايَا وَمن تِلْكَ المزايا ألطف التحف وَيرْفَع محلّ الطيف فيرقّيه من الهدب فِي سلالم لَا بل يمطيه طرف طرفه ويجعلها لَهُ شكائم لَا بل يرخيها لصونه أستاراً وَلَا يصفها بِأَنَّهَا دُخان إِذْ كَانَ يجلّ موطن الطيف الْكَرِيم أَن يؤجّج نَارا ويعظمه عَن أَنه إِذا أرسل خياله رائداً أَن يتبعهُ النَّاظر وَأَن يكلّفه مشقة بسلوك مدارج الدُّمُوع إِذْ هِيَ محاجر ثمَّ
يخْشَى أَن يحصل نفور من التغالي فِي وصف الدُّمُوع بِأَنَّهَا سيول فيهول من أمرهَا مَا يهول وَيَقُول هَل الدمع إِلَّا مَاء يرش بِهِ بَين يَدي الطيف وَهل الهدب على تَقْدِير أَنَّهَا دُخان إِلَّا مَا لَعَلَّه يرْتَفع لما يقرى بِهِ الضَّيْف وَعَن إِيرَاد الجفون بِهَذَا وإسخان الْعُيُون بِهَذِهِ هَل هما لِإِيلَافِ الخيال إِلَّا مَا يَقْصِدهُ من رحْلَة الشتَاء والصيف ثمَّ يحتقر الْمَمْلُوك إِنْسَان عينه عَن أنّه يلْزمه لهَذَا الْأَمر تكليفاً ويتدبر قَوْله تَعَالَى وخُلِقَ الإنسانُ ضَعِيفا وَيَقُول لَهُ لَا تطِيق الْقيام لهَذِهِ الزورة الشَّرِيفَة من الْوَظِيفَة لِأَن النّوم سُلْطَان وَأي يَد لَك مَعَ خَليفَة الحبيب خَليفَة الحبيب وَيَد الْخلَافَة لَا تطاولها يَد والعيون فِي الصِّبَا أَو الْكبر لَا تُوصَف إِلَّا بِأَنَّهَا ضَعِيفَة فَيَقُول كم مثلي إِنْسَان تطاول لاستزارة الطيف حَتَّى طرق وَكم خيال أَتَى على أعين النَّاس فجَاء مَحْمُولا على الحدق وَكم محبّ دَرأ عَن النّوم بِشُبْهَة تغميض الأجفان عَن غير عمد حدَّ الْقطع على السرق ثمَّ يَأْخُذ فِي طريقةٍ غير هَذِه الطَّرِيقَة وَيرى الِاكْتِفَاء بالمجاز عَن الْحَقِيقَة وَإِذا أَوْمَأت الْعين للحجة فِي تصويب استزارة الخيال تَقول مَا هَذِه من الْحجَج الَّتِي تسمى وَثِيقَة وَترى أنّ تمثل الشَّخْص لشريف فِي الخاطر قد أغناه عَن أنّه يَنْقُلهُ من الْكرَى وَكَفاهُ أنّه ينشد سرّ الخيال بطيفه لّما سرى وَلم يحوجه حاشاه إِلَى أنّه يزوّر لَهُ محضرا وَلَا أنّه ينشد أَتَرَى درى ذَاك الرَّقِيب بِمَا جرى)
اللَّهُمَّ ليورد مورد الْعين انفع مَا يدّخر وَالْعين الصافية مَا برح عِنْدهَا من الخيال الْخَبَر وَإِذا كَانَ الْقلب مُتَوَلِّي الْحَرْب مَعَ الأشواق فَكيف يشاحح الخيال على أنّه مُتَوَلِّي النّظر فَحِينَئِذٍ يسكن إِلَى الوسن ويمدّ لَهُ من الهدب الرّسن ويزور ويستزير وَيقصر وَيَتْلُو وَيَعْفُو عَن كثير وَيذْهب لأجل ذَاك مَذْهَب من يقّدم على الْأَيَّام اللَّيَالِي ويعظمها لأنّه مَظَنَّة هجوم الخيال وَيجْعَل جفونه أَرض تِلْكَ الهجمة الَّتِي يغلب عَلَيْهَا وَمَا بَرحت تغلب لَهَا أَرض الْجبَال وَأما النّيل فكم احتقره الْمَمْلُوك بِالنِّسْبَةِ إِلَى كرم مَوْلَانَا ونواله وَيكرهُ مذاقه بِالْإِضَافَة إِلَى زلاله ويحقق أَن مقياس رَاحَته هُوَ الَّذِي يستسعد بِهِ الْأُمَم وَإِن الْأَصَابِع من الْأَصَابِع الْكَرِيمَة والعمود الْقَلَم وَأَن طَالب ورد ذَاك تَعب وطالب جود سيدنَا مستريح وَيَكْفِي واصف نواله لَهُ وَهُوَ غَايَة المديح
قلت هَذَانِ كِتَابَانِ بَين كاتبين كَانَا فاضلي عصرهما وكاملي دهرهما كل مِنْهُمَا اعتنى بِمَا كتب وَالْمعْنَى وَاحِد فَأَنت ترى كتاب ابْن عبد الظَّاهِر مشحوناً بالتورية والاستخدام وَهُوَ أميل إِلَى الطَّرِيقَة الْفَاضِلِيَّةِ على أَن كلاّ مِنْهُمَا حلّ منظوم النَّاس وَأَشَارَ إِلَى أَبْيَات مَشْهُورَة وأحال عَلَيْهَا وَلَكِن محَاسِن ابْن عبد الظَّاهِر الَّتِي من كيسه أحسن وَلَو كَانَ هَذَا مَوضِع الْكَلَام لأوردت الأبيات الَّتِي حلاّها وساقها كل مِنْهُمَا فِي مُكَاتبَته وحلاها وَلَكِن لَا يخفي ذَلِك على المطلع الْفَاضِل
وَمن شعر كَمَال الدّين ابْن الْعَطَّار رَحمَه الله تَعَالَى
(وَلما بدا مرخى الذوائب وانثنى
…
ضحوك الثنايا مُرْسل الصدغ فِي الخدّ)
(بدا الْبَدْر فِي الظلماء والغصن فِي النّقا
…
وزهر الرِّبَا فِي الرَّوْض والآس فِي الْورْد)