المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسلك الثاني عشر: - بدائع الفوائد - ط عطاءات العلم - جـ ٣

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌المسلك الأول:

- ‌المسلك الثاني:

- ‌المسلك الثالث:

- ‌المسلك الرابع:

- ‌المسلك الخامس:

- ‌المسلك السادس:

- ‌المسلك الثامن:

- ‌المسلك التاسع:

- ‌المسلك العاشر:

- ‌المسلك الحادي عشر:

- ‌المسلك الثاني عشر:

- ‌فصل(1)قولهم: "ظروفُ الزمان لا تكون أخبارًا عن الجثث"(2)ليس على إطلاقه

- ‌المثال الأول:

- ‌المثال الثاني:

- ‌المثال الثالث:

- ‌المثال الرابع:

- ‌المثال الخامس:

- ‌المثال السادس:

- ‌المثال السابع:

- ‌المثال الثامن:

- ‌المثال التاسع:

- ‌المثال العاشر:

- ‌المثال الحادي عشر:

- ‌المثال الثانى عشر:

- ‌المثال الثالث عشر:

- ‌المثال الرابع عشر:

- ‌المثال الخامس عشر:

- ‌المثال السادس عشر:

- ‌ في صفة وضع اليد على اليد

- ‌اختلف قوله في الصلاة بغير الفاتحة

- ‌ومن خط القاضي مما قال: انتقيتُه من "كتاب الصيام" لأبي حفص

- ‌ومن خط القاضي أيضًا مما ذَكَر أنه انتقاه من كتاب "حكم الوالدين في مال ولدهما" جَمْع أبى حفص البرمكي

- ‌ عِتْق الأب جاريةَ ابِنهِ

- ‌ إذا وهب لابنه جاريةً فأراد أن يشترِيَها

- ‌ومما انتقاه من خط أبي حفص البرمكي

- ‌ومن خط القاضي أيضًا

- ‌ومن خطه أيضًا من تعاليقه

- ‌ عذاب القبر

- ‌ومن خط القاضي من جزء فيه تفسير آيات من القرآن عن الإمام أحمد

- ‌فوائد شتى من كلام ابن عقيل وفتاويه

- ‌ذِكْر مناظرةٍ بين فقيهين في طهارة المنيِّ ونجاستِهِ

- ‌فائدةإذا علق الطلاق بأمر يعلمُ العقلُ استحالَتَهُ عادةً

- ‌فائدةإذا جَبَّ عبدَه ليزيدَ ثمنُه

- ‌فائدة(2)الخلافُ في كون عائشة أفضلَ من فاطمة

- ‌مسائل في المخنّث واللوطي وشارب الخمر في رمضان

- ‌فائدةالدليلُ على حَشْرْ الوحوش

- ‌فائدة

- ‌فائدة

- ‌فائدة

- ‌فائدة(2)قولهم: الأعمُ لا يستلزمُ الأخصَّ عينًا

- ‌فائدةارتفاع الواقع شرعًا مُحال

- ‌فائدة(2)الأسبابُ الفعلية أقوى من الأسباب القولية

- ‌قاعدةالحائض إذا انقطع دمُها فهي كالجُنُب

- ‌من مسائل إسحاق بن منصور الكوسج لأحمد

الفصل: ‌المسلك الثاني عشر:

أيضًا فاسدُ، فإن هذا إنما يكون إذا أُسْنِد الفعل (ظ / 158 ب) إلى ظاهر المؤنث.

فأما إذا أُسْنِد إلى

(1)

ضميره فلابُدَّ من التاء كقولك: "الشَّمْسُ طَلَعَتْ"، وتقول:"الشَّمْسُ طَالِعةٌ" ولا تقول: "طالع"؛ لأن في الصفة ضميرها، فهي بمعنى الفعل في ذلك سواء.

فصل

(2)

‌المسلك الحادي عشر:

أن "قريبًا" مصدرٌ لا وصفٌ، وهو بمنزلة النقيض، فجُرِّد من "التاء"؛ لأنك إذا أخبرتَ عن المؤنث بالمصدر لم تَلْحَقْهُ "التاءُ"، ولهذا تقول:"امْرَأَةٌ عَدْلٌ" ولا تقول: "عَدْلَةٌ" و"امرأةٌ صَوْمٌ، وصَلاةٌ، وصِدْقٌ، وبِرٌّ" ونظائره، وهذا المسلكُ من أفسد ما قيل عن "القريب"، فإن "القريب"

(3)

لا يُعْرَفُ استعمالُه مصدرًا أبدًا، وإنما هو وصف، والمصدرُ هو القُرْب لا القريب.

[فصل]

‌المسلك الثاني عشر:

أن "فَعِيلًا وفَعُولًا" مطلقًا يستوي فيهما المذكَّرُ والمؤنث، حقيقيًّا كان أو غير حقيقي، كما قال امرؤُ القيسِ

(4)

:

بَرَهْرَهَةٌ رُؤْدَةٌ رَخْصَةٌ

كَخُرْعُوبَةِ البَانَةِ المُنْفَطِرْ

(1)

(ع): "إليه".

(2)

سقط من (ق وظ)

(3)

"فإن القريب" من (ع).

(4)

"ديوانه": (ص/ 157).

البَرَهْرَهة: الرقيقة الجلد، والرؤدة والرَّخصة: الناعمة اللينة، وخرعوبة البانة: القضيب الغض الطري.

ص: 885

فَتُوْرُ القيام قطيعُ الكلام

تَفْتَرُّ عن ذي غُروبٍ خَصرْ

وقال أيضًا

(1)

:

له الوَيْلُ إن أمسى ولا أمُّ هاشمٍ

قريبٌ ولا البَسْبَاسَةُ ابنةُ يَشْكُرا

وقال جرير

(2)

:

أَتَنْفَعُكَ الحَيَاةُ وأُمُّ عمرٍو

قَرِيبٌ لا تَزُورُ ولا تُزَارُ

وقال جرير أيضًا

(3)

:

كأْن لم نُحَارِبْ يا بُثَيْنُ لو انَّهَا

تَكَشَّفُ غُمَّاهَا، وأَنْتِ صَدِيقُ

وقال أيضًا

(4)

.

دَعَوْنَ الهَوَى ثم ارْتَهَنَّ قُلوبَنَا

بِأَسهمِ أَعْدَاءٍ وَهُنَّ صديقُ

قالوا: وشواهدُ ذلك كثيرةٌ، وفي هذا المسلك غُنْيَةٌ عن تلك التَّعَسُّفات والتَّأويلات.

وهذا المسلكُ ضعيفٌ أيضًا، وممَّن ردَّه أبو عبد الله بن مالك فقال

(5)

: هذا القولُ ضعيف؛ لأن قائِلَهُ إما أن يُريدَ أن "فَعِيلًا" في هذا الموضع وغيره يستحِقُّ ما يستحِقُّه "فَعُولٌ" من الجَرْي على المذكَّر والمؤنَّث بلفظٍ واحد، وإما أن يريدَ أن "فَعِيلًا" في هذا

(1)

"ديوانه": (ص/68).

(2)

"ديوانه": (ص/ 182).

(3)

كذا في الأصول، والصواب أن البيت لجميل بن معمر، انظر "ديوانه":(ص/144).

(4)

"ديوان جرير": (ص/ 315)، والرواية فيه:

دعونَ الهوى ثمَّ ارتمينَ قلوبنا .............

(5)

في رسالته في تذكير (قريب) من هذه الآية، منشورة في (مجلة الإكليل، السنة السابعة 1409) تحقيق الحموز.

ص: 886

الموضع خاصَّةً محمول على "فَعُول".

فالأوَّلُ مردودٌ؛ لإجماع أهل العربية على التزام التاء في "ظريفة وشريفة" وأشباههما وَزْنًا ودلالة، ولذلك احتاج علماؤُهم أن يقولوا في قوله تعالى:{وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} [مريم: 28]، وقوله:{وَلَم أَكُ بَغِيًّا} [مريم: 20]: أن أصل "بَغُوي" على فَعول، فلذلك لم تلحقه التاءُ، ثم أُعِلَّ بإبدال الواو ياء، والضمة كسرة، فصار لفظُه كلفظ "فَعِيل"، ولو كان فَعِيلًا أصلًا للحقته التاءُ، فقيل:"لم أكُ بغيَّةً".

والثانى أيضًا مردودٌ؛ لأن لـ "فَعِيل" على "فَعُول" من المزايا ما لا يليقُ به أن يكون تَبَعًا له، بل العكس أولى أن يكونَ "فعولٌ" تبعًا لـ"فَعِيل"؛ ولأنه يتضمَّن حَمْل "فَعِيل" على "فَعُول" وهما مختلفان لفظًا ومعنى، أما اللفظ فظاهر، وأما المعنى فلأنَّ "قريبًا" لا مُبَالغةَ فيه، لأنه يوصفُ به كلُّ ذي قُرْب وإن قلَّ، و"فَعُول" لابدّ فيه من المبالغة.

وأيضًا فإن الدَّالَّ على المبالغة لابُدَّ أن يكونَ له بِنَيَةٌ لا مبالغَةَ فيها، ثم يُقْصدُ به المبالغةَ، فتُغيَّر بنيته كـ "ضَارِب وضَرُوب، وعَالِم وعَلِيم"، و"قريبٌ" ليس كذلك، فلا مبالغةَ فيه.

وأما بيت امرئ القيس فلا حجَّة فيه لوجوه:

أحدها: أنه نادرٌ فلا حكمَ له، فلا كَثُرَتْ صُوَرُهُ، ولا جاءَ على الأصل، كـ "اسْتَحْوَذَ، واسْتَنْوق البعيرُ، وأغْيَمَتِ السَّمَاءُ، واعْوَرَّ واحْوَلَّ" وما كان كذلك فلا حكمَ له.

الثاني: أن يكونَ أراد قطيعةَ القيام، ثم حذف التاء للإضافة، فإنها تجوزُ بحذفها عند الفراء وغيره، وعليه حمل قوله تعالى:

ص: 887

{وَإِقَامَ الصَّلَاةِ} [الأنبياء: 73] أي: إقامتها؛ لأن المعروف في ذلك إنما هو لفظُ الإقامة، ولا يقال:"إقام" دون إضافة، كما لا يقال:(ق/218 أ)"إرادُ" في إرَادَة، ولا:"إقَالُ" في إقالة؛ لأنهم جعلوا هذه التاء عِوَضًا عن ألف "إفعال" أو عينه؛ لأن أصل: "إقَامَة: إقْوَام" فنقلت حركة العين إلى "الفاء فانقلبت ألفًا، فالتقتْ ألِفان، فحُذِفت إحداهما، فجاءوا بالتاء عوضًا، فلزمتْ إلاّ مع الإضافة، فإن حذفها جائزٌ عند قوم قياسًا، وعند آخرين سماعًا، ومثلها في اللَّزوم تاء: "عِدَة وزِنَة" وأصلهما "وَعَدَ ووَزَنَ"، فحُذِفت الواو، وجُعِلَتِ التاء عِوَضًا منها فلزمتْ. وقد تُحْذَفُ للإضافة (ظ / 159 أ) كقول الشاعر

(1)

:

إنَّ الخَلِيطَ أَجَدُّوا البَيْنَ وانْجَرَدُوا

وأَخْلَفُوكَ عِدَا الأَمْرِ الذي وَعَدوا

أي: أخلفوك عِدَة الأمر، فحذف التاء، وعلى هذه اللغة قرأ بعض القراء

(2)

: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} [التوبة: 46] بالهاء أي: عُدَّتَهُ فحذف التاء

(3)

.

الثالث: أن يكونَ "فَعيل" في قوله: "قَطِيع القيامٍ" بمعنى مفعول؛ لأن صاحبَ "المحكم"

(4)

حكى أنه يقالَ: قَطْعَهُ وأقْطَعَهُ: إذا بَكَّتَهُ، وقُطِعَ هو فهو قَطِيع القول، فقَطِيع على هذا بمعنى مَقْطُوع، أي: مُبَكَّتٌ، فحَذْف التاء على هذا التَّوجيه ليس مخالفًا للقِياس، وإن

(1)

هو: العباس بن الفضل، ذكره الجوهري في "الصحاح":(2/ 551)، منسوبًا لزهير وهو من شواهد ابن عقيل:(4/ 285) في شرحه.

(2)

قال ابن جني: سُمع محمد بن عبد الملك يقرأ بها، انظر:"المحتسب": (1/ 293)، و"روح المعاني":(10/ 111).

(3)

من قوله: "وعلى هذه

" إلى هنا ساقط من (ق).

(4)

(1/ 90).

ص: 888

جعل قَطِيعًا مبنيًّا على: قَطُع، كسريع من سَرُع، فحقُّه على ذلك أن يلحقَهُ التاءُ عند جَرْيه على المؤنَّث، إلا أنه شُبِّهَ بفعيل الذي بمعنى مفعول، فأُجْريَ مجراه.

فهذا تمامُ اثني عشر مسلكًا في هذه الآية، أصحُّها المسلكُ المركَّبُ من السادس والسابع، وباقيها

(1)

ضعيفٌ وواهٍ ومحتمل.

والمبتدئُ والمقلِّدُ لا يدركُ هذه الدقائق، والفاضل المنصف لا يخفى عليه قَوِتُّها من ضعيفها، وَلْيكنْ هذا آخِرَ الكلام على الآية، والله أعلم.

فائدة

(2)

خبرُ المبتدإ إما مفرد وإما جملة، فإن كان جملةً؛ فإما أن تكونَ هي نفس المبتدإ أو غيره، فإن كانت نفس المبتدإ لم تحْتَجْ إلى رابط يربطُها به، إذ لا رابطَ أقوى من اتحادهما نحو قولي

(3)

: "الحمد لله".

وإن كانت غيرَ المبتدإ

(4)

؛ فلابدَّ فيها من رابط يربطُها بالمبتدإ لئلا يُتَوَهَّمَ استقلالُها وانقطاعُها عن المبتدإ؛ لأن الجملة كلامٌ قائمٌ تامٌّ بنفسه، وذلك الرابط لا يتعيَّنُ أن يكونَ ضميرًا، بل يجوزُ أن يكونَ ضميرًا، وهو الأكثرُ، واسم إشارة كقوله تعالى:{وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف: 26] وقوله: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ}

(1)

(ق): "وباقيها فيها"، و (ظ):"وباقيها فيه".

(2)

(ق): "فصل"، وليست في (ع) والمثبت من (ظ)، وهذه الفائدة بنحوها في "نتائج الفكر":(ص/418 - 420) للسهيلي.

(3)

(ق وظ): "قولك".

(4)

"وإن كانت غير المبتدأ" سقطت من (ق).

ص: 889

أَصحَابُ الْجَحِيمِ} [المائدة: 10] .. ونظائره كثيرة.

أو اسمًا ظاهرًا قائمًا مقامَ المُضْمَر، كقوله تعالى:{وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصلِحِينَ (170)} [الأعراف: 170].

وقد يُستغنى عن الضمير إذا عُلم الرابطُ

(1)

وعدم الاستقلال بالسياق، وباب هذا التفصيل بعد الجملة، ففيه يقعُ الاستغناءُ عن الضمير

(2)

كثيرًا كقولك: "المَالُ لِهؤُلاءِ: لِزَيْدٍ درْهَمٌ، ولِعَمْرٍو دِرْهْمَانِ، ولخَالدٍ (ق/ 218 ب) ثَلاثَةٌ"، ومثله:"النَّاسُ واحِدٌ في الجَنَّةِ، ووَاحِدٌ في النَّارِ"، ولا حاجة بنا إلى تقدير ضمير رابط محذوف تقديره:"لِزَيْدٍ منه درْهَمٌ، وواحِدٌ منهم في الجَنَّةِ"، فإنَّ تفصيل المبتدإ بالجملة بعدَه رابطٌ أغنى عن الضمير فتأمَّلْهُ. ومثلُه:"السَّمْنُ مَنَوَان بدِرْهَمٍ"، وهذا

(3)

بخلاف قولك: "زَيْدٌ عَمْروٌ مُسَافِرٌ" فإنه لا رابطَ بينهما بوجه، فلذلك يحتاجُ أن يقولَ:"في حاجته" ونحو ذلك ليفيدَ الإخبار. هذا حكمُ الجملة.

وأمَّا المفرد؛ فقد اشتهر على ألسنة النُّحاة: أنه إنْ كان مشتقًّا فلابُدَّ من ضمير يربطُه بالمبتدإ، وإن كان جامدًا لم يَحَتَجْ إلى ضمير، وبعضُهم يَتكَلَّفُ تأويلَه بالمشتقِّ.

وهذا موضع لابُدَّ من تحريره، فنقول: الخبر المفرد لما كان نفسَ المبتدإ كان اتِّحَادُهما أعظمَ رابطٍ يمكنُ، فلا وجهَ لاشتراط الرَّابط بعد هذا أصلًا، فإن المخاطَب يعرفُ أن الخبرَ مسندٌ إلى المبتدإ -وأنه هو نفسُه، ومن هنا يُعْلمُ غلط المنطقيِّين في قولهم: "إنه لابُدَّ من الرَّابط،

(1)

(ع): "الربط".

(2)

من قوله: "إذا علم

" إلى هنا ساقط من (ق).

(3)

من قوله: "منهم في الجنة

" إلى هنا ساقط من (ق).

ص: 890

إما مضمَرًا وإما مظهَرًا" وهذا كلامُ مَنْ هو بعيد من تصوُّر المعاني وارتباطها بالألفاظ، ولا تَسْتنكِرْ

(1)

هذه العبارةَ في حقِّ المنطقيينَ فإنهم من أفسدِ الناس تَصَوُّرًا، ولا يُصَدِّقُ بهذا إلا مَنْ عَرَف قوانينَ القوم، وعَرَفَ ما فيها من التَّخبيط والفساد.

وأما إن كان الخبرُ اسمًا مشتقًّا مفردًا فلابُدَّ فيه من الضمير، ولكن ليس الجالب لذلك الضمير ربطه بالمبتدإ بل الجالبُ له أن المشتقَّ كالفعل في المعنى، فلابُدَّ له من فاعل ظاهر أو مضمر.

فإن قيل: وما الذي يدُلُّ على أن في الفعل ضميرًا حتى يكونَ في ثانيه ضمير؟. فإذا قلت: "زَيْدٌ قَائم" فإن هذا اللَّفظ (ظ / 159 ب) لا ضميرَ فيه يُسمع، فدعوى تحمُّله للضمير دعوى محضة.

قيل: الذي يدلُّ على أن فيه الضمير: تأكيدُهم له وعطفُهم عليه وإبدالُهم منه، كقولك في التأكيد:"إنَّ زَيْدًا سَيَقُومُ نَفْسُهُ" برفع "نفس"، وفي العطف كقوله تعالى:{سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ} [المسد: 3، 4] فـ "امرأتُه" رُفِعَ عطفًا على الضمير في "سَيَصْلى"، وفي البدل قولك:"إنَّ زَيْدًا يُعْجِبُنِي عِلْمُهُ"، على أن يكونَ "علمُه" بَدَلَ اشتمال لا فاعل، فإذا كان المشتَقُّ مفرَدًا كان الضميرُ الذي فيه اسمًا، فعلًا كان أو اسمًا، نحو: "زَيْدٌ ذَهبَ

(2)

وزيْدٌ ذَاهِبٌ".

وأما في التثنية والجمع؛ فلا يكونُ ضميرًا إلا في الأفعال، نحو:"يَذْهَبَانِ ويَذْهَبُونَ" وأما في الأسماء؛ فإنه لا يكون فيها إذا ظهر، إلا علامةً لا ضميرًا، نحو:"ذاهبانِ (ق/219 أ) وذَاهِبُونَ" فهما في الاسم

(1)

(ق): "تستكثر".

(2)

(ق): "يذهب".

ص: 891

حرفان، وفي الفعل اسمان، برهانُ ذلكْ انقلابُهما في الاسم "ياء" في التثنية والجمع، كما ينقلبان فيما لا يتحمل ضميرًا كالـ "زَّيْدَيْنِ والزَّيْدِينَ" ولو كانا ضميرًا كـ "هما" في الفعل لبقِيا على لفظ واحد، كما تقول في الفعل:"هؤُلاءِ رِجَالٌ يَذْهَبُونَ"، و"مَرَرْتُ بِرِجَالٍ يَذْهَبُون"، و"رَأَيْتُ رِجَالًا يَذْهَبُونَ"، وكذلك في التثنية سواء، فلا يتغيَّر لفظ "الواو"؛ لأنها فاعلٌ، وليست علامةَ إعراب الفعل، فثبتَ بهذا صحَّةُ دعوى النُّحاة على العرب: أن الضميرَ المستتر في الاسم المشتقِّ لا يظهرُ في تثنيةٍ ولا جمع، وأن الضميرَ المستترَ في الفعل يظهرُ في التَّثنية والجمع.

ولولا الدليلُ الذي ذكرناه لما عُرِفَ هذا أبدًا؛ لأن العرب لم تُشَافِهْنا بهذا مشافهةً، ولا أفصحتْ عن هذا القَدْر في هذا ونحوه، إلا باستقراء كلامها والتَّتَبُّع لأنحائها ومقاصدها المُوصل إلى غرائب هذه اللُّغة وأسرارها وحِكَمِها.

فإن قيل: فقد عَرَفنا صِحَّةَ ذلك، فما هي الحكمةُ التي من أجلها فرَّقوا بين المَوْطِنَيْنِ فجعلوها ضمائرَ في الأفعال، وحروفًا في الأسماء؟.

قيل: في ذلك حكمةٌ بديعةٌ، وهي: أن الأسماءَ لما كان أصلها الإعراب كانت أحوجَ إلى علامة إعراب منها إلى علامة إضمار. والأفعال أصلُها البناءُ، ولم يكنْ لها بُدٌّ من الفاعل ضَرورة، فكانت أحوجَ إلى علامة إضمار الفاعلين منها إلى علامة إعراب، مع أن هذهِ العلامةَ في الأسماء علامةُ تثنية وجَمْع، وحَرْف إعراب أيضًا، والأفعالُ لا تُثَّنى ولا تُجمع إذ هي مشتَقَّةٌ من المصدر، وهو لا يُثَّنْى ولا يُجمعُ؛ لأنه يدُلُّ على القليل والكثير يلفظ واحد، هذه عِلَّةُ النُّحاة.

ص: 892

وفيه علَّةٌ أخرى أصَحُّ من هذه وألطفُ وأدَقُّ، قد تَقَدَّمَتْ في أول هذا التعليق

(1)

.

وإذ ثبت أن الأفعال لا تُثَّنى ولا تُجمع، وعلامة التَّثْنِيَةِ والجمع حروفُ إعراب، فلا يكونُ "الواو والألف" إلا علامةَ إضمار، ولا يكونُ في الأسماء -وإن احتملتِ الضمائرَ- إلا علامةُ تثنية وجمع و

(2)

حروف إعراب على قول سيبويه

(3)

، أي: محل الإعراب، أو هى الإعراب نفسها على قول قُطْرُب وغيره، بمنزلة الحَرَكات في المفرد، أو دليل إعراب على قول

(4)

الأخفش وأبي العباس المُبَرِّد

(5)

.

فصل

(6)

هذا حكم الخبر إذا كان مفردًا أو جملة، فأما إذا (ق/219 ب) كان واقعًا موقعَ الخبر، وليس هو نفسُهُ خبرًا، كالظَّرْف والمجرور، فإنه وأقعٌ موقِعَ مُشْتَقٍّ متَحَمِّلٍ للضَّمير، وهو إما مفردٌ وإما جملة.

وأكثر النُّحاة يقدَّرُونه بمفرد مشتَقٍّ، نظرًا إلى أن الأصل في الخبر أن يكون مفردًا، فتقديرُه كذلك موافقٌ للأصل، وأيضًا فإنما قُدِّرَ لضَرورة صِحَّة الكلام، فإن الظرفَ والمجرورَ ليس هو نفس المبتدأ، وما قُدِّرَ للضَّرُورة لا يُتَعَدَّى به ما تقتضيه الضَّرورةُ، وهي تزولُ بالمفرد، فتقديرُ الجملة مستغنى عنه مع أنه خلافُ الأصلِ.

(1)

(1/ 47 - 51). وانظر المسألة العاشرة في "نتائج الفكر".

(2)

"النتائج": "أو".

(3)

"الكتاب"(1/ 13).

(4)

سقطت من (ع).

(5)

انظر: "المقتضب": (2/ 153).

(6)

انظر أصل المسألة في "نتائج الفكر": (ص/ 421 - 425).

ص: 893

وأيضًا: فإنه قُدِّر للتَّعلُّق، وهذا التَّعلُّق يكفي فيه المفردُ، وأيضًا فإنه يقعُ في موضع لا يصحُّ فيه تقدير الجملة، كقولك:"أمَّا عِنْدَكَ فَزَيْدٌ، وأمَّا في الدَّار فعَمْرٌو" فإن "أمَّا" لا يليها إلا اسمٌ مفرد، فإذا تعيَّنَ المفردُ هاهنا، يرجحُ في (ظ/ 160 أ) الباقي، ليجريَ البابُ على سَنَن واحد، ولا ينتقض هذا بوقوعه في صِلَةِ الموصول، كقولك:"جَاءَنِي الَّذي في الدَّارِ"، إذ يتعيَّنُ تقديرُ الجملة؛ لأن كلامنا في التقدير في باب الخبر، لا في التقدير في سائر الأبواب، كالصِّلَة والصِّفَة والحال، ولا يلزمُ من تعين الجملة في التَّقدير في الصِّلَة تعيُّنُها ولا ترجيحها في باب المبتدإ.

وسأل أبو الفتح ابن جِنِّي أبا عليٍّ

(1)

عن هذه المسألة، فلم يراجعه بجواب شافٍ أكثرَ من أن قال له: تقدير الاسم هاهنا أولي؛ لأن خبرَ المبتدأ في أغلبِ أحواله اسم.

وكَشْفُ الغطاء عن هذه المسألة أن يقالَ: الجار هنا لا يُتَصَوَّر تعلُّقه بفعل محض؛ إذ الفعل المحضُ ما دَلَّ على حَدَث وزمان، ودلالته على الزمان بِبِنْيته، فإذا لم يكن له وجود في اللَّفظ، لم يكن له بنيَةٌ تَدُلُّ على الزَّمَان، مع أن الجارَّ لا تعلُّقَ له بالزَّمانِ، ولا يَدُلُّ عليَه، إنما هو في أصل وضعِهِ لتقييد الحَدَث وجرِّه إلى الاسم على وجهٍ مَّا من الإضافة، فلا تعلُّقَ له إلا بالحَدَث، والحدث الذي هو المصدرُ لا يمكن تقديرُه هاهنا لأنه خبرُ المبتدإ، والمبتدأُ ليس هو الحَدَثَ، فَبَطَلَ أن يكون التقدير: "زَيْدٌ اسْتِقْرارُ

(2)

في الدَّارِ"، وبطَلَ -أيضًا بما تقدَّم- أن يكون التقدير: "زَيْدٌ اسْتَقَرَّ في الدَّارِ"، ألا ترى

(1)

أي: الفارسي شيخه.

(2)

(ق): "استقر"!.

ص: 894

أنه يقبُحُ أن يقال: "زَيْدٌ في الدَّارِ أمْسِ، أو: أوَّلَ مِنْ أَمْسِ".

وإذا بطل القسمان -أعني إضمار المصدر والفعل- لم يبق إلا القسم الثالث وهو: إضمار اسم الفاعل فتصِحّ

(1)

الفائدتانِ:

إحداهما: (ق / 220 أ)، أن يكون خبرًا عن المبتدإ، ويُضمرُ فيه ما يعودُ عليه، إذ لا يمكنُ ذلك في المصدر.

والثانية: أن يصِحَّ تَعَلُّق الجارِّ به، إذ مطلوبه الحَدَث، واسم الفاعل متضمِّنٌ للحَدَث لا للزمان.

إذا

(2)

عُرِف هذا فلا يَصِحُّ ارتفاع الاسم بعد الظرف والمجرور بالاستقرار على أنه فاعل، وإن كان في موضعِ خبر أو نعت

(3)

، وإنما يرتفعُ بالابتداء كما يرتفعُ في قولك:"قَائِم زَيْدٌ" بالابتداء لا بـ "قائم" خلافًا للأخفش، فإذا قلت:"في الدَّارِ زيْدٌ"، فارتفاع "زَيْد" بالابتداء لا بالاستقرار

(4)

.

فإن قلت: أليس إذا قلت: "زَيْدٌ قَائِمٌ أَبُوهُ" و"رَأَيْتُ رَجُلًا قَائِمًا أَبُوه" و"مَرَرْتُ بِرَجُلٍ قَائِمٍ أَبُوهُ" فيرتفع الاسمَ بـ "قائم" إذا كان معتمدًا على مبتدإ أو مَنعوت أو ذي حال، وكذلك إذا كان قبله استفهام أو نفي، نحو:"أَقَائِمٌ زيْدٌ" و"مَا قَائِمٌ زَيْدٌ".

قيل: اسم الفاعل مشتقٌّ، وفيه لفظ الفعل ومعناه، فإذا اقترن به ألف الاستفهام أو قرينة من القرائن التي ذكرتَ، التي يَقْوَى بها معنى

(1)

(ظ): "فتتضح".

(2)

هنا في "النتائج": (ص/422) بداية فصلٍ جديد.

(3)

(ع): "ارتفعت".

(4)

انظر "شرح المفصَّل": (6/ 79) لابن يعيش.

ص: 895

الفعل، عَمِلَ عَمَلَ الفعل، بخلاف:"قَائِمٌ زيْدٌ" فإنه لا قرينةَ معه تقتضي أن يعملَ عَملَ الفعل، فحُمِل على أصلِهِ من الابتداء والخبر.

فإن قبل: فهلَاّ قلت: إن الظرفَ والمجرورَ إذا اعتُمِدَ كما يُعْتَمدُ اسم الفاعل، أنه يرفع: الاسم كما هو مَعْزِيٌّ إلى سيبويه، فإذا قلتَ:"زَيْدٌ في الدَّارِ أَبُوه" كان "أبوه" مرفوعًا بالظرف، كما إذا قلت:"زَيْدٌ قَائِمٌ أَبُوهُ".

قلتُ: قد توهَّم قوم أن هذا مذهبُ سيبويهْ، وأنَّكَ إذا قلت:"مَرَرْتُ بِرَجُلٍ معه صَقْرٌ" أنَّ "صقرًا" مرفوعٌ بالظرف لاعتماده على الموصوف، وكنا نظنُّ: ذلك زمانًا حتى تَبَيَّنَ أن هذا ليس بمذهبه، وأنه غَلَطٌ عليه، وقد بيَّن أبو سعيد السِّيرافي مرادَ سيبويه من كلامه، وشَرَح وجْهَ الغلط عليه بما فيه كفاية فراجعْه في كتابه

(1)

.

والفرقُ بين الظرف وبين اسم الفاعل ما تقدَّم: أن اسم الفاعل: مشتقٌّ وفيه لفظ الفعل: ومعناه، فإذا اعتُمِد أو اقترنَتْ به قرينةٌ، قَوِيَ جانب الفعليَّة فيه فعَمِلَ عَمَلَ الفعل، وأما الظرفُ فلا لفظَ للفعل فيه، إنما هو معنًى يتعلَّقُ به الفعلُ وبدُلُّ عليه، ولم يكنْ في قوَّة القرينة التي يعتمدُ عليها أن تجعلَه كالفعل، كما لم يكنْ في قُوَّته إذا كان ملفوظًا به دون قرينة أن يكونَ كالفعل، فإذا اجتمعَ (ظ / 160 ب) الاعتمادُ المُقَوِّي لمعنى الفعل مع اللَّفظ المشتقِّ من الفعل عَمِلَ الاسمُ حينئذٍ عَمَلَ الفعلِ.

ووجه آخر (ق / 220 ب)، من الفرقِ بين المسألتينِ: أنك إذا قلت: "مَرَرْتُ بِرَجُلٍ قَائِمٍ أَبُوهُ" فالقيامُ -لا مَحَالَةَ- مسنَدٌ إلى الأب في

(1)

شرح السيرافى على كتاب سيبويه طبع جزء منه ولم يطبع كاملًا.

ص: 896

المعنى، وهو في اللَّفظ جار

(1)

على "رجل"، والكلامُ له لفظ ومعنى، فـ "قائمٌ" في اللفظ جارٍ على ما قبلَهُ وفي المعنى مسنَدٌ إلى ما بعدَهُ، وأما الظرف والمجرور فليس كذلك، إنما هو معنى يتعلَّقُ به الجار، وذلك المعنى مسنَدٌ إلى الاسم المرفوع وخبَرٌ عنه، فصحَّ أنه مبتدأ والمجرور خبر عنه، والجملةُ في موضع نعتٍ أو خبر.

فإن قيل: فيلزمكم إذا قدَّمتم الظرفَ في موضع الخبر، وقدَّرتم فيه ضميرًا يعودُ على المبتدإ، أن تُجيزوا:"في الدَّارِ نَفْسُهُ زَيْدٌ"، و"فيها أَجْمَعُونَ إِخْوَتُكَ"، وهذا لا يُجَوِّزُهُ أحدٌ، وفي هذا حُجَّةٌ للأخفش، ولمن قال بقوله في أن رفع الاسم بالظرف.

قيل: إنما قَبُحَ توكيد المضمَر إذا كان الظرفُ خبرًا مقدَّمًا؛ لأن الظرفَ في الحقيقة ليس هو الحاملَ للضمير، إنما هو متعلِّقٌ بالاسم الحامل للضمير، وذلك الاسم غيرُ موجود في اللَّفظ حتى يقالَ: إنه مقدَّمٌ في اللفظ مؤخَّرٌ في المعنى، وإذا لم يكن ملفوظًا به فهو في المعنى والرُّتبة بعد المبتدإ، والمجرورُ المقدَّمُ قبل المبتدإ دالٌّ عليه، والدالُّ

(2)

على الشيء غيرُ الشيء، فلذلك قَبُحَ:"فيها أجْمَعُونَ الزَّيْدُونَ"(1)؛ لأن التوكيد لا يتقدَّم على المؤكد، ولذلك صحَّ تقديمُ خبرِ "إن" على اسمها إذا كان ظرفُا، لأن الظرف ليس هو الخيرَ في الحقيقة، إنما هو متعلِّقٌ بالخبر، والخبر منوِيٌّ في موضعه مقدَّرٌ في مكانه؛ ولذلك لم ينكسرْ أصلُ الخليل في منعه تقديمَ خبر المبتدإ مع كثرة هذا النحو في الكلام، أعني:"في الدَّارِ زَيْدٌ" ولذلك عَدَل

(1)

(ق): "جار ومجرور"! ثم سقط من هنا إلى قوله: "ما بعده".

(2)

"عليه، والدال" سقطت من (ق).

ص: 897

سيبويه في قولهم: "فيها قَائِمًا رَجُلٌ"، و:"لِمَيَّة مُوحِشًا طَلَلُ"

(1)

إلى أن جَعَل الحالَ من النكرة، ولم يجعلْها حالًا من الضمير الذي في الخبر؛ لأن الخبر مؤخَّر في النية، وهو العامل فى الحال وهو منوِيٌّ

(2)

، والحال لا يتقدَّمُ على العامل المَنْوِيِّ، فهذا كلُّه مما يبيِّنُ أن الظرفَ والمجرور ليس هو الخبرَ في الحقيقة، ولا الحاملَ للضمير، ولا العاملَ في شيءٍ من الأشياء، لا في حال ولا في ظرف ولا في فاعل.

ومن جهة المفعول أن "الدَّار" إذا انفردت بلفظها، لم يَصِحَّ أن تكون خَبَرًا عن "زيْد"، ولا عاملة ولا حاملة للضمير، وكذلك "في" و"من" وسائر حروف الجر لو انفردت لم يكن فيها شيءٌ من ذلك، فقد وضَحَ أن الخبرَ غيرُها، وأنها واقعةٌ موقِعَه، والله أعلم.

فإن قيل: فما تقول فيما حكاه الزَّجَّاجي

(3)

عن بعض النُّحاة أنك إذا قلت: "قَائِم زيْدٌ" أن "قائمًا" مبتدأ و"زيد" فاعل به سدَّ مسَدَّ الخبر؟.

قيل: هذا وإن كان قد جَوَّزَهُ بعضُ (ق/221 أ) النُّحاة فهو فاسدٌ في القياس؛ لأن أسمَ الفاعل اسمٌ محضٌ، واشتقاقُه من الفعل لا يوجبُ له عمل الفعل كـ "مَسْجِد ومَرْقَد ومِرْوَحَة ومِغْرَفة"، ولكن إنما يعَملُ

(1)

صدر بيت منسوب لكُثَيِّر عزَّة "ديوانه": (2/ 210)، وهو من شواهد سيبويه في "الكتاب":(2/ 123).

وعجزه: *يلوح كأنه خلل*

(2)

(ق) و"النتائج": "معنوي" وكذا ما بعدها.

(3)

في "الجمل": (ص 49 - 50)، وهو: عبد الرحمن بن إسحاق أبو القاسم الزجاجي النحوي صاحب "الجمل" وغيره ت (339).

والزجاجي: نسبةً إلى شيخه الذي تخرج به: أبو إسحاق إبراهيم بن السَّري الزجاج ت (321). انظر: "بغية الوعاة": (2/ 77)، (1/ 411 - 413).

ص: 898

إذا تقدَّم ما يطلبُ الفعل، أو كان في موضع لا تدخلُ عليه العواملُ اللَّفظيةُ نحو: النعت والخبر والحال، فيقْوَى حينئذٍ معنى الفعل فيه، ويعضدُ هذا من السماع أنهم لم يحكوا:"قَائِمٌ الزَّيْدَانِ"، و"ذَاهِبٌ إخْوَتُكَ" عن العرب، إلاّ على الشرط الذي ذكرنا، ولو وَجَد الأخفشُ ومن قال بقوله سماعًا لاحتجُّوا به على الخليل وسيبويه، فإذا لم يكنْ مسموعًا وكان بالقياس مدفوعًا؛ فأَحْرِ به أن يكونَ باطلًا ممنوعًا!!.

فإن قلت: فما تصنعُ في قول الشاعر

(1)

:

خَبِيرٌ بَنُو لِهْبٍ فلا تَكُ مُلْغِيًا

مَقَالَةَ لِهْبِيٍّ إذا الطَّيْرُ مَرَّتِ

فهذا صريح في أن "خبير" مبتدأ، و"بنو لهب" فاعل به. وفي قول الآخر

(2)

:

فَخَيْرٌ نحنُ عندَ النَّاسِ مِنْكُم

إذا الدَّاعِي المُثَوِّبُ قَالَ: يَالا

قلت: أما البيتُ الأوَّلُ فعلى شذوذه ونُدْرته لا يُعْرَفُ قائلُه، ولم يُعْرَفْ أن متقدِّمي النُّحاة وأئمَّتَهم استشهدوا به، وما كان كذلك فإنه لا يُحتجُّ به باتفاق، على أنه لو صَحَّ أن قائله حُجَّةٌ عند العرب، لاحتملَ أن يكون المبتدأُ محذوفًا مضافًا إلى بني لِهْب، وأصلُه:"كُلُّ بَني لِهْبٍ خَبِيرٌ" و"كلُّ" يخبَرُ عنها بالمفرد كما تقدم في أول التعليق

(3)

، ثم

(1)

هذا الشاهد منسوب لرجلٍ من طيء ولم يُعيَّن كما ذكر المؤلف، وقد أنشده ابن هشام في عدد من كتبه، وابن عقيل في شرحه: رقم (42).

(2)

هو: زهير بن مسعود الضبي.

انظر: "نوادر أبي زيد": (ص / 21)، و"الخصائص":(1/ 276 و 2/ 375) وأنشده ابن عقيل في شرحه: (1/ 194).

(3)

(1/ 376).

ص: 899

حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامَه فاستحقَّ إعرابَه.

ويدلُّ على إرادة العموم عجزُ البيت وهو قوله:

فلا تَكُ مُلغَيا

مقالةَ لِهْبِيٍّ

أفلا ترى كيف يُعطي هذا الكلامُ أن كلَّ واحدٍ من بني لِهْبٍ خَبِيرٌ فلا تَلْغِ مَقَالَةَ لِهْبِيٍّ

(1)

.

وكذلك البيت الثاني فلا متعلّق فيه أصلًا؛ لأن أفعلَ التفضيل إذا وقع خَبَرًا عن غيرِه، وكان مقترِنًا بمن كان مفردًا على كلِّ حال، نحو:"الزَّيْدُونَ خَيْرٌ مِنَ العَمْرِينَ"

(2)

.

فصل

(3)

إذا ثبت هذا؛ فيجوزُ في اسم الفاعل إذا اعْتُمِد على ما قبلَه، أو: كان معه قرينةٌ مقتضيةٌ للفعل وبعده اسم مرفوع وجهانِ:

أحدها: أن يكون خَبَرًا مقدَّمًا، والاسمُ بعدَهُ مبتدأٌ، وأن يكونَ مبتدأً والمرفوعُ بعدَه فاعلٌ به

(4)

. نحو: "أَقَائِمٌ زيدٌ"، و"ما قَائِمٌ عَمْروٌ" ونحوه، إلا أن يمنعَ مانعٌ من ذلك، وذلك في ثلاث مسائل:

أحدها: قولك: "زَيْدٌ قَائِمٌ أَخوَاهُ" فإنَّ هذا يتعيَّنُ فيه أن يكونَ

(1)

وأجاب ابن هشام في "شرح القطر": (ص / 273) بأنّا نحمله على التقديم والتأخير، فـ "بنو لهب" مبتدأ، و"خبير" خبره؛ لأن فعيلًا قد يستعمل للجماعة، كقوله تعالى:{وَالْمَلَائِكَةُ بَعدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: 4].

(2)

وانظر ما أجاب به في "مغني اللبيب": (1/ 219).

(3)

ليست في (ق)، وانظر "نتائج الفكر":(ص/425 - 426) مع زيادات هنا مهمة.

(4)

من (ق).

ص: 900

"أَخَوَاهُ" فاعلًا بِـ "قَائِم"، ولا يجوزُ أن يكون "أخواه" مبتدأً و"قائم" الخبر؛ لعدم المطابقة.

الثانية: قولُك: "زَيْدٌ قَائِمَانِ أَخَوَاهُ"، فإنَّ هذا يتعتَّنُ فيه على الأفصح أن يكون مبتدأً وخبرًا، ولو كان من باب الفعل والفاعل لقلت:"قَائِم أَخَوَاهُ" كما تقول: "قَامَ أَخوَاهُ".

الثالثة: قولك: "زَيْدٌ قَائِمٌ أنْتَ إليه"، و"زَيْدٌ قَائِمٌ هُوَ" إذا كان الفاعلُ ضميرًا منفصلًا، فإنَّ هذا لا يكون إلا مبتدأ وخبرًا؛ لأن الضميرَ المنفصلَ لا يكونُ فاعلًا مع اتِّصاله بعامله، إنما يكون فاعلًا إذا لم يمكن اتِّصاله نحو: "ما قَائِمٌ

(1)

إلا أنْتَ" ونحو: "الضَّارِبُهُ هو".

فإذا عرفتَ هذا؛ فقوله صلى الله عليه وسلم في حديث المبعث: "أَوَ مُخْرجِيَّ هُم"

(2)

؛ "مُخْرِجِيَّ" يتعينُ أن يكون خبرًا مقدَّمًا، و"هم" مبتدأ

(3)

؛ لأنَّ الرواية اتَّفَقَتْ على تشديد "مُخْرِجِيَّ"

(4)

وكان أصلَه: "مُخْرِجُونَ لِي" فحذف اللام وأُضيف "مُخْرِجُونَ" إلى الياء، فسقطت نون الجمع؛ لأنها تسقط للإضافة فصار:"مُخْرِجُوْي"

(5)

، فاجتمعت الواو والياء، والسابق منهما ساكنٌ، فقُلِبَت الواو ياءً فصار

(6)

مِثْلان، فأُدْغِم أحدهما في الآخر فجاء:"مُخْرِجِيَّ".

ومثله: "ضَارِبيَّ ومُكْرِميَّ"، ولو أن الصِّفَةُ هاهنا رافعةٌ للضمير

(1)

(ع وق): "قام".

(2)

أخرجه البخاري رقم (3)، ومسلم رقم (160) من حديث عائشة رضي الله عنها.

(3)

وانظر "فتح الباري": (1/ 36).

(4)

من قوله: "هم، مخرجيّ

" إلى هنا ساقط من (ظ).

(5)

(ع): "مخرجون لي" و (ق): "مخرجوني" وكلاهما تحريف.

(6)

(ق): "فصارا".

ص: 901