الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولما واعَدَهُ ربُّه ثلاثينَ ليلةً وأتَّمها (ظ/199 أ) بعشر، فلم يأكلْ فيها، لم يجدْ مسَّ الجُوع ولا النَّصَب فإنه كان سَفَرٌ إلى ربه تعالى، وهكذا سفرُ القلب وسيرُه إلى ربِّه لا يَجِدُ فيه من الشَّقاء والنَّصَب ما يجِدُه في سفره إلى بعض المخلوقين.
فائدة
تسخيرُ البراق لحَمْل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلةٍ واحدة مسيرةَ شهرينِ ذهابًا وإيابًا أعظمُ من تسخير الريحِ لسليمان مسيرةَ شهرين في يوم ذهابًا وإيابًا، فإن الريحَ سريعةُ الحركة، طبعُها الإسراع بما تحملُهُ، وأما البراق فالآية فيه أعظمُ.
فائدة
شقُّ صدر النبي صلى الله عليه وسلم والاعتناءُ بتطهير قلبهِ وحشْوُهُ إيمانًا وحكمَةً، دليلٌ على أنَّ محلَّ العقلِ القلبُ، وهو متَّصِلٌ بالدِّماغ.
واستدلَّ بعضُ الفقهاءِ بغسل قلبه صلى الله عليه وسلم في الطِّسْتِ من الذهب على جواز تحلية المصاحف: بالذهب والمساجد، وهو في غاية البُعْدِ! فإن ذلك كان قبل النُّبُوَّة، ولم يكنْ ذلك من ذَهَب الدنيا، وكان كرامةً أُكْرِمَ بها صلى الله عليه وسلم، وكان من فِعْل الملائكة بأمر الله، وهم ليسوا داخلينَ تحتَ تكاليف البشر.
وأبعدُ منها احتجاجُ من احتجَّ به على جواز انتفاع الرجل بالحرير تَبَعًا لامرأته كالفراش (ق/ 285 ب) واللِّحاف والمخدَّة، قال: لأن الملكَ لا حرجَ عليه، والنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم انتفعَ بذلك تَبَعًا. وقد أبعدَ هذا القائلُ النَّجْعَةَ، وأتى بغير دليل!.
فائدة
الفعل إن كان منشأَ المفسدة الخالصة
(1)
أو الراجحة فهو المُحرَّم، فإن ضَعُفت تلك المفسدهُ فهو المكروه، ومراتبه في الكراهة بحسب ضعف المفسدة، هذا إذا كان منشأً للمفسدة.
وأما إن كان مُفْضِيًا إليها فإن كان الإفضاءُ قريبًا فهو حرام أيضًا كالخَلْوة بالأجنبية، والسَّفَر بها، ورؤية محاسنها، فهذا القسم يُسْلُبُ عنه اسمُ الإباحَةِ وحكمُها.
وإن كان الإفضاءُ بعيدًا جدًّا لم يسلبْ اسمَ الإباحة ولا حُكْمَها، كخَلْوَة ذي الرَّحِم المَحْرَمِ وسفره معها، وكنظر الخاطب الذي مقصودُه الإفضاء إلى المصلحة الرَّاجحة، فإن قربَ الإفضاء قربًا ما فهو الوَرَع، وهو في المراتب على قَدْر قرب الإفضاء وبعده، وكلما قَرُبَ الإفضاءُ كان أَوْلى بالكراهة والوَرَع، حتى ينتهيَ إلى درجةِ التَّحريم.
فائدة
قولُ الملائكة للنبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء: "مَرْحَباً بِهِ" أصلٌ في استعمال هذه الألفاظ وما ناسَبَها عند اللِّقاء نحو: أَهلاً وسهلاً، ومرحبًا وكرامَةً، وخيْرَ مَقْدَمٍ وأيْمَنَ
(2)
مَوْرِدٍ ونحوها.
ووقع الاقتصارُ منها على لفظ: "مَرْحَبًا" وحدها؛ لاقتضاءِ الحال لها، فإن الرَّحْبَ
(3)
هو السَّعَةُ، وكان قد أفضى إلى أوسع الأماكن، ولم يطلقْ فيها "سهلاً"؛ لأن معناه: وطِئْتَ مكانًا سهلاً، والنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كان محمولاً إلى السماء.
(1)
(ع): "الحاصلة".
(2)
(ع): "وأتم".
(3)
(ع): "المرحب" و (ظ): "الترحيب".
فائدة
(1)
قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي موسى: "واللهِ لا أحْمِلُكُمْ، وما عِنْديَ ما أحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ"
(2)
يحتمل وجهينِ:
أحدُهما: أن يكون الكلام جملةً واحدةً، والواو واو الحال، والمعنى: لا أحملُكم في حالٍ ليس عندي فيها ما أحملكم عليه، ويؤيد هذا جوابه صلى الله عليه وسلم حيث قال:"ما أنا حَمَلْتْكُمْ، اللهُ حَمَلَكُمْ"، وعلى هذا فلا تكونُ هذه اليمينُ محتاجةً إلى تكفير.
ويحتمل أن تكونَ جملتينِ؛ حَلَف في أحدهما أنه لا يحملُهم، وأخبر في الثانية أنه ليس عنده ما يحمِلُهم عليه، ويؤيِّدُ هذا قوله في الحديث لما قيل له: إنك حَمَلْتنا، وقد حلفت، فقال:"إنِّي لا أَحْلِفُ على يَمِينٍ، فأرَى غَيْرَها خَيْرًا منها إلا كفَّرْتُ عنْ يميني وأَتَيْتُ الذي هو خَيْرٌ". ولمن نَصَر الاحتمالَ الأول أن يجيب عن هذا بجوابين:
أحدهما: أن هذا استئنافٌ لقاعدةٍ كان سبيها اليمينُ ليبيِّنَ فيها للأمَّة حكمَ اليمين، لا أنه حَنَث في تلك اليمين وكفَّرها.
الجواب الثاني: أن هذا كلامٌ خرج على التقدير، أي: ولو حنثتُ (ق/ 286 أ) لكفَّرتُ عن يميني، وأتيتُ الذي هو خيرٌ، واللهُ أعلم.
فائدة
قول النبي صلى الله عليه وسلم عن يوسف: "إنه أُوتِيَ شَطْرَ الحُسْنِ"
(3)
.
(1)
"فائدة" ليست في (ع).
(2)
أخرجه البخاري رقم (4415)، ومسلم رقم (1649) من حديث أبي موسى الأشعري- رضى الله عنه-.
(3)
قطعة من حديث أنسٍ في الإسراء، أخرجه البخاري رقم (3570)، ومسلم رقم (162).
قالت طائفة: المراد منه أن يوسف أوتِيَ شَطْر الحسن الذي أوتيه محمد صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم بلغ الغاية في الحُسْن، ويوسُف بلغ شطْرَ تلك الغاية. قالوا: ويحقق ذلك ما رواه الترمذي من حديث قَتَادَةَ عن أنس، (ظ/199 ب) قال:"ما بَعَثَ اللهُ نبِيًّا إلا حَسَنَ الوَجْهِ، حَسَنَ الصَّوْتِ، وكان نَبِيُّكُمْ صلى الله عليه وسلم أحْسَنَهُمْ وَجْهًا، وأحْسَنَهُمْ صَوْتًا"
(1)
.
والظاهر أن معناه: أن يوسف عليه السلام اختص عن الناس بشَطْر الحسن، واشتركَ الناسُ كلُّهم في شطره، فانفرد عنهم بشطره وحدَه، هذا ظاهرُ اللفظ فلماذا يُعْدَلُ عنه؛ واللام في "الحُسْن" للجنس لا للحُسْن المعين المعهود المختص بالنبي صلى الله عليه وسلم، وما أدري ما الذي حَمَلَهم على العُدول عن هذا إلى ما ذكروه؟.
وحديث أنس لا يُنافي هذا، بل يدلُّ على أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كان أحسنَ الأنبياء وجهًا وأحسنَهم صوتًا، ولا يلزمُ من كونه صلى الله عليه وسلم أحسنَهم وجهًا أن لا يكونَ يوسفُ اختصَّ عن النَّاس بشطر الحسن، واشتركوا هم في الشطر الآخر. ويكون النبي صلى الله عليه وسلم قد شارك يوسُفَ فيما اختصَّ به من الشطر وزاد عليه بحسنٍ آخر من الشَّطر الثاني
(2)
، واللهُ أعلم.
فائدة
قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ ولا شُهَدَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ"
(3)
؛
(1)
أخرجه الترمذي في "الشمائل": (ص/ 150)، وابن عدي في "الكامل":(2/ 434) وغيرهم من حديث أنس، وهو ضعيف من مناكير حسام بن مِصَكّ. ضعَّفه ابن عدي، والذهبى في "الميزان":(1/ 477).
(2)
من قوله: "ويكون النبي
…
" إلى هنا ساقط من (ق).
(3)
أخرجه مسلم رقم (2598) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه.
لأنَّ اللعنَ إساءةٌ، بل من أبلغ الإساءة، والشفاعةُ إحسانٌ، فالمُسيءُ في هذه الدَّار باللعن يسلبه اللهُ الإحسانَ في الأخرى بالشفاعة، فإن الإنسان إنما يحصُدُ ما يزرعُ، والإساءةُ مانعةٌ من الشَّفاعة التي هي إحسان.
وأما منعُ اللعن من الشهادة فإنَّ اللَّعنَ عداوةٌ، وهي منافيةٌ للشَّهادة، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم سيِّدَ الشفعاء وشفيعَ الخلائق؛ لكمال إحسانه ورأفته ورحمته بهم صلى الله عليه وسلم.
فائدة
السِّرُّ -والله أعلم - في خروج الخلافة عن أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر وعُمر وعثمان: أن عَلِيًّا لو تولَّى الخلافة بعد موته لأوشكَ أن يقولَ المُبْطِلون: إنه مَلِكٌ وَرِثَ مُلْكَهُ أهلُ بيته، فصان اللهُ منصبَ رسالته ونبوَّته عن هذه الشُّبهة، وتأمَّلْ قولَ هِرَقْلَ لأبي سفيانَ: هل كان في آبائه مَنْ مَلِكَ؟ قال: لا، فقال له: لو كان في آبائه مَلِكٌ لقلتُ: رجلٌ يطلبُ مُلْكَ آبائه
(1)
. فصان اللهُ منصبَه العَلِيَّ من شبهة المُلْكِ في آبائه وأهل بيته وهذا -والله أعلم- هو السِّرُّ في كونه لم يُورَثْ هو والأنبياءُ، قطعًا لهذه الشُّبْهة، لئلا يظنَّ (ق/286 ب) المُبْطِلُ أن الأنبياءَ طلبوا جمعَ الدنيا لأولاهم ووَرثَتِهِم كما يفعلُهُ الإنسانُ من زهده في نفسه وتوريثه مالَهُ لولده وذُرِّتَّتِهِ، فصانهم اللهُ من ذلك، ومنعهم من توريث ورثَتِهم شيئًا من المال، لئلا تتطرَّقَ التهمةُ إلى حُجَج الله ورسله، فلا يبقى في نُبُوَّتِهم ورسالتهم شبهةٌ أصلاً.
(1)
في حديث أبي سفيان مع هرقل، أخرجه البخاري رقم (7)، ومسلم رقم (1773) من حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما.
ولا يقال: فقد وَلِيَها عليٌّ وأهل بيته؛ لأن الأمر لما استقر
(1)
أنها ليست بملك موروثٍ، وإنما هي خلافةٌ نبوَّةٍ تُسْتَحَقُّ بالسَّبْق والتَّقَدُّم، كان عليٌّ في وقته هو سابقَ الأمة وأفضَلَها، ولم يكنْ فيهم حين وَلِيَها أولى بها منه، ولا خيرًا منه، فلم يحصلْ لمُبطل بذلك شبهةٌ والحمد لله تعالى.
فائدة
في شراءِ أَرْض مسجدِ المدينة من اليتيمين وجَعْلها مسجدًا من الفقه: دليلٌ على جواز بيع عقار اليَتيم، وإن لم يكنْ محتاجًا إلى بيعه للنَّفقة، إذا كان في البيع مصلحةٌ للمُسلمينَ عامة لبناء مسجد أو سور أو نحوه. ويؤْخَذُ من ذلك أيضًا بيعُه إذا عُوِّضَ عنه بما هو خير له منه.
وفي نَبْش قبور المشركين من الأرض وجعلها مسجدًا دليلٌ على طهارة المقبرة، وأن الصَّلاةَ فيها لم يُنْهَ عنها لنجاستها، وإنما هو صيانةً للتَّوحيد، وسدًّا لذريعة الشِّرْك بالقبور، الذي هو أصل عبادة الأصنام، كما قال ابن عباس وغيره.
فائدة
في استئجار النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عبدَ الله بن أُرَيْقِط الدِّيلي هاديًا في وقت الهجرة
(2)
، وهو كافر، دليل على جواز الرجوع إلى الكافر في الطِّبِّ والكُحْل والأدوية والكتابة والحساب والعيوب ونحوها، ما لم يكنْ ولايةً تتضمَّنُ (ظ/ 200 أ) عدالةً، ولا يلزمُ من مجرَّد كونِه كافرًا أن لا يوثَقَ به في شيء أصلاً، فإنه لا شيءَ أخطرُ من الدلالة في الطريق،
(1)
(ع): "سبق".
(2)
أخرجه البخاري رقم (3905) من حديث عائشة رضي الله عنها.
ولاسِيَّما في مثل طريق الهجرة.
فائدة
في حديث عبد الله بن جحش أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب له كتابًا وأمره أن لا يقرَأهُ حتى يسيرَ يومين، وأن عبد الله امتثلَ أمرَه ففتح الكتاب بعد اليومين، فقرأه .. الحديث
(1)
.
فيه من الفقه: جوازُ الشهادة على الكتاب الذي لا يُدْرَى ما فيه، بل إذا قال: هذا كتابي فاشهدْ عليَّ بما فيه، جازت الشهادةُ، وهي مسألةُ خلاف مشهورة، وتسمى:"شهادة التقليد"، ويدلُّ عليها أيضًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث كتبه إلى الملوك والنَّواحي ولا يقرؤها على من يبعثُها معه، بل يقول:"هذا كِتَابِي فَأَوْصِلْهُ إلى فُلانٍ"، وكذلك عمل به خلفاؤُه من بعده.
وفيه: جوازُ تراخي القبولِ عن الإيجاب، فإنَّ في الكتاب:"أن اقرأه ولا تُكْرِهْ أحدًا، فمن أجابك فامضِ به حتى تنزلَ نَخْلَةَ".
وفيه مسألةٌ بديعة (ق/287 أ) وهي: جواز العقد والتَّوْليَة على أمرٍ مجهولٍ حالَ العقد، يتبيَّنُ في ثاني الحال.
فائدة
قول النبي صلى الله عليه وسلم لما أنشدته قُتَيْلَةُ بنتُ الحارث شِعْرَها المعروفَ، ترثي به أخاها النَّضْر:"لو سَمِعْتُ هذا قَبْلَ قَتْلِهِ لمْ أَقْتُلْة"
(2)
، ليس
(1)
أخرجه ابن جرير: (2/ 360)، والبيهقي:(9/ 58 - 59) وغيرهم عن عروة مرسلاً، وله شواهد.
(2)
أخرجه الزبير بن بكار -كما في "الإصابة": (4/ 389 - 390) -، وابن عبد البر =
فيه النَّدَمُ على قتله؛ فإنه لم يقتلْهُ إلا بالحقِّ، ولكن كان صلى الله عليه وسلم رفيقًا رحيمًا يقبل الشفاعة، ويمنُّ على الجاني، فمعناه: لو شفَعَتْ عندي بما قالتْ قبل أن أقتلَهُ لَقَيِلْتُ شفاعَتَها وتركْتُهُ.
وقريب من هذا قوله صلى الله عليه وسلم "لو اسْتَقْبلْتُ مِنْ أَمْرِي ما اسْتَدْبَرْتُ، لَمَا سُقْتُ الهَدْيَ، ولَجَعَلْتُها مُتْعَةُ"
(1)
، ليس فيه ندامةٌ
(2)
على أفضل مما أتى به من النُّسُك، فإن الله لم يكن ليختارَ له إلا أفضلَ الأنساك وأعلاها، ولكن كاد لمحبَّته تآلف قلوبِ أصحابه وموافقتهم وتطييب نفوسهِم بأن يفعل كما فعلوا، ودَّ لو أنهَ أَحَلَّ كما أحلُّوا، ولكن منعه سَوْقُ الهَدْي، وعلى هذا فيكون اللهُ تعالى قد اختار له أفضلَ الأنساك بفعلِهِ، وأعطاه ما تمنَّاه من موافقة أصحابه، وتأليف قلوبهم بِنِيَّتِهِ ومُناه، فجمح له بين الأمرين، وهذا هو اللائقُ به صلواتُ الله وسلَامُه عليه.
فائدة
استشكلَ الناسُ من حديث قتل كعب بن الأشرف استئذان الصحابة أن يقولوا في النبي صلى الله عليه وسلم
(3)
"، وذلك ينافي الإيمان، وقد أذِنَ لهم فيه، وأجيب عنه بأجوبة:
= في "الاستيعاب": (4/ 390 - بهامش الإصابة) وقال الزبير: سمعت بعض أهل العلم يغمز هذه الأبيات، ويقول إنها مصنوعة.
(1)
أخرجه البخاري رقم (1651)، ومسلم رقم (1216) من حديث جابر رضي الله عنه.
(2)
(ع وق): "ندمة".
(3)
أخرجه البخاري رقم (4037)، ومسلم رقم (1801) من حديث جابر رضي الله عنه.
أحدها: أنَّ الإكراه على التَّكَلُّم بكلمة الكفر يخرجها عن كونها كفرًا مرَّةً طمأْنِينَةِ القلب بالإيمان، وكعب كان قد اشتدَّ في أذى المسلمين وبالغ في ذلك، فكان يحرِّضُ على قتالهم، وكان في قتلِه خلاصُ المسلمين من ذلك، فكأنَّه أكرَه الله عنه - النّاسَ على النُّطق بما نَطَقُوا به وألجأهم إليه، فدفعوا عن أنفسهم بألسنتِهم، مع طمأْنِينَةِ قلوبِهم: بالإيمان، وليس هذا بقويٍّ.
الجواب الثاني: أن ذلك النيل والكلام لم يكن صريحًا بما يتضمَّن كفرًا، بل تعريضًا وتوريةً مقاصِدُ صحيحةٌ موهِمَةٌ موافَقَته في عرَضِه، وهذا قد يجوزُ في الحرب الذي هو خُدعة.
الجواب الثالث: أن هذا الكلام والنيل كان بإذنه صلى الله عليه وسلم والحقُّ له، وصاحبُ الحق إذا أَذنَ في حقِّه لمصلحةٍ شرعية عامَّة لم يكن ذلك: محظورًا.
فائدة
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما يَنْبَغِي لِنبِيٍّ إذَا لَبسَ لأُمَتَهُ أَنْ يَنْزِعَهَا، حَتَّى يَحْكُمَ الله بَيْنَه وَبَينَ أَعْدائهِ"
(1)
احتج من يقولُ: إنَّ النوافلَ تلزمُ بالشروع، وأن الشروعَ فيها جار مجرى التزامِها
(2)
بالنَّذر، فإن الشروع التزام بالفعل، والنَّذْر التزامٌ بالقول، والالتزامُ بالفعل أقوى لأنه الغاية.
(1)
أخرجه أحمد: (23/ 99 رقم 147787)، والدارمي:(2/ 129)، والنسائى في "الكبرى" رقم (7647) من حديث جابر رضي الله عنه وسنده صحيح، وله شاهد من حديث أبي عبَّاس أخرجه الحاكم:(2/ 128 - 129)، والبيهقي:(7/ 41).
(2)
: (ع): "جارٍ مجراها: بالتزامها".
وفي الاستدلال بالحديث شيءٌ، فإن (ق/ 287 ب) فيه الإشارةَ إلى الاختصاص بقوله:"ما ينبغي لِنبِيٍّ"، ولم يقل:"ما ينبغي لأحد" ولا: "ما ينبغي (ظ / 200 ب، لكم"، فدلَّ "على مُخَالَفَةُ حكم غيره له في هذا وأنه من خواصه، ويدلُّ عليه أنَّه صلى الله عليه وسلم كان إذا عمل عملًا أثبتَهُ، وداوَمَ عليه، ولهذا لما قضى سُنَّةَ الظهر بعد العصر أثبتها وداوم عليها
(1)
.
وقولهم: الشُّروع التزامٌ بالفعل يقال: تعنونَ بالالتزام إيجابَه إيَّاه على نفسه، أم تعنون
(2)
به دخوله فيه؟.
الأول: محل النزاع، والثاني: لا يفيد، وبه خرج الجواب عن قولكم: الالتزام بالفعل أقوى.
وسرُّ المسألة: أنَّ الشارعَ في النافلة لم يلتزمها
(3)
التزامَ الواجبات، بل شرع فيها بنيةِ تكميلها وفعلها فعل سائر النوافل، وأما الناذر لها فبنذره قد الحزمَ أَدَاءَها كما يؤدي الواجباتِ، فافترقا.
فائدة
عتبةُ بنُ أبي وقاص الذي كسر رَبَاعِيَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يوم أُحد، قال بعض العلماء بالأخبار: إنه استقْرَى نسلَه فلا يبلغُ أحدٌ منهم الحُلُمَ
(1)
في هامش (ع) حاشية نصُّها: "خالف هذا المؤلف رحمه الله في كتابه "الهدي" (3/ 211) فقال: إن من لبس لأمة حربه تعين عليه الجهاد، ولم يجعله من الخصائص كما قال الأكثرون.
وشيخه أَبو العباس رحمه الله جنح إلى عدم التخصيص فِى تعليقه على "المحرر"؛ لكن جعل [مأخذ] كونه شروعًا في فرض كفاية وأنه يلزم به، وهذا أقعد مما ذكره هنا في ..... " اهـ.
(2)
من قوله: "بالالتزام
…
" إلى هنا ساقط من (ق).
(3)
(ع): "يلزمها".
إلَّا أبْخَرَ أو أَهْتَمَ
(1)
يعرفُ ذلك فيهم وهو مِنْ شؤم الآباء على الأبناء.
واخْتُلِف فيما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم من هذا ونحوه، فقيل: هو قبلَ نزول قوله: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67]، وقيل: العصمةُ الموعودُ بها عصمةُ النفس من القتل لا عصمته من أذاهم بالكُلِّيَّة، بل أبقى الله تعالى لرسوله ثوابَ ذلك الأذى، ولأُمته حُسْن التَّأَسِّي به، إدْا أودي أحدُهم نظرَ إْلى ما
(2)
جرى عليه صلى الله عليه وسلم فتأسَّى وصَبَرَ، وللمُؤْذِينَ الأشقياءِ الأَخْذةُ الرَّابِيَةُ.
فائدة
قيل: إنما فَدَّى: النبي صلى الله عليه وسلم سعدًا بأبويه
(3)
لما ماتا عليه، وأما الأَبوان المسلمان فلا يجوز أن يُفَدَّى بهما، وهذا لا يحتاجُ إليه، فإنَّ التفديةَ نُقِلت بالعُرْف العام عن وضعها الأول، وصارت علامةً على الرضى والمحبة، وكأنه قال: افْعَلْ كدْا مغبوطًا مرضيًّا عنك.
فائدة
في حديث أبي لُبَابَةَ لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ارتباطه قال: "لَوْ أَتَانِي لاسْتَغْفَرْتُ لَهُ، وَإِذ فَعَلَ فَلَسْتُ أُطْلِقُهُ، حَتَّى يُطْلِقَهُ اللهُ"، فأنزل الله تعالى:{وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} إلى قوله: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 102] فأطلقه النبي صلى الله عليه وسلم حينئذٍ
(4)
. وفي هذا ما يدُلُّ
(1)
البَخَر هو: نَتَن الفم، والهَتَم: سقوط الأسنان من مقدم الفم.
(2)
(ظ): "ذكر ما
…
".
(3)
أخرجه البخاري رقم (2905) ومسلم رقم (2411) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(4)
أخرجه ابن جرير: (6/ 460)، وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي =
على صحَّة قول المفسرين: إنَّ (عسى) من الله واجب
(1)
، وفيه: أنَّ فاطمةَ جاءت تحلُّه فقال: لا إلَّا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"فَاطِمَةُ بُضْعَةٌ مِنِّي"
(2)
.
فإن قيل: فهل يَبَرُّ الحالفُ بمثل هذا لو اتَّفَقَ اليوم؟.
قيل: لا، إما أنَّه مختصٌّ بالنبي صلى الله عليه وسلم، وإما لأن فاطمةَ بضعةٌ منه قطعًا، واللهُ أعلمُ.
فائدة
اختلف الناسُ (ق / 288 أ) في جواز إطلاق "السَّيِّد" على البَشَر، فمنعه قومٌ، ونُقِل عن مالك، واحتجُّوا بأنه صلى الله عليه وسلم
(3)
لما قيل له: يا سَيِّدَنا، قال:"إنَّمَا السَّيِّد اللهُ"
(4)
، وجوَّزه قوم، واحتجُّوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار:"قومُوا إلى سَيِّدكُمْ"
(5)
، وهذا أصحُّ من الحديث الأول.
= في "الدلائل": (4/ 15 - 16) من حديث ابن عباسٍ في قصة تخلف أبي لبابة ونفرٍ معه عن غزوة تبوك.
وذكر هذه القصة آخرون في شأن أبي لبابة مع بني قُريظَة أخرجه البيهقي في "الدلائل"؛ (4/ 16 - 17) من مرسل سعيد بنُ المسيب، وأخرجه غير واحد عن مجاهد كما في "الدر المنثور":(3/ 488).
(1)
جاء هذا عن ابن عبَّاس والحسن، انظر "الدر المنثور" ت (3/ 488، 490).
(2)
لم أجد هذه الزِّيادة في شئٍ من ألفاظ حديث أبي لبابة السالف، وهذه اللفظة أخرجها البخاري رقم (3714)، ومسلم رقم (3449) من حديث المِسْوَر بنُ مخرمة رضي الله عنه.
(3)
(ق): "بقول النبي صلى الله عليه وسلم ".
(4)
أخرجه أحمد: (26/ 235 رقم 16307)، وأَبو داود رقم (4806)، والنسائي في "الكبرى" رقم (10076) وغيرهم من حديث عبدِ الله بنُ الشخير رضي الله عنه وسنده صحيح.
(5)
أخرجه البخاري رقم (4121)، ومسلم رقم (1768)، من حديث أَبى سعيد الخدري رضي الله عنه.
قال هؤلاء: والسيد أحدُ ما يُضاف إليه، فلا يقال لتميميٍّ: إنَّه سيِّد كِنْدَةَ، ولا يقال لملك: إنه سيد البشر، قال: وعلى هذا فلا يجوزُ أن يُطلَقَ على الله هذا الاسم. وفي هذا نظرٌ، فإن السَّيِّدَ إذا أُطْلِقَ عليه تعالى فهو بمعنى المالك والمولى والرَّبِّ، لا بالمعنى الذي يُطْلَقُ على المخلوق.
فوائد
(1)
وأخلاقٍ كأخلاقِ الزِّجَاج
…
دَقَفْت بها فصارتْ كالزُّجَاج
إلى أن عُدْنَ لي عَسَلًا وماءً
…
كذاك يكونُ عاقَبِةُ العِلاجِ
الأول: جمع زُجٍّ وهو نَصْلُ الرُّمْحِ، والثاني: القوارير.
ما أنت أوَّل سارٍ غرَّهُ قمرٌ
…
ورائد أعجبتْهُ خضْرَةُ الدِّمَنِ
فاربأْ بنفسك عني إنني رجلٌ
…
مثلُ المُعَيْدِيِّ، فاسمعْ بي ولا تَرَني
(2)
[غيره]
(3)
:
إذا اشتاقَتِ الخيلُ المَنَاهِلَ أَعْرَضَتْ
…
عن الماءِ فاشْتَاقَتْ إليها المَنَاهِلُ
تَحَامَى الرَّزَايَا كُلَّ خُفٍّ وَمَنْسِمٍ
…
وتَلْقى رَدَاهُن الذُّرَى والكَواهِلُ
وتَرْجِعُ أعقابُ الرِّماحِ سَلِيمةً
…
وقد حُطِّمَتْ في الدَّارِعِينَ العَوَامِلُ
* من أراد من العمَّال أن ينظر قَدْرَه عند السلطان فلْيَنْظرْ ماذا يُوَلِّيه
(4)
.
(1)
ليست في (ظ)، و (ع):"فائدة". ومن هنا إلى (ص / 1233) منتقى من "المدهش" لابن الجوزي. وقد أعاد المؤلف هذا الانتقاء في كتابه الآخر "الفوائد": (ص/ 145 - 151، 357 - 405) مع تغيير وتصرف.
(2)
البيتان للحريري صاحب المقامات انظر: "وفيات الأعيان" ت (4/ 66 - 67).
(3)
القائل أَبو العلاء المعري "شروح سقط الزند": (2/ 541).
(4)
انظر: "المدهش": (ص/ 296).
* وحَّدَ زيد وما رأى الرسولَ، وكَفَرَ ابن أُبَيٍّ وقد صلى معه القبلتين
(1)
.
* لما تقدَّم اختيارُ الطين المنهبط، صعِدَ على النار المرتفعة، فكانت الغلبةُ لآدَمَ في حرب إبليس
(2)
.
* سبق العلم بنبوة موسى وإيمانِ آسية، فسِيْق تابوتُهُ إلى بيتها، فجاء طفل بلا أمٍّ إلى امرأة بلا وَلَد
(3)
.
* يا من هو من جملة عسكر الرسول أيحسُنُ بك كل يوم هزيمة
(4)
.
* الحيوانات تذِلُّ في طلب القُوت، والفيل يتملَّقُ حتَّى يأكلَ
(5)
.
إن كان يوجبُ ضرِّي
(6)
رحمتي فرِضًى .... بسوءِ حالي وحِلٌّ للضَّنَى بَدَنِيِ
منحتُك القلبَ لا أبغي به ثَمَنًا ..... إلَّا رضاكَ، ووافقري إلى الثَّمَنِ
(7)
* غيره:
أحنُّ بأطراف النهار صَبَابَةً .... وباللَّيل يدعونى الهوى فأُجِيبُ
(8)
(1)
انظر: "المدهش": (ص / 296 - 297)، لكن فيه:"وحَّد قُس" وليس فيه: "القبلتين".
(2)
"المدهش": (ص / 297).
(3)
"المدهش": (ص / 297).
(4)
بنحوه في "المدهش"(ص/ 143).
(5)
المصدر السابق.
(6)
في النسخ، و"الفوائد":(ص/ 146) للمؤلف: "صبري"، والتصويب من "المدهش" ويدل عليه بقية البيت.
(7)
البيتان في "المدهش": (ص/ 423) وقبلي ثلاثة أبيات.
(8)
البيت في "المدهش": (ص/ 420).
* آخر:
سأُتعِبُ نفسي أو أصادفُ راحةً
…
فإن هوانَ النفسِ أكرم للنَّفسِ
(1)
* يا من هو من أرباب الخبرة هل عرفت قيمة نفسك؟ إنما خُلقت الأكوانُ كلُّها لك، يا مَنْ غُذِي بِلِيان البِرِّ، وقُلِّبَ بأيدي الألطاف، كلُّ الأشياءِ شجرةٌ وأنْت الثمرة، وصورةٌ وأنت المعنى، وصَدَفٌ وأنت الدّرُّ، ومَخيضٌ وأنت الزُّبْدُ، منشورُ اختيارنا لك واضحُ الخَطِّ، ولكنَّ استخراجَكَ ضعيفًا، (ق/ 288 ب) متى رُمْتَ طلبي فاطلبني عندَك.
ويْحَكَ لو عَرَفتَ قَدْرَ نفسِكَ ما أهَنْتها بالمعاصي، إنَّما أبْعَدْنَا إبليسَ لأنَّه لم يسجُدْ لك وأنت في صُلْب أبيك. فواعجبًا كيف صالحْتَهُ وتَرَكْتَنَا، {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50)} .
لو كان في قلبكَ محبَّةٌ لبان أثرُها على جسدِكَ، "عَجِبَ رَبُّنا من رجل ثَار عن وِطائه ولِحافِه إلى صلاته"
(2)
تأمل معنى: ثَارَ، ولم يقلِ: قَامَ؛ لأن القيام قد يقعُ بفُتور. فأما الثَّوَرانُ فلا يكونُ إلَّا بإسراع حَذَرًا من فائت
(3)
.
(1)
البيت في "المدهش"(ص/ 342) في أبيات أخرى.
(2)
قطعة من حديث أخرجه أحمد: (7/ 61 رقم 3949)، وأَبو داود رقم (2536)، وابن حبان الإحسان":(6/ 297) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه وسنده جيد، إلَّا أنَّ الدارقطني قد أعله بالوقف كما في "العلل":(5/ 267).
(3)
من قوله: "يا من هو ..... " إلى هنا بنحوه من "المدهش": (ص / 340 - 341)، وانظر:"الفوائد": (ص/ 147) للمصنف.
* ما انتفعَ آدَمُ في بليَّةَ {وَعَصَى} بكمالِ {وَعَلَمَ} ؛ ولا ردَّ عنه عزُّ {اسْجُدُواْ} وإنما خلَّصه ذلُّ: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا}
(1)
.
* لما عشقت اللبلابة
(2)
الشجر تقلقلت طلبًا للعناق، فقيل لها: مع الكثافة لا يمكن! فرضيت بالنُّحُول والْتَفَّتْ
(3)
.
تلقَّ قلبي فمَد أرسلتُه عجلًا
…
إلى لِقَائِكَ والأشواقُ تَقدُمُهُ
ولا تَكِلْنِي على بعْدِ الدِّيارِ إلى .... صبري الضعيفِ فصبري أنتَ تَعْلَمُهُ
(4)
* غيره:
إذا لم يكن بيني وبينك مرسِلٌ
…
فريحٌ الصَّبا مني إليك رسولُ
(5)
* ملأوا مراكبَ القلوب مَتَاعًا لا ينفق إلَّا على المَلِكِ، فلما هَبَّتْ رياحُ السَّحَر أقلعتْ تلك المركبُ
(6)
.
* قطعوا باديةَ الهوى بأقدام الجدِّ، فما كاد إلَّا القليل حتى قدِموا من السَّفَر، فاعتنقَتْهُم الرَّاحةُ في طَريق التَّلَقِّي، فدخلوا بلدَ الوصل وقد حاروا رِبْحَ الأبَدِ
(7)
.
* فرَّغَ القومُ قلوبَهم من الشَّواغل، فضُرِبَتْ فيها سُرَادقات المَحَبَّة،
(1)
"المدهش": (ص/ 406).
(2)
اللبلاب: نبت يلتوي على الشجر. "اللسان": (1/ 735).
(3)
"المدهش" ت (ص/ 329).
(4)
البيتان في "الدهش"(ص/ 255) مع ثالث، وكذا في "الفوائد"(ص/ 148).
(5)
البيت في "المدهش": (ص/ 233).
(6)
"المدهش": (ص/ 156).
(7)
بنحوه في "المدهش": (ص/ 164).
فأقاموا العيونَ تحرسُ تارةً، وترشُّ الأرض أخرى
(1)
.
* سرادقُ المحبَّة لا تُضْرَب إلَّا في قاعٍ فارغٍ نَزِهٍ، "فرِّغ لي بيتًا أسْكُنه"
(2)
.
* اعْرِف مِقْدارَ ما ضاعَ منكَ، وابْكِ بكاءَ مَنْ يدري مقدارَ الفائتِ
(3)
.
* لو تَخَيَّلْتَ قربَ الأحباب لأَقَمْتَ المآتمَ على بُعْدِكَ، لو استنشقتَ ريح الأسحار لأفاق قلبُك المخَمورُ.
* مَن استطالَ الطريقَ ضَعفَ مشيُهُ.
وما أنْتَ بالمشتاقِ إنْ قلتَ بيننا .... طوالُ اللَّيالي أو بعيدُ المَفَاوزِ
* أما علمت أن الصادق:.
* إدْا همَّ ألْقَى بين عينيه عزمَه
(4)
*
* إذا نزل آبُ في القلب سكنَ آذارُ في العَيْن
(5)
.
* من قَبَّل فَمَ اللَّذَّةِ لا يُنْكِرْ عَضَّ أسنانِ النَّدامة.
(1)
"المدهش"(ص/ 222).
(2)
"المدهش": (ص / 227).
(3)
"المدهش": (ص / 161).
(4)
صدر بيت لسعد في ناشب كما في "الحماسة": (1/ 69 - 70) وعجزه.
* ونكَّبَ عن ذِكْر العواقب جانبًا *
(5)
"المدهش": (ص / 235)، والمعنى: إذا نزلَت حرارة الحب فِى القلب، رأيت كل ما في المحبوب جميلًا. كّنى عن شدة الحرارة بـ "آب"، وعن جمال الربيع بـ "آذار".
* هان سهرُ الحراس لما علِموا أنَّ أصواتَهم بِسَمع المَلِك.
* "رفيقُك قَيْسِيٌّ وأنت يَماني".
* إذا كنت كلَّما لاحتْ لك شهوةٌ طفيل العرائس، فانتظرْ قتْلَة وضَّاح اليَمَن
(1)
.
* من لاحَ له كمالُ
(2)
الآخرة هان عليه فِراقُ الدنيا.
* إذا لاحَ للباشقِ الصيدْ نَسِيَ مألوفَ الكَفِّ.
* يا أقدامَ الصَّبرِ احملي بَقِيَ القليلُ
(3)
.
* تذكَّرْ حلاوةَ الوِصَالِ يَهُنْ عليكَ مرُّ المُجَاهَدةِ
(4)
.
* قد علمَتْ أينَ المنزل فاحْدُ لها تَسِرْ
(5)
.
* قال أَبو يزيدَ: ما زلت أسوقُ نفسي إلى الله وهي تبكي، حتى سقتُها إليه وهي تضحكُ
(6)
.
* الهِمَّةُ العَلِيَّةُ من استعدَّ صاحبُها للقاء الحبيب، وقدَّم التَّقادم بين يَدَي الملتقى، فاستبشر عند القدوم: {وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ
(1)
طفيل العرائس هو: من يُنْسَب له الطفيليون، وكان يتتبع الأعراس، ووضاح اليمن: شاعر من أجمل الناس، قتله الوليد بنُ عبدِ الملك في صندوق. انظر:"ثمار القلوب": (1/ 205 - 208) للثعالبي.
(2)
(ق وظ): "جمال".
(3)
"المدهش": (ص/ 274).
(4)
نحوه في "المدهش": (ص/ 188)، وانظر:"الفوائد": (ص/ 150).
(5)
"المدهش": (ص/ 274).
(6)
"المدهش": (ص/ 463).
وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ}
(1)
[البقرة: 223].
* الجنَّةُ ترضى منك بأداء الفرائض، والنارُ تندفعُ عنك بترك المعاصي، والمحبّة لا تقنعُ منك إلَّا ببذل الرُّوح
(2)
. {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ} [التوبة: 111].
بدَمِ المُحب يُبَاعُ وَصْلُهُمُ
…
فمن الذي يبتاعُ بالثَّمَنِ
(3)
* للهِ ما أحلى زيارةً تَسعى فيها أقدامُ الرِّضا على أرض الاشتياق
(4)
.
زُرْناكِ شوقًا ولو أنَّ النوى بَسَطَتْ
…
فُرُشَ الفلا بَيْنَنَا جَمْرًا لزُرْنَاكِ
(5)
* ما سافر الخليلُ سَفَرًا، ولا سَلَكَ طريقًا أطْيَبَ من الفَلاةِ التي دَخلها حين خرج من كِفَّة المَنْجنيق، رآه جبريلُ قد ودع بلدَ العادة فظن ضعفَ قدم التَّوَكُل فعرض عليه زاد:"ألك حاجة"؟ فرده بَأَنَفَةٍ: "أما إليك فلا"
(6)
.
لَمَّا تكامل وفاؤه لِمَا أُمِر به جاءته خِلْعَةُ: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} .
قالتْ لِطَيْفِ خَيَالٍ زْارَها ومضى .... باللهِ صِفْهُ ولا تُنْقِصْ ولا تَزِدِ
فقالَ: خَلَّفْتُهُ لو ماتَ من ظَمَأٍ
…
وقلتُ: قِفْ عن وُرودِ الماءِ لم يَردِ
قالت: صدقتَ الوَفا في الحُبِّ شيمتُهُ
(7)
…
يا بَرْدَ ذاك الذي قالتْ على كَبِدِي
(8)
(1)
انظر "الفوائد": (ص / 150).
(2)
المصدر نفسه.
(3)
"المدهش": (ص/ 291)، وفيه "بالمسعر".
(4)
بنحوه في "المدهش": (ص / 275).
(5)
"المدهش": (ص / 275).
(6)
"المدهش": (ص/ 275 - 276).
(7)
(ق) والمدهش: "عادته".
(8)
الأبيات في "المدهش": (ص/ 314)، ونسبها في "الخريدة"(1/ 118) إلى =
* غيره:
إن قومي يومَ بانوا
…
فرَّقوا بيني وبيني
فإذا كنت أنا الرَّهْـ
…
ـنُ فمن يقبضُ دَيْني
* غيره:
وكم مُغْرَمٍ بين تلك الخِيَا
…
مِ تحسَبُّهُ بعضَ أطنابِها
(1)
* للنفس حظٌّ وعليها حقٌّ {فَلَا تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ} ، {وَذِنُواْ بِالْقِسْطَاسِ} ، وإن رأيتمْ منها فُتورًا فاضرِبوها بسَوْط الهَجْر في المضاجِعِ {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} ، ارفقوا بمطايا الأبدانِ، فقد أَلِفَتِ التَّرَفَ {وَلَا تُضَارُّوهُنَ لِتُضَيِّقُوْا عَلَيْهِنَّ}
(2)
.
* إن هذا الدينَ متين فأوغِلوا فيه برفق، لا تحملوا على النفوس فوق الطَّاقة إلى أن تتمكَّنَ المحبَةُ فلها حينئذ حكمُها.
* شرابُ الهوى حُلْوٌ، لكنه يورثُ الشَّرَقَ.
* مَنْ تَذَكَرَ خَنْقَ الفخ هانَ عليه هجرانُ الحَبَّةِ.
* يا معرقلًا في شَرَك الهوى جَمْزَةُ
(3)
عزمٍ وقد خرقت الشَّبَكةَ، لا بُدَّ من نفوذِ القَدَر فاجنحْ للسَّلْم
(4)
.
= أَبى المطاع ابن ناصر الدولة.
(1)
البيت في "المدهش": (ص / 227) وفيه: "وكم ناحل".
(2)
انظر: "المدهش": (ص/ 310).
(3)
(ق): "حموة"، والجمز: العدو والإسراع، أو القفز.
(4)
العبارات الثلاث انظرها في "الفوائد": (ص/ 125).
* أيُّ تَصَرُّفٍ بقيَ لك في قلبِك وهو بين إصبعين
(1)
.
* يا منقطعينَ عن القوم، سيروا في باديةِ الدُّجَى، وأنِيْخوا بوادي الذُلِّ، فإذا فُتِحَ بابٌ للواصِلِينَ فدونَكم، فاهجموا هجومَ الكذَّابين
(2)
وابسطوا أكُفَّ {وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا} لعل هاتف الرحمة يقول، {لَا تَثْرِيبَ}
(3)
.
* {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} واستقرضَ منك حبَّة فبخلتَ بها، وخلَقَ سبعةَ أبحرٍ، واستقرض منك دمعةً فقحطتْ عينُك بها
(4)
.
* إطلاق البصر ينقش في القلب صورةَ المنظور، والقلبُ كعبةٌ، وما يرضى المعبودُ بمزاحمة الأصنامِ
(5)
.
* لذَّاتُ الدُّنيا كسوداء، وقد غَلَبَتْ عليكَ، والحور العين يعجبنَ من سوء اختيارِكَ عليهنَّ، غير أنَّ زوبعة الهوى إذا ثارت سَفَتْ في عين البصيرةِ فخفِيَتِ الجَادَّةُ
(6)
.
* تدور عينك على المُحَرَّمات كأنك قد ضاع منك شيء، ورواحل همَّتك في الهوى ما يُحل لها قَتَبٌ:
* إن قهَرَ نفسَك (ق/ 289 ب)، حبُّ الفاني فذكِّرْها العيشَ
(7)
الباقيَ،
(1)
"المدهش": (ص/ 298).
(2)
(ظ): "اللوانين".
(3)
بنحوه في "المدهش": (ص/ 484).
(4)
بنحوه في "المدهش": (ص/ 340).
(5)
"المدهش": (ص/ 363).
(6)
انظر: "الفوائد": (ص/ 125 - 126).
(7)
(ق وظ): "النفيس".
فإن أَبَتْ إلَّا ببيع الغَبْنِ، فاحجُرْ عليها حَجْرَ السَّفِيهِ، وغّط بصَرَ باشِقِكَ إلى أن ينسى ما رأى، واغسل باطنَ
(1)
عينيكَ بطَهوِر المدامع، وكلما لَذكَّرتَ ما أبصرتَ فأطرِقه بدمعة، (ظ/ 202 أ) لعل فَرْطَ البكاءِ يدفعُ
(2)
فسادَ البصر فَيَصْلحَ لرؤيةِ الحبيب:
وكيف ترى ليلى بعينٍ تَرَى بها
…
سِواها وما طَهَّرْتَها بالمدامعِ
وتسمعُ منها لفظةً بعد ما جرى
…
حديثُ سواها في خروقِ المسامعِ
* غيرُه:
إذا لم أَنَلْ منكمْ حديثًا ونظرةً
…
إليكمْ فما نَفْعِي بسَمْعِي وناظِرِي
(3)
* تزَيَّنَتِ الجنَّةُ للخطَّاب فجدُّوا في تحصيل المهر.
* تعرَّفَ ربُّ العزّة لعباده المحبين فعملوا على اللِّقاء، وأنت مشغولٌ بالجِيَف
(4)
.
* ما يُساوي ربُعُ الدِّينار خجلُ الفضيحة فكيفَ بألَمِ القَطْع؟!.
* المعرفة بساط لا يطأُ عليه إلَّا مقَرَّبٌ، والمحبة نشيد لا يطربُ عليه إلَّا محبٌّ مغرَمٌ، والحبُّ غدير في صحراءَ ليس عليه جادّةٌ، فلهذا قل وُرَّادُهُ
(5)
.
(1)
(ق): "ناظر".
(2)
(ق وظ): "يدبغ".
(3)
البيت لصُرَّدُرّ، وهو في "المدهش":(ص / 436) وصدره هناك:
* إذا لم أفُزْ منكم بوعدٍ ونظرةٍ *
(4)
انظر: "الفوائد": (ص/ 126).
(5)
(ق): "وارده" و (ظ): "روَّاده".
* المحب يهرب إلى العُزلةِ والخَلوةِ بمحبوبِهِ والتعلُّقِ بذكره، كَهَربِ الحوتِ إلى الماءِ والطِّفْلِ إلى أُمِّهِ:
وأخرجُ من بين البيوتِ لعلَّني
…
أحدَّثُ عنكِ النفسَ بالسِّرِّ خاليًا
(1)
* لو رأيت المحبِّينَ في الدُّجى تمرُّ عليهم زُمَرُ النُّجومِ مرَّ الوصائف، إلى أن يُقْبِلَ هودجُ "هل من سائل"، فينثرون عليه الأرواح نَثْرَ الفَرَاش على النار.
* ليس للعابدينَ مستراحٌ تحت شجرة طوبى، ولا للمحبِّين قرارٌ إلَّا يومَ المزيد، فمَثِّلْ لقلبك الاستراحةَ تحتَ شجرهَ طوبى يَهُنْ عليك النَّصَبُ، واستحضرْ يومَ المزيد يَهُنْ عليك ما تتحمَّلُ من أجله
(2)
.
* كنوز الجواهر مُوْدَعة في مصر الليل، فَتَتَبَّعْ آثارَ المحبِّين لعلك تظفر بكَنْزٍ.
* أنْت طفلٌ في حِجْر العادة، مشدودٌ بقُماط الهوى، فما لك ولِمزَاحمةِ الرِّجالِ.
* أين أنت والمحَبَّة وأنت أسيرُ الحبَّة؟! تَمَسَّكْتَ بالدنيا تمسُّك الرَّضيع بالظِّئر، والقومُ ما أعاروها الطَّرْفَ
(3)
.
* أفٍّ لبَدَوِيٍّ لا يُطْرِبُه ذكرُ حاجر
(4)
.
* انقسم الصالحون عند السِّياق: فمنهم من أخذه القَلَقُ فكان
(1)
البيت في "المدهش". (ص/ 439)، و"الفوائد":(ص/ 126).
(2)
بنحوه في "المدهش": (ص/ 524)، و"الفوائد":(ص/ 126).
(3)
انظر لهذه والتي قبلها: "المدهش": (ص/ 352).
(4)
"المدهش"(ص/ 310).
يقولُ: ويل لي إن لم يغفرها، أنا أمضي إلى النار أو يغفر، ومنهم من غَلَبَ عليه الرجاء كبلالٍ الحَبَشِيِّ، كانت زوجتُه تقول: واحُزْنَاهُ وهو يقول: واطَوَبَاهُ، غدًا ألقى الأحبَّهْ، محمَّدًا وحِزْبَهْ، واهًا لبلالٍ عَلِمَ أنَّ الإمامَ لا يَنسى المُؤَذَنَ
(1)
!.
* اشتَغِلْ به في الحياة يَكْفِكَ ما بعدَ الموتِ
(2)
.
* دق كؤوس الرحيل، فثار
(3)
الرَّكْبُ وتأهَّبوا للمسير، وعُكِمَت أحمالٌ الزَّاد وسارتْ رفقةُ المتهجِّدين، وأنت في الرَّقدة الأولى بَعْد، كيف تُطِيق السهرَ مع الشبع؟ (ق / 290 أ) أم كيف تُزاحمُ أهلَ العزائم بمناكب الكَسَل
(4)
؟!.
* هيهاتَ ما وصل القومُ إلى المنزل إلَّا بعد مواصلة السَّرَى، ولا عبروا إلى مِصْر
(5)
الراحة إلَّا على جسر التعب
(6)
.
وأطيبُ الأرض ما للقلبِ فيه هوىً
…
سَمُّ الخَياطِ مع المحبوبِ مَيْدَانُ
(7)
* لو رأيت أهلَ القبورِ في وَثَاقِ الأسر فلا يستطيعونَ الحركةَ إلى نجاةٍ، {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} .
* يا منفقًا بضاعة العمر في مُخَالَفَةُ حبيبه والبعد منه، ليس في
(1)
"المدهش": (ص/ 352).
(2)
"الفوائد": (ص/ 126).
(3)
(ظ): "فسار".
(4)
"المدهش": (ص/ 432 - 433).
(5)
(ظ): "مقرّ".
(6)
"المدهش": (ص/ 157).
(7)
"المدهش": (ص/ 385) ونسبه للغزي.
أعدائك أشدُّ شرًّا عليك منكَ.
ما يَبْلُغ الأعداءُ مِن جاهلٍ
…
ما يَبْلُغ الجاهلُ من نفسِهِ
(1)
.
* [غيرُه]:
هذا المحبُّ لديك فانظرْ هل تَرَى
…
قلبًا فإن صادفتَ قلبًا فاعذُلِ
(2)
* غايةُ العاذلِ إيصال اللَّوْم إلى الأُذُن، فأما القلب فلا سبيلَ له إليه
(3)
.
* سفر الليل لا يُطيقهْ إلَّا مضمِرُ المجاعَةِ، تَمرُّ النَّجائبُ في الأول، وحاملات الزاد في الآخر، ولو وردْتَ ماءَ مَدْينَ لوجدت عليه {أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ}
(4)
.
* إقبال الليل عند المحبين كقميص يوسُفَ في أجفان يعقوبَ.
* لو أحببتَ المخدوم حضر قلبك في خدمته
(5)
.
فيا دارَها بالحَزْن إِنَّ مَزَارَها
…
قريبٌ ولكنْ دونَ ذلك أهوالُ
(6)
* العروسُ تَلْبَسُ عند العرض تحتَ الثياب شعارَ الخوف من
(1)
البيت وما قبله في "الفوائد"(ص / 126 - 127)، والبيت لصالح بن عبدِ القدوس، انظر:
(2)
بلا نسبة في "المدهش": (ص/ 443) وقبله بيت، لكن أوله: "هذي حشاي
…
".
(3)
المصدر نفسه.
(4)
بنحوه في "المدهش": (ص/ 462).
(5)
"المدهش": (ص / 455).
(6)
البيت لأبي العلاء المعرِّي "سقط الزند": (3/ 1228)، وهو في "المدهش":(ص/291).
الرَّدِّ، وفوق الثياب حُلَّةَ الانكسار، (ظ/ 202 ب) وحمرةُ الخجل تُغْنِيها عن تخميرٍ مستعارٍ؛ لأنها لا تدري على ماذا تقدُم، فكيف يسكنُ من لا يعلم العواقب؟.
* مداراة قيس تمكن ولكن لا مع ذكر ليلى
(1)
.
* انقسم العباد ثلاثة أقسام: فمنهم من لاحظَ الحصادَ فزادَ في البَذْر. ومنهم من رأى حقَّ المخدوم فقام بأدائه. ومنهم مَنْ خَدَم حُبًّا وشوقًا فتلذَّذَ بالخدمة وهذه الخدمةُ لا ثقلَ لي؛ لأن محركَها الحبُّ وغيرها ثقيل على البَدَن.
* نوق أبدان المحبِّين لا تُحِسُّ بالنَّصَب، وأسماعُها مشغولةٌ بصوت الحادي، وقلوبها معلَّقَةٌ بالمنزل.
* مَنْ عَبَدَهُ خوْفًا أَمَّنَه، ومن عَبَدَهُ رجاءً أعطاه أَمَلَهُ، ومن عبده حبًّا {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِىَ لَهُمْ} .
* شعر
(2)
:
يَرَاها بعين الشَّوق قلبي على النَّوَى
…
فتحْظَى ولكنْ مَنْ لعيني برؤياها
وهبكم منعتمْ أن يراها بعيِنهِ
…
فهل تمنعونَ القلبَ أن يَتَمَنَّاها
(3)
*كم دخل المجلسَ عاصٍ في باطنه باطيةُ خمر، فما زالت تعمل فيها حِدَّةُ شمس التذكير، حتَّى انقلبتْ خَلًّا فَحَلَّتْ.
(1)
"المدهش": (ص/ 482).
(2)
من (ق).
(3)
البيتان من قصيدة لمهيار الديلمي: "ديوانه"(4/ 183 - 184).
يكون أُجَاجًا دونكمْ فإذا انتهى .... إليكم تَلَقَّى نَشْرَكُمْ فيَطِيبُ
(1)
فصل
(2)
حَلِيَ الشيءُ في عيني، وحَلا في فمي.
الحَذْفُ: بالعصا، والخَذْفُ: بالحَصى.
حَسَرَ عن رأسه، وسَفَرَ عن وجهه.
وافْتَرَّ عن نابه، وكَشَّرَ عن أسنانه.
وأبدى عن ذِرَاعيه، وكَشَفَ عن ساقيه.
مائدةٌ: لما عليها الطَّعام، وخِوَانٌ: لما لا طَعَامَ عليه.
عَرْقٌ: للعَظْمِ عليه اللَّحْمُ، وعُرَاقٌ: جمعُه، وبدون اللَّحم: عظمٌ.
كأسٌ: لما فيه شرابٌ، وبدونه: زجاجةٌ.
وإناءٌ وقَدَحٌ وكُوزٌ: لدي العُرْوة، وبدونها: كُوبٌ.
رُضَابٌ: للرِّيق (ق/ 290 ب) في الفم، فإذا انفصلَ فبُصَاق.
أرِيكَةٌ: للسريرٌ عليه قبَّة، وبدونها: سريرٌ.
خِدْرٌ: للخِباء فيه المرأة، وبدونها: سِتْرٌ.
ظَعِينَةٌ: للمرأة في الهَوْدَجِ
(3)
.
(1)
البيت في "المدهش"(ص/ 316)، وهذا البيت والفقرة قبله ساقطة من (ق).
(2)
(ظ): "فائدة".
(3)
من قوله: "خدر ..... " إلى هنا ساقط من (ق).
قَلَمٌ: للمَبْرِي، وبدون بَرْيِهِ: أنبوبٌ.
عِهْنٌ: للصوف المصبوغ، وبدون صَبْغه: صوف.
وَقودٌ: للحطب المشتعل نارًا، وبدونها: حَطَبٌ.
رَكَيَّةٌ: للبئر ذي الماء، ورَاوِيةٌ: للإبل حاملات الحاء.
سَجْلٌ: للدلو فيها الماء، فإذا مُلِئَتْ فهي: ذَنُوب، وَدَلْوٌ: بدونهما.
نَفَقٌ: إذا كان له منفذٌ، وبدونه: سَرَبٌ.
نَعْشٌ: للسَّرير عليه المَيِّتُ، وبدونه: سرير.
خَاتَم: لذي الفَصِّ، وبدونه: حَلَقةٌ.
رُمْحٌ: لذي الزُّجِّ، وبدونه: قنَاةٌ.
لَطِيمَةٌ: للإبل التي تحمل الطِّيبَ والبَرَّ خاصة، وحَمُولَة: للحاملاتِ الأمتعة، وَبدَنَةٌ: للمهداة.
هَضْبَةٌ: للحمراء من التلول.
غيثٌ: للمطر في إبَّانِهِ، وإلَّا فمطرٌ.
الفَرْك: البغضُ بين الزوجين خاصة.
الشَّيْئمُ: نظرُ البرقِ وحده.
الواعِيَةُ: الصائِحَةُ على الميت خاصَّة
(1)
.
الإباقُ: هربُ العبد خاصَّة.
(1)
انظر: "اللسان": (15/ 397)، و"النهاية":(5/ 207).
القُتَارُ
(1)
: ريح الشواء خاصة.
القَذْفُ: الشتم بالزِّنا خاصة.
لا يؤبَه بِهِ ولَهُ، وأمَّا:"إليه" فمن لَحْن الخاصة.
يتفُلُ: بالكسر والضم، ويفْسُقُ، مثله.
آسيتُكَ وآكلتُكَ وآخيتُكَ. وحكى أَبو عبيد
(2)
: "واسَيْتُكَ
…
" بالواو فيهن فليس إذًا من لحن الخاصة
(3)
، وله وجه في العربية، فإنهم يقولون:"أُواسيه" بقلب الهمزة واوًا في المستقبل، فأعطوها ذلك في الماضي.
لا يقال: "أقْلَبه" إلا في موضع واحد: "أَقْلَبَتِ الخُبْزَةُ" إذا حان وقتُ قَلْبِها
(4)
.
* القوة الماسكة: ليس بغلط كما زعم طائفةٌ؛ لأنه قد ورد. (مَسَكَ) ثلاثي
(5)
.
تَعَسَ: بفتح العين
(6)
.
* ما أُعْطِيَ أحدٌ النَّصْفَ فأباه إلَّا أَخَد أقَلَّ منه.
* أعجبني الشيءُ: يُرَادُ به معنيانِ
(7)
:
أحدهما: سرَّني وهو: من الإعجابِ، والثاني: بمعنى دعاتي إلى التَّعَجُّب
(1)
كدُخان وزنًا ومعنى.
(2)
لعله في "الغريب المصنف".
(3)
من قوله: "بالواو فيهن
…
" إلى هنا سقط من (ق).
(4)
انظر: "اللسان": (1/ 686) وهى لغة ضعيفة عن اللحياني، وفي (ع): "قَلَبت
…
".
(5)
انظر: "تصحيح التصحيف": (ص/ 460) وهامشه.
(6)
ويكسرها، كما في "اللسان والقاموس والمصباح".
(7)
انظر: "المصباح المنير": (ص / 149).
منه منقول من عَجِبَ يُعْجَبُ، مُعَدَّى بالهمزة. قال كعب بنُ زهير
(1)
:
لو كنتُ أَعْجَبُ من شيءٍ لأعجبَني
…
سعْيُ الفتى وهو مخبوءٌ له القَدَرُ
(ظ/ 203 أ) فأعجبني هنا من العَجَب لا من الإعجاب، فتقول:"أعْجَبَني" و"ما أَعْجَبَني" بالاعتبارين.
* يَحْدُر في قراءته: يُسرِعُ، ويَهْدِرُ: يهتاجُ في قراءته مع غلُوِّ صوته فيها، من قولهم: هَدَرَ الفحلُ: إذا هاج، وهدَرَ الحَمَامُ، وهَدَرَتِ الضَّفادع، فليس من لحن العامَّة.
* إذا حلَّتِ الشمسُ بالشَّرَطَيْنِ
(2)
: بفتح الشينِ والراءِ، وضمُّهما لَحْن.
* يقال: عَنِيتُ في كذا، فأنا عانٍ فيه، و"عُنِيتُ به" مبنيٌّ للمفعول، فأنا مَعْنيٌّ به، وحكى ابنُ الأعرابي الفتح -أيضًا- فيه، وقال غيره:"عُنيت" بالضم أي: قصدت بها
(3)
، و"عَنَيْتُ" بالفتح، أي: قَصَدتُ، تقول: عَنَيت كذا، أي: قصدته غير معدًّى بالباء فهذا من القصد، وأمَّا من العَناء فإنما يقال: مُعَنَّى، وأما مِنَ العِناية فإنما يقال: عُنِيَ به، مبني للمفعول.
فصل
(4)
بلالُ بنُ حَمَامة وأَبوه رَباح، ابنُ أم مكتوم وأَبوه عَمْرو، بشير بنُ
(1)
"ديوانه": (ص/ 168).
(2)
نجمان من الحمل. انظر: "اللسان": (7/ 330).
(3)
من قوله: "به مبني
…
" إلى هنا ساقط من (ظ) والمطبوعات.
(4)
هذا الفصل والذي يليه من أنواع علوم الحديث، نوع:"من نُسِب إلى غير أبيه، ومنه: من نسِب إلى أمّه". انظر: "علوم الحديث": (ص/ 370) لابن الصلاح، و"تدريب الراوي":(2/ 845 - فما بعدها).
وهذا الفصل والذي يليه نقله المؤلف من "المدهش": (ص/ 54) لابن الجوزي.
الخَصاصية وأَبوه (ق/ 1291) مَعْبَدٌ، الحارث بنُ البَرْصاء وأَبوه مالك، خفَافُ بنُ نُدْبَة وأَبوه عُمَيْرٌ، شرَحْبِيل بنُ حَسَنَةَ وأَبوه مالك، مالك بنُ نُمَيْلة وأَبوه ثابت، مُعَاذٌ وَمعَوِّذٌ ابْنَا عفراء وأَبوهما الحارث، يعلَى بنُ مُنْيَة وأَبوه أميَّة، عبدِ اللهْ بنُ بُحَيْنَةَ وأَبوه مالك.
فصل
إسماعيل بنُ عُلَيَّة وأَبوه إبراهيم، منصور بنُ صَفِيَّة وأبوه عبدِ الرحمن، محمد بنُ عائشة وأَبوه حفص، إبراهيم بنُ هَرَاسة وأَبوه سلمة، محمد ابن عَثْمَة وأَبوه خالد.
فصل
(1)
* عطاء عن أبي هريرة: "فى كلِّ صَلاةٍ قِرَاءَةٌ"
(2)
.
وعطاء مرفوعًا: "لا يَجْتَمِعُ حُبُّ هؤلاءِ الأربعةِ إلَّا في قَلْبِ مُؤْمِنٍ"
(3)
فذكر الخلفاء الأربعة.
وعطاء عنه مرفوعًا: "إذا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فلا صَلَاةَ إِلا المَكْتُوبَةُ"
(4)
.
وعطاء عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم "سجد في {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} "
(5)
.
وعطاء عنه مرفوعًا: "إذا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ يَقولُ اللهُ تعالى:
(1)
هذا الفصل من "المدهش": (ص/ 59 - 61).
(2)
أخرجه البخاري رقم (722)، ومسلم رقم (396).
(3)
أخرجه عبد بنُ حُميد في: مسنده "المنتخب": (3/ 216)، وأَبو نعيم في "الحلية":(5/ 203)، والخطيب في "التاريخ":(14/ 332).
(4)
أخرجه مسلم. رقم (710).
(5)
أخرجه مسلم رقم (578).
ألَا دَاعٍ"
(1)
.
الأول: ابنُ أبي رَبَاح، والثاني: الخُرَاساني، والثالث: ابن يَسَار، والرَّابع: ابن ميناء، والخامس: مولى أم صُبَيَّةَ.
* * *
* عَمْرَةُ: أنَّها دخلت مع أمها على عائشة فسألتها ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الفرار من الطاعون؟ قالت: سمعته يقول: "كالفِرارِ مِنَ الزَّحْفِ"
(2)
.
وعَمْرَةُ قالت: خرجت مع عائشة سنة قتل عثمان إلى مكة، فمررنا بالمدينة ورأينا المصحفَ الذي قُتل وهو في حجره، فكانت أول قطرة قطرت على هذه الآية {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ}. قالت عَمْرَةُ: فما مات منهم رجل سوِيًّا
(3)
.
وعَمْرَة عن عائشة: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم "ينهى عن الوصال"
(4)
.
الأولى: بنت عبدِ الرحمن
(5)
، الثانية: بنت قيس العَدَوِيَّة، الثالثة:
(1)
أخرجه الدارمي: (1/ 414)، وأحمد:(2/ 272) رقم 967) وسنده ضعيف لجهالة عطاء مولى أم صُبَيَّة.
(2)
أخرجه أحمد: (6/ 82)، وإسحاق فى "مسنده:(3/ 986)، والبخاري فِي "التاريخ":(2/ 198)، وعمرة هى بنت قيس العدوية.
(3)
أخرجه عبد الله بنُ أحمد في زوائده على "فضائل الصحابة" رقم (817)، وعنه ابن نقطه في "التقييد":(1/ 234). عن عمرة بنت أرطاة العدوية، لكن أخرجه ابن أَبى عاصم في "الزهد":(1/ 127) من حديث عمرة بنت قيس العدوية.
(4)
أخرجه أَبو يعلى: (4/ 247)، والرامهرمزي في "المحدَّث الفاصل":(ص/ 338) من طريق عَمْرة عن عائشة.
(5)
لم يذكر المؤلف شيئًا من حديث عَمْرة بنت عبدِ الرحمن، فلعلّه سقط منه =
بنت أرطاة، الرابعة: يقال لها: الصاحية.
* * *
* حمَّاد، عن ثابت، عن أنس: سمع النبي صلى الله عليه وسلم في النِّخْل صوتًا
(1)
..... الحديث.
حماد، على ثابت، على أَنس:"رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبد الرحمن صُفْرَةً"
(2)
. الحديث.
حمَّاد، عن ثابت، عن أنس يرفعه:"مَثَلُ أُمّتِي كالمَطَرِ"
(3)
.
الأول: ابن سَلَمة، والثاني: ابن زيد، والثالث: الأَبَحُّ.
* * *
* قَتَادة يروي عن عِكْرِمَةَ مولى ابن عبَّاس. وعن عكرمة ابنُ خالد: ضعيف.
* وكيع يروي عن النَّضر بنُ عدي: ثقة، وعن النَّضْر بن عبد الرحمن: ضعيف.
= سهوًا، وحديثها الذي ذكره في "المدهش" هو قول عائشة رضي الله عنها: لو أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ما أحدث النساء لمنعهن المساجد
…
".
(1)
أخرجه مسلم رقم (2363) وهو حديث تأبير النخل الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم "أنتم أعلم بأمور دنياكم ..... " ولفظ المؤلف عند البزار في مسنده كما في "الإحكام": (6/ 209) لابن حزم.
(2)
أخرجه البخاري رقم (5155)، ومسلم رقم (1427).
(3)
أخرجه أحمد: (19/ 334 رقم 12327)، والترمذي رقم (2869). وغيرهم، وحسنه التِّرمِذي والحافظ ابن حجر في "الفتح":(7/ 8).
* حفص بنُ غِيَاث يروي عن أشعث بنُ عبدِ الرحمن: ثقة، وعلى أشعث بنُ سوَّار: ضعيف.
* * *
* موسى بنُ عُبَيْدة الرَّبَذي كان أخوه عبدِ الله بنُ عبيدة أسنَّ منه بثمانين سنةً.
* طالب أسنُّ من عَقِيل بعشر سنين، وَعَقِيل أسنُّ من جعفر بعشر، وجعفر أسنُّ من عليٍّ بعشر.
* يزيدُ (ق/ 291 ب) وزياد ومُدْرِك بنو المُهَلَّب بنُ أبي صُفْرَةَ وُلدوا في عام واحد، وقُتلوا في عام واحد. وعاش كل منهم ثمانيًا وأربعين سنة.
* أربعةُ أنفس وُلد لكل منهم مائة ولد: أنسُ بنُ مالك، وعبد الله ابن عمر الليثي، وخليفة السعدي، وجعفر بنُ سليمان الهَاشمي.
* علي بنُ الحسين، وعلي بنُ عبدِ الله بنُ عبَّاس، وعلي بنُ عبدِ الله بنُ (ظ/203 ب) جعفر: بنو عمٍّ، ولكل منهم ابن اسمه محمد، والكلُّ أشراف، والكلُّ علماء، والكل خِيار
(1)
.
فصل
(2)
* الله سبحانه مهَّد الأرضَ لآدم وذريته قبل خلقه، فقال:{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30]، وقضى أن يعرِّف قدر المخالفة
(1)
من قوله: "موسى بنُ عبيدة
…
" إلى هنا من "المدهش": (ص/ 66 - 67).
(2)
من (ع).
وأقام عذره بقوله: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ} [البقرة: 36]، وتداركه برحمتِه
(1)
بقوله: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه: 122] يا آدم: لا تجزع من كأس خَطَأٍ كان سببَ كَيْسِكَ، فقد استخرجَ منك داءَ العجب وألبسك رداءَ العبودية:"لو لم تذنبوا".
لا تحزنْ بقولِي لك: {اهْبِطُواْ مِنْهَا} فلك خلقتُها، ولكن اخرجْ إلى مزرعة المُجاهدة: واجتهد في البَذْر، واسقِ شجرةَ النَّدَمِ بساقية الدمع؛ فإذا عاد العُودُ أخضرَ فَعُدْ لما كان
(2)
.
* * *
* منصب الخُلَّة منْصبٌ يقبل المزاحمَة بغير المحبوب، وأخْذُ الولد شعبةٌ من شعاب القلب. غار الحبيبُ على خليله أن يُسْكِنَ غيرَهُ في شُعْبة من شِعَاب قلبه فأمره في بذبحه، فلما أسلم للامتثال خرجت تلك المزاحمة، وخَلَصتِ المحبَّةُ لأهلها، فجاءته البشرى:{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)} .
ليس المراد أن يُعَذَّب، ولكن يُبْتلى ليُهَذَّبَ.
ليس العجبُ من أَمْرِ الخليل بذبح الولد، إنما العجبُ من مباشرة الذبح بيده، ولولا الاستغراق في حبِّ الآمِرِ؛ لَمَا هان مثلُ هذا المأمور، فلذلك جُعِلتْ أَثارُهما مثابةً للقلوب تحِنُّ إليها أعظمَ من حنين الطيور إلى أوكارها
(3)
.
* * *
(1)
(ع): "وتدركه الشيطان برحمة"! وهو سبق قلم.
(2)
بنحوه في "المدهش": (ص/ 77).
(3)
الفقرة الأخيرة في "المدهش"(ص/ 87).
* قول لوط لقومه: {يَاقَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78)} [هود: 78] يجمع أنواعًا من الاستعطاف
(1)
:
أحدها: خطابُهم بخطاب النَّاصح المُشفق بقوله: {يَاقَوْمِ} ، ولم يقل: يا هؤلاء.
الثاني: عرضُه بناتِه عليهم بقوله: {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي} .
الثالث: تنجيزُ ذلك بالإشارة بلفظ الحضور.
الرابع: ترغيبُه فيهن لطهارتهن وطِيْبِهنَّ.
الخامس: تذكيرُهم بالله تعالى بقوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ} .
السادس: المطالبةُ بحفظ الذِّمام، وترك الأذى بقوله:{وَلَا تُخْزُونِ} .
السابع: التوبيخُ الشديدُ بقوله: {أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78)} .
* * *
* لمَّا تمكَّن الحسدُ من قلوب إخوة يوسف عليه السلام أُرِيَ المظلوم مآلَ الظالم في مرآةِ {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا}
(2)
.
* شكرُك لا يساويَ قَدْرَ قُوتِكَ.
* لا كانتْ دابَّةٌ لا تعمل بعَلَفِها.
(1)
انظر بعضها في "المدهش"(ص/ 91).
(2)
"المدهش": (ص/ 94).
* متى رأيت العقلَ يؤثرُ الفانيَ على الباقي فاعلم أنه قد مُسِخَ
(1)
.
* ومتى رأيت القلبَ قد ترحَّل منه حبُّ الله والاستعداد للقائِهِ، وحلَّ به حبّ المخلوق والرضا بالحياةِ الدُّنيا والطمَأْنينَة بها، فاعْلَم أنَّه قد خُسِف به.
* ومتى أقحطتِ العينُ (ق/ 292 أ) من البكاء من خشْيَةِ الله؛ فاعلمْ أن قحْطَها من قسوةِ القلبِ، وأبعدُ القلوب من الله القلبُ القاسي
(2)
.
* ومتى رأيتَ نفسَك تهربُ من الأُنْس به إلى الأُنسِ بالخَلْق، ومن الخَلْوَة مع الله إلى الخَلْوة مع الأغيار، فاعلم أنك لا تصلُح له.
* ومتى رأيتَهُ يستزيد غيرَك وأنتَ
(3)
لا تطلبُ، ويستدني سِوَاكَ وأنتَ لا تقربُ. فإن تحركت لك قَدَمٌ في الزِّيارة تخلَّفَ قلبُكَ في المنزلِ؛ فاعلم أنه الحجابُ والعذابُ.
* مزاجُ الإيمان منحرفٌ عن الصِّحَّة، ونبضُ الهوى شديدُ الخَفَقانِ، تحكَّمَتْ أخلاطُ الشَّهَواتِ فى أعضاءِ الكَسَل، فَثَّبَطَتْ عن الحَرَكَةِ، فتولَّدَتِ الأمراضُ المختلفةُ، هذا وما يسهُلُ عليك شربُ مُسْهِلٍ، فإنْ تداركتَ المرضَ وإلَّا قَتَلَ، لو احتميتَ ساعةً لم تَحْتَجْ إلى معالجةِ الدَّواء مُدَّة، من ركب ظهرَ التَّفريط والتَّواني نَزَلَ به دارَ الحسرة والنَّدامةِ
(4)
.
* ربُّك يحِبُّ حياةَ نفسِك، وأنت تريدُ قتلَها، يُريدُ بها اليُسْرَ،
(1)
للفقرات الثلاث انظر: "المدهش": (ص/ 151).
(2)
انظر: "الفوائد"(ص/ 182).
(3)
(ق): "يستزيدك وأنت".
(4)
"المدهش": (ص / 151 - 152).
وأنت تريدُ العُسْرَ، يُريدُ بها الكرامةَ وأنت جاهدٌ في إهانتِها.
* ما يَبْلُغُ الأعداءُ من جاهِلٍ
(1)
*
* من أدلَج في غياهبِ اللَّيل على نجائب الصبَّر صَبَّحَ منزلَ السرور، ومن نام على فراش الكسل أصبح ملقًى بوادي الأسف، الجدُّ كلُّه حَرَكَةٌ، والكسل كلّه سكون، فُتُورُكَ عن السَّعي في طلب الفَضائل دليلٌ على تأنيث العزم.
* إذا أردتَ أنَّ تعرِفَ الديكَ من الدجاجة وقتَ خروجه من البيضة فعلِّقه بمنقاره فإن (ظ / 204 أ)، تحرَّك فديك وإلا فدجاجة.
الدنيا كامرأة بَغِىٍّ لا تثبتُ مع زوجٍ، فلذلك عِيبَ عُشَّاقُها.
مَيَّزْتُ بين جَمَالِها وفَعَالِها
…
فإذا الملاحةُ بالقَبَاحَةِ لا تَفِي
حَلَفَتْ لنا أنَّ لا تخونَ عهودَها
…
فكأنما حَلَفَتْ لنا أن لا تَفِي
(2)
* ما حَظِيَ الدينارُ بنقش اسم المَلِك فيه حتَّى صبرتْ سَبِيكَتُهُ على التَّرْداد إلى النار، فنفتْ عنها كلَّ خَبَثِ، ثم صبرتْ على تقطَيعِها دنانيرَ، ثُمَّ صبرتْ على ضربها على السِّكَة، فحينئذ يظهرُ عليها رقْمُ النقش، فكيف يطمعُ في نقشِ: فِى قُلُوبِهِم {كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ} مَنْ كُلُّه خَبَثٌ
(3)
؟!.
* مكابَدَةُ البادِيَةِ تهون عند ذكرِ البيت
(4)
المُضْحي بوادِي الجُوع،
(1)
تقدم، وعجزه: * ما يبلغ الجاهلُ من نفسِه *
(2)
من قوله: "من أدلج
…
" إلى هنا من "المدهش": (ص/ 154 - 155).
(3)
"المدهش": (ص/ 157)، ومن قوله: "ثم صبرت
…
" ساقط من (ق).
(4)
كذا في (ع)، وفي (ق):"الموت"، و (ظ):"اللبيب"، و"المدهش":"منى".
والمُعْشي بوادي السَّهَر، إلى أن تَلُوحَ أعلامُ المنزل. إذا وَنَتِ الرَّكاب في السير، فبثُّوا حُداة العزم في نواحيها يطيبُ لها السُّرَى
(1)
.
* إذا حال غيمُ الهوى بين القلوبِ وبينَ شمسِ الهُدى تحيَّرَ السَّالِكُ.
* الحيوانُ البهيمُ يتأمَّلُ العواقب، وأنت لا ترى إلَّا الحاضرَ. ما تكاد تهتمُّ بمؤونة الشتاءِ حتَّى يقوى البَرْدُ، ولا بمؤونة الصَّيفِ حتَّى يقوى الحَرُّ، والذَّرُّ يَدَّخِرُ الزَّادَ من الصَّيف لأيامِ الشِّتاءِ. وهذا الطائرُ إذا علم أن الأنثى قد حَمَلَتْ أخذ ينقُلُ العِيدانَ لبِنَاء العُشِّ قيل الوضع، أَفَتُراك ما علمتَ قربَ رحيلِكَ إلى القبرِ، فلَا بعثتَ فراشَ:{وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} [الروم: 44].
* وهذا اليَرْبوعُ لا يتَّخِذُ بيتًا إلَّا في موضع صُلْب
(2)
، ليسلَمَ من الحافر، ويكونُ مرتفعًا ليسلمَ من السيلِ، (ق/292 ب) ويكونُ: عند أكمَةٍ أَو صخرةٍ لئلا يَضِلَّ عنه، ثمِ يجعلُ له أَبوابًا، ويرقِّقُ بعضَها فلا يُنْفِذُه، فإذا أُتِى من باب مفتوحٍ دفعَ برأسِهِ ما رَقَّ من التُّراب وخرجَ منه، وأنتَ قد ضيَّقْتَ على نفسِكَ الخناق، فما أبقيتَ للنَّجاة موضَعًا.
* النَّفْسُ كالعدوِّ إدْ عرفتْ صولةَ الجِدِّ منكَ اسْتَأسَرَتْ لك، وإن أنِسَت عنك المهانةَ أَسَرَتْك، امنعْها ملذوذَ مُبَاحاتِها ليقعَ الصُّلْحُ على تَرْكِ الحَرام، فإذا ضَجَّت
(3)
لطلبِ المُبَاح {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} .
* الدنيا والشيطان عَدُوَّانِ خارجانِ عنك، والنفسُ عَدوٌّ بينَ
(1)
"المدهش": (ص/ 158).
(2)
"المدهش": "طيب".
(3)
(ق وظ): "احتجت".
جنبيك، ومن سُنَّةِ الجهاد:{قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ} ، ليس المُبارِزُ بالمحاربة كالكمين الذي يطْلُعُ عليك من حيث لا تشعرُ.
* أقلُّ ما تفعلُ النفسُ معك أنَّها تمزِّق العمر بكفِّ التَّبذير والبطالة، اخْلُ معها في بيتِ الفِكْر سُوَيْعَةً، ثم انظرْ هل هي معك أو عليك؟ ثم عامِلْها بما تعاملُ به واحدًا منهما
(1)
.
* لم تبكِ الدُّنيا عليه لم تَضْحَكِ الآخِرَةُ إليه، سيُقْشعُ غيمُ التَّعَبِ عن فجرِ الأَجر
(2)
كم صَبَرَ بَشَرٌ
(3)
عن شهوةٍ حتَّى سَمِعَ: كُلْ يا مَنْ لم يَأْكُلْ، ما مُدَّ سِجافَ
(4)
{نِعْمَ الْعَبْدُ} على قُبَّة {وَوَهَبْنَا لَهُ} حتَّى فُصِّل على قدر {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا} .
* كيف يفْلِحُ من يشكو اللَّيلُ إلى ربِّه من طول نومِهِ، والنهارُ من قبيح فعلِهِ، كيف يفلحُ من هو جيفة بالليل قُطْرُبٌ
(5)
بالنهار، ينصبُ ميزان البَخْس، ومكيال التَّطفيف، والغَدْر ثالثةُ الأثافي.
* لو فكِر الطائرُ في الذَّبح ما حام حَوْلَ الفخ، لولا صبرُ المُضْمَرات على قلَّة العَلَف ما قيل لها سوابقُ
(6)
.
مما أضرَّ بأهلِ العِشقِ أَنَّهُمُ .... هَوَوْا، وما عَرَفوا الدُّنيا، وما فَطِنوا
(1)
هذه المواعظ من قوله: "الحيوان البهيم يتأمل
…
" إلى هنا من "المدهش": (ص/ 160 - 161) بتصرف.
(2)
(ق وظ): "الآخرة".
(3)
بشر بنُ الحارث الحافي.
(4)
السِّجاف: الستر.
(5)
القطرب: اللص.
(6)
"المدهش": (ص / 530 - 531).
تفنى نفوسُهُمُ شوْقًا وأعينُهُمْ
(1)
…
في إثْرِ كلِّ قبيح وجهُهُ حسنُ
تَحَمَّلوا حمَلَتْكمْ كلُّ ناجِيةٍ
(2)
…
فكُلُّ بَيْنٍ عَلَيَّ اليَوْمَ مؤتَمَنُ
ما في هوادِجِكُمْ من مُهْجَتِي عِوَضٌ
…
إن مِتُّ شَوْقًا، ولا فيها لها ثَمَنُ
سهرتُ بعد رحيلي وَحْشَةً لكُمُ
…
ثم استمرَّ مَرِيرِي وارْعَوَى الوَسَنُ
لا تلقَ دَهْرَكَ إلَّا غَيْرَ مكترِثِ .... ما دامَ تصحبُ فجه رُوحَكَ البَدَنُ
فما يُدِيمُ سُرورٌ قد سُرِرتَ بهِ
…
ولا يردّ عليكَ الفائت الحَزَن
(3)
* إذا لم تكنْ من أنصار الرَّسُول فَتُنَازِلَ الحربَ فكن من حرَّاس الخِيَامِ، فإن لم تفعل فكن من نَظَّارَةِ الحرب الذين يتمنَّوْن الظَفَرَ للمسلمين، ولا تكنِ الرابعةَ فتهلِكَ.
* إذا رأيتَ البابَ مسدودًا وجهِكَ فاقْنَعْ بالوقوفِ خارجَ الدَّار، مستقبِلًا البابَ، سائِلًا مستعْطِيًا فعسى، ولكنْ لا تُوَلِّ ظهرَك وتقول: ما حِيلَتي، وقد سُدَّ البابُ (ق / 293 أ) دوني.
* لما نادى منادي الإفضال: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} سارتْ نجائبُ الأعمالِ [إلى] باب الجزاءُ، فصِيْحَ بالدَّليل:{وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاك} [الإسراء: 74] فقال: "ما منكم من يُنجيه عملُه"
(4)
.
* إن لم تقدرْ على مشارعِ أربابِ العزائمِ فَرِدْ باقي الحِياض،
(1)
في "الديوان" و"المدهش": "تفنى عونهم دمعًا وأنفسهم".
(2)
هي الأصول مشتبهة، وتقرأ:"رابحة".
(3)
الأبيات في "المدهش". (ص/ 525)، وهى للمتنبي "ديوانه":(4/ 234 - 235 - مع شرحه). والبيتان الأخيران مقدمان في الديوان والمدهش.
(4)
من قوله: "إذا لم تكن من .... " إلى هنا بنحوه من "المدهش": (ص/527).
فمَنْ لم يكن عندَهُ أبنُ لبون قُبِلَتْ منه ابنةُ مَخاضٍ.
* لا تحتقرْ معصيهْ فكم أَحْرَقَتْ شَرَرَهْ، أما عرفت سرَّ:{ولَا تَقرَبَا هَذِهِ الْشَّجَرَةَ} [البقرة: 35]، لو قنع ابن آدم
(1)
لاكتفى، ولكن كانت المِحْنة في الشَّرَه.
* الخَلْوَةُ شَرَكٌ لصيد المؤانسة، أخفى الصَّيادينَ شخصًا وأقلُّهم حركةً أكثرُهم التقاطًا للصَّيد، ما صاد هِرٌّ نوا
(2)
.
أبدًا نفوسُ العاشقينَ .... إلى ربوعِكُمُ تَحِنُّ
(3)
وكذا القلوبُ بذِكْرِكُمْ
…
بعدَ المخافةِ تَطْمَئِنُّ
(4)
* غيره:
طُلول إذا يشكو إليها مُتَيَّمٌ
…
شكا غيرُ ذي نُطْقٍ إلى غير ذي فَهْمِ
(5)
* غيره:
وإنَّما عُمْرُ الفتى سوقٌ له
…
يصدُرُ عنه غانِمًا أو خاسرًا
(6)
* غيره:
(1)
(ع وظ): "آدم".
(2)
أي: صاح.
(3)
في "المدهش":
أبدًا نفوس الطالبيـ
…
ـن إلى طلولكم تحن
(4)
من قوله: "إن لم تقدر
…
" إلى هنا من "المدهش": (ص/523 - 524).
(5)
البيت في "المدهش": (ص/ 524)، لكن صدره:
* طلول إذا دمعي شكى البين بينها *
(6)
البيت في "المدهش": (ص / 517) مع اختلاف، وقبله بضعه أبيات.
نْرَاعُ إذا الجنائزُ قابَلَتْنا .... ونَلْهُو
(1)
حين تَخْفَى ذاهِبَاتِ
كَرَوْعَةِ ثَلَّةٍ لظهورِ ذِئْبٍ
…
فلمَّا غَابَ عَادَتْ راتِعَاتِ
(2)
* خذ نفسَك بالعزائم لا تُرَخِّصْ، حائطُ الباطن خَرَابٌ فعلام إِذًا تجَصِّصُ
(3)
.
* العلم والعملُ توأمان أمُّهما علوُّ الهمَّةِ
(4)
.
* والجهلُ والبطالة توأمانِ أمُّهما إيثارُ الكسلِ.
* أيها المعلَمِ تثبَّتَ على المُبتدي، {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} ، فللعالِم رسوخٌ وللمتعلِّم قَلقٌ: ويا أَيُّها الطالبُ تواضعْ في الطَّلَب فإن الترابَ بَيْنا هو تحت الأخمص صار طَهورًا للوجه
(5)
.
* تُجلَى عليك عروسُ المعرفة ولكن على غير كفؤ، وإنَّما يحلُّ النظر إذا كان العقدُ جائزًا.
* فغضَّ الطَّرْفَ إنك من نمير
(6)
*
* ليس العالِمُ شخصًا واحدًا، العالِمُ عَالَمٌ، تصانيف العَالِمِ أولادُه المُخَلَّدون دونَ أولادِه، من خُلِقَ للعِلْمِ شَفَّ جوهرُه من الصِّغَر، طولُ السَّهَرِ مُفضٍ إلى طِيب المَرْقد:
(1)
في "المدهش": "ونسكن".
(2)
البيتان في "المدهش": (ص / 518)، ونسبهما في (شرح ديوان المتنبي: 3/ 11) إلى زين العابدين.
(3)
"المدهش": (ص / 518).
(4)
"المدهش: (ص/ 507).
(5)
هذا المقطع من "المدهش": (ص / 507).
(6)
صدر بيت لجرير يهجو الراعى النميري عجزه:
* فلا كعبًا بلغت ولا كلابا *
والهُوْن في ظلِّ الهوينا كامنٌ .... وجلالةُ الأَخْطار في الإِخْطار
(1)
* مياه المعاني مخزونةٌ في قلب العالِمِ يفتحُ منها للسَّقي سَيْحًا بعد سَيْح، ويدَّخِرُ أصفاها لأهل الصَّفاء، فإذا تكاثَرَتْ عليه نادى: للسبيل فيبقى علمُه سَيْحًا، ولهذا تَتَضاعفُ عليه زكاةُ الشكر.
كل وقت تسافر بضائعُ فكرِه من مدينة قلبه إلى قلوب الطالبين، فينادى عليها دلَّال لسانه، وهو يعرضها في مواسمِ النُّصحِ على تجَّار الطلب والإرادة: مَنْ يشتري حكمةً وعلمًا بتخيير الثمن
(2)
، فيا مَنْ يرى عُلُوَّ تلك المرتبة لا تنسَ الدَّرجَ.
كم خاضَ بحرًا مِلْحًا حتَّى وقع بالعَذْب، وكم تاهَ في مَهْمَهٍ قفرٍ حتَّى سمِّي بالدليل، وكم أَنْضَى مراكبَ الجسم ورفضَّ شَهَوات الحِسِّ وواصلَ السُّرَى (ظ / 205 أ) ليلًا ونهارًا، وأوقد نارَ الصبر في دياجى الهوى، فإن وثِقْتم بأمانَتِهِ فهذا تخيير الشِّرَاءِ
(3)
.
* الدنيا تُفَوِّق سهامَها نحو بنيها وتقول: خذوا حِذْرَكم، فلهذا دَمُ قتيلها هَدَر
(4)
.
* غاب الهدهدُ (ق/293 ب) عن سليمانَ ساعةً فتواعده، فيا مَنْ
(1)
البيت لأبي الحسن التِّهامي من قصيدته المشهورة فى رثاء ابنه أبي الفضل "ديوانه": (ص/ 157)، وهو في "المدهش":(ص/ 507) ووقت في الأصول تحريفات أصلحناها.
(2)
"المدهش": "حكمةً بقبول".
(3)
من قوله: "ليس العالم شخصًا
…
" إلى هنا من "المدهش": (ص / 507 - 508). والكلمة الأخيرة في الأصول: "السرى" والمثبت من "المدهش".
(4)
نحوه في "المدهش": (ص/ 509).
أطالَ الغيبَةَ عن ربِّه هل أمنتَ عْضبَهُ
(1)
؟.
* تخلَّفَ الثلاثةُ عن الرسول في غزوة واحدة، فجرى لهم ما سمعتَ، فكيف بمن عمره في التَّخَلُّف عنه؟.
* إذا سَكِرَ الغرابُ بشراب الحِرْص تنَقَّلَ
(2)
بالجِيَفِ، فإذا صحا من خُمَاره نَدِمَ على الطَّلل، خالفَ موسى الخَضِرَ في طريق الصُّحْبة ثلاث ميت، فحل عقدَة المصال بيد:{هَذَا فِرَاقٌ بَيْنِى وَبَيْنِكَ} ، أفما تخافُ يا مَنْ لم يَفِ لربِّه قَطُّ أن يقولَ في بعض زلَّاتك: هذا فراقُ بيني وبينك
(3)
.
* أعظم عذابِ أهل جهنَّم جهلُهم بالمُعَذِّب، لو صحَّتْ معرفتهم بالمالكِ لما استغاثَوا بمالك، وقع بينهم شخصٌ ليس من الجنس، كان في باطنه ذرَّةٌ من المعرفة، فكلما حملتَ عليه النار اتّقاها بدرع:"يا حَنَّان يا منَّان"، كأنَّ موتَه في المعاصي سكتةٌ، فقُبِرَ في جهنَّمَ، فلما تحرَّك الرُّوح في الباطن، أخرج من القبر
(4)
.
* حرصُ العصفور يخنقُه، وقنع العنكبوت في زاوية البيت الضَّعيف يسوق إليها الذُّباب قوتًا لها، رُبَّ ساعٍ لقاعدِ. أرسلتَ قلبك مع كلِّ مطلوب من الهوى، ثم تبعث وراءَه وقتَ الصلاة، فربَّما لا يلقاهُ الرسول فتصلي بلا قلبٍ.
خَلَّفْتَ قلبَكَ في الأظعانِ إذ نَزَلَتْ .... بالمَأْزِمَيْنِ عدَاةَ النَّفْر بالنَّفرِ
(1)
"المدهش": (ص/ 490).
(2)
ما ينتقل به على الشراب.
(3)
"المدهش": (ص/ 490).
(4)
"المدهش": (ص/ 491).
ورحتَ تطلبُ في أرض العراق ضحًى
…
ما ضاعَ عندَ مِنًى فاعجبْ لذا الخَبَرِ
لما طَرَقْنا مِنًى كان الفؤادُ معي
…
فضَلَّ عنِّيَ بين الضَّالِ والسَّمُرِ
يا أرجلَ العيسِ تُهنيكَ الرِّمالُ فما
…
أمشي بوجدي غدًا إلَّا على الأثر
* يا من فقد قلبه لا تيأس من عوده.
فقد يجمعُ اللهُ الشتيتين بعدَما
…
يَظُنَّانِ كُلَّ الظَّنِّ أنْ لا تَلاقِيَا
(1)
الهوى قاطن والصواب خاطر، وطرد القاطن صعبٌ، وإمساك الخاطر أصعب
(2)
.
* إنك لم تزلْ في حبس، فأولَّ الحبوس: صُلْبُ الأَب، والثاني: بطنُ الأم، والثالث: القُماط والمهد، والرابع: المكتب، والخامس: الكَدُّ على العيال، والسادس: مرض الموت، والسابع: القبر، فإن وقعت في الثامن نسيت مَرارَةَ كلِّ حبس تقدم.
ادخُلْ حَبْسَ التَّقوى باختيارِك أيامًا ليحصُلَ لك الإطلاق على الدَّوام، ولا تؤثرْ إطلاقَ نفسِك فيما تحبُّ فإنه يؤثرُ حَبْسَ الأبد.
العذْلُ على حمل العشق علاوةٌ.
ومُرَنَّح فَطَن النسيم بوجده
…
فروى له خبر العذيب مُعَرِّضًا
(3)
* متى تركت المعصية وما حللت عُقَدَ الإصرار، لم يُفِدْ شيئًا، كما لو سكن المرضُ من غير استفراغ، فإنّه على حاله، إن لم يتحقَّق
(1)
البيت لمجنون بني عامر انظر: "الأغاني": (2/ 76).
(2)
"المدهش": (ص / 486).
(3)
"المدهش": (ص / 482).
قصد القلب لم يؤثرِ النُّطقُ شيئًا
(1)
، يمينُ المُكْرَهِ لا تنعقدُ
(2)
.
* ويحُك نفسك سلعَتُكَ وقد استامها المُشتري بأفخرِ الثَّمَن، (ق/294 أ) فاجهَدْ في إصلاح عُيوبِها لعلَّه يرضى بها.
منامُ المنى أضغاثٌ، ورائدُ الآمال كذوبٌ، ومرتَعُ الشَّهَواتِ وخيمٌ
(3)
العَجْزُ شَرِيك الحِرمانِ، التفريطُ مصائب
(4)
الكسل. قُفْلُ قلبِكَ رومِيٌّ ما يقعُ عَليه فشٌّ
(5)
.
متى خَامَرَ من جنود عزمِكَ عليك واحدٌ، لم تأمنْ قلب الهزيمة عليك.
وإذا كان في الأنابيب خُلْفٌ
…
وقَعَ الطَّيْشُ في رؤوسِ الصِّعادِ
(6)
* كُنْ قَيِّمًا على جوارحِك ورَعيَّتك إذا وفَّيْتَها الحظوظَ فاستوفِ منها الحقوقَ.
تأمل قوله تعالى: {فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117)} [طه: 117]، كيف شَرَك بينهما في الخروج، وخص الذِّكَرَ بالشَّقَاء، لاشتغاله: بالكسْب والمعاش، والمرأة في خِدْرها.
تَزَوَّدْ من الماء القَرَاح
(7)
فلن تَرَى .... بوادي الغَضَا ماء نُقَاخًا ولا بَرْدا
(1)
من قوله: "كما لو
…
" إلى هنا ساقط من (ظ).
(2)
"المدهش": (ص / 478).
(3)
"المدهش": "ومرعى المشتهي هشيم".
(4)
"المدهش": "مضارب".
(5)
الفش: الحلّ، يقال: فشَّ القِرْبة حل وِكاءها.
(6)
جمع صَعْدَة، وهي: القناة. "اللسان": (3/ 255) والبيت للمتنبي "ديوانه": (2/ 43)، وفيه "في صدور الصعاد".
(7)
"المدهش": "النقاخ": وهو: العَذْب.
وَنَل مِن نسيمِ البانِ والرَّنْد نفحةً .... فهيهاتَ وادٍ يُنْيِتُ البانَ والرَّنْدا
وكُرَّ إلى نجدٍ بطَرْفِكَ إنه .... متى تسرِ لا تنظرْ عقيقًا ولا نجدا
(1)
انظر يمنَةً فهل ترى إلَّا محنة، ثم اعطِفْ يسْرَةً فهل ترى إلَّا حسرةً، أما الرَّبْعُ العَامِرُ فَدَرَسَ، وأما أَسْر المَمَاتِ ففَرَسٌ، وأما الراكبُ فَكَبَتْ به الفَرَسُ، ساروا في ظُلَم ظلامهم، فما عندَهم قَبَسٌ، ووقفت بهم سفن نجاتِهم لأن البحرَ يَبَسٌ. وانقلبت تلك الدولُ كلُّها في نَفَس، وجاء مُنْكَرٌ بآخر "سبأ"، ونَكِيرٌ بأول "عَبَسَ". أفلا يقوم لنجاته مَنْ طالما قد جَلَسَ.
يا نفسِ ما هي إلَّا صبرُ أيامِ
…
كأن مُدَّتَها أضغاثُ أحلامِ
يا نفسِ جوزي عن الدُّنيا ولَذَّتِها .... وخَلِّ عنها فإن العيشَ قدامي
(2)
* ألا يصبر طائر الهوى عن حَبَّةٍ مجهولةِ العاقبة، وإنَّما هي ساعةٌ ويصلُ إلى برج أَمْنِه، وكم فيه من حبة:
وَإنْ حَنَنْتَ للحِمَى وروضِهِ
…
فبِالغَضا ماءٌ وروضاتٌ أُخَرْ
حاصلُ الكُتُب من الطَّير أقوى عَزِيمة منك، فلعل وضْعَكَ على غير الاعتدال، لَا تكون الرُّوح الصافيةُ إلَّا في بَدَد معتدل، ولا الهمة العالية إلَّا لنَفْس نفيسة.
إذا حمل الطائر الرسالةَ صابرَ العزيمةَ ولازَمَ بطونَ الأوديةِ، فإن خَفِيَتْ عليه الطريقُ تَنَسَّمَ الرياحَ وتلمَّحَ قرصَ الشمسِ وتستَّرَ، وهو
(1)
"المدهش": (ص / 479 - 480).
(2)
البيتان لأبى العتاهية "ديوانه": (ص/ 391)، والبيت الثاني في الديوان:
يا نفس كوني عن الدنيا مُبَعَّدة .... وخلِّفيها فإن الخير قُدَّامي
مع شدَّة جوعِه يحذرُ الحَبَّ الملقى خوفًا من دفينةْ فخٍّ توجِبُ تعرقلَ: الجناح، وتضييعُ ما حمل، فإذا بلَّغَ الرسالةَ أطلقَ نفسَهُ ديَ أغراضِها داخل البُرْج.
فيا حاملي كتُب الأمانة أكثركم على غير الجادَّة، وما يستدلُّ منكمْ من قد رَاقَهُ الحَبُّ، فنزل [ناسيًا]
(1)
ما حمل فارتُهِنَ وَذبحَ، ومنكم منْ تعرْقَل جناحُه وهو ينتظر الذبحَ، فلا الحَبَّةُ حصلتْ ولا الرسالةُ وصلتْ:
قَطَاةٌ غَرَّهاْ شَرَكٌ فباتَت
…
تُجَاذِبُه وقد عَلِقَ الجناحُ
فلا في اللَّيلِ نالتْ ما تَمَنَّتْ
…
ولا في الصُّبْح كان لها سَراحُ
لو صابرتم مشقَّةَ الطَّرِيقِ (ق / 294 ب)، لانتهى السفرُ، فتوطَّنتُمْ مستريحينَ فِى جنَّات عَدْن، يا مهملينَ النظرَ في العواقب أسلفوا في وقت الرُّخص، فما يؤمَن تغْيُّرُ الأسعارِ، لا ترم بسهام النظر فإنها واللهِ: فيك تقعُ، ربَّ راعي مُقْلة أهملها فأُغِيرَ على السَّرْح
(2)
.
كلُّ الحوادثِ مَبْداها من النَّظَرِ
…
ومعظم النَّار من مستصغرِ الشَّرَرِ
كم نظرةٍ فعلتْ في قلب ناظرِها .... فعلَ السِّهامِ بلا قوسٍ، وَتَرِ
(3)
* غيره:
وأرى السِّهامَ تؤم
(4)
من يرمي بها
…
فعلامَ سهمُ اللَّحْظِ يُصْمِي من رَمَى
(5)
(1)
من "المدهش".
(2)
"المدهش": (ص 473/ -475).
(3)
تقدم الكلام عليهما.
(4)
(ق وظ): "نام" و (ع): "تام"، والمثبت من "المدهش".
(5)
البيت في "المدهش": (ص / 458).
* اعرف قَدْرَ لطفِهِ بك، وحفظِه لك، إنما نهاك عن المعاصي، حماية لك وصيانةً، لا بخلًا منه عليك، وإنَّما أمرك بالطاعة رحمة وإحسانًا لا حاجة منه إليك، لمَّا عرفْتَه بالعقل حَرَّمَ ما يزيلهُ وهو الخمرُ صيانة لبيت المعرفة، يا متناولًا للمُسكِر لا تفعلْ، يَكْفِيكَ سُكْرُ جهلِكَ، فلا تجمعْ بين سُكْرَيْنِ.
* سلعةُ {وَإِنِّى لَغَفَّارٌ} لا تُبْذَلُ إلَّا بثمن {لِمَنْ تَابَ} خارجًا من سَبِيكة {وَآمَنَ} عن سكة {وَعَمِلَ صَالِحًا} من دار ضَرْب {ثُمَّ اهْتَدَى} .
* إن لم تقدر على الجِدِّ في العمل فقفْ على باب الطَّلَب، تعرَّضْ لنفحةٍ من نَفَحَات الرَّبِّ، ففي لحظةٍ أفْلَحَ السَّحَرَةُ:
لا تَجْزَعَنْ مِنْ كلِّ خَطْبٍ [عَرَى]
(1)
…
ولا تُرِي الأعداءَ ما يُشْمِتُ
واصبرْ فبالصَّبْرِ تنالُ المُنَى
…
"إذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا"
ثَمَنُ المعالي الجِدُّ، والفتورُ داءٌ مُزْمن.
من السَّلوة في عَيْنيك .... آياتٌ وآثارُ
إذا ما بَرَدَ القلب
…
فما تُسخِنْهُ النارُ
(2)
* الوجودُ بحرٌ، والعلماء جواهرُه، والزُّهَّاد عنبرُه، والتُّجَّارُ حِيتانه، والأشرارُ تماسيحُه، والجهَّال على ظهره كالزَّبَدِ.
لو كشفت لك الدنيا ما تحتَ نِقابها لرأيت المعشوقةَ عجوزًا، وما ترضى إلَّا بقتل عُشَّاقها، وكم تدللت عليهم بالنشوز، أذاقَتْهم بَرْد
(1)
(ع وق): "فادح" وليست فى (ظ) والمثبت من "المدهش".
(2)
"المدهش": (ص/ 475 - 476).
كان الأمانيِّ
(1)
فإذا هم في وسط تَمُّوزَ.
* تطلبُ مشاركةَ الغانمينَ وما شهدْتَ الحربَ، ويحك الغنيمةُ لمن شَهِدَ الوَقْعَةَ.
البلايا تُظهِرُ جواهرَ: الرّجالِ، وما أسرَعَ ما يُفْتَضَحُ المُدَّعِي.
تنامُ عيناك وتشكوا الهَوى .... لو كنت صَبًّا لم تكنْ هكذا
(2)
* يا مؤثرًا ما يَفْنَى على ما يَبْقَى، هذا رأي هواك فهلا استشرتَ العقلَ لتعلَم أنصحَهُما لكَ، لا تَحْقِرَنَّ يسيرَ المعصية فالعُشب الضعيف يُفْتَلُ منه حبالٌ تَجُرُّ السُّفنَ، أَوَ ما نفدت في سَدِّ سبأٍ حيلة جُرَذٍ، العمرُ ثوب غيرُ مكفوف، وكلُّ نَفسٍ خيطٌ يَسَلُّ منه، أنتَ أجيرٌ وعليك عملٌ، فأخِّرْ ثيابَ الرَّاحةِ إلى انقضاء العمل، كم غرقت سفينة في بحر سوف
(3)
.
ساروا ولا يسألون ما فَعَل الـ .... ـفجر ولا كيف مالت الشُّهُبُ
عوَّدهم هجرهم مطالبةَ الرَّ
…
احةِ أن يظفروا بما طلبوا
* الشجاع يَلْبَسُ (ق/295 أ) القلبَ على الدِّرع، والجبان يلبَسُ الدرعَ على القلب.
أعظم البلايا تردُّدُ الرَّكْبِ إلى بلد الحَبيب يودِّعون الدِّمَنَ.
ومعالٍ لو ادَّعاها سِواهُمْ .... لَزِمَتْهُ جِنَايةُ السُّرَّاق
(4)
(1)
"المدهش" كانون الأول".
(2)
"المدهش": "نائمًا".
(3)
"المدهش": (ص/ 470 - 471).
(4)
البيت للمتنبي "ديوانه": (2/ 368).
[وقال آخر]:
نالوا السماءَ وحطُّوا من نفوسِهمُ
…
إنَّ الكرامَ إذا انْحطوا فقد صعِدوا
* لو صدق عزمُكَ قذفَتْكَ ديارُ الكَسَل إلى بيداء الطَّلَب
(1)
.
* الناقد يخافُ دخولَ البَهْرجِ عليه واختلاطَه بماله والمبهرِجُ آمن، هذا الصِّدِّيقُ يُمسِكُ بلسانه ويقول: هذا الذي أوردني المواردَ، وعُمَرُ يناشد حذيفة؛ هل أنا منهم
(2)
، والمخَلِّطُ على بساط الأمن.
* إذا جنَّ الليل وقع الحربُ بين النوم والسهو، فكان الشوق والخوفُ في مقدمة عسكر اليَقَظة، وصار الكَسَل والتَّواني في كتيبة الغفلة، فإذا حمل العزمُ حملةً صادقةً هزم جنودَ الفُتور والنوم، فحصل الظفرُ والغنيمةُ، فما يطلُع الفجرُ إلَّا وقد قُسِمَتِ السُّهمانُ وما عند النائمين خَبَرٌ.
قام المُتهجِّدونَ على أقدام الجدِّ تحت ستر الدُّجى، يبكون على زمنٍ ضاع في غير الوصال.
* ما زالت مطايا السَّهَو تذرعُ بيداءَ الدُّجى، وعيونُ آمالها لا ترى إلَّا المنزلَ، وحادي العزم يقول: يا رفقةَ اللَّيلِ طابَ السَّيْرُ فاغتنِموا المَسْرَى، فمنْ نام طولَ اللَّيْل لم يَصِل. إلى أنَّ هبَّ نسيمُ السَّحَر، فقام الصارخُ يبغي ظلام الليل، فلما همَّ بالرَّحيل تشَبَّثَ القوم بأذياله يبكونَ على فِراقِ المحبوب، فلما طَلَعَ الفجرُ حدا حاديهم:
* عند الصَّبَاحِ يحمَدُ القوم السُّرَى *
(1)
"المدهش": (ص / 465 - 466).
(2)
يعني: المنافقين.
* يا من يستعظمُ أحوالَ القوم تنقَّل في المراقي تَعْلُ
(1)
.
* من جمع بين العلم بالسُّنَّة ومتابعتها أنتجَا له المعاني البديعة، فهي تُنادي على رؤوس الأَشهاد؛ وُلِدْتُ من نِكاحٍ لا مِنْ سِفاحٍ.
ومن قَرَن بين البدعة والهوى أنتجا له ضروبُ الهَذَيانِ، فهي تُنادي على رؤوس الأشهاد: أيها الفَطِنُ لا تعْترَّ.
* إذا فَتَحَت الوردةُ عينَها فرأتِ الشَّوْكَ حولها، فَلْتَصْبِرْ على مجاورته قليلًا، فوحدَها تُقْصَدُ وتُقَبَّلُ وتُشَمُّ.
* إذا تكلمَ مَنْ يريدُ الدنيا بكلامه، فإنه كلما حفر في قَلِيب قلبه وأمعنَ في الاستنباط، انهار عليه ترابُ الطمع فطمَّه
(2)
.
* إذا رأيت سربالَ الدنيا قد تقلَّص عنك
(3)
فاعلم أنه لطف بك؛ لأن المنعم لم يقبِضْهُ بخلًا أن يتمزَّق، ولكن رفقًا بالسَّاعي أن يَتَعَثَّرَ.
* فَتِّش على القلب الضَّائع قبل (ظ / 256 ب) الشُّروع، فحضورُ القلب أوَّلُ منزل من منازل الصلاة، فإذا نزلْتَه انتقلْتَ إلى بادية المعنى، فإذا رحلتَ عنها أنَّحتَ بباب المُنَاجَاةِ، فكان أوّلَ قِرَى ضيفِ اليَقَظة كشفُ الحجابِ لعينِ القلبَ، فكيف يَطمع في دخولِ مكَّةَ مَنْ لا خرج إلى البادية بعدُ
(4)
.
إذا كانت مشاهدة مخلوق يوم {أخْرُجْ عَلَيْهِنَّ} استغرقت إحساس
(1)
"المدهش": (ص / 461 - 463).
(2)
"المدهش": (ص / 460).
(3)
(ق وظ): "عليك".
(4)
في "المدهش" "
…
: مكة منقطع قِبَل الكوفة".
الناظرات {وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} وما شعرنَ، فكيف بالحال (ق/ 295 ب) يوم المزيد؟! لو أحببت المعبودَ لحضرَ قلبُك في عبادته.
قيل لعامر بنُ عبدِ قيس: أما تسهو في صلاتك؟ قال: أَوَ حديثٌ أحبُّ إليَّ من القرآنِ حتَّى أشتغلَ به؟!.
وكان مسلمُ بنُ يسار لا يلتفتُ في صلاته حتَّى انهدمتْ ناحيةٌ من المسجد فزعَ لها السوق فما التفتَ، وكان إذا دخل منزله سكتَ أهلُ بيته، فإذا قام يُصَلِّي تكلَّموا وضَحِكوا علمًا منهم بالغَيبة.
وقيل لبعضِهم: إنا لنُوَسْوِسُ في صلاتِنا، قال: بأيِّ شيءٍ؟ بالجَنَّة والحُور العِينِ والقِيَامة؟ قالوا: لا بل بالدنيا، فقال: لأَنْ تختلفَ فيَّ الأَسِنَّةُ أحَبّ إليَّ من ذلك.
تقف في صلاتك بجَسَدِك وقد وجهتَ وجَهَكَ إلى القِبْلة، ووجهت قلبَكَ إلى قُطْر آخَرَ، ويحَكَ ما تصلُحُ هذه الصَّلَاةُ مَهْرًا للجنة فكيف تصلح ثمنًا للمحبة.
رأتْ فأرةٌ جملًا فأعجبها فَجَرَّتْ خِطَامَهُ فتَبِعَها، فلما وصَلَتْ إلى باب بيتِها وقفَتْ فنادى بلسان الحال: إمَّا أن تَتَّخِذي دارًا تَليقُ بمحبوبِكِ أو محبوبًا يَلِيقُ بداركِ، وهكذا أنتَ: إما أن تَصَلِّيَ صلاةً تليقُ بمعبودِكَ وإما أنَّ تَتَّخِذَ معبودًا يليقُ بصلاتك
(1)
.
* تعاهَدْ قلبَكَ فإن رأيتَ الهوى قد أمال أحدَ الحِمْلين فاجعل في الجانب الآخر ذكرَ الجنَّة والنار ليعتدلَ الحِمْلُ، فإن غلبكَ الهوى فاستغِثْ بصاحب القلب يُعِينكَ على الحِمْل، فإن تأخَّرَتِ الإجابةُ
(1)
"المدهش": (ص/ 454 - 456).
فابعثْ رائدَ الانكسار خلْفَها تجدْهُ "عندَ المُنْكسرة قلوبُهم".
* اللطفُ مع الضعف أكثرُ فتضاعفْ ما أمْكَنَكَ.
لما كانْتِ الدجاجةُ لا تحنو على الولدِ أُخُرِجَ كاسِيًا
(1)
، ولما كانتِ النملةُ ضعيفَةَ البصر أُعِينَتْ بقوَّة الشَّمِّ فهي تجدُ ريح المطعوم من البعد، ولما كانت الخُلْدُ
(2)
عمياءَ، أُلهِمَتْ وقتَ الحاجَةِ إلى القوت أن تفتحَ فاها، فيبعث إليها الذباب فيسقط فيه فتناول منه حاجتها.
الأطيار تَتَرَنَّمُ طولَ النهار، فقيلَ للضِّفْدَع: ما لك لا تَنْطِقِينَ؟ فقالت: معَ صوتِ الهَزَار
(3)
يُستبشعُ صوتي، ولكن الليلَ أجملُ بي.
* لا تنسَ العِنَايَةَ بالسحرة، جاءوا يحاربونَه ويحَاربون رسُلَه، وخِلَعُ الصُّلْحِ قد فصِّلَتْ، وتيجانُ الرِّضى قد رُصِّعت، وشراب الوصال يروقَ، فَمَدُّوا أيديَهم إلى ما اعتصروا من خَمرة الهوى، فإذا بها قد انقلبت خَلًّا فأفطروا عليه فسَكِروا بشراب المحبَّةِ، فلما عَرْبَدَتْ عليهم المحبَّة صُلبوا في جذوع النخل.
واعجبًا لعَزَمات ما ثنَاها {لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ}
(4)
.
* سجدوا له سجدةً واحدة فما رقعوا رؤوسَهم حتَّى رأوا منازلَهم من الجنة، فغلبهم الوجدُ وتمكَّنَ منهم الشوقُ، فقالوا:{فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72)} :
(1)
ويحتمل أن تكون: "كاسبًا" بالوحدة.
(2)
ضرب من الجرذان أعْمَى.
(3)
هو: العندليب.
(4)
"المدهش": (ص/ 450 - 451).
تَمُرُّ الصَّبا صَفْحًا بساكن ذي الغَضا
…
ويَصْدَعُ قلبي أنَّ يَهُبَّ هبوبُها
قريبة عهدٍ بالحبيبِ وإنما
…
هوى كلِّ نفسِ حيث حَلَّ حبيبُها
(1)
* (ق/ 296 أ) قطعت نياقُ جدِّهم باديةَ الليل، ولم تجدْ مسَّ التعبِ، فالطريق إلى المحبوبِ لا تطولُ:
بعيدٌ على كسلان أو ذي مَلَالَةٍ
…
وأمَّا على المشتاقِ فهو قريبُ
يا حاضرينَ معنا بنيَّةِ النُّزهة لستم معنا، عُودوا إلى أوكار الكَسَلِ، فالحربُ طعنٌ وضربٌ ويا مودِّعينَ أرجحوا فقد عبرْنا "العُذَيْبَ"، وعن قريب تأتيكُم أخبارُنا بعد "فَيْد"، ويا أيها الحادي عَرَضَ الخَيْفُ من مِنَى. تُعَلِّمْكَ الدُّموعُ كيف ترمي حَصَى الجِمار
(2)
.
* ضيفُ المَحبَّة ماله قِرىً إلَّا المُهَجُ، إذا رأيت محبًّا ولم تدرِ لمن (ظ 207/ أ)، فضع يَدَك على نبضه وسَمِّ له من تظنّه به، فإن النبضَ ينزعج عند ذكره {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}
(3)
.
*حرُّ الخوف صيفُ الذُّوَبَان، وبرودة الرَّجاء شتَاءُ العطلةِ
(4)
، ومن لُطِفَ به زمانه كلُّه فصل الربيع:
عينٌ تُسَرُّ إذا رَأَتْكَ وأختُها .... تَبْكي لطُولِ تباعدٍ وفِرَاق
فاحفظْ لواحدةٍ دوامَ سرورِها
…
وَعِدِ التي أبكيتها بتَلاقِ
(5)
(1)
البيتان في "المدهش": (ص/ 446).
(2)
"المدهش": (ص/ 447)، وليس فيه البيت "بعيد
…
".
(3)
"المدهش": (ص / 440).
(4)
كذا في الأصول، و"المدهش":"الغفلة".
(5)
"المدهش": (ص/ 436).
* إذا رُزِقْتَ يَقَظَة فصُنْها في بيت عُزْلة، فإنَّ أيدي المُعَاشرة نَهَّابَةٌ احذر معاشرةَ البَطَّالينَ فإن الطبع لصٌّ، لا تُصَادِقَنَّ فاسقًا ولا تَثِقْ إليه، فإنَّ مَنْ خانْ أَوَّلَ منعمٍ عليه لا يَفي لك.
يا فرخَ التوبة لازم ذِكْرَ الخلوة، فإن هِرَّ الهوى صَيُودٌ، إيَّاكَ والتَّقَرُّبَ من طرف الوَكْر، والخروجَ من بيت العُزْلة، حتى يَتكامَلَ نَبَاتُ الخوافي وإلَّا كنت رزقَ الصَّائدِ.
الأُنْسُ بالخَلْق دِبْقٌ
(1)
، أوَّل ما يعرقل
(2)
جناحُ الطَّرِ، والمُخالطةُ توجِبُ التَّخليطَ، وأيسرها تشتيتُ الهِمَّةِ وضعف العزيمةِ:
أقَلُّ ما فْي سُقوطِ الذِئْب في غَنَمٍ
…
إن لم يُصِبْ بعضَها أن تَنْفِرَ الغَنَمُ
* إن لم تكن من جملة المستحقِّين للميراث فكن في رفقة: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى} .
ويْحَك لا تحْقر نفْسَك فالتائبُ حبيبٌ، والمُنْكَسِرُ صحيح، إقرارُك بالإفلاسِ عينُ الغنى، تنكيسُ رأسِكَ بالنَّدم هو الرِّفْعَةُ، اعترافُك بالخطأ نْفسُ الإصابة.
عرضتْ سلعة العبوديَّةِ في سوق البيع، فَبَدلَتِ المَلائكةُ نَقدَ {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ} فقال آدم: ما عندي إلَّا فلوسُ إِفلاس نقشُها {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} فقيل: هذا الذي يُنْفقُ على خزانة الخاص، أنينُ المذنبين أحبُّ إلينا من زَجَل المُسَبِّحِينَ.
* إن كان يأجوجُ الطَّبعْ ومأجوجُ الهوى قد عاثوا في أرضِ القُلوبِ
(1)
"المدهش": "رِبْق" وهو الحبل الذي تُشد له الغنم، والدِّبق الغِراء الذي تُصاد به الطيور.
(2)
(ظ): "يعلق".
فأفسَدوا فيها، فأعِينوا المَلِكَ بقوَّة يجعلْ بينكمْ وبينَهم رَدْمًا، اجمعوا له من العزائمِ ما يُشَابهُ {زُبَرَ الْحَدِيدِ} ، ثم تفكَروا فيما أسلفْتُم، ليثورَ صعداء الأسفِ، فلا يَحتاج أن يقولَ لكم:{انْفُخُوا} .
شدوا بنيانَ العزمِ بهجر المألوفاتِ والعوائدِ، وقد استحكَمَ البناء، فحينئذ أَفْرغوا عليه قِطْرَ الصَّبْر، وهكذا بنى الأولياءُ قبلَكم فجاء العدوُّ {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97)} .
ضاقت أيام الموْسم فَأَسْرعوا بالإبِلِ. لا تَفُتكُمُ الوَقْفَةُ
(1)
.
* إذا لم تُخْلِصْ فلا تتعبْ، لا تَحْدُ ومالَكَ بعيرٌ، لا تمدَّ القوسَ وما لها وَتَرٌ.
(ق/296 ب) كم بَذَلَ نَفسَه مراء لمدْحَةِ
(2)
الخَلْقُ، فذهبت نفسُه وانقلبت المدح ذمًا، ولو بذلها لله لبقيتْ ما بَقِي الدهر، عملُ المرائي بَصَلة كلُّها قشور، المرائى يحشو جرابَ الزوادة رملًا يثقله في الطريق ولا ينفعه، ريحُ الرِّياء جيفةٌ تتجَافاهَا
(3)
مسامُّ القلوب.
* لما أخد دودُ القَزِّ ينسِجُ أقبلتِ العنكبوتُ تتشبَّه، وقالت: لك نسج ولي نسج، فقالت دودة القز: ولكن نَسْجي أرديةُ الملوك ونَسْجُكِ شبكةُ الذباب، وعند مس الحاجةِ يتبيَّنُ الفَرقُ.
إذا اشتبكتْ دموعٌ في خدودٍ
…
تَبين مَنْ بكى ممن تَبَاكى
(4)
(1)
"المدهش": (ص/ 426 - 429).
(2)
(ق): "ليمدَحَه". وما بعدها في الأصول هكذا "وانقلبت المدح" ولعلها: "المدحة"، وفي "المدهش":"وانقلبت والمدح".
(3)
كذا في (ع)، و (ق):"تتحاشاها"، و"المدهش":"تتحاماها".
(4)
البيت للمتنبي "ديوانه": (2/ 394 - شرحه).
* شجرةُ الصنوبر تثمرُ في ثلاثين سنة، وشجرة الدّبَّاء تصعد في أسبوعين، فتقول للصنوبرة: إن الطريق التي قطعتِها في ثلاثين سنة قطعتُها في أسبوعين، ويقال: لي شجرة، ولك: شجرة. فقالت الصنوبرة: مهلًا حتى تهبَّ رياحُ الخريف، فإنْ ثبَتِّ لها تمَّ فخركِ.
كان التَّصَوّف والفقرُ في مواطن القلوب فصار في ظواهر الثيِّاب. كان حُرقَة فصار خِرقَة
(1)
، غيِّرْ زِيَّك أيَّها المرائي فإنه يصيح بك: خذوني، السيفُ والدِّرع للزَّمِنِ هتكة فضيحة
(2)
، البَهْرجُ يتَبينُ عندَ الحَكِّ.
* لو أبصرتَ طلائع الصِّدِّيقينَ في أوائلِ الركْب، أو سمعتَ استغاثةَ المُحِبِّينَ في وسط الركْب، أو شاهدتَ سَاقَةَ المستغفرينَ: في آخر الركْبِ؛ لعلمتَ أنَّك قد انقطَعتَ تحتَ شجرة
(3)
أمِّ غَيْلان
(4)
.
* وا حسرتا لمنقطع دون الرَّكْب يَعُدُّ (ظ / 207 ب) المنازلَ:
أَعُدُّ اللَّيالي ليلة بعد ليليةٍ
…
وقد عشتُ دهرًا لا أعدُّ اللياليا
وقد يجمعُ اللهُ الشَّتِيتَينِ بعدما
…
يَظُنَّانِ كلَّ الظَّنِّ أن لا تَلاقيا
(5)
* إلامَ الرَّواح في الهوى والتَغْليس؟ وحتَّامَ السَّعيُ فْي صحبةِ إبليسَ، وكم بهرجة في العمل وتدليسٍ! أين أقرانك
(6)
هل تسمع لهم
(1)
تحتمل قراءة هذه العبارة على أنحاء شتى.
(2)
في "المدهش": "لِزَمنِ هتكة، ولمقْعد فضيحة
…
"، و (ع): "هتيكة".
(3)
"شجرة" ليست قي (ع).
(4)
"المدهش": (ص/ 418 - 420).
(5)
تقدم التخريج 3/ 1209، وانظر "المدهش":(ص/ 415 - 416).
(6)
(ظ): "ابن آدم إنك".
مِنْ حسيسٍ، أعلمت أنهم اشتدَّ ندمهم وحسرتُهم على إيثار الخسيس، تاللهِ لقد ودّوا أن لو كانوا طلقوا الدنيا قبل المَسيس:
عينُ المنية يَقْظَى غيرَ مُطْرِفَةٍ
(1)
…
وطَرفُ مطلوبها مُذْ كانَ وَسنَانُ
جهلًا تَمَكَّنَ منه حينَ مولدِهِ
…
فالنطْق صاحِ ولُبُّ المرءِ سكرانُ
* لا تنفع الرياضة إلاّ في نجيبٍ، لو سُقِيَ الحنظلُ بماء السّكَّر لم يخرجْ إلا مُرًّا، شجر الأثْلِ والصَّفْصَافِ والجوزِ ونحوها، لو دام الماء في عروقها لا تثمرُ أبدًا.
سحابُ الهدى
(2)
قد طَبَّقَ بيْد الأكوان، وأمطر مشارقَ الأرض ومغاربها، ولكن قيعان أرض قلبَك "قيعان لا تمسك ماء، ولا تُنبتُ كلأً" ومع هذا فلا تيأس فقد يستحيل الخمر خلاًّ، ولكن إنما ذلَك لطيب العنصر.
* خلا الفكر بالقلب قي بيت التلاوة، فجوى ذكر الحبيب وأوصافه، فنهض الشوق على قدم السَّعي.
من لم يشاهد جمالَ يوسفَ لم (ق / 297 أ) يعرِفْ ما الذىِ آلَمَ قلبَ يعقوبَ:
من لم يَبِتْ والحبُّ حَشْوُ فؤادِهِ
…
لم يَدْرِ كيف تَفتُّت الأكبادِ
(3)
* يا مَن هبَّتْ على قلبه جَنوبُ المُجَانبة، فتكاثفَ عليه غيْمُ الغَفلة، فأظلم أفُقُ المعرفة، لا تيأسْ فالشمسُ تحت الغيم، لو تَصَاعَدَ منك
(1)
(ع): "مُطرقة" وهي محتملة.
(2)
(ق): "الهوى".
(3)
"المدهش": (ص/ 410 - 413).
نَفَسُ أَسَفٍ استحالت شمالًا فتقطَّع السحابُ، فبانت الشمسُ تحتَه
(1)
.
* لما كان رزقُ الطائر اختلاسًا لم يُجْعَلْ لهْ أسنان؛ لأن زمن الانتهاب لا يحتملُ المضغ، وَجعِلَ له حَوْصَلَةٌ كالمِخلاة ينقل إليها ما يستلبُ، ثم تنقلُه إلى القائصة في زمن الإمكان، فإن له فراخ أسهمَهم قبلَ النَّقْل.
كلما طالت ساق: ألحيوان طال عُنُقهُ لِيُمكِنهُ تناولُ الأطعمةِ من الأرض.
* رميتَ صخرةَ الهوى على ينبوع الفِطْنة ، فاحتبسَ الماءُ، فإن لم تُطِقْ رفعَها فانقبْ حولَها، لعل ينابيع الماء تَنفجَّرُ.
لو بعتَ لحظة من إقبالك على الله بمقدار عمر نوح في ملك قَارون، لكنت مغبونًا العقد
(2)
.
* عشَاقُ الدنيا بين مقتول ومأسور {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} .
* يا طالبي
(3)
العِلم قد كتبتم ودرستُم، فلو طَلَبَكُم العلمُ في بيت العملِ فَلَستُمْ، وإنْ ناقشكم على الإخلاص أفلسْتُمْ، شجرةُ الإخلاص {أَصْلُهَا ثَابِتٌ} ولا يضرُّها زعازع {أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} وأما شجرة الرياء فإنها تجْتثُّ عند نسمة "من كان يعبُدُ شيئًا فَلْيَتْبعه"
(4)
.
(1)
"المدهش": (ص / 405).
(2)
"المدهش": (ص / 403 - 404).
(3)
"المدهش": "يا معاشر العلماء".
(4)
"المدهش": "نسمة (وَقِفُوْهم) ".
رياء المرائين صيّر مسجد الضرار مزبلة وخربة {لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا} ، وإخلاص المخلصين رفح قدر التفَث "ربَّ أشْعَثَ أغْبرَ".
قلب من تُرائيه بيَد من أعرضتَ عنه، يصرفهُ عنك إلى غيرك، فلا على ثَوَاب المُخلصيَنَ حصلتَ، ولا إلى ما قصدتَهُ بالرياء وصلتَ، وفات الأجرُ والمدحُ، فلا هذا ولا هذا.
لا تنقشْ على الدرهم الزائف اسمَ الملِكِ، فإنه لا يدخلُ الخِزَانَةَ إلا بعد النقْد.
المخلص يتبهرجُ على الخلق بستر حاله، وببهرجته يصح له النقدُ، والمرائي يتبرطلُ على باب الملك يوهم أنه من الخواص، وهو غريبٌ، فَسَلْه عن أسرار الملِك يُفْتَضَحْ، فإن خفِيَ عليك فانظر حالَه مع خاصَّة الملِكِ
(1)
.
* يا مَنْ لم يصبِرْ عن الهوى صبرَ يوسفَ، يتعيَّن عليك بكاء يعقوبَ، فإن لم تطِقْ فذل إخوته يوم {وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا} .
إذا طال لبث الطين على حَافات الأنهار تكامَل رِيُّهُ، فإذا نضبَ عنه الماءُ استلبتِ الشمس ما فيه من الرطوبة فيشتد شوقه إلى الماء، فلو وضَعت منه قطعةً (ظ / 208 أ) على لسانك لأمسكه وعَلِق به شوقًا إلى الوِرْد، فيا من نضبَ ماءُ معاملته هل أحسستَ بالعطش؟!.
* وقالوا يعودُ الماءُ في البئرِ بعدَما *
وكانتْ بالحِجاز لنا ليالٍ
…
نَهَبْناهن من أيدي الزمان
(2)
(1)
"المدهش": (ص/ 397 - 399).
(2)
"المدهش": (ص/ 394 - 395).
*آخر:
ولا تنصبْ خيامَك في محلٍّ
…
فإن النازلينَ على ارتحالِ
(1)
* مدارأة الضعفاء باللُّطف، فإذا قووا شُدِّدْ عليهم. "مُروهمْ بِالصَّلاةِ لِسَبع وَاضْرِبُوهُمْ عَلَى تَرْكِهَا لِعَشْير".
* كان الإسلامُ في بدايته كالنطفة فاقتنع بلفظة التوحيد، فلما نُفخ فيه الروح احتاج إلى الغذاء ففُرضت الصلاة، فلما تحرَّكْ وجبت الهجرة، فلما اشتد وجبتِ الزكاةُ، فلما قَربت الولادة لزم الحجُّ، فلما ظهر طفلًا حبِي بلطف {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} فلما خاف من الزلل والعقاب جاءت بشارة {لَا تَقْنَطُوا} فلما ترعرع قال المؤدب:{مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} فلما بلغ أشده واستوى جاء: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} .
* في المتعبدون بالليل يقربون
(2)
إلى نوق الأبدان حَبَطَ الرُّقاد، فإذا تناولت سدَّ الفاقَةِ رفعتْ رؤوسَها، فإذا الدليلُ على الجادَّة، فتأخذ في السير.
من النجوم الجواري مؤذن ومنها مقيم، فأربابُ العزائم يُؤَذَّن في محلَّتهم بليل، ويقام لهم أول الوقت، ومَنْ دونهم يصَلّون في أول الوقت، وأهل الفتور في آخره.
إذا هجمت جنودُ الرُّقاد على العيون صاح حارس اليقظة بالمتعبدين: "الصَّلاة خيرٌ من النوم"، وهتف رقيب المعاتبة: "كذب من ادَّعى
(1)
"المدهش": (ص/ 397).
(2)
(ع): "يقومون".
محبتي، حتى إذا جَنَّه الليلُ نام عني" فيصيح المشتاقُ:
سلوا الليلَ عني مُذْ تنَاءَتْ دِيَارُكُمْ
…
هل اكْتَحَلَتْ بالغُمْض لي فيه أجفانُ
ثم تمر بالمتهجدين سيارة النجومِ، فيبعثون مع كل فَيْج
(1)
رسالة فتسلم أخبارَه الجوابَ
(2)
إلى ركب السحر، فتهب لمجيئها رياحُ الأسحار، فيقول المنتظر:{إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ} .
* سبحان من أنعم على الموجودات بإيجادها من غير طَلَب، فلما وُجِدَتْ بَسَطَتْ أكفَّ السُّؤالِ لطلب تكميلها، فالأجنةُ في بطون الأمهات تطلب تكميل الخلق، والبذر تحت التراب يطلب قوتَهُ من الريِّ، ومخُّ الثمار ينتظر من فضله كمالَ نُضْجهِ، ومراكب البحار ترجو تحريكَها بالرياح، وأصحابُ البضائع ينتَظرون وفودَ الأرباحِ عليهم، وطلابُ العلم يسألون فتح متعلقِ الفهم، وأهل المجاهدة يرومون المعاونةَ على الطيع
(3)
، والمظلوم يترقَّبُ طلوعَ فجر النصر، والمريض يتململُ بين يديه طلبًا للطْفِهِ، والمكروبُ ينتظرُ كشفَ ما به، والخائفُ يترقب بريدَ الأمن، والأبدان المتمزِّقة في اللحود تنتظرُ جمع الشَّمل بعد الشَّتَات، وعرائس الجنان يسألنَ سلامةَ بعولتهن وتعجيلَ اللقاء.
فإذا قام الخلق من أطباق التراب بإنعاش البعثِ نكَّسَ صاحبُ الزلَلِ رأسَ الندم طلبًا للعفو، ومدَّ العابدُ يدَ التقاضي بالمسلَم فيه عند حلول الأجل، وحَدَّقَ الزاهد إلى جزاء الصبر، وأشرفَ المحِبُّ على
(1)
الفيج: الجماعة من الناس. و (ق): "مع فج".
(2)
(ق): "فتسَلم أحساره".
(3)
غير محررة في (ع).
أطلال الشوق إلى الحبيب، وصاح العارفُ بلسان الوَجْدِ إذ لم يبقَ وقت للصَّمْت:
لى عندَكم دَيْنٌ فوا عجبًا
…
الدَّيْنُ لي وفؤاديَ الرهْنُ
[غير]:
عدمتُ دوائي بالعراقِ وربما
…
وجدتُ بنجد لي طبيبًا مداوِيَا
ويا جبلَ الرَّيَّان إن تعْرَ منهُمُ
…
فإنْي سأكسوك الدمُوعَ الجواريَا
ومِنْ حذري لا أسألُ الركْبَ عنهُم
…
وأَعْلاق وجدي باقيات كما هيَا
ومنْ يسألِ الركْبَان عن كُلِّ غائبٍ
…
فلابُدَّ أن يلقى بشيرًا وناعِيَا
(1)
فائدة
من له غوصٌ في دقائق المعاني يتجاوز نظره قالب اللفظ إلى لبِّ المعنى، والواقف مع الألفاظ مقصور النظر على الزينة
(2)
اللفظية: فتأمل قوله تعالى: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119)} [طه: 118 - 119]، كيف قابلَ الجوعَ بالعُرْي، (ظ / 208 ب) والظمأ بالضُّحْي، والواقف مع القالب ربما يخيل إليه أن الجوعَ يقابَل بالظمأ والعُرْي بالضُّحْي. والداخل إلى بلد المعنى يرى هذا الكلام في أعلى مراتب الفصاحهَ والجلالة؛ لأن الجوعَ ألَمُ الباطنِ والعريَ ألَمُ الظاهر، فهما متناسبان في المعنى، وكذلك الظمأ مع الضُحْي؛ لأن الظمأ موجبٌ لحرارة الباطن والضّحْي موجبٌ لحرارة الظاهر،
(1)
الأبيات للشريف الرضي "ديوانه": (ص/ 968).
(2)
(ق): "الرتبة".
فاقتضت الآية نفيَ جميع الآفات ظاهرًا وباطنًا.
وفي هذا الباب حكاية مشهورة وهي أن ابن حمدان
(1)
قال يومًا للمتنبي: قد انتُقِدَ عليك قولك
(2)
:
وَقَفْتَ وما في الموتِ شَكٌّ لواقفٍ
…
كأنَّك في جَفْنِ الرَّدى وهو نائمُ
تَمُرُّ بِكَ الأبطالُ كَلْمَى هَزِيمَةً
…
ووجْهُكَ وضَّاحٌ وثغرُك باسمُ
قالوا: ركَّبْتَ صدرَ كلِّ بيت على عَجُز الآخر، وكان الأوْلى أن تقولَ:
وقَفْتَ وما في الموتِ شَكٌّ لواقفٍ
…
ووجهُكَ وضَّاحٌ وثغركَ باسمُ
تمرُّ بِكَ الأبطالُ كَلْمَى هَزِيمَةً
…
كأنَّكَ في جَفْن الرَّدَى وهو نائمُ
فيتم المعنى حينئذ؛ لأن انبساط الوجه ووضوحَه مع الوقوف في موقف الموت أشبهُ بأوصاف الكُماة، والسَّلامة من الرَّدَى مع مرور الأبطال كَلْمَى هزيمةً أعجب في حصول النجاة.
وهذا كما انتُقِدَ على امرئ القيس قوله
(3)
:
كأنيَ لم أركبْ جوادًا للَذَّةِ
…
ولم أَتَبَطَّنْ كاعِبًا ذاتَ خَلْخَال
ولم أَسبأ الزِّقَّ الروِيَّ ولم أَقُلْ
…
لِخَيلِيَ كُرِّي كرّةً بعد إجفالِ
(1)
سيف الدولة الحمداني.
(2)
"ديوان المتنبي": (3/ 386 - 387 - بشرح العكبري)، وذكر هذه القصة شارح الديوان، والأصفهاني في "
الخريدة": (1/ 43)، وابن الأثير في "المثل السائر": (3/ 193 - 194).
(3)
"ديوانه": (ص/ 35).
فلو قال:
كأني لمْ أركبْ جوادًا ولم أقلْ
…
لِخَيْلِيَ كُري كَرةً بعدَ إجْفَالِ
ولم أسْبَأِ الزقَّ الروِيَّ لِلَذَّة
…
ولمْ أَتَبَطَّنْ كاعِبًا ذاتَ خَلْخَالِ
كان أَشْبَهَ بالمعنى؛ لأن ركوبَ الخيل أشْبَهُ بالكَرِّ على الأبطال، وسَبْأُ الزِّق أليقُ بتبَطُن الكواعب
(1)
.
فقال المتنبّه: -يعني قائل الشعر المدعو بالمتنبي الكذاب-: اعلم أن القَزَّاز
(2)
أعلمُ بالثوب من البَزَّار؛ لأن القزَّاز يعلمُ أوله وآخره، والبزَّاز لا يَرَى منه إلا ظاهِرَه. وهذا الانتقاد غير صحيح، فإني قلت:
* وقعْتَ وما في الموتِ شك لواقفٍ *
فذكرت الموت وتحقق وقوعه في صدر البيت، ثم تمَّمتُ المعنى بقولي:
* كأنك في جَفْنِ الرَّدى وهو نائمُ *
والرَّدى: الموتُ بعينه، فكأني قلت: وقفتَ في مواضع الموت ولم تَمت، كأن الموت نائم عنك، فحصل المعنى مناسبًا للقصد، ثم قلت:
*تمر بك الأبطالُ كَلْمى هزيمة*
ومن شأن المكلوم والمنهزم أن يكونا كاشحي الوجوه عابسيها خائبي الأمل، فقلت:
(1)
من قوله: "لأن ركوب
…
" إلى هنا ساقط من (ق).
(2)
في المصادر: "لحائك"، وهما بمعنى.
*ووجهك وضاحٌ وثغرُك باسمُ*
لتحصل المطابقة بين عُبوس الوجه وقُطوبه (ق/298 ب) ونَضَارته وشحوبه، وإن لم تكن ظاهرة في اللفظ فهي في المعنى يفهمها من له في إدراكِ دقائقِ المعاني قدم راسخٌ.
وأما قول امرئ القيس:
*كأنيَ لم أركب جوادًا للذة*
فإنه لما ذكر الركوب في البيت الأول تممه بما يشبهه ويناسبه من ركوب الكواعب، ليحصِّل لذة ركوبِ مهر الحرب، وركوب مُهر اللذة.
وأما البيت الثاني: فمن شأن الشارب إذا انتشى أن تتحرك كوامنُ صدره، ويثور ما في نفسه من كوامن الأخلاق إلى الخارج، فلما ذكر الشرب وحاله وتخيل نفسه كذلك، فتحرك كامن خلقه من الحماسة والشجاعة، فأردفه بما يليق به.
ثم ذكر الآية وتكلم عليها بنحو ما تقدم
(1)
.
إذا ظفرتُ من الدنيا بقربِكُمُ
…
فكُل ذنب جناه الحبُّ مغفور
فصل
(2)
* مَنْ نبَتَ جسمُه على الحرام فمكاسبه كبريتٌ به يوقَدُ عليه، الحجز المغصوبُ في البِناء أساس الخَرَابِ.
(1)
كذا، وكأن المؤلف ينقل عن غيره، ولم نتبين من هو.
(2)
هذا الفصل من "المدهش"(ص/387 - 389) بتصرف، و"فصل" ليست في (ق وظ).
أتُرَاهم نسوا طيَّ الليالي لمن تقدمهم {وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ} فما هذا الاغترار؛ وقد {خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ} ، {فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ} من لهم إذا طلبوا العودةَ فـ {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} .
سبحان الله كم بكت دى تنعُّم الظَّالم عينُ أرملة، واحترقت كبِدُ يتيم، وجَرَتْ دمعة مسكين {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (46)} [المرسلات: 46] {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)} [ص: 88] ما ابيض لون رغيفهم حتى اسودَّ لون ضعيفهم، وما سمنت أجسامهم حتى انتحلت أجسام من استأثروا عليه.
لا تحتقرْ دعاءَ المظلوم فشررُ قلبهِ محمولٌ بعجيج صوته إلى سقف بيتِكَ، (في / 259 أ) ويْحَك نِبالْ أدعيتهَ مُصِيبة وإن تأخَّرَ الوقتُ، قوسُهُ قلبُهُ المقروحُ، ووَتَرهُ سوادُ اللَّيل، وأستاذُه صاحب:"لأنصرنك ولو بعد حين"، "وقد رأيت ولكن لستَ تعتبِرُ"
(1)
.
احذر عداوة منِ ينام وطرفه باك، يقلِّب وجهه نحو السماء، يرمي سهاما ما لها غرض سوى الأحشاءِ منك، فربَّما ولعلَّما، إذا كانت راحةُ اللذة تُثمر ألمَ العقوبة لم يحسُنْ تنَاولها.
ما تساوي لَذَّةُ سنة غَمَّ ساعة فكيف والأمر بالعكس!.
كم في يمِّ الغرورِ من تمساحٍ فاحذر يا غائص، ستعلم أيّها الغريمُ قِصَّتَكَ عند تعلّقِ الغرماء بك.
إذا التقى كلُّ ذي دَيْن ومَاطِلُهُ .... ستعلم ليلى أيَّ ديْن تَدَيَّنتْ
(1)
في "المدهش": "قوسه حرقه، ووتره قلقه، ومرماته هدف (لأنصرنك)، وسهم سهمه الإصابة "وقد رأيت وفي الأيام تجريب".
من لم يَتبع بمنقاش العدل شَوْكَ الظلم من أيدي التَّصرف، أثَّرَ ما لا يُؤمَنُ تَعَدَيهِ إلى القلب، يا أربابَ الدّوَل لا تعَرْبِدوا في سُكْر القُدْرة، فصاحبُ الشرطةِ بالمَرصاد.
سليمان الحكم قد حبس آصِفَ العقوبة في حصن: {فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84)} [مريم: 84]، وأجرى رَحَى الرخا:{لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ} [النساء: 165]، فلو هبت سموم الجزاء من مَهَبِّ:{وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ} [الأنبِاء: 46]، قلعت سكر:{أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ} [آل عمران: 178]، (ق/ 299 أ) فإذا طوفَانُ التَّلَفِ ينادي فيهم:{لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [هود: 43]. فالحذر {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} [الزمر: 56] [الزمر: 56).
وأنت أيها المظلوم فتذكر من أين أتيتَ؟ فإنك لا تلقى كَدَرًا إلاّ من طريق جناية
(1)
: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11]{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: 30].
كان لبَّانٌ يشُوب الماءَ باللَّبن، فجاء سيلٌ فذهب بالغنم، فجعل يبكي
(2)
، فهتف به هاتف: اجتمعت تلك القَطَرَاتُ فصارت سيلًا، ولسانُ الجواءِ يناديه:"يداكَ أوْكَتا وفوكَ نَفَخَ".
اذكر غفلتك عن الآمر والأمرُ وقت الكسب، ولا تنسَ اطِّراح التقوى عند معاملة الخلق، فإذا انْقَضَّ عاصِفٌ فسمعتَ صوت سوطِهِ يضرب عقد الكسب جزاء لخيانَةِ العقودَ، فلا تستعظمْ ذاك فأنتَ الجاني، والبادءُ أظَلمُ
(3)
.
(1)
(ق): "خيانة".
(2)
"فجعل يبكي" ليست في (ع).
(3)
هنا انتهى الانتقاء والنقل من كتاب "المدهش" لابن الجوزي.
فائدة
(1)
ما يقول الفقيهُ أَيدَهُ اللـ
…
ـهُ ولا زاكَ عندَهُ إحسان
في فتى عَلَّق الطَّلاق بشهرٍ
…
قبلَ ما قبلَ قبلِهِ رمضانُ
في هذا البيت ثمانية أوجه: أحدها: هذا، والثاني:"بعد ما بعده: بعده"، والثالث:"قبل: ما بعد بعده"، والرابع:"بعد ما قبل قبله"، فهذه أربعة متقابلة، والخامس:"قبل ما بعد قبله"، والسادس:"بعد ما قبل بعده"، والسابع:"بعد ما بعد قبله"، والثامن:"قبل ما قبل بعده".
وتلخيصها: أنك إن قدمت لفظة (بعد) جاء أربعة: أحدها: بعدات كلها، والثانية: بعداد وقيل. الثالثة: بعد وقبلان. الرابعة: بعد وقبل ثم بعد. وإِن قدمت لفظة (قبل) جاءت أربعة كذلك.
فإذا عرفتَ هذا؛ فضابط الجواب عن هذه الأقسام الثمانية: أنه إذا اتفقت الألفاظ فإن كانت "قبلا" فيكون الشهر هو الذي تقدمَه رمضان بثلاثة أشهر، فيقعُ الطلاقُ في ذي الحجَّة، فكأنه قال:"أنت طالق في شهر ذي الحجَّة"؛ لأن المعنى: أنتِ طالق في شهر رمضاِن قبل قبل قبله، فلو قال: رمضان قبله طلقت في شوال، ولو قال: قبلَ
(1)
هذان البيتان وشرحهما ذكرهما شهاب الدين القرافي في "الفروق": (1/ 63 - 68) وذكر أنهما من نوادر الأبيات وأشرفها معنى وأدقها فهمًا وأغربها استنباطًا، ثم ذكر أنه يمكن أن يستخرج منهما سبع مئة مسألة وعشريك مسألة، وأن هذين البيتين قد وقعا للعلامة أبي عمرو بن الحاجب فأفتى فيهما، وذكر نص فتواه، ثم زاد عليه أمورًا لم يتعرض لها.
ونقل هذه الفائدة عن "البدائع" المرداوي في "الإنصاف": (9/ 47)، والبهوتي في "كشاف القناع":(5/ 283)، وذكرها جماعة من الحنفية في كتبهم.
قبلِهِ لطلقت في ذي القعدة، فإن قال: قبلَ قبلِ قبلِهِ طلقتْ في ذي الحِجّة.
فإن كانت الألفاظُ "بعدًا" طلقت في جُمَادى الآخِرة؛ لأن المعنى: أنتِ طالقٌ في شهر يكونُ رمضان بعدَ بعدِ بعدِهِ، ولو قال: رمضانُ بعدَه طلقتْ في شعبان، ولو قال: بعدَ بعدِه طلقتْ في رجب، فإذا قال: بعدَ بعدِ بعدِهِ طلقتْ في جُمَادى الآخِرَةِ.
وإن اختلفتْ الألفاظُ -وهي في ستِّ مسائلَ- فضابطُها: أن كلَّ ما اجتمعَ فيه قل وبعد فألْغِهِما نحو: قبكَ بعده، وبعدَ قبلِهِ، واعْتبرِ الثالث، فإذا قال: قل بعدِ بعدِه، أو: بعدَ قبلِ قَبْلِهِ، فألغ اللَّفظين الأوَّلين يصير كأنه قال في الأول: بعدَه رمضانُ فيكون شعبانَ، (ق / 299 ب) وفي الثاني كأنه قال: قبْلَا رمضانُ فيكون شوال. وتقرير هذا (ظ/209 ب): أن كلَّ شهر واقع قبلَ ما هو يعدَه وبعدَ ما هو قبلَه.
وإن توسَّطت لفظةٌ بين مضادَّين لها نحو: قبل بعد قَبْله، وبعدَ قبلِ بعد، فألغِ اللَّفظينِ الأولَيْنِ، فيكون "شوَّالًا" في الصورة الأولى، كأنه قال: في شهر قبله رمضانَ، و"شعبانَ" في الثانية، كأنه قال: بعدَهُ رمضانُ.
وإذا قال: بعدَ بعدِ قبله، أو قبلَ قبْلِ بعدِهِ، وهما تمام الثمانية طلقتْ في الأولى في "شعبانَ"، كأنه قال: بعدَه رمضانُ، وفي الثانية في "شوال" كأنه قال: قبلَهُ رمضانُ.
فائدة
(1)
قال بعض الفضلاء بيتًا من الشعر يشتمل على أربعين ألف وثلاث
(1)
ليست في (ق).
وهذا البيت وما فيه من الاحتمالات ذكره القرافي في "الفروق"(1/ 68 - 69).
مائة وعشرين بيتًا من الشعر، وهو لزين الدين المغربي
(1)
:
لقلبي (6) حبيبٌ مليحٌ ظريفٌ
…
بديعٌ جميلٌ رشيقٌ لطيفٌ
وبيانُ ذلك: أن هذا البيتَ ثمانيةُ أجزاء، يمكنُ أن يُنْطَقَ بكل جزء من أجزائه مع الجزء الآخر، فتنتقل كل كلمة ثمانية انتقالات، فالجزءان الأوَّلان "لقلبي حبيب" يتصوَّر منهما صورتان بالتقديم والتأخير.
ثم خذ الجزء الثالث فيحدثُ منه مع الأولين ستُّ صور؛ لأن له ثلاثةَ أحوال؛ تقديمه عليهما وتأخيره وتوسطه، ولهما حالان، فاضرب أحواله في الحالين يكن ستة.
ثم خذ الجزء الرابع، وله أربعةُ أحوال، فاضرِبْها في الستة التي قبله تكن أربعة وعشرين.
ثم خذ الخامسَ تجدْ له خمسة أحوال، فاضرِبها في الصُّور المتقدمة، وهي أربعة وعشرون تكنْ مئة وعشرين.
ثم خذ السادس تجِدْ له ستة أحوال، فاضربها في مائة وعشرين تكن سبع مئة وعشرين.
ثم خذِ السَّابِع تجد له سبعةَ أحوال، فاضربها في سبع مئة وعشرين تكن خمسةَ آلاف وأربعين.
ثم خذ الثامن تجد له أحوال ثمانية، فاضربها في خمسة آلاف
(1)
(ق): "المعرى" و (ع): "المقري" والمثبت من "الفروق". ولم أتبين من هو: (2)"الفروق""بقلبي".
وأربعين تكنْ أربعين ألفًا وثلاث مئة وعشرين بيتًا فامتحنها تجدها كذلك.
ومثله لي قُلْته في القدس:
محبٌّ صبورٌ غريبٌ فقيرٌ
…
وحيدٌ ضعيف كتومٌ حمولٌ
(1)
فائدة
في دخول الشرط على الشرط
(2)
، وهو صور:
إحداها: "إنْ خَرَجتِ ولَبِستِ فأنت طالقٌ" لا يحنَثُ إلا بهما كيفما كانا.
الثانية: "إن لَبِتِ فخرجتِ" لم يحنَثْ إلا بخروج بعد لُبْسٍ.
الثالثة: "إنْ لبتِ ثم خَرَجتِ" لا يحنث إلا بخروجها بعد لبسها لا معه، ويكون متراخيا، هذا بناءَ على ظاهر اللفظ، وأما قَصْده فيُرَاعى، ولا يلتفت إلى هذا.
الرابعة: "إن خَرَجتِ لا إن لَبسْتِ" يحنَثُ بالخروج وحدَهُ ولا يحنَثُ باللّبس، ويحتمل هذا التعليقَ أمرين:
أحدهما: أن يجعل الخروج شرطًا ويَنْفِي أن يكون اللّبْس شرطًا، فحكمه (ق/300 أ) ما ذكرنا.
الثاني: أن يجعل الخروجَ مع عدمِ اللبس شرطًا، فلا يحنثُ
(1)
(ق): "جهول".
(2)
"فائدة في دخول الشرط على الشرط" سقطت من (ق)، و"على الشرط" ليست في (ع)، وقد تقدم هذا البحث في أول الكتاب:(1/ 101 - 106)، وذكر له المؤلف هناك عشر صور.
بخروج معه لبس، ويكون المعنى:"إن خرجت لا لابسة أو غير لابسةٍ" فإنْ خرجت لابِسةً لم يَحْنَثْ.
الخامسة: "إن خَرَجتِ بل إن لَبسْتِ"، فلا يحنثُ إلا باللُّبس دون الخروج، ويحتمل هذا التعليق أيضًا أمرين:
أحدهما: هذا.
والثاني: أن يكون كلّ منهما شرطًا فيحنث بأيِّهما وجد، ويكوِن الإضراب إضرابَ اقتصار لا إضرابَ إلغاء، فكأنه يقول: لا أقتصرُ على جعل الأوَّل وحده شرطًا، بل أيّهما وُجد فهو شرطٌ، فعلى التقدير الأوَّل: يكون إضرابَ إلغاءِ ورجوع. وعلى الثاني: إضراب اقتصار وإفراد.
السادسة: "إن خرجتِ أو إن لَبِسْت" يحنث بأيهما وُجِد.
السابعة: "إن ليسْت لكنْ إن خرَجْتِ" فالشرطُ الثاني، وقد لغا الأول بـ (لكن)؛ لأنهَا للاستدراك.
الثامنة: -وهي أشكلها- "إن لَبسْتِ إنْ خَرَجْتِ" وهذه مسألةُ دخول الشرط على الشرط، ويحتمل التعليق في ذلك أمرين:
أحدهما: أن يُجعلَ كلُّ واحدٍ منهما شرطًا مستقلًا، فيكون كالمعطوف بالواو سواء ولا إشكال.
والثاني: أن يجعلَ أحدهم شرطًا في الآخر.
فاختلف الفقهاء في حكم هذه المسألة
(1)
؛ فقال أصحاب مالك: هو تعليق للتعلق، ففي هذا الكلام تعليقان:
(1)
انظر "الفروق": (1/ 81 - 82) والمؤلف من هنا ينقل منه مع بعض التصرف.
أحدهما: "إن لَبست فأنتِ طالِقٌ" ثم علق هذه الجملة المعلقة بالخروج، فكأنه قال: شرطُ نفوذ هذا التعليق الخروج، فعلى هذا لا يحنَثُ حتى يوجدَ الخروجُ بعد اللبْس، وممن نصَّ عليها ابن شاس في "الجواهر"
(1)
.
وقال أبو إسحاق في "المهذب"
(2)
وقد صور المسألة: "إن كَلَّمْتِ زيْدًا، إن دَخَلْتِ الدَّارَ فأنْتِ طالِقٌ"؛ إنْ دَخَلَتِ الدارَ ثمَ كلمَتْ زيدًا طلقَتْ، وإن كلمَتْ زيدًا (ظ/ 215 أ) أولًا، ثم دخلتِ الدارَ لم تطلقْ؛ لأنه جعل دخولَ الدار شرطًا في كلام زيد، فوجبَ تقديمه عليه، وهذا
(3)
عكس قول المالكية، ورجَّحَ أبو المعالى قولَ المالكية في "نهايته"
(4)
.
وقد وقع هذا التعليق في كتاب الله عز وجل في مواضع:
أحدها: قوله حكايةً عن نوح: {وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} [هود: 34]، وهذا ظاهر في أن الشَّرْطَ الثانى شرط في الشرط الأول، والمعنى: إن أراد الله أن يُغْوِيَكمْ لم يَنْفَعْكمْ نصحي إن أردته، وهذا يشهد لصحة ما قال الشيخ أبو إسحاق.
الموضع الثاني: قوله تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ} [الأحزاب: 50]، قالوا: فهذه الآية ظاهرة في قول المالكية، لأن إرادة رسول الله صلى الله عليه وسلم متأخرة عن هِبَتِهَا، فإنها تجري مجرى القبول في هذا العقد، والإيجاب هو هبتها.
(1)
(2/ 207).
(2)
(10/ 215 - مع شرحه للعمراني).
(3)
(ع): "هكذا".
(4)
هو كتابه الكبير: "نهاية المَطْلب في دراية المَذْهب"، لم يطبع بعد.
ونظيرُ هذا أن يقولَ: "إن وَهَبِت لي شَيئًا إنْ أردْتُ قَبُولَهُ أخذْتهُ"، فإرادةُ القبول متأخِّرة عن الهِبة، فلا يكونُ شرطًا فيها، (ق/ 300 ب) قال الأوَّلون: يجوز أن تكونَ إرادةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم متَقَدِّمة، فلما فهمت المرأة منه ذلك وَهَبَتْ نفسَها له، فيكون كالآية الأولى، وهذا غيرُ صحيح، والقصَّة تأباه، فإنَّ المرأةَ قامت، وقالت: يا رسولَ الله إنى وَهَبْتُ لك نفسِي، فصَعَّدَ فيها النَّظَرَ وصَوَّبَهُ، ثم لم يَتزوَّجْها وزوَّجَها غيْرَه
(1)
.
الموضع الثالث: قوله تعالى: {فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87)} [الواقعة: 86 - 87]، والمعنى: فلولا ترجِعُونها، أي: تَردّون الرُّوح، إذا بلغتِ الحُلْقُومَ، إنْ كنتمْ غيْرَ مربوبين مملوكين، إن كنتم صادقين، وهنا الثانى شرط للأول، والمعنى: إنْ كنتُم صادقينَ في قولكم فهلاّ تَرُدُّونها إن كنتم غيرَ مدِينينَ، ويدلّ عليه قول الشاعر أنشده أبو عبد الله بن مالك
(2)
:
إنْ تَستَغيثوا بنا إنْ تُذْعَروا تَجِدُوا
…
منَّا معاقلَ عِزٍّ زانَها الكرَمُ
ومعلوم أن الاستغاثة إنما تكون بعد الذعر، فالذعر شرطٌ فيها، ومن هذا قول الدُّريدي
(3)
:
فإنْ عَثَرْتُ بَعْدَها، إنْ وَألَتْ
…
نَفْسِيَ مِنْ هاتا فقُولا: لا لَعَا
(1)
متفق عليه، البخارى رقم (2310)، ومسلم رقم (1425) من حديث: سهل بن سعد -رضى الله عنهما-.
(2)
صاحب الألفية، أنشده في كتابه "التسهيل - مع شرحه المساعد":(3/ 173) وكذا ابن هشام فى "المغني": رقم (848)، وهو في "الخزانة":(11/ 358).
(3)
هو: أبو بكر ابن دريد صاحب "الجمهرة" وغيرها، وهذا البيت ضمن "المقصورة":(ص/ 20 - مع شرحها للتبريزي).