الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
(ابْن الراوندي)
أَحْمد بن يحيى بن إِسْحَاق ابْن الراوندي أَبُو الْحُسَيْن من أهل مرو الرّوذ سكن بغداذ وَكَانَ من متكلمي الْمُعْتَزلَة ثمَّ فارقهم وَصَارَ ملحداً زنديقا قَالَ القَاضِي أَبُو عَليّ التنوخي كَانَ أَبُو الْحُسَيْن ابْن الراوندي يلازم أهل الْإِلْحَاد فَإِذا عوتب فِي ذَلِك قَالَ إِنَّمَا أُرِيد أعرف مذاهبهم ثمَّ إِنَّه كاشف وناظر وَيُقَال إِن أَبَاهُ كَانَ يَهُودِيّا فَأسلم وَكَانَ نقض الْيَهُود يَقُول للْمُسلمين لَا يفسدنّ عَلَيْكُم هَذَا كتابكُمْ كَمَا أفْسدهُ أَبوهُ التَّوْرَاة علينا وَيُقَال إِن أَبَا الْحُسَيْن قَالَ للْيَهُود قُولُوا إِن مُوسَى قَالَ لَا نبيّ بعدِي وَذكر أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد ابْن أبي أَحْمد الطَّبَرِيّ أَن ابْن الراوندي كَانَ لَا يسْتَقرّ على مَذْهَب وَلَا يثبت على انتحال حَتَّى ينْتَقل حَالا بعد حالٍ حَتَّى صنف للْيَهُود كتاب البصيرة ردا على الْإِسْلَام لأربعمائة دِرْهَم فِيمَا بَلغنِي أَخذهَا من يهود سامراً فَلَمَّا فبض المَال رام نقضهَا حَتَّى أَعْطوهُ مِائَتي دِرْهَم فَأمْسك عَن النَّقْض وَقَالَ مُحَمَّد ابْن إِسْحَاق النديم قَالَ الْبَلْخِي فِي كتاب محَاسِن خُرَاسَان أَبُو الْحُسَيْن أَحْمد ابْن الراوندي من أهل مرو الرّوذ من الْمُتَكَلِّمين وَلم يكن فِي زَمَانه فِي نظرائه أحذق مِنْهُ بالْكلَام وَلَا أعرف بدقيقه وجليله مِنْهُ وَكَانَ فِي أول أمره حسن السِّيرَة جميل الْمَذْهَب كثير الْحيَاء ثمَّ انْسَلَخَ من ذَلِك كلّه لأسباب عرضت لَهُ وَلِأَن علمه كَانَ أَكثر من عقله فَكَانَ مثله كَمَا قَالَ الشَّاعِر)
(وَمن يُطيق مزكّى عِنْد صبوته
…
وَمن يقوم لمستورٍ إِذا خلعا)
قَالَ وَقد حُكيَ عَن جمَاعَة أنّه تَابَ عِنْد مَوته مِمَّا كَانَ مِنْهُ وَأظْهر النَّدَم واعترف بِأَنَّهُ إِنَّمَا صَار إِلَيْهِ حميّة وأنفة من جفَاء أَصْحَابه وتنحيتهم إيّاه من مجَالِسهمْ وَأكْثر كتبه الكفريات ألفها لأبي عِيسَى الْيَهُودِيّ الْأَهْوَازِي وَفِي منزل هَذَا الرجل توفّي
وَمِمَّا ألّفه من الْكتب الملعونة كتاب التَّاج يحْتَج فِيهِ لقدم الْعَالم كتاب الزمردة يحتد فِيهِ على الرُّسُل وَإِبْطَال الرسَالَة كتاب نعت الْحِكْمَة يسفّه الله تَعَالَى فِي تَكْلِيف خلقه مَا لَا يُطِيقُونَ من أمره وَنَهْيه كتاب الدامغ يطعن فِيهِ على نظم الْقُرْآن كتاب الْقَضِيب الَّذِي يثبت فِيهِ أَن علم الله تَعَالَى بالأشياء مُحدث وَأَنه كَانَ غير عَالم حَتَّى خلق خلقه وأحدث لنَفسِهِ علما كتاب الفريد فِي الطعْن على النبيّ صلى الله عليه وسلم كتاب المرجان كتاب اللؤلؤة فِي تناهي الحركات وَقد نقض ابْن الراوندي أَكثر الْكتب الَّتِي صنفها كالزمردة والمرجان والدامغ وَلم يتم نقضه وَلأبي علّي الجبائي عَلَيْهِ ردود كَثِيرَة فِي نعت الْحِكْمَة وقضيب الذَّهَب والتاج والزمردة والدامغ وإمامة الْمَفْضُول وَقد رد عَلَيْهِ أَيْضا أَبُو الْحُسَيْن عبد الرَّحِيم بن مُحَمَّد الْخياط فمما قَالَ فِي كتاب الزمردة إِنَّه إنّما سمّاه بالزمردة لِأَن من خَاصَّة الزمرد أَن الحيّات إِذا نظرت إِلَيْهِ ذَابَتْ أعينها فَكَذَلِك هَذَا الْكتاب إِذا طالعه الْخصم ذاب وَهَذَا الْكتاب يشْتَمل على إبِْطَال الشَّرِيعَة والإزراء على النبوّات فمما قَالَ فِيهِ لَعنه الله وأبعده إِنَّا نجد من كَلَام أَكْثَم بن صَيْفِي شَيْئا أحسن من إنّا أعطيناك الْكَوْثَر وَإِن الْأَنْبِيَاء كَانُوا يستعبدون النَّاس بالطلاسم وَقَالَ قَوْله لعمَّار تقتلك الفئة الباغية كل المنجمين يَقُولُونَ مثل هَذَا وَقد كذب لَعنه الله فَإِن المنجم إِن لم يسْأَل الرجل عَن اسْمه وَاسم أمه وَيعرف طالعه لَا يقدر أَن يتَكَلَّم على أَحْوَاله وَلَا يُخبرهُ بِشَيْء من متجدداته
وَقد كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يخبر بالمغيبات من غير أَن يعرف طالعاً وَيسْأل عَن اسْم أَو نسب فَبَان الْفرق وَقَالَ فِي كتاب الدامغ فِي نقض الْقُرْآن إِن فِيهِ لحناً وَقد استدركه وصنف كتابا فِي قدم الْعَالم وَنفي الصَّانِع وَتَصْحِيح مَذْهَب الدهريه ورد على أهل التَّوْحِيد وَذكر أَبُو هَاشم الجبّائي أَن الراوندي قَالَ فِي كتاب الفريد إِن الْمُسلمين احْتَجُّوا للنبوة بِكِتَابِهِمْ الْقُرْآن الَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ معجز لن يَأْتِي أحد بِمثلِهِ وَلم يقدر أحد أَن يُعَارضهُ
فَقَالَ غلطتم وغلبت العصبية على قُلُوبكُمْ فَإِن مُدعيًا لَو ادّعى أَن إقليدس لَو ادّعى أَن كِتَابه لَا يَأْتِي أحد بِمثلِهِ لَكَانَ صَادِقا وَأَن الْخلق قد عجزوا عَن أَن يَأْتُوا بِمثلِهِ أفإقليدس كَانَ نَبيا وَكَذَلِكَ)
بطلميوس فِي أَشْيَاء جمعهَا فِي الفلسفة لم يَأْتِ أحد بِمِثْلِهَا يَعْنِي فَأَي فَضِيلَة لِلْقُرْآنِ وَقد أبطل لَعنه الله فِيمَا قَالَه فَإِن كتاب إقليدس وَكتب بطلميوس لَو حاول أحد من الفلاسفة مِمَّن يعرف علومهم ويحلّ رموزهم وأشكالهم أَن يَأْتِي بِمِثْلِهَا لقدر على ذَلِك وَالْقُرْآن االكريم قد حاول السَّحَرَة والكهنة والخطباء والفصحاء والبلغاء على أَن يَأْتُوا بِمثلِهِ فَلم يقدروا وَلَا على آيَة وَاحِدَة وَقد عارضوه بأَشْيَاء بَان عجزهم فِيهَا وَظهر سفههم قلت وَقد جَاءَ بعد إقليدس من استدرك عَلَيْهِ وسلك أنموذجه وأتى بِمَا لم يأتِ بِهِ كَقَوْلِهِم الْأَعْدَاد المتحابّة فَاتَت إقليدس أَن يذكرهَا وارشميدس لَهُ كتاب مُسْتَقل سمّاه الهندسة الثَّانِيَة ومصادرات إقليدس وَأما بطلميوس فيحكى أَنه بعد وَضعه للاسطرلاب بِمدَّة وجد علبة رصاص فِي حَائِط وَفِيه إسطرلاب وَأَنه ضحك فَرحا بِأَنَّهُ ذهنه ذهن الأقدمين وَلم يبرهن بطلميوس
على أَن الزهرة فلكها فَوق فلك الشَّمْس أَو تَحْتَهُ حَتَّى جَاءَ ابْن سينا ورصدها فَوَجَدَهَا قد كسفت الشَّمْس وَصَارَت كَالشَّامَةِ على الوجنة فَتعين أَنَّهَا تَحت الشَّمْس وَأما الْقُرْآن الْكَرِيم لم يتَّفق لَهُ هَذِه الاتفاقات على أَن تِلْكَ عُلُوم عقلية تتساوى الأذهان فِيهَا وَأما الْقُرْآن فَلَيْسَ هُوَ مِمَّا هُوَ مركوز فِي الأذهان فَلذَلِك عزّ نَظِيره إِذْ لَيْسَ هُوَ من كَلَام الْبشر قَالَ الجبائي وَذكر فِي كتاب الدامغ أَن الْخَالِق سبحانه وتعالى لَيْسَ عِنْده من الدَّوَاء إِلَّا الْقَتْل فعل الْعَدو الحنق الغضوب فَمَا حَاجَة إِلَى كتاب وَرَسُول
قَالَ وَيَزْعُم أنّه يعلم الْغَيْب فَيَقُول وَمَا تسْقط من ورقةٍ إلاّ يعلمهَا ثمَّ يَقُول وَمَا جعلنَا الْقبْلَة الَّتِي كنت عَلَيْهَا إلاّ لنعلم وَقَوله إنّ لَك ألاّ تجوع فِيهَا وَلَا تعرى قَالَ وَقد جَاع وعري وَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى إنّا جعلنَا على قُلُوبهم أكنةً أَن يفقهوه ثمَّ قَالَ وَرَبك الغفور ذُو الرّحمة فأعظم الخطوب ذكر الرَّحْمَة مضموماً إِلَى إهلاكهم قَالَ وتراه يفتخر بالمكر وَالْخداع فِي قَوْله ومكرنا قَالَ وَمن الْكَذِب قَوْله وَلَقَد خَلَقْنَاكُمْ ثمَّ صوّرناكم ثمّ قُلْنَا للْمَلَائكَة اسجدوا لآدَم وَهَذَا قبل تَصْوِير آدم قلت ثمَّ قَالَ ابْن الراوندي وَمن فَاحش ظلمه قَوْله كلما نَضِجَتْ جُلُودهمْ بدّلناهم غَيرهَا فيعذّب جُلُودهمْ وَلم تعصه قلت الْأَلَم للحس لَا للجلد لِأَن الْجلد إِذا كَانَ بَائِنا أَو الْعُضْو فَإِن الْإِنْسَان لَا يألم بِعَذَاب الْبَائِن مِنْهُ قَالَ وَقَوله لَا تسألوا عَن أَشْيَاء إِن تبد لكم تَسُؤْكُمْ قَالَ وَإِنَّمَا يكره السُّؤَال رَدِيء السّلْعَة قلت لَا يشك الْعَاقِل وَذُو اللّب أَن الله سكت عَن أَشْيَاء فِي كتمها مصَالح للعباد قَالَ وَفِي وصف الْجنَّة فِيهَا أنهارٌ من لبنٍ لم يتغيّر طعمه وَهُوَ الحليب وَلَا يكَاد)
يشتهيه إِلَّا الجائع وَذكر الْعَسَل وَلَا يطْلب صرفا والزنجبيل وَلَيْسَ من لذيذ الْأَشْرِبَة والسندس يفترش وَلَا يلبس وَكَذَلِكَ الاستبرق الغليظ من الدّيباج وَمن تخايل أَنه فِي الْجنَّة يلبس هَذَا الغليظ وَيشْرب الحليب والزنجبيل صَار كعروس الأكراد والنبط قلت أعمى الله بصيرته عَن قَوْله تَعَالَى فِيهَا مَا تشْتَهي أَنفسكُم وَعَن قَوْله تَعَالَى وَلحم طيرٍ مِمَّا يشتهون وَمَعَ ذَلِك فَفِيهَا الّلبن وَالْعَسَل وغليظ الْحَرِير يُرِيد بِهِ الصفيق الملتحم النسج وَهُوَ أَفْخَر مَا يلبس وَقَالَ وَأهْلك ثموداً لأجل نَاقَة وَقَالَ ياعبادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم لَا تقنطوا من رَحْمَة الله ثمَّ قَالَ إِن الله لَا يهدي من هُوَ مسرفٌ كذّاب قَالَ الجبائي لَو علم ابْن الراوندي لَعنه الله أَن الْإِسْرَاف الأول فِي الْخَطَايَا دون الشّرك وَأَن الْإِسْرَاف الثَّانِي هُوَ الشّرك لما قَالَ هَذَا ثمَّ قَالَ ووجدناه يفتخر بالفتنة الَّتِي أَلْقَاهَا بَينهم لقَوْله
وَكَذَلِكَ فتنّا بَعضهم بِبَعْض وَقَوله تَعَالَى وَلَقَد فتنّا الَّذين من قبلهم ثمَّ أوجب للَّذين فتنُوا الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات عَذَاب الْأَبَد قَالَ الجبائي وَلَوْلَا أَن هَذَا الْجَاهِل الزنديق لَا يعرف كَلَام الْعَرَب ومعانيه الْمُخْتَلفَة فِي الْكَلِمَة الْوَاحِدَة لما قَالَ هَذَا الْكفْر فَإِن قَوْله سبحانه وتعالى فتنا أَي ابتلينا وَقَوله فتنُوا الْمُؤمنِينَ أَي أحرقوهم وَقَالَ فِي قَوْله وَله أسلم من فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض هَذَا خبر محَال لِأَن النَّاس كلّهم لم يسلمُوا وَكَذَلِكَ قَوْله وَإِن من شيءٍ إلاّ يسبّح بِحَمْدِهِ وَقَوله وَللَّه يسْجد مَا فِي السَّموات وَمَا فِي الأَرْض
وَقد أبان هَذَا الزنديق عَن جهلٍ وسفهٍ فَإِن معنى قَوْله أسلم أَي استسلم إِذْ الْخَلَائق كلّها منقادة لأمر الله مستسلمة لحكمة ذليلة تَحت أوامره وَنَهْيه وَالْعرب تطلق الْكل وتريد الْبَعْض قَالَ الله تَعَالَى تدمّر كلّ شَيْء بِأَمْر ربّها وَلَو ذَهَبْنَا نورد مَا تفوّه بِهِ من الْكفْر والزندقة والإلحاد لطال والاشتغال بِغَيْرِهِ أولى وَالله سُبْحَانَهُ منزه عَمَّا يَقُول الْكَافِرُونَ والملحدون وَكَذَلِكَ كِتَابه وَرَسُوله صلى الله عليه وسلم تَسْلِيمًا كثيرا وَقَالَ السَّيِّد أَبُو الْحُسَيْن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد الآملي سَمِعت وَالِدي يَقُول قلت لأبي الْحُسَيْن ابْن الراوندي المتكلّم أَنْت أحذق النَّاس بالْكلَام غير أَنَّك تلحن فَلَو اخْتلفت مَعنا إِلَى أبي الْعَبَّاس الْمبرد لَكَانَ أحسن فَقَالَ نعم مَا قلت نبهتني لما أحتاج إِلَيْهِ قَالَ فَكَانَ من بعد يخْتَلف إِلَى أبي الْعَبَّاس الْمبرد قَالَ فَسمِعت الْمبرد يَقُول لنا أَبُو الْحُسَيْن ابْن الراوندي يخْتَلف إليّ مُنْذُ شهر وَلَو اخْتلف سنة احتجت أَن أقوم من مجلسي هَذَا وَأَقْعَدَهُ فِيهِ
وَمن شعره)
(مجن الزَّمَان كثيرةٌ مَا تَنْقَضِي
…
وسرورها يَأْتِيك كالأعياد)
(ملك الأكارم فاسترق رّقابهم
…
وتراه رقّاً فِي يَد الأوغاد)
وَمِنْه وَقيل أنْشدهُ
(أَلَيْسَ عجيباً بِأَن امْرَءًا
…
لطيف الْخِصَام دَقِيق الْكَلم)
(يَمُوت وَمَا حصلت نَفسه
…
سوى علمه أَنه مَا علم)
اجْتمع ابْن الراوندي وَأَبُو عَليّ الجبائي على جسر بغداذ فَقَالَ لَهُ يَا با عَليّ أما تسمع مني معارضتي لِلْقُرْآنِ وتقضي لَهُ فَقَالَ لَهُ أَبُو عَليّ أَنا أعرف بمجاري علومك وعلوم أهل دهرك وَلَكِن أحاكمك إِلَى نَفسك فَهَل تَجِد فِي معارضتك لَهُ عذوبةً وهشاشة وتشاكلاً وتلازماً ونظماً كنظمه وحلاوة كحلاوته قَالَ لَا وَالله قَالَ قد كفيتني فَانْصَرف حَيْثُ شِئْت وَذكر أَبُو عَليّ الجبائي أَن السُّلْطَان طلب ابْن الراوندي وَأَبا عِيسَى الْوراق فَأَما أَبُو عِيسَى فحبس حَتَّى مَاتَ وأمّا ابْن الراوندي فهرب إِلَى ابْن لاوي الْهَرَوِيّ وَوضع لَهُ كتاب الدامغ فِي