الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فائدة
الدليلُ على حَشْرْ الوحوش
وجوه:
الأول: قوله تعالى: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5)} [التكوير: 5].
الثانى: قوله تعالي: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام: 38].
الثالث: حديث مانع صدقة الإبلِ والبقر والغنم، وأنها "تَجِيءُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْظَمَ مَا كَانَتْ وَأَسْمَنَهُ، تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا، وَتَطَؤهُ بِأَظْلافِهَا"، وهو متفق على صحته
(1)
.
الرابع: حديث أبي ذَرٍّ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم رأى شَاتَيْنِ (ق/277 ب) تَنْتَطِحَانِ، فقال:"يَا أَبا ذَرٍّ، أَتَدْرِي فِيمَ تَنْتَطِحَانِ"؟ قال: قلت: لا، قال:"لكِن اللهَ يَدْرِي، وَسَيقْضِي بَيْنَهُمَا"، رواه أحمد في "مسنده"
(2)
.
الخامس: الآثار الواردة في قوله تعالى: {يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا (40)} [النبأ: 40]، وَأَنَّ اللهَ تعَالى يَجْمَعُ الوُحُوش، ثُمَّ يَقْتَصُّ مِنْ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ، ثُمَّ يَقُولُ لَهَا: كُونِي تُرَابًا، فَتَكُون تُرَابًا، فَعِنْدَهَا يَقُولُ الكَافِرُ {يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا}
(3)
.
(4)
(1)
أخرجه البخاري رقم (1640)، ومسلم رقم (990) من حديث أبي ذر رضي الله عنه.
(2)
أخرجه أحمد: (35/ 345 رقم 21438) وغيره وفي سنده جهالة، وأخرجه من طريق آخر (35/ 403 رقم 21511) وفي سنده ضعف. وله شاهد من حديث أبي هريرة عند مسلم رقم (2582).
(3)
انظر: "تفسير الطبري": (12/ 418 - 419)، و"الدر المنثور":(6/ 507).
(4)
وانظر "مجموع الفتاوى": (4/ 248).
فائدة
تأمَّلِ الحكمةَ في التَّشديد في أول التَّكليف ثم التَّيسير في آخره، بعد توطين النَّفس على العزم والامتثال، فيحصل للعبد الأمران: الأجرُ على عزمه وتوطين نفسه على الامتثال، والتيسيرُ والسهولة بما خفَّف الله عنه.
فمن ذلك: أمرُ الله تعالى رسولَه بخمسين صلاة ليلة الإسراء، ثم خَفَّفها، وتصدَّقَ بجعلها خمسًا
(1)
.
ومن ذلك: أنه أمَرَ أولاً بصبر الواحد للعشرة، ثم خفَّف ذلك إلى الاثنين
(2)
.
ومن ذلك: أنه حرَّمَ عليهم في الصِّيام إذا نام أحدُهم أن يأكل بعد ذلك أو يجامعَ، ثم خفَّف عنهم بإباحة ذلك إلى الفجر
(3)
.
ومن ذلك: أنه أوجب عليهم تقديمَ الصَّدَقَة بين يَدَيْ مناجاة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلما وطَّنوا أنفسَهم على ذلك خفَّفه عنهم
(4)
.
ومن ذلك: تخفيفُ الاعتداد بالحَوْل بأربعة أشهر وعشرًا
(5)
.
وهذا
(6)
كما قد يقعُ في الابتلاء بالأوامر فقد يقعُ في الابتلاء
(1)
في حديث الإسراء الطويل في الصحيحين.
(2)
أي: في الجهاد، كما في سورة الأنفال الآيات (65 - 66).
(3)
كما في سورة البقرة آية (187)، وأخرجه البخاري رقم (1917)، ومسلم رقم (1091) من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه.
(4)
كما في سورة المجادلة الآيات (12 - 13).
(5)
انظر: "الفتح": (8/ 41 - 42)، و"تفسير ابن كثير":(2/ 605 - 606).
(6)
من قوله: "على ذلك
…
" إلى هنا ساقط من (ع).
بالقضاء والقدر، يشدَّد على العبد أولاً ثم يخفَّف عنه، وحكمة هذا تسهيل الثاني بالأول، في تلقِّي الثاني بالرِّضى، وشهود المِنَّة والرحمة.
وقد يفعل الملوكُ ببعض رعاياهم قريبًا من هذا، فهؤلاء المُصَادَرُونَ يُطْلَبُ منهم الكَثِيرُ جدًّا الذي ربما عَجَزوا عنه، ثم يحُطُّونَه إلى ما دونَه لِتُطَوِّعَ لهم أنفسُهم بذلَهُ ويَسْهُلَ عليهم.
وقد يفعل بعض الحمَّالين قريبًا من هذا، فيزيدون على الحمل أشياء لا يحتاجون إليها، ثم يحُطُّ تلك الأشياء فيسهل حملُ الباقي عليهم.
والمقصود: أنَّ هذا باب من الحكمة خَلْقًا وأمرًا، ويقعُ في الأمر والقضاء والقدر أيضًا ضد هذا، فينقل عبادَهُ بالتَّدريج من اليسير إلى ما هو أشدُّ منه؛ لئلا يفجَأَها الشديدُ بغتةً، فلا تحتملُه ولا تنقادُ له، وهذا لتدريجهم في الشَّرائع شيئًا بعد شيء، دون أن يؤمروا بها كلِّها وهلةً
(1)
واحدةً، وكذلك المحرَّمات.
ومن هذا: أنهم أُمروا بالصلاة أولاً ركعتين ركعتين فلما (ظ/ 194 أ) أَلِفُوها زيد فيها ركعتين أخريين في الحَضَر
(2)
.
ومن هذا: أنهم أُمروا أولاً بالصيام وخُيِّروا (ق/ 278 أ) فيه بين الصَّوم عينًا، وبين التَّخيير بينه وبين الفدية، فلما أَلِفُوه أُمروا بالصَّوْم عينًا
(3)
.
(1)
(ع): "وهذه".
(2)
أخرجه البخارى رقم (350)، ومسلم رقم (685) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(3)
كما في سورة البقرة الآيات (184 - 185).
ومن ذلك: أنَّهم أذن لهم في الجهاد أولاً من غير أن يُوْجَب عليهم، فلما توطَّنَت عليه أنفسُهم، وباشروا حُسْنَ عاقبته وثمرته أُمروا به فَرْضًا.
وحكمةُ هذا: التدريجُ والتربيةُ على قبول الأحكام والإذعان لها والانقياد لها شيئًا فشيئًا.
وكذلك يقعُ مل هذا في قضائه وقدره، يقدِّر على عبده بلاءً لابُدَّ له منه، اقتضاه حمدُه وحكمتُه فيبتليه بالأخف أوَّلاً، ثم يُرَقِّيه إلى ما هو فَوْقَهُ حتى يستكملَ ما كُتِب عليه منه.
ولهذا قد يسعى العبدُ في أول البلاء في دفعه وزواله، ولا يزداد إلا شدَّةً؛ لأنه كالمرض في أوله وتزايدِه، فالعاقلُ يستكينُ له أولاً، وينكسرُ وِيذِلُّ لربه، ويمد عُنُقَهُ خاضعًا ذليلاً لعزَّته، حتى إذا مرَّ به معظمُهُ وغَمْرَتُه
(1)
، وآذن ليله بالصَّباح، فإذا سعى في زواله ساعدته الأسبابُ، ومن تأمَّلَ هذا في الخلق انتفع به انتفاعًا عظيمًا، ولا حول ولا قوة إلا بالله تعالى.
فائدة
رجل قالت له زوجتُه: أريدُ منك أن تُطَلِّقَنِي، فقال: إن كنتِ تريدينَ أن أُطَلِّقَكِ فأنتِ طالقٌ، فهل يقعُ الطلاقُ بهذا أو لابدَّ من إخبارها عن إرادةٍ مستقبلة؟.
قال بعض الفقهاء: لابدَّ من إرادة مستقبلةٍ عملاً بمقتضى الشرط، وأن تأثيرَهُ إنما هو في المستقبل.
(1)
من قوله: "لربه ويمد
…
" إلى هنا ساقط من (ع).
وقال بعضهم بل تطلَّقُ بذلك اكتفاءً بدلالة الحال، على أنه إنما أراد بذلك إجابَتَها إلى ما سألته من طلاقها المُراد لها، فأوقعه معلِّقًا له بإرادتها التي أخبرتْهُ بها، هذا هو المفهوم من الكلام لا يفهمُ الناسُ غيره.
وقال ابنُ عَقِيل: ظاهرُ الكلام ووضعُه يدُلُّ على إرادة مستقبلَةٍ، ودلالةُ الحال تدُلُّ على أنه أراد إيقاعَه لأجل الإرادة التي أخبرته بها، ولم يَزِدْ.
قلت: وكأنه ترجيجٌ منه للوقوع اكتفاءً بدلالة الحال، على ما هو المعهود من قواعد المذهب، ولفظ الشرط
(1)
في مثل هذا لا يستلزمُ الاستقبال.
وقد جاء مُرادًا به المشروط المقارن للتعليق، وهو كثيرٌ في أفصحِ الكلام، كقوله تعالى:{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 1]، وقوله:{وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [النحل: 114]، وقوله تعالى:{فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (118)} [الأنعام: 118] وقول مريم: {قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18)} [مريم: 18] وهو كثيرٌ جدًّا.
ولما كان متلُوّ أداة الشرط في هذا لا يُرَادُ به المستقبلُ بل يُرادُ الحال والماضي؛ قال بعضُ النُّحَاة: إن "إن" فيه بمعنى "إذ" التي تكون للماضي، وقال غيرُه: إنها للتعليل. والتحقيق فيها (ق/ 278 ب) أنها للشرط على بابها، والشرط في ذلك داخل على الكون المستمر، المطلوبِ دوامُه واستمرُاره، دونَ تقيده بوقتٍ دونَ وقت، فتأمَّلْه.
(1)
(ق): "لفظ إن".
فائدة
(1)
استدلَّ على أن النِّيَّة لا تُشترطُ في طهارة الماء بأن الماءَ خُلِقَ على صفات وطبيعة لا يحتاجُ في حصول أثرها إلى النية، فخُلِقَ طهورًا، وخُلق مُرْوِيًا، وخُلق مُبَرِّدًا وسيَّالاً
(2)
، كلُّ ذلك طبعه ووضعه
(3)
الذي جُعِلَ عليه، فكنا أنه لا يُحْتَاجُ إلى النية في حصول الرِّيِّ والتبريد به، فكذلك في حصول التطهير، يوضِّحُه: أنه خلق طاهرًا وطهورًا، وطاهريَّتُهُ لا تتوقَّفُ على نِيَّة، فكذلك طهوريته، يزيدُه إيضاحًا: أن عمله في أقوى الطهارتين -وهي طهارة الخبث- لا تتوقَّف على نية، فعدم توقف عمله على النية في الطهارة الأخرى أولى، وإنما قلنا: إنها أقوى الطهارتين؛ لأن سببها وموجبَها أمرٌ حِسِّيٌّ وخبث مشاهد؛ ولأنه لابُدَّ لها
(4)
من التُّرَاب، فقد ظهرتْ قوَّتُها حِسًّا وشرعًا، يزيدُه بيانًا: أن قوله صلى الله عليه وسلم: "خُلِقَ الماءُ طَهُورًا"
(5)
صريحٌ في أنه مخلوقٌ على هذه الصِّفة، و"طهورًا" منصوبٌ على الحال، أي: خلق على هذه الحالة من كونه طهورًا، وإن كانت حالاً لازمةً فهي كقولهم: خَلَقَ اللهُ الزَّرَافَة يَدَيْها أطولَ من رجْلَيْها، (ظ/ 194 ب)
(1)
انظر "الفنون": (1/ 293، 299) لابن عقيل.
(2)
(ظ): "سائلاً".
(3)
(ق وظ): "ووصفه".
(4)
(ق): "لا يعلم بدلها"، و (ظ):"لا بدل لها".
(5)
أخرجه أحمد: (17/ 359 رقم 11257)، وأبو داود رقم (66) والترمذي رقم (66)، والنسائي:(1/ 174) وغيرهم من حديث أبى سعيد الخدري رضي الله عنه بلفظ: "الماء طهور لا ينجسه شيء"، ولم أجده باللفظ المذكور.
والحديث حسنه الترمذي، وصححه أحمد وابن معين وابن حزم، انظر:"التلخيص": (1/ 13)، وله شواهد كثيرة.
فهذه الصِّفةُ وهي الطُّهرية مخلوقةٌ معه، نُوِيَتْ أو لم تُنْوَ.
والاستدلالُ بهذا قريبٌ من الاستدلال بقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48)} [الفرقان: 48]، يوضح ذلك أيضًا: أن النيَّة: إن اعْتُبرت بجَرَيَان الماء على الأعضاء فهو حاصل، نوى أو لم ينوِ، وإن اعْتُبرت لحصول الوضاءَة والنظافة؛ فكذلك لا يتوقَّفُ حصولُها على نية، وإن اعتُبِرت لإزالة الحدث المتعلِّق بالأعضاء؛ فقد بَيّنَّا: أن الخَبَثَ
(1)
المتعلِّقَ بها أقوى من الحَدَث، وزوال هذا الأقوى لا يتوقَّفُ على النية فكيف الأضعف؟.
يوضحُه أيضًا: أنا رأينا الشريعةَ قد قسمت أفعالَ المكلَّفين إلى قسمين:
قسم: يحصل مقصودُه والمُرادُ منه بنفس وقوعه، فلا يعتبرُ في صحَّته نيةٌ؛ كأداء الديون، وردَّ الأمانات والنفقات الواجبة، وإقامة الحدود، وإزالة النجاسات، وغسل الطِّيْب عن المُحْرِم، واعتداد المفارقة وغير ذلك. فإن مصالحَ هذه الأفعال حاصلةٌ بوجودها ناشئة من ذاتها، فإذا وُجِدتْ حصلتُ مصالحها فلم تتوقَّفْ صحتها
(2)
على نية.
القسم الثاني: ما لا يحصلُ مُراده ومقصوده منه بمجرَّدِه، بل لا يُكْتَفَى فيه بمجرد صورته العارية عن النية؛ كالتلفُّظ بكلمة الإسلام، والتلبية في الإحرام، وكصورة التَّيَمّم (ق/ 279 أ) والطَّواف حول البيت، والسَّعي بين الصَّفا والمروة، والصلاة والاعتكاف والصيام، ولما كان
(1)
(ق): "الحدث".
(2)
(ق): "مصالحها".
إزالةُ الخَبَثِ من القسم الأول اكتُفِيَ فيه بصورة الفعل لحصولِ مقصودِهِ.
وقد علَّلنا أن المُرَادَ من الوضوء النظافةُ والوضاءةُ، وقيام العبد ين يدي الرب تعالى على أكمل أحواله، مستورَ العورة، متجنِّبًا للنجاسة، نظيفَ الأعضاء وضيئَها، وهذا حاصلٌ بإتيانه بهذه الأفعال نَوَاها أو لم يَنْوِها.
يوضحُه: أن الوضوء غيرُ مراد لنفسه بل مراد لغيره، والمرادُ لغيره لا يجبُ أن يُنوى لأنه وسيلة، وإنما تعتبر النِّيَّةُ في المواد لنفسه إذ هو المقصود المُرادُ، ولهذا كانت نيَّهُ قطع المسافة في الحج والجمعة غيرَ واجبة ولا تتوقَّفُ الصِّحَّةُ عليها، وكذلك نتَّة شراء الماء، وشراء العبد في عتق الكَفَّارة، وشراء الطعام فيها غير واجبة
(1)
؛ إذ هذه وسائلُ مرادة لغيرها.
وكذلك الوضوء وسيلةٌ ترادُ للصلاة، فهي كطهارة المكان والثياب.
يوضحه أيضًا: أن النِّيَّةَ لو اعْتُبرت في الوضوء لاعْتُبِرت في سائر شروط الصلاة، كسَتْر العورة وإزالة النجاسة وغيرهما، ولا أرى منازِعِيّ القومِ يتمتكَّنون من الجواب عن هذه الكلمات بجوابٍ شافٍ، وهذه أجوبتُهم في طرايقهم فعليك بمراجعتها.
ونحن لا نرتضي هذا الرأيَ، ولكن لم نَرَ استدلال منازعيهم وأجوبتهم لهم أقوى من هذه الأدلة، وما ذلك لضعفِ المسألةِ من جانِبهم؛ ولكن لأنَّ الكلامَ في مسألة النية شديدُ الارتباط بأعمالِ القلوبِ، ومعرفةِ مراتبِها وارتباطِها بأعمالِ الجوارح، وبنائها عليها
(1)
من قوله: "ولا تتوقف صحة
…
" إلى هنا ساقط من (ظ).
وتأثيرها فيها صحَّةً وفسادًا، وإنما هي الأصلُ المُرادُ المقصودُ، وأعمالُ الجوارح تَبَعٌ: ومكمِّلَةٌ ومُتَمّمَةٌ، وأن النية بمنزلة الرُّوحِ، والعملُ بمنزلة الجَسَدِ: والأعضاء، الذي إذا فارق الرُّوحَ فمَوَاتٌ، وكذلك العملُ إذا لم تَصْحَبْهُ النيةُ فحركة عابثٍ. فمعرفة أحكام القلوب أهم من معرفة أحكام الجوارح؛ إذ هي أصلُها، وأحكام الجوارح متفرِّعةٌ عليها.
وكذلك أيضًا: لا يتحقَّقُ الكلامُ في المسألة إلا بعد معرفة حقيقة النّيَّة، وهل هي من جنس العلوم والتَّصَوُّرات أو من جنس الإرادات والعزوم؟ أو حقيقتُها مركبةٌ من الأمرين؛ وأما من قَدَّر انبساطها وانقسامها على حروف معينة، لكلِّ حرف منها جزءٌ من أجزاء النِّيَّة، فلم يحصِّل معنى النِّيَّة فَضْلاً عن أن يتمكَّنَ من رَدِّ قول منازعه (ق/ 279 ب) في اعتبارها.
وكذلك من ظنَّ أنها لا تتحقَّقُ إلا بجَرَيان ألفاظ من اللِّسان يخبرُ بها عنها، لم يحصِّلْ أيضًا معناها، فيجبُ أن نعلم حقيقَتَها أوَّلاً ومنزلَتَها من أعمال القلوب، وأنه يستحيل عليها الانبساطُ والانقسامُ، وأنه لا مدخلَ للألفاظ: فيها ألبتَّةَ، ويفرَّقُ بين النية المتعلِّقة بالمعبود التي هي من لوازم الإسلام وموجباته، بل هي رُوحه وحقيقته التي لا يقبلُ اللهُ من (ظ/ 195 ب) عاملٍ عملاً بدونها ألبتة، وبينَ النية المتعلقة بنفس العمل، التي وقع فيها النزاعُ في بعضِ المواضع، ثم يعرف ارتباطها بالعمل وكيف: قصد بها تمييز العبادة عن العادة إذ كانا في الصورة واحدًا، وإنما يتميَّزان بالنية.
فإذا عدمتِ النيةُ كان العمل عاديًّا لا عباديًّا، والعاداتُ لا يُتَقَرَّب
بها إلى بارئ البَرِيَّاتِ وفاطرِ المخلوقات، فإذا عَرِيَ العملُ عن النية؛ كان كالأكل والشرب
(1)
والنوم الحيوانى البهيمي الذي لا يكونُ عبادة بوجه، فضلاً عن أن يُؤْمَرَ به ويُرَتَّبَ عليه الثواب والعقاب والمدحُ والذَّمُّ، وما كان هذا سبيلُه لم يكنْ من المشروع
(2)
المتقرَّب به إلى الرَّبِّ تبارك وتعالى.
وكذلك -أيضًا- يقصد بها تمييز مراتب العبادات بعضها عن بعض، فيُميَّزُ فرضها عن نفلها ومراتبها بعضها عن بعض، وهذه أمورٌ لا تَحَقُّقَ لها إلا بالنية ولا قَوَامَ لها بدونِها ألبتة، وهى مرادةٌ للشارع بل هى وظائف العبودية، فكيف يؤدي وظائفَ العبودية
(3)
من لا يخطرُ بباله التمييزُ بين العبادات والعادات، ولا التمييز بين مراتب تلك الوظائف ومنازلها من العبودية، هذا أمر ممتنع عادةً وعقلاً وشرعًا، فالنية هى سرُّ العبوديَّة ورُوحُها، ومحلُّها من العمل مَحلُّ الرُّوح من الجَسَد، ومُحَالٌ أن يعتبرَ في العبودية عمل لا روح له؛ بل هو بمنزلة الجسد الخراب، وهذا معنى الأثر المروي موقوفًا على أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه:"لا عَمَلَ لِمنْ لا نِيَّةَ له، ولا أجْرَ لمن لا حَسَنَةَ له"
(4)
.
وقد قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]
(1)
(ق) بدلاً من "كان كالأكل والشرب": "وترتب عليه الثواب والعقاب".
(2)
من قوله: "ويرتب عليه
…
" إلى هنا ساقط من (ق).
(3)
"فكيف يؤدي وظائف العبودية" سقطت من (ق).
(4)
قال ابن رجب في "جامع العلوم والحكم": (1/ 69): "رواه ابن أبى الدنيا [في كتاب الإخلاص والنية] بإسناد منقطع"، وأخرجه البيهقي:(1/ 41) من حديث أنسٍ مرفوعًا، وفي سنده ضَعْف.
فَنفَى سبحانه أن يكونَ أمَرَ عبادَهُ بغير العبادة التي قد أخلص عاملُها له فيها النِّيَّة، ومعلوم أن إخلاص النِّيَّةِ للمعبود أصلٌ لنية أصل العبادة، فإذا لم يأمرْهم إلا بعمل هو عبادةٌ قد أخلص عاملُها النيَّةَ فيها
(1)
لرَبِّه عز وجل، ومعلومٌ أن النية جزءٌ من العبادة، بل هي رُوح العبادة، كما تبيَّنَ = عُلِم أن العمل الذي لم يُنْوَ ليس بعبادة ولا مأمور به، فلا يكونُ فاعلُه متقرِّبًا به إلى الله، وهذا مما لا يقبلُ نزاعًا.
ومن نُكَت المسألة: أن يفرَّقَ بين الأفعال التي لا تقعُ إلا منويَّةً عادة وبين الأفعال التي تقع منويةً وغيرَ منوية، فالأول: كالوضوء المرتَّب عضوًا بعد عضو، فإنه لا يكادُ يُتَصَوَّرُ وقوعُه من غير نية، فإن (ق/ 280 أ) عِلْم الفاعل بما يفعلُه وقَصْده له هو النية، والعاقلُ المختار لا يفعلُ فعلاً غلا مسبوقًا بتصوره وإرادته، وذلك حقيقة النية، فليست النية أمرًا خارجًا عن تصوُّر الفاعل وقصده لما يريد أن يفعله.
وبهذا يعْلمُ غلطُ من ظن أن للتَّلَفُّظ
(2)
مدخلاً في تحصيل النِّيَّة، فإن القائل إذا قال:"نويتُ صلاةَ الظهر، أو نويتُ رفع الحَدَث"، إما أن يكون مخْبرًا أو منشئًا، فإن كان مخبِرًا؛ فإما أن يكون إخبارُه لنفسه أو لغيره، وكلاهما عبَثٌ لا فائدة فيه؛ لأن الإخبار إنما يفيد إذا تضمَّن تعريفَ المخبر ما لم يكن عارفًا به، وهذا مُحالٌ في إخباره لنفسه، وإنْ كان إخبارًا لغيره بالنية، فهو عَبَثٌ محضٌ، وهو غيرُ مشروع ولا مفيدٌ، وهو بمثابة إخباره له بسائر أفعاله من صومه وصلاته وحجه وزكاته، بل بمنزلة إخباره له عن إيمانه وحُبِّه وبغضه، بل قد تكونُ في هذا الإخبار فائدةٌ، وأما إخبار المأمومين أو الإمام
(1)
من قوله: "ومعلوم أن
…
" إلى هنا ساقط من (ظ).
(2)
(ع): "التلفظ"، و (ظ):"اللفظ".
أو غيرهما بالنية فعبثٌ محضٌ، ولا يصحُّ أن يكون ذلك إنشاء، فإن اللفظ لا يُنشئُ وجودَ النيّة، وإنما إنشاؤُها إحضارُ حقيقتها في القلب لا إنشاء اللَّفظ الدَّالِّ عليها؛ فعُلِمَ بهذا أن التَّلَفُّظَ بها عَبَثٌ محضٌ، فتأمَّلْ هذه النكتة البديعة.
والمقصودُ أن مثل هذه الأفعال المرتبة، التي لا تقعُ إلا عن علم وقصد، لا تكونُ إلا منويَّةً. وهذا بخلاف الاغتسالِ مثلاً، فإنه قد يقعُ لتنظيفٍ أو تبريد ونحوهما، فإن لم يقصدْ به رفع حَدَثه لم يكن منويًّا.
وكذلك أفعالُ الصلاة المرتبة التي يتبعُ بعضُها بعضًا لا تقعُ إلا منويَّةً. ولو تكلَّفَ الرجلُ أن يصلِّي أو يتوضأ بغير نِيَّةٍ لتعذَّر عليه ذلك، بل يمكن تصوُّرُه فيما إذا قصد تعليمَ غيره
(1)
، ولم يقصد العبادةَ، أو صلَّى وتوضأ مُكرهًا، وأما عاقلٌ مختار عالم بما يفعلُهُ يقعُ فعلُه على وفق قصده، فهذا لا يكونُ إلا مَنْوِيًّا.
فالنيةُ هي القصد بعينه، ولكن بينَها وبين القصد فَرْقَان:
أحدهما: أن القصد يتعلَّقُ بفعل الفاعل نفسه، وبفعل غيره، والنيةُ لا تتعلَّقُ إلا بفعله نفسه، فلا يتصوَّر أن ينويَ الرجلُ فعلَ غيره، ويتصوَّر أن يقصدَه ويريده. الفرق الثاني: أن القصد لا يكون إلا لفعل مقدور يقصده الفاعل، وأما النية فينوي الإنسان ما يقدر عليه وما يعجز عنه. ولهذا جاء في حديث أبي كَبْشَةَ الأنماري الذي رواه أحمد والترمذي وغيرهما عن
(1)
(ع): "قصده تعليم لغيره".
النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّما الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ: عَبْدٍ رَزَقَهُ اللهُ مَالاً وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِي مَالِهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ للهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا (ق/280 ب) بِأَفْضَلِ المَنَازِلِ عِنْدَ اللهِ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزقْهُ مَالاً، فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ أنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلان فَهُوَ بنِيَّتِهِ وَأجْرُهُمَا سَوَاءٌ. وعَبْدٍ رَزقَهُ اللهُ مَالاً وَلَمْ يَرْزُقْه عِلْمًا
…
" فَذكرَ شَرَّ مَنْزِلَتَه
(1)
عِنْدَ اللهِ، ثُمَّ قَالَ:"وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللهُ مَالاً وَلا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْت فِيهِ بِعَمَلِ فُلانِ فَهُوَ بِنِيَّتَهِ، وَهُمَا في الوِزْرِ سَوَاءٌ"
(2)
.
فالنيةُ تتعلَّقُ بالمقدورِ عليه والمعجوزِ عنه، بخلاف القصد والإرادة فإنهما لا يتعلقانِ بالمعجوز عنه، لا من فعله ولا من فعل غيره، وإذا عُرِف حقيقة النية ومحلها من الإيمان وشرائعه تبيَّن الكلام في المسألة نفيًا وإثباتًا بعلم وإنصاف؛ ولنذكرْ كلماتهم وما فيها من مقبولٍ ومردود.
فأما قولهم: إن الماءَ خُلق بطبعه مُبَرِّدًا ومُرْوِيًا وسيَّالاً ومُطَهِّرًا، وحصولُ هذه الآثار منه لا تفتقر إلى نية، إلى آخره.
فيقال: إن أردتمْ بكونه مطهِّرًا يطبعه أنه منظِّفٌ لمحل التطهير، فمسلَّم. ولكن نزاعنا في أمر وراءَهُ، وإن أردتم أنه يفتتحُ به الصلاة ويرفعُ المانعُ الذي جعله الشارعُ صادًّا عن الدخول فيها بطبعه من غير اعتبار نية؛ فدعوى مجردة لا يمكنكم تصحيحُها ألبتة، بل هي بمثابة
(1)
(ظ): "فذلك شرٌّ منزلةً"، وتمام الحديث:"فهو يخبط في ماله بغير علم، لا يتقي فيه ربَّة، ولا يَصِل فيه رَحِمه، ولا يعلم لله فيه حقَّه، فهذا بأخبث المنازل".
(2)
أخرجه أحمد: (29/ 562 رقم 18031)، والترمذي رقم (2325) وغيرهم من حديث أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه. قال الترمذي:"هذا حديث حسن: صحيح".
قول القائل: استعماله عبادة بمجرد طبعه، فحصول التَّعَبُّد والتقرُّب
(1)
به لا يحتاجُ إلى نية، وهذا بيِّنُ البُطلان، وهذا حرفُ المسألة
(2)
: وهو أن التَّعَبُّدَ به مقصودٌ وهو متوقِّفٌ على النية، والمقدمتانِ معلومتانِ غنيتانِ عن تقرير.
وقد أجابهم بعض الناس بأن منع أن يكونَ في الماء قوَّة أو طبعٌ، وقال: هذا مبنيٌّ على إثبات القُوَى والطبائع في المخلوقات، وأهلُ الحقِّ ينكرونه، وهذا جوابٌ فاسدٌ يرغب طالب الحق عن مثله! وهو باطلٌ طبعًا وحِسًّا، وشرعًا وعقلاً، وأهلُ الحق هم المُتَّبِعُون للحَقِّ أين كانَ، والقرآن والسُّنَّة مملوآن من إثبات الأسبابَ والقُوَى، والعقلاء قاطبةً على إثباتها سوى طائفة من المتكلِّمين حَمَلَتهم المبالغةُ في إبطال قول القَدَرِيَّة النُّفَاة
(3)
على إنكارها جملةً.
والذي يكشفُ سِرَّ المسألة: أن التبريدَ والرِّيَّ والتنظيفَ حاصلٌ بالماء ولو لم يُرِدْهُ، وحتى لو أراد أن لا يكونَ، وأما التعبُّدُ لله بالوضوء فلا يحصلُ إلا بنيَّة التَّعَبُّدِ، فقياسُ أحد الأمرين على الآخر مِنْ أفسد القياس، فالحاصلُ بطبع الماء أمر غيرُ التعبد الذي هو مقوم لحقيقة الوضوء الذى لا يكونُ وضوءًا إلا به، وبهذا خرج الجوابُ عن قولهم: "إن عملَه في رفع الخَبَث إذا لم
(4)
يتوقَّفْ على نِيَّةٍ، فَأَنْ لا يتوقَّفَ (ف/ 281 أ) رفعُهُ للحَدَث أوْلى" فإن رفع الخَبَث
(5)
أمرٌ حِسِّيٌّ
(1)
(ظ): "والثواب".
(2)
يعني: سرها، أو محل النزاع فيها. وقد استعمل المؤلف هذا التعبير في عدد من كتبه.
(3)
(ع): "والنفاة".
(4)
(ق): "الذي لا".
(5)
(ع): "الحدث".
مشاهَدٌ لا يستدعي أن يكونَ رافِعُه من أهل العبادة، بل هو بمنزلة كَنْس الدار، وتنظيفِ الطُّرُقات، وطرح المَيْتات والخبائث.
يوضِّحُه: أن زوالَ النَّجاسة لا يفتقرُ إلى فعل من المكلَّف ألبتَّةَ، بل لو أصابها المطرُ فأزال عينَها طَهُرَ المحلُّ بخلاف الطَّهارة من الحَدَث، فإن الله أمَرَ بأفعال متميِّزة لا يكونُ المكلَّفُ مؤدِّيًا ما أُمِر به إلا بفعلها الاختياري الذي هو مَنَاطُ التكليف، وبهذا خرج الجوانبُ عن قولهم: "النية إن اعْتُبرت بجَرَيان الماء على الأعضاء، أو لحصول الوَضاءة لم يفتقرْ إلى نيَّة
…
" إلى آخره.
قولهم: "الشريعةُ قسمت الأفعالَ إلى قسمين؛ قسم: يحصلُ منه مقصوده بمجرده (ظ/196 أ) من غير نيَّة، وقسم: لا يحصل إلا بالنيَّة"؛ فمسلَّم.
قولُهم: "إنَّ الوضوءَ من القسم الأول" دعوى محل النِّزاع، فلا يقبلُ.
قولهم في تقريرِها: "المقصود
(1)
الوَضاءة والنظافة وقيام العبد بين يدي رَبَّه على أكمل أحواله".
فجوابه: أن لله على العبد عُبودِيَّتين: عبوديَّة باطنة وعبوديَّة ظاهرة، فله على قلبه عبوديَّةٌ، وعلى لسانه وجوارحه عبوديةٌ، فقيامه بصورة العبودية الظاهرة مع تَعَرِّيه
(2)
عن حقيقة العبوديَّة الباطنة مما لا يُقَرِّبُه إلى ربِّهِ، ولا يُوجِبُ له ثوابه وقبول عمله، فإنَّ المقصود امتحانُ القلوب وابتلاء السرائر، فعمل القلبِ هو روُح العبودية ولُبُّها، فإذا خلا عملُ الجوارح منه كان كالجسدَ المَوَات
(3)
بلا رُوح، والنية هي
(1)
(ظ): "لمقصود".
(2)
(ع): "نفرته".
(3)
ليست في (ع).
عملُ القلب الذي هو مَلِكُ الأعضاء والمقصود بالأمر والنهي، فكيف يسقطُ واجبُه، ويعتبر واجبُ رعيتِه وجندِه وأتباعه اللاتي إنما شُرِعَتْ واجباتُها لأجله ولأجل صلاحه، وهل هذا إلا عكسُ القضية وقلب الحقيقة!.
والمقصودُ بالأعمال كلها ظاهرها وباطنها إنما هو صلاحُ القلب وكماله وقيامه بالعبودية بين يدي ربه وقيومه وإلهه، ومن تمام ذلك قيامُه هو وجنودُه في حضرة معبوده وربِّه، فإذا بعث جنودَهُ ورعيِته، وتغيَّب هو عن الخدمة والعبودية، فما أجدَرَ تلك الخدمَةَ بالرَّدِّ والمقت، وهذا مَثَلٌ في غاية المطابقة، وهل الأعمالُ الخاليةُ عن عمل القلب إلا بمنزلة حَرَكات العابثين، وغايَتُها أن لا يَتَرَتَّبَ عليها ثوابٌ ولا عقابُ؟!.
ولما رأى بعضُ أربابِ القلوب طريقةَ هؤلاء انحرفَ هو إلى أن صرف هَمَّه
(1)
إلى عبوديَّةَ القلب، وعطَّل عبودية الجوارح، وقال:(ق/ 281 ب) المقصودُ قيامُ القلبِ بحقيقةِ الخدمة
(2)
، والجوارح تَبَعٌ. والطائفتان متقابلتان أعظمَ تقابَل؛ هؤلاء لا التفاتَ لهم إلى عبوديَّة جوارحهم، ففسدت عبوديةُ قلوبهم، وأولئك لا التفات لهم إلى عبودية قلوبهم، ففسدت عبوديَّة جوارِحِهِم، والمؤمنون العارفون بالله وبأمره قاموا له بحقيقة العبوديَّة ظاهرًا وباطنًا، وقدموا قلوبَهم في الخدمة، وجعلوا الأعضاءَ تَبَعًا لها، فأقاموا المَلِكَ وجنودَه في خدمة المعبود، وهذا هو حقيقةُ العبودية.
ومن المعلوم أن هذا هو مقصودُ الرَّبِّ تعالى بإرسالِهِ رُسُلَه،
(1)
(ع): "هو إلى صَرْف همته".
(2)
(ق): "العبودية".
وإنزالِهِ كُتُبَهُ، وشَرْعِهِ شرائِعَه، فدعوى المدَّعي أن المقصودَ من هذه العبودية حاصل، وإن لم يصحبْها عبوديَّةُ القلبِ من أبطل الدعاوى وأفسدها، والله الموفق.
ومن تأمَّلَ الشريعة في مصادرها ومواردها؛ علمَ ارتباطَ أعمال الجوارح بأعمال القلوب، وأنها لا تنفع
(1)
بدونِها، وأن أعمالَ القلوب أفرضُ على العبد من أعمال الجوارح، وهل يُمَيَّزُ المؤمنُ عن المنافق إلا بما في قلب كلِّ واحد منهما من الأعمال التي ميَّزت بينها، وهل يُمْكِنُ أحدٌ الدخولَ في الإسلام إلا بعمل قلبه قبلَ جوارحه، وعبوديَّةُ القلب أعظمُ من عبوديَّة الجوارحِ وأكبرُ
(2)
وأدْوَمُ، فهي واجبةٌ في كلِّ وقت، ولهذا كان الإيمانُ واجبَ القلب على الدَّوام، والإسلامُ واجبَ الجوارح في بعض الأحيان، فمركَّبُ الإيمانِ القلبُ، ومركَّب الإسلامِ الجوارحُ، فهذه كلمات مختصرةٌ في هذه المسألة، لو بُسِطَتْ لقاْمَ منها سِفْرٌ ضخمٌ، وإنما أُشيرَ إليها إشارة.
وحرفُ المسألة: أنَّ أعمالَ الجوارح
(3)
إنما تكونُ عبادةً بالنيَّة، والوضوءُ عبادةٌ في نفسِه، مقصودٌ مرتَّبٌ عليه الثواب، وعلى تركه العقابُ، وكما يجبُ في العِبادات إفرادُ المعبود تعالى عن غيره بالنِّيَّةِ والقصد، فيكون وحدُه المقصودَ المُرادَ
(4)
بها لا سِواه، فكذلك يجبُ فيها تمييزُ العبادة عن العادة، ولا يقعُ التمييزُ بين النوعين مع اتحاد صورة
(1)
(ق): "تقع".
(2)
(ق وظ): "وأكثر".
(3)
"أن أعمال الجوارح" سقطت من (ق).
(4)
بعده في (ظ) والمطبوعات: "فكما أنه يجب في العبادات إفراد المعبود تعالى بها" والمعنى بدونها مستقيم، وزيادتها تكرار وحشو.
العملين إلَاّ بالنية، فعملٌ لا يصحبُه إرادة المعبود غيرُ مقبول ولا معْتَدٌّ به، (ظ/196 ب) وكذلك عملٌ لا تصحبُه إرادةُ التَّعَبُّدِ له والتَّقَّرُّب إليه غيرُ مقبولٍ ولا معتدٍّ به، بل نيَّةُ التقرُّب والتعبُّد جزءٌ من نيَّةُ الإخلاص، ولا قَوَام لنية الإخلاص للمعبود إلا بنية التعبد، فإذا كانتْ نِيَّةُ الإخلاصِ شرطًا في صحَّة كلِّ أداء العبادة، فاشتراط نيةِ التَّعَبُّدِ أولى وأحرى، ولا جوابَ عن هذا ألبتةَ إلَاّ بإنكار أن يكون الوضوءُ عبادةً، وذلك يلتحقُ بإنكار المعلوم من الشَّرْع بالضَّرورة، وهو بمنزلةِ إنكار كَوْنِ الصوم والزكاة والحجِّ والجهادِ وغيرِها عباداتٍ، واللهُ الموفق للصواب.
فائدة
(1)
ذكر أحمد بن مروان المالكي
(2)
عن ابن عباس: أنه سئل عن ميت مات ولم يوجد له كفن قال: "يُكَبُّ على وجهه ولا يُسْتَقْبَلُ (ق/ 282 أ) بفرجه القبلة".
قلت: هذا بعيدُ الصِّحَّة عن ابن عباس، بل هو باطلٌ، والصواب أنه يُسترُ بحاجز من تراب، ويوضعُ في لحده على جنبه مستقبلَ القبلة، كما ينامُ العُرْيان الذي نُشر عليه ملاءة أو غيرها، وإذا كان عليه حاجزٌ من تُراب وهو مستقبلُ القبلةِ كان بمنزلة من عليه ثيابه.
فائدة
(3)
* وذكر أيضًا
(4)
عن مجاهد قال: جلست إلى عبد الله بن
(1)
هذه وما بعدها في (ظ): "مسألة".
(2)
هو: الدينوري صاحب "المجالسة وجواهر العلم": ت (333)، وقد ذكر هذا الأثر في كتابه السالف:(3/ 331 رقم 953) مسندًا، وسنده ضعيف.
(3)
من (ق).
(4)
في "المجالسة": (3/ 376 رقم 1007) مسندًا، وفيه انقطاع.
عُمر
(1)
وهو يصلي، فخفَّفَ ثم سلَّم، وأقبل إليّ، ثم قال:"إن حقًّا عليَّ أو سُنَّة إذا جلس الرجلُ إلى الرجل وهو يصلِّي التَّطَوُّعَ أن يخفِّفَ ويقبلَ إليه".
* وذكر أيضًا
(2)
عن ابن عباس قال: "ما مِنْ يومٍ إلا وليلَتُهُ قَبْلَهُ إلا يومَ عَرَفَةَ فإن ليْلَتَهُ بعدَهُ".
قلت: هذا مما اختُلف فيه، فحُكِي عن طائفة: أن ليلة اليوم بعده، والمعروف عند الناس أن ليلة اليوم قبله، ومنهم من فصَّل بين اللَّيلة المضافة إلى اليوم، كليْلة الجمعة والسبت والأحد وسائر الأيام، والليلة
(3)
المضافة إلى مكان أو حال أو فعل، كليْلة عرفة وليلة النَّفْر، ونحو ذلك، فالمضافةُ إلى اليوم قبلَه، والمضافة إلى غيره بعدَه، واحتجُّوا بهذا الأثر المرويِّ عن ابن عباس، ونُقِض عليهم بليلة العيد، والذي فهمه الناس قديمًا وحديثاً من قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تَخُصُّوا يَوْمَ الجُمُعَةِ بصِيَامٍ منْ بَيْنِ الأيَّامِ، وَلا لَيْلَةَ الجُمُعَةِ بقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي"
(4)
إنها الليلةُ التي تُسفِرُ صبيَحتُها عن يوم الجمعَة، فإن الناس يُسارعونَ إلى تعظيمها، وكثرة التعبُّد فيها عن سائر اللَّيالي، فنهاهم صلى الله عليه وسلم عن تخصيصها بالقيام، كما نهاهم عن تخصيص يومِها بالصيام، والله أعلم.
* قال أبو عبد الله الحاكم في كتابه "الجامع لذكر أئمة الأمصار، المُزَكِّين لرواة الأخبار": سمعت أبا تراب المذكِّرَ يقول: سمعت
(1)
في الأصول: "عَمرو" وفي المطبوعات والمجالسة: "عُمر".
(2)
في "المجالسة"(2/ 372 رقم 540) مسندًا.
(3)
(ع): "الليالى".
(4)
أخرجه البخاري رقم (1985) ومسلم رقم (1144) من حديث أبي هريرة - رضى الله عنه-.
إبراهيم بن عبد الرحمن بن سهل يقول: سمعت العباس بن محمد الهاشمي يقول: دخل يحيى بن مَعينٍ مصرَ فاستقبلته هدايا أبي صالح كاتبِ الليث وجاريةٌ ومائةُ دينار فقبلَها، ودخل مصر، فلما تأمل حديثه قال: لا تكتبوا عن أبي صالح.
قال الحاكم: هذه من أجلِّ فضائل يحيى إذ لم يُحَابِ أبا صالحٍ وهو في بلدِه ونعمتِه.
أخبرنا إسماعيل بن محمد بن الفضل الشعراني، نا جدي: سمعتُ عليَّ بن المديني، يقول: كان أبو الجَعْد والد سالم بن أبي الجعد إذا تغدَّى جمع بَنِيه، فكانوا ستةً: اثنان مُرْجئان واثنان شِيعِيَّانِ واثنانِ خارجيَّانِ، فكان أبو الجَعْد يقول: لقد جمعُ اللهَ بينَ أيديكم وفرَّق بين أهوائِكُمْ
(1)
.
قرأت على قاضي القضاة أبي الحسن محمد بن صالح الهاشمي، حدثنا عبد الله بن الحسين بن موسى، أخبرنا عبد الله بن علي بن المديني، قال: سمعت أبي يقول: خمسةُ أحاديث يروونها ولا أصلَ لها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث: "لو صَدَقَ السَّائِلُ ما أَفْلَحَ مَنْ رَدَّهُ"
(2)
، وحديث:"لا وَجَعَ إلاّ وَجَعُ (ق/ 282 ب) العَيْنِ ولا غَمَّ إلا غَمُّ الدَّيْن"
(3)
، وحديث:"إن الشَّمْس رُدَّتْ على علِيَّ بن أبي طَالِبٍ"
(4)
، (ظ/197 أ) وحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: "أنا أكرمُ على اللهَ مِن أَنْ يَدَعَني تَحْتَ الأرضِ مِائَتَيْ
(1)
الخبر في "طبقات ابن سعد": (6/ 292).
(2)
انظر: "التمهيد": (5/ 297)، و"كشف الخفاء":(2/ 203).
(3)
أخرجه الطبراني في "الأوسط": (7/ 38)، وابن حبان في "المجروحين":(1/ 350)، وغيرهم، وذكره ابن الجوزي في "الموضوعات":(2/ 244)، وفي إسناده كذَّاب.
(4)
أخرجه الطحاوي في "المشكل" رقم (1068)، والطبراني في "الكبير":(24/ 145)، وهو لا يصح، انظر "منهاج السنة النبوية":(8/ 164 فما بعدها).
عامٍ"
(1)
، وحديث:"أفْطَرَ الحَاجِمُ والمَحْجُومُ إنهما كانا يَغْتَابَانِ"
(2)
.
قال كاتبه:: ونظيرُ هذا قول الإمام أحمد: أربعة أحاديث تدور في الأسواق لا أصل لها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: حديث: "مَنْ آذَى ذِمِّيًّا فكأنَّما آذَانِي"، وحديث:"مَنْ بَشَّرَنِي بخُروجِ آذَارَ ضَمِنْتُ له على اللهِ الجَنَّةَ"، وحديث:"للسَّائِل حَقٌّ وإنْ جَاءَ عَلى فَرَسٍ"، وحديث:"يَوْمُ صَوْمِكُمْ يَوْمُ نَحْرِكُمْ يَوْمُ رَأَسِ سَنَتِكُمْ"
(3)
.
قال الحاكمُ: سمعت الأستاذ أبا سهل محمد بن سليمان يقول: سمعت أبا العباس محمد بن إسحاق الثقفي يقول: شَهِدت محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله ودُفِع إليه كتابٌ من محمد بن كَرَّام يسأله عن أحاديثَ منها: سفيان بن عيينة، عن الزُّهْري، عن سالم، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الإيمَانُ لا يَزِيدُ ولا يَنْقُصُ"، ومعْمَر، عن الزُّهري، مثله؛ فكتبَ البخاريُّ على ظهر كتابه: من حدَّث بها استوجَبَ الضَّرْبَ
(4)
الشديدَ والحبسَ الطويلَ.
سمعت أبا الحسين
(5)
محمد بن يعقوب الحافظ يقول: سمعت
(1)
انظر: "كشف الخفاء": (1/ 161).
(2)
أخرجه الطحاوي في "شرح المعاني": (2/ 99) وغيره، قال الحافظ في "الفتح":(4/ 210): "أخرجه الطحاوي وعثمان الدارمي والبيهقي في "المعرفة" وغيرهم من طريق يزيد بن أبي ربيعة عن أبى الأشعث عن ثوبان، ومنهم من أرسله، ويزيد بن ربيعة متروك
…
" وذكر كلام ابن المديني.
(3)
أسندها عن أحمد ابنُ الجوزي في "الموضوعات": (2/ 236)، وقال العراقي في "التقييد والإيضاح":(ص/ 223): "لا يصح هذا الكلام عن الإمام أحمد
…
" ثم تكلم عليها حديثاً حديثاً، وبيَّن ما فيها من الكلام.
(4)
ليست في (ظ)، وكتب في هامش (ق):"لعلها العقاب".
(5)
(ظ): "أبو الخير"!.
أبا العباس الدَّغُولي يقول: قلت لأبى حاتمٍ الرَّازي: هل تعرفُ في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدًا اسمه أحمد؟ قال: لا أعلمُه، قلت: فهل تعلمُ في الصَّحابة من اسمُه
(1)
إسماعيلُ؟ قال: لا، قلت: فهل تعلمُ فيهم من اسمه أيوب؛ قال: لا، قلت: فهل تعرف فيهم أحدًا اسمه أسيد؟ قال: لا أعلمه، قلت: فهل كان فيهم من اسمه أيمن؟ قال: لا أعلم، قلت: فكان فيهم من اسمه أشعث؛ قال: لا، غير أشعث بن قيس الكِنْدي، قلت: فهل كان فيهم من اسمُه أمية؛ قال: صحابى واحد يقال له: أمة بن مخشي الخُزاعي، قلت: فهل كان فيهم من اسمه أسلمُ؟ قال: واحد، أسلم أبو رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم، قلت: فهل كان فيهم غير أُهْبان بن صَيْفي؟ قال: أُهْبَانُ بن أوس، قلت: فهل كان فيهم من اسمه أبيضُ غير ابن حمَّال؟ فقال: لا أعلمه، قلت: فهل كان فيهم أغَرُّ غير الأغَرَّ المُزَنِيِّ؟ قال: لا أعلَمُه، قلت: فهل كان فيهم
(2)
من اسمُه أرقم؛ قال: نعم أرقم بن أبى الأرقم، قلت: فهل كان فيهم من اسمه إبراهيم، قال: نعم إبراهيم اسم قديم قد تسمى به رجل قد سمِع من النبي صلى الله عليه وسلم رواه المكيُّون عن عطاء بن إبراهيم، عن أبيه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قابِلوا بين النِّعَالِ"
(3)
.
قال كاتبه: وفي كتاب ابن حِبَّان في ترجمة الصحابة
(4)
: أسلم آخر
(1)
(ق): "أحدًا اسمه".
(2)
من قوله: "أبيض غير
…
" إلى هنا ساقط من (ق).
(3)
أخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثانى": (3/ 243)، والطبراني في "الكبير":(1/ 333) وغيرهم، والحديث ضعفه ابن عبد البر في "الاستيعاب":(1/ 61)، والحافظ في "الإصابة":(1/ 16).
(4)
"الثقات": (3/ 18).
غير أبي رافع، قال: "أسلم بن عَبْدَل
(1)
لما أسلمَ أسلمتِ اليهودُ بإسلامه" لم يَزِدْ، تمَّ الانتقاء.
* * *
يا جامعَ المال ما أَعْدَدْتَ للحُفَرِ
…
هل يُغْفِلُ الزَّادَ من أضْحَى عل سَفَرِ
(ق/ 283 أ) أفنيتَ عمرَك في اللَّذَّاتِ تطلُبُها
…
وا خَيْبَةَ السَّعْيِ، بل وا ضَيْغَةَ العُمُرِ
قِفْ في ديارِ بني اللذات معتَبِرًا
…
وانظرْ إليها ولا تسألْ عن الخَبَرِ
ففي الذي فَعَلَتْ أيدي الشَّتَاتِ بهمْ
…
من بعد أُلفَتِهِمْ معنى
(2)
لمعتَبِرِ
غيره
(3)
:
قد عرف المُنْكَرُ واستْنْكِرَ الْـ
…
ـمعروفُ في أيامِنا الصَّعْبَهْ
وصار أهلُ العلمِ فى وَهْدَةٍ
…
وصار أهلُ الجهلِ فى رُتْبَهْ
فقلتُ للأبار أهلِ التُّقَى
…
والدِّين لما اشتَدَّتِ الكُرْبَهْ
لا تُنْكِروا أحوالَكُمْ قد أتت
…
نَوْبَتُكُمْ في زمن الغُرْبَهْ
(ظ/ 197 ب) غيره:
اقْنَعْ بأيْسَرِ ميسورٍ من الزَّمَنِ
…
واشكرْ لرَبِّكَ ما أولاكَ مِنْ مِنَنِ
واذكرْ ملابسَ مِنْ عَدْنٍ يُخَصُّ بها
…
ذوو التُّقَى، واهجر الأبرادَ من عَدَن
إنْ شئتَ أن تدخلَ الجنَّاتِ مجتنِيًا
…
قطوفَها فتَوَقَّ النارَ بالجُنَنِ
(1)
كذا في الأصول، وفي "الثقات":"عبيد".
(2)
في هامش (ق): "ظ: كافٍ".
(3)
الأبيات الأربعة سقطت من (ع)، وتأخرت في (ق) بعد الأبيات التي تليها.
وباشرِ الناسَ بالمعروفِ مجتهِدًا
…
وراقبِ اللهَ في سِرٍّ وفي عَلَنِ
حديث: روى البيهقيُّ
(1)
من حديث أبي بكر الحنفيِّ، ثنا سفيان الَثَّوْرِيُّ، عن أبي الزُّبير، عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد مريضًا فرآه يصلِّي على وسادة، فأخذها فرمى بها، فأخذ عودًا ليصلِّىَ عليه فأخذه فرمى به. وقال:"صَلِّ عَلَى الأَرْضِ فإنِ اسْتَطَعْتَ، وَإلاّ فَأوْمِئْ إِيمَاءً، وَاجْعَلْ سُجُودَك أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِكَ". قال البيهقيُّ: "هذا الحديث يُعَد في أفراد أبي بكر الحنفي عن الثوري" تم كلامه.
وقال ابن أبي حاتم في كتاب "العلل"
(2)
: "سألت أبي عن هذا الحديث؟ فقال: إن هذا خطأ، إنما هو عن جابرٍ قولُه "أنه دخل على مريض". قيل له: فإن أبا أسامة قد رواه عن الثوري مرفوعًا، قال: ليس بشيء هو موقوف" تم كلامُهُ.
ورواه يحيى بن أبي طالب، ثنا عبدُ الوهاب بن عطاء، ثنا سفيان الثَّوري فذكره بمثله. رواه البيهقي
(3)
.
فهؤلاء ثلاثة رفعوه: أبو أسامة وعبدُ الوهاب بنُ عطاء وأبو بكر الحنفيُّ: فأما أبو أسامة فالعَلَمُ المشهور. وأما أبو بكَرِ الحنفيُّ فمن رجال الصحيحين ووثقه أحمد. وأما عبد الوهاب بن عطاء فاحتج به مسلم.
والظاهر أن الحديثَ موقوفٌ كما ذكره ابن أبي حاتم على أبيه، والله أعلم.
والآثارُ في ذلك معروفةٌ عن الصحابة، كما روى مالك في "الموطأ"
(4)
عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان يقول: "إذا لم يستطعِ المريضُ
(1)
في "الكبرى": (2/ 306).
(2)
(1/ 113).
(3)
في "الكبرى": (2/ 306).
(4)
(1/ 168).
السجودَ أَوْمَأَ برأسه إيماءً ولم يرفعْ إلى جبهته شيئًا".
وقد رفعه عبد الله بن عامر الأسنمي، عن نافع
(1)
، وقد ضعَّفه أحمدُ وأبو زُرْعَةَ، والصوابُ وقفه.
وروى شعبة، عن أبى إسحاق السَّبِيعيِّ، عن زَيْد بن معاوية، عن عَلْقَمَةَ، قال: دخلت مع عبد الله بن مسعود على أخيه نعودُه وهو مريض، فرأى مع أخيه مَرْوَحَةً يسجُدُ عليها، فانتزعَها منه عبد الله، وقال: اسجدْ على الأرض فإنْ لم تستطعْ فأَوْمِ إيماءً واجعلِ (ق/283 ب) لسجودَ أخفضَ من الركوع
(2)
. وزيد هذا ثقة
(3)
.
حديث: قال حنبل: قال أحمد
(4)
في حديث حَجَّاج المِصِّيصِيِّ، عن شَريك، عن إبراهيم بن حزم، عن أبي زُرْعَةَ، عن أبى هريرة قال:"كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخَلاءَ أتَيتُهُ بماء فاستنجى، ثم مَسَحَ بيدِهِ على الأرضِ، ثم تَوَضَّأ"
(5)
فقال أحمد: هذا حديث منكر إنما هو عن أبي الأحوص، عن عبد الله، ولم يرفَعْهُ.
فائدة
(6)
قال بعضهم: قولُ العامَّةِ: "نُسَيَّاتٌ" ليس بلحن؛ لأن الجوهريَّ
(1)
أخرجه البيهقي: (2/ 306).
(2)
أخرجه عبد الرزاق: (2/ 477)، والبيهقي:(2/ 307).
(3)
ذكره ابن حبان في الثقات، ووثقه العجلي، وذكره البخاري في "التاريخ"، وابن أبي حاتم في كتابه، ولم يذكرا. فيه جرحًا ولا تعديلاً.
انظر: "لسان الميزان": (2/ 511)، و"ثقات العجلي"(ص/ 171).
(4)
"قال أحمد" ليست في (ع).
(5)
أخرجه أحمد: (15/ 533 رقم 9861) عن حجاجٍ به.
(6)
هذه الفائدة ليست (ع).
حكاه
(1)
، وكأنه جَمْعُ نُسَيَّهِ بتصغير نِسْوَةٍ.
قلت: وعلى هذا فلا يقالُ إلا على جماعات متعدِّدَةٍ منهنَّ؛ لأنه جمعُ الجمع، والعامَّةُ تطلقه على الجماعة الواحدة منهنَّ.
فائدة
قول النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لَعِبَ بالنَّرْدَشِيرِ، فكأنَّما صَبَغَ يَدَهُ في لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ"
(2)
. سرُّ هذا التشبيه -والله ُكل أعلم-: أن اللاعبَ بها لما كان مقصودُه بلعبه أكلَ المال بالباطل الذي هو حرامٌ كحرمة لحم الخنزير، وتوصَّل إليه بالقمار، وظنَّ أنه يُفيدُه حِلَّ المال، كان كالمتوصِّل إلى أكل لحم الخنزير بذكاته، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم (ظ/198 أ) شَبَّهَ اللَاّعب بها بغامس يده في لحم الخنزير ودمه، إذ هو مقدِّمَةُ الأكلِ، كما أن اللعب بها مقدمةُ أكل المال، فإن أكَلَ بها المال كان كأَكْل لحم الخنزير. والتشبيه إنما وقع في مقدِّمة هذا بمقدمة هذا، واللهُ أعلم.
فائدة
تفسير النبيِّ صلى الله عليه وسلم البقر التي رآها في النوم تُنْحَرُ بالنَّفَر الذي أصيبوا
(3)
من أصحابه يوم أحد
(4)
.
قيل: وجهُ هذا التأويل أن "البقر والنفر" مشتركان في صورة الخَطِّ،
(1)
في "الصحاح": (6/ 2508).
(2)
أخرجه مسلم رقم (2260) من حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه.
(3)
(ق): "قتلوا".
(4)
أخرجه البخاري رقم (3622)، ومسلم رقم (2272) من حديث أبي موسى رضي الله عنه.
ويمتازُ أحدهما عن الآخر بالنَّقْط، وهذه جهةٌ من جهات التعبير. وهذا قولٌ فاسد جدًّا! ولم يكن النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يدركُ شيئًا من الخَطِّ أصلاً، ولا هذه جهةٌ: صحيحةٌ من جهات التأويل، فلا يؤوَّلُ النردُ بالبَرْد، ولا الزَّبَد بالزَّنْد
(1)
، ولا العين بالغَبْن، ولا الحَيَّة بالجنة، وأمثال ذلك.
وقيل: وجه الشبة أن البقر معها أسلحتُها التي تقاتل بها وهي قرونُها، وكانتِ العربُ تستعملُ الصَّيَاصِيَ
(2)
والقُرونَ في الرِّماح عند عدم الأسِنَّةِ. وهذا أقربُ من الأول، ولكنه مشتركٌ بين المسلمين والكفار، فإن كل طائفة معها سلاحُها.
وأجودُ من هذين أن يقال: وجهُ التشبيه أن الأرض لا تُعْمَرُ ولا، تُفْلح إلا بالبقر، فهم عمارَةُ الأرض، وبها صلاحُ العالم وبقاءُ معيشتهم وقوامُ أمرِهم، وهكذا المؤمنون، بِهم صلاحُ الأرض وأهلها وهم زينتُها، وأنفعُ أهل الأرض للناس، كما أن البقر أنفع الدَّوابِّ للأرض، ومن وجه آخَرَ وهو: أن البقر تُثير الأرضَ وتُهَيِّئُها
(3)
لقبول البَذْر (ق/284 أ) وإنباته، وهكذا أهلُ العلم والإيمان يثيرونَ القلوبَ ويُهَيِّئونها لقبول بذر الهدى فيها ونباته وكماله، والله أعلم.
فائدة
(4)
قول النبي صلى الله عليه وسلم: "رَأَى عِيسَى رَجُلاً يَسْرِقُ فَقَالَ: سَرَقْتَ. قال: كَلاّ
(1)
"ولا
…
" سقطت من (ظ)، و (ق): "ولا الزند بالزبد" والنَّقط غير محرر، ويمكن قراءته على أنحاء شتى.
(2)
هي القرون نفسها.
(3)
(ع): "وترخيها".
(4)
ليست في (ظ)، وانظر "إغاثة اللهفان":(1/ 183)، و "فتح الباري":(6/ 565).
وَالّذِي لا إلهَ إلَاّ هُوَ. فقال عيسى: آمَنْتُ باللهِ وكَذَّبْتُ بَصَرِي"
(1)
.
قيل: هو استفهام من المسيح، لا أنه إخبار، والمعنى:"أسرقت" فلما حلف له صدقه، ويردُّ هذا قولُه:"وكذبتُ بَصَري"، وقيل: لما رآه المسيح أخذَ المالَ بصورة السارق فقال: سرقت؟ فقال: كلا، أي: ليس بسرقة، إما لأنه مالُه أو له فيه حق، أو لأنه أخده ليقلبَهُ ويعيدَهُ، والمسيحُ صلى الله عليه وسلم أحال على ظاهر ما رأى، فلما حلف له قال:"آمَنْتُ بالله وكَذَّبْتُ نفسي في ظني أنها سرقةٌ" لا أنه كَذَّبَ نفسَه في أخده المال عيانًا، فالتكذيبُ واقعٌ على الظَّنِّ لا على العِيان، وهكذا الروايةُ "وكَذَّبْتُ نَفْسِي"
(2)
ولا تنافِيَ بينها وبين رواية: "وكَذَّبْتُ بَصري"، لأن البصرَ ظنَّ أن ذلك الأَخْذ سرقةٌ، فأنا كذبته في ظنِّ أنه رأى سرقة، ولعله إنما رأى أخذًا ليس بسرقة.
وفي الحديث معنى ثالث -ولعله أَلْيَقُ به- وهو: أن المسيحَ صلى الله عليه وسلم لعظمة وقارِ الله في قلبه وجلالِه ظنَّ أن هذا الحالف بوحدانية الله صادقًا، فحمله إيمانُهُ بالله على تصديقه، وجوَّز أن يكون بصرُة قد كذبه، وأراه ما لم يَرَ، فقال:"آمنْتُ باللهِ وكذبْتُ بَصَري".
ولا ريبَ أن البَصَرَ يعرِضُ له الغلطُ، ورؤية بعض الأشياء بخلاف
(3)
ما هي عليه، ويُخَيِّلُ ما لا وجود له في الخارج، فإذا حكم عليه العقلُ تبين غلطُه. والمسيحُ صلى الله عليه وسلم حكَّم إيمانه على بصره فكذب بصره
(4)
(1)
أخرجه البخاري رقم (3444)، ومسلم رقم (2368) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
من قوله: "في ظني أنها
…
" إلى هنا ساقط من (ظ).
(3)
(ق): "على غير".
(4)
"فكذب بصره" ليست في (ع).
ونسب الغَلَطَ إليه، والله أعلم.
فائدة
قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الأَنْبياءُ أَوْلادُ عَلَاّتٍ"، وفي لفظ:"إخْوَةٌ مِنْ عَلَاّتٍ، أمّهاتُهمْ شَتَّى ودِينُهُمُ وَاحِدٌ"
(1)
.
قال الجوهري
(2)
: بنو العَلَاّت: هم أولادُ الرجل من نسوةٍ شتّى، سميتْ بذلك لأن الذي تزوَّجها على أولى كانت قبلها، ثم عَلَّ من الثانية العَلَل، والشُّرْبُ الثاني يقال له: عَلَلٌ بعدَ نَهَل، وعَلَّهُ يَعِلُّهُ: إذا سقاه السَّقْيَة الثانية.
وقال غيره: سمُّوا بذلك لأنهم أولاد ضَرَائِر، والعَلَاّتُ: الضرائر، وهذا الثاني أظهرُ.
وأما وجة التشبيه
(3)
؛ فقال جماعة -منهم القاضي عِياضُ
(4)
وغيره-: معناه أن الأنبياءَ مختلفونَ في أزمانهم، (ظ/ 198 ب) وبعضهم بعيدُ الوقت من بعض، فهم أولاد عَلَاّتٍ، إذ لم يجمَعْهم زمانٌ واحد، كما لم (ق/ 284 ب) يجمعْ أولادَ العَلاّتِ بطنٌ واحد، وعيسى لما كان قريبَ الزمان من النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكنْ بينهما نبيٌّ، كانا: كأنهما في زمان واحد، فقال صلى الله عليه وسلم:"أنا أوْلى النَّاسِ بعِيسَى ابنِ مَرْيَمَ"، قالوا: كيف يا رسولَ الله؟ فقال: "الأَنْبِياءُ إخْوَةٌ مِنْ عَلاّتٍ" الحديث.
(1)
أخرجه البخاري رقم (3442)، ومسلم رقم (2365) من حديث أبي هريرة - رضى الله عنه-.
(2)
"الصحاح": (5/ 1773).
(3)
(ظ): "التسمية".
(4)
في "إكمال المعلم": (7/ 337).
وفيه وجهٌ آخر أحسن من هذا، وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم شَبَّه دين الأنبياء الذي اتفقوا عليه من التوحيد، وهو عبادة الله وحده لا شريكَ له، والإيمانُ به وبملائكته وكتبه ورسله ولقائه = بالأب الواحد؛ لاشتراك جميعهم فيه وهو الدينُ الذي شرعه اللهُ لأنبيائه كلِّهم، فقال تعالى:{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: 13].
وقال البخاريُّ في "صحيحه": باب ما جاء أن دين الأنبياء واحد، وذكر هذا الحديث
(1)
، وهذا هو دينُ الإسلام الذي أخبر اللهُ أنه دينُ أنبيائِهِ ورسلِهِ من أولهم نوح إلى خاتَمِهم محمد صلى الله عليه وسلم، فهو بمنزلة الأب الواحد.
وأما شرائعُ الأعمال والمأمورات فقد تختلفُ، فهي بمنزلة الأمهَّات الشَّتَّى، فإنّ لقاحَ تلك الأمهات من أبٍ واحد، كما أن مادَّة تلك الشرائع المختلفة من دين واحد متفق عليه، فهذا أولى المعنيين بالحديث، وليس في تباعد أزمنتهم ما يوجبُ أن يُشَبِّهَ زمانَهم بأمهاتهم، ويجعلون مختلفي الأمهات لذلك، وكون الأم بمنزلة الشريعة والأب بمنزلة الدين، وأصالة هذا وتذكيره وفرعيَّه الأم وتأنيثها، واتحاد الأب وتعدد الأم، ما يدلُّ على أنه معنى الحديث، والله أعلم.
فائدة
في قوله تعالى: {أَسْرَى بِعَبْدِهِ} دون: "بَعَثَ بعبده"، و"أرسل به"
(1)
لم أجد الترجمة التي ذكرها المصنف في الصحيح، وذكر البخاريُّ هذا الحديث في موضعين متتاليين في باب قول الله: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ
…
} "الفتح": (6/ 549 - 551).
ما يفيدُ مصاحَبَتَهُ له في مَسْراه، فإن الباء هنا للمصاحبة، كهي في قوله:"هَاجَرَ بِأَهْلِهِ وسَافَرَ بغُلامِهِ" وليست للتعدية، فإنَّ (أسرى) يتعدَّى بنفسه، يقال: سَرَى به وأَسْرَاه، وهذا لأن ذلك السُّرَى كان من أعظم أسفاره صلى الله عليه وسلم، والسفرُ يعتمدُ الصاحبَ، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم إذا سافر يقول:"اللَّهُمَّ أنْتَ الصَّاحِبُ في السَّفَرِ"
(1)
.
فإن قيل: فهذا المعنى يُفهم من الفعل الثلاثي لو قيل: "سَرَي بعبده"، فما فائدة الجمع بين الهمزة والباء؛ ففيه أجوية:
أحدها: أنهما بمعنًى، وإنَّ أَسْرَى لازمٌ كـ: سَرَى، تقول:"سَرَى زيدٌ وأَسْرَى"، بمعنى واحد، هذا قول جماعة.
(ق/285 أ) والثاني: أن (أسرى) مُتَعَدٍّ ومفعوله محذوف، أي:"أَسْرى بِعَبْدهِ البُرَاقُ"، هذا قول السهيلي
(2)
وغيره، ويشهد للقول الأول قول الصِّدِّيق:"أسْرَيْنا لَيْلَتَنا كُلَّها ومن الغَدِ حتى قام قائمُ الظَّهِيرَةِ"
(3)
.
والجواب الصحيحُ: أن الثُّلاثِيَّ المتعدِّي بالباء يفهم منه شيئانِ؛ أحدهما: صدور الفعل من فاعله، والثاني: مصاحبته لما دخلت عليه الباء.
فإذا قلت: "سَرَيْتُ بزَيْدٍ وسَافَرْتُ به"، كنتَ قد وُجد منك السُّرَى والسفر مصاحبًا لزيد فيه، كما قال:
(1)
أخرجه مسلم رقم (1342) من حديث ابن عمر رضي الله عنه.
(2)
كما في "الروض الأنف": (2/ 148).
(3)
في حديث الهجرة، أخرجه البخاري رقم (3615)، ومسلم رقم (2009) من حديث البراء بن عازب عن أبي بكر رضي الله عنهما.