الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مذكَّر، ففيه اثنا عَشَرَ مسلكًا نذكرها، ونبيِّنُ ما فيها من صحيح وسقيم ومقارب:
المسلك الأول:
أن فَعِيلًا على ضَرْبين:
أحدهما: يأتي بمعنى فاعل، كقَدِير وسَمِيع وعليم.
والثاني: يأتي بمعنى مفعول، كقَتِيل وجَرِيح، وكفٍّ خَضِيب، وطَرْف كَحِيل، وشعر دَهِين، كله بمعنى مفعول.
فإذا أتى بمعنى فاعل فقياسه أن يجري مجراه في إلحاق التاء به مع المؤنث دون المذكر كجميل وجميلة، وشَرِيف وشَرِيفة، وصَبِيح وصَبِيحة، ووضيء ووضيئة
(1)
، ومَلِيح ومَلِيحة، وطويل وطويلة، ونحوه.
وإذا أتى بمعنى مفعول فلا يخلو إما أن
(2)
يصحب الموصوف، كرجل قَتِيل وامرأة قَتِيل، أو يفرد عنه، فإن صحبَ الموصوف استوى فيه المذكَّرُ والمؤنَّثُ، كـ"رجُلٍ قَتِيلٍ وامرَأَةٍ قَتِيلٍ" وإن لم يصحبِ الموصوفَ، فإنه يؤنَّثُ إذا جرى على المؤنَّث نحو "قَتِيلَةُ بني فُلانٍ"، ومنه قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ
…
} إلى قوله: {وَالنَّطِيحَةُ} [المائدة: 3]، هذا حكم فعيل. وفعولٌ قريب منه لفظًا ومعنى، فإنهما مشتبهان في الوزن والدّلالة على المبالغة وورودهما بمعنى فاعل ومفعول.
ولما كان (فعِيلٌ) أخفَّ استُغْنِيَ به عن (فاعل) في المضاعَف، كـ "جَلِيل وعَزِيز وذَلِيل"، كراهِيَةً منهم لثقل التضعيف إذا قالوا:
(1)
(ظ): "وصَبي وصَبيَّة".
(2)
(ظ) زيادة: "يكون".
"جالِل وعازِز وذالِل"، فأتوا بفَعِيل مفصولًا فيه بين المِثْلَين بالياء الساكنة، ولمْ يأتوا في هذا بفعول؛ لأن فعيلًا أخف منه، ولِخفَّتِهِ أيضًا اطَّرد بناؤُه من "فَعُلَ" كشريف وظريف، وجميل ونَبِيل، وليس لـ "فعوِل" بناءٌ يطَّرِدُ منْه، ولخفَّته أيضًا كان في أسماء اللهَ تعالى أكْثَرُ من "فَعُول" فإن الرحيم والقَدير والحَسيب والجَليل والرَّقيب ونظائره أكثر من ألفاظ الرَّؤوف والغَفور والشَّكور والصَّبور والوَدود والعَفُوُّ، ولا يُعرفُ إلا هذه الألفاظ الستة.
وإذا ثبتَ التشابُهُ بين "فَعِيل وفَعُول" فيما ذكرنا، وكانوا قد خَصُّوا "فعولًا" الذي بمعنى فاعل بتجريده من التاء الفارقة بين المذكر والمؤنث، وشرَّكوا بينهما في لفظ المذكر، فقالوا:"رجل صبورٌ وشَكور"، و"امرأة صَبُورٌ وشكور" ونظائرهما، وأما "عدوٌّ وعدوَّةٌ" فشاذٌّ.
فإن قصد بالتاء المبالغة لحقت المذكر والمؤنث كـ: "رَجُلٍ مَلُولَةٍ وفَروقَةٍ" وامرأة كذلك: وإن كان فعول في معنى مفعول لحقته التاء في المؤنث كـ: "حَلُوبة ورَكُوبة".
فإذا تقرَّر ذلك فـ "قريب" في الآية هو فعيل بمعنى فاعل، وليس المرادُ أنه بمعنى قارب، بل بمعنى اسم الفاعل العام، فكان حقَّه أن يكون بالتاء، ولكنهم أجْرَوْه مجرى: فَعِيل بمعنى مفعول، فلم يُلحقوه التاء، كما جرى فعيل بمعنى مفعول مجرى فعيل بمعنى فاعل في إلحاقه التاء، كما قالوا:"خَصْلَةٌ حَمِيدَةٌ وفَعْلَة ذَمِيمَةٌ"، بمعنى: محمُودة ومَذْمُومة، فحملًا على:"جَمِيِلة وشَرِيفة" في لحاق التاء فحملوا "قريبًا" على: "امرأة قتِيلٍ وكفٍّ خَضِيب وعين كَحِيل" في عدم لحاق التاء، حمْلًا لكل من البابينِ على الآخر.
ونظيره قوله تعالى: {قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78)} [يس: 78]
فحمل رَمِيمًا وهي بمعنى فاعل على "امرأة قتيلٍ" وبابه، فهذا المسلكُ هو من أقوى مسالك النُّحاة، وعليه يعتمدونَ، وقد اعترضَ عليه بثلاثة اعتراضات:
أحدها: أن ذلك يستلزمُ التَّسْوِيَةَ بين اللَاّزم والمتعدِّىِ، فإن "فَعيلًا" بمعنى مفعول بابه الفعل المتعدي، و"فَعِيلًا" بمعنى فاعل بابه الفعل اللازم؛ لأنه غالبُ ما يأتي من "فَعُل" المضموم العين، فلو جرى على أحدهما حكم الآخر، لكان ذلك تسوية بين اللازم والمتعدِّي وهو ممتنعٌ.
الاعتراض الثاني: أنّ هذا إنِ ادُّعِيَ على وجه العموم فباطل، وإن ادُّعِيَ على سبيل الخُصوص فما الضابطُ وما الفرقُ بين ما يسوغُ فيه هذا الاستعمالُ وما لا يسوغُ؟.
الاعتراض الثالث: أن العربَ قد نَطَقَتْ في "فَعِيل" بالتاء وهو بمعنى مفعول، وجرَّدَتْهُ من التاء وهو بمعنى فاعل، قال جرير
(1)
يرثي خالدة
(2)
:
نِعْمَ القَرِينُ وكنتِ عِلْقَ مَضِنَّةٍ
…
وأرى بِنَعْفِ بُلَيَّةَ الأحجارُ
فجرَّدَ "القرين" من التاء وهو بمعنى فاعل، وقال
(3)
: فسَقَاكِ حيثُ حَلَلْتِ غيْرَ فَقِيْدةٍ
…
هَزِجُ الرَّوَاحِ ودِيمَةٌ لا تُقْلِعُ فقرن "فقيدة" بالتاء، وهو فعيل، بمعنى مفعول أي: غير مفقودة.
(1)
"ديوانه": (ص/ 154).
(2)
(ع): "خالته" و (ق): "والده" والمثبت من (ظ) وهو الصواب، وهي زوجته وأم ابنه حَزْرة.
والنعف: أعلى الوادي، وبُلَيَّة: اسم موضع.
(3)
أي: جرير، "ديوانه":(ص/ 268).
وقال الفرزدق
(1)
:
فَدَاوَيْتُهُ عَامَيْنِ وهي قَريبةٌ
…
أَرَاها وتَدْنو لي مِرارًا وأَرْشُفُ
ويقولون: "امرأَةٌ فَتِينٌ وسَرِيحٌ وهَرِيتٌ"
(2)
، فجرَّدوه من التاء وهو بمعنى فاعل، وقالوا:"امْرَأَةٌ فَروكٌ، وهَلُوكٌ، ورَشُوفٌ، وأَنُوفٌ، وَرَصوفٌ"
(3)
، فجردوه وهو بمعنى فاعل كصبور، وقالوا:"امْرأَةٌ عَرُوبٌ"
(4)
، فجردوه أيضًا، ثم قالوا:"امرَأَةٌ مَلُولَةٌ وفُرُوقَةٌ"، فقرنوه بالتاء وهو بمعنى فاعل أيضًا، ودعوى أن التاء هاهنا للمبالغة لا دليل عليها، فقد رأيتَ اشتراكَ فَعُول وفَعِيل في الاقتران بالتاء والتجرُّد منها، فدعوى أصالةِ المجرَّد منهما، وشذوذ المقرون مقابلة بمثلها، ومع مقابِلِها قياسُ اللغة في اقتران المؤنَّث وتجريد المذكَّر.
وأما ما استشهدتم به من قوله تعالى: {مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78)} ، فهو على وَفْق قياس العربية، فإن العظامَ جمع عَظْم، وهو مذكَّر، ولكن جمعه جمع تكسير، وجمع التكسير يجوز أن يُرَاعَى فيه تأنيثُ الجماعة، وباعتباره قال:(وهي)، ولم يقلْ:(وهو)، ويُرَاعى فيه معنى الواحد، وباعتباره قال:"رَمِيم"، كما يقال:"عظمٌ رَمِيم"، مع أن رَمِيمًا يطلقُ على
(5)
المذكر مفردًا
(1)
"ديوانه": (ص/ 432).
(2)
فَتِين من الفتنة، والسريح: المطلقة التي لا زوج لها، والهريت: المرأة المفضاة. انظر "القاموس".
(3)
الفروك: المبغضة لزوجها، والهلوك: الفاجرة أو الحسنة التبعُّل، من الأضداد، والرشوف: طيبة الفم، والأنوف: طيبة رائحة الأنف، ورصوف: ضيِّقة المكان.
(4)
العروب: المتحببة إلى زوجها.
(5)
(ق وظ) زيادة: "جمع".