الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فائدة
إذا ماتت الحاملُ، فصُلِّيَ عليها هل يُنْوَى الحَمْلُ؟.
قال ابنُ عقيل: يحتملُ أن لا يذكرَ سوى المرأة؛ لأن الحَمْلَ غيرُ مُتَيَقَّنٍ، ولهذا يلاعنُ عليه، ولو قُتِلَتْ لم تَجِبْ دِيَتُهُ.
فإن قيل: أليس يُعْزَلُ
(1)
له الإرثُ، ولا تُدْفَنُ في مقابر المشركين إذا كانت نصرانيةً، ويَتَذَكَّى بذكاة أمِّه؟
قيل: أما الإرثُ فهو الحُجَّة لأنه لا يُعطاه، ولا يُورَثُ عنه، حتى يتحقَّقَ وضْعُه ُعنه
(2)
، وأما دفنُهُ: فلظنِّ وجوده، وحكمُ الذكاة تلحقهُ إذا وُضِعَ.
فائدة
إذا جَبَّ عبدَه ليزيدَ ثمنُه
، فهل تحلُّ له الزِّيَادة؟.
أما على أصْلِنا وأصل مالك بن أنس في العِتْق بالمُثْلة فلا تفريعَ، وأما من لم يعتقْهُ بالمُثْلَة فينبغي عنده أن لا تحرُمَ الزِّيَادَةُ، كما لو قطع له إصبعًا زائدة فزاد ثمنه بقطعها.
فإن قيل: فالمغنِّية إذا زادتْ قيمَتُها لأجل الغناء حَرُمَتِ الزِّيَادَةُ.
قيل: الغناءُ (ظ/186 أ) منهيٌّ عنه حالَ دوامه، فيقالُ: لا يحِلُ لك أن تغنِّى، ولا يؤخذ العِوَضُ عنه، وأما الخِصاء فهو أثر قد انقضى، ولا يتعلَّقُ النهيُ بدوامه، فافترقا.
(1)
(ق): "يعول".
(2)
ليست في (ع وظ).
فائدة
سَرَق
(1)
منديلًا لا يساوي نِصابًا، وفي طرفه دينار لم يعلمْ به.
قال ابن عقيل: قياس قولِ أحمدَ فيمن سرق إناءً من ذهبٍ فيه خمرٌ، قال: إنه لا يُقْطَعُ، فكذلك هاهنا لا يُقْطَعُ؛ لأنه جعل القَصْدَ للخمر عِلَّةً لإسقاط القطع بالإناء، فقال: لو لم يكن قصدَه الخمرُ أراقه.
فائدة
رجل له على آخر قَوَدٌ في النَّفْس والطَّرَف، فقَطَعَ الطَّرَفَ فَسَرَى إلى النَّفسِ، هل يسقطُ حكمُ القَوَدِ في النَّفس بالسِّرَاية؟.
قال ابن عَقِيل: يحتملُ أن يكونَ مستوفيًا للحقِّ بالسِّراية؛ لأنَّ القطعَ قد صار قتلًا، وما صلح لاستيفاء الحَقَّيْنِ حصلَ به استيفاؤُهما، كمن أعتقَ المُكَاتِبَ عندَنا في الكفَّارة حصلَ به مقصودُ المكاتبِ من العِتقِ ومقصودُ السَّيِّد من التَّكفيرِ.
وكمن أطعم المُضطرَّ طعامًا قد وِجبَ عليه بذلُهُ، لكون المضطرِّ لا طعامَ له، وكون صاحب الطعام غيْرَ محتاج إليه، ونوى بإطعامه الكفَّارَةَ فإنه (ق/265 ب) يتدفعُ به الحَقَّينِ.
وكذا من دخل المسجدَ فصلى قَضاءً ناب عن القضاء والتَّحِيَّة.
قلت: وكذلك إذا نَذَرَ صوم يومٍ يقدُمُ فلان، فقَدِمَ في نهار رمضان -على قول الخِرَقِيِّ-.
(1)
كذا في الأصول بدون فاعل، ويقدَّر بمحذوف.
وكذلك المتمتِّعُ إذا دخل المسجدَ طاف طوافًا واحدًا هو طوافُ العُمْرة وطوافُ القدوم.
وكذلك إذا أخَّرَ طوافَ الزِّيارة إلى وقت الوَدَاع
(1)
وطافَ طوافًا واحدًا كفاه عنهما.
وكذلك إذا سَرَقَ وقَطَعَ يدًا معصومةً، فطُلِبَ القِصَاص، فقطعتْ يَدُه حدًّا وقِصاصًا.
قال: ويحتملُ أن لا يقعَ موقِعَهُ، ويكون فائدةُ وقوعِهِ على الاحتمال الأوَّل أنه لا يستحقُّ الدِّيَة
(2)
.
وإن قلتا: الواجبُ أحد أمرين، ويكون فائدةُ عدم وقوعه على الاحتمال الثاني أن تقع السِّراية هَدَرًا؛ لأنها غيرُ مضمونة عندَنا، وإذا لم تكن مضمونةً، لم يكن محتسبًا بالسِّراية قتلًا، فإن الاحتسابَ بها عن القَوَد الواجب له هو أحد الضمانين، فإذا ثبت أنها لا تقعُ موقعَ القَوَد، كان له الدِّيَةُ على الرِّواية التي تقول: إن الواجبَ أحدُ الأمرين.
فائدة
مذهبُ الإمام أحمد: يؤخذُ من الذِّمِّيِّ التَّاجر إذا جاز علينا نصفُ العشر، ومن الحربيِّ المستأمنِ العُشر.
ومذهب أبي حنيفة: إن فعلوا ذلك بنا فعلناه بهم، وإلا فلا.
ومذهب الشافعيِّ: لا يجوُزُ إلا بشرطٍ أو تَرَاضٍ بينَهم وبين الإمام.
(1)
(ق): "الطلوع ".
(2)
فى هامش (ع) تعليق نصُّه: "هذا الفرع ليس يسلّم على المذهب، بل تُقطع يده قِصاصًا، بل إذا سرق ويمينه [] في قصاص قُطعت رجله اليسرى" اهـ.
قال ابنُ عقيل: وهذا هو الصحيحُ من المذاهب
(1)
؛ لأن عقد الذِّمَّة للذِّمِّيِّ والأمانَ للحربيِّ أوجبَ حفظَ أموالهم وصيانَتَها بالعهد والجزية، وأخذ ذلك يقعُ ظلمًا منَّا، ونقضًا لذِمَّتِهم الموجِبَةِ عِصْمَةَ أموالهم ودمائهم.
فأوْرِد عليه: ما يصنعُ بقضيَّة عُمَرَ؟
فقال: هي محتملةٌ أنه فعل ذلك مقابلةً لفعلٍ كان منهم، ويحتملُ أنه كان شَرَط على قوم منهم ذلك لمصلحة رآها، وحاجةٍ للمسلمين أوْجَبتْ ذلك، قال: ودليلي مصرِّحٌ بالحكم واضح لا يحتملُ، فأصْرف ظاهرَ القصَّة إلى هذا الاحتمال بدليلٍ واضح.
فائدة
قال ابن عَقِيل: سُئلتُ عن كَتْب المَهْر في ديباج؟
فقلت: إنما يقصدُ المباهاة، وهي التي حُرِّم لأجلها الحريرُ، وهو الكِبْرُ والخُيَلاءُ، قالوا: فهل يطعنُ ذلك في الحُجَّة؟ قلت: لا، كما لو كتب في ورقة مغصوبة، الكَتْبُ حَرَامٌ، والحُجَّةُ ثابتةٌ
(2)
.
(1)
(ظ): "المذهب".
(2)
في هامش (ق) ما نصه: "يُسأل على مُقتضى مذهبه عن الفرق بين هذا وبين الحج بمال مغصوب والصلاة في دار مغصوبة ونظائر ذلك" ثم كتب بعده بخط مغاير: "أقول: الفرق أوضح من شمس الظهيرة، وهو أن البقعة شرط للصلاة، والحج إن وقف على مباح يصح وإلا لم يصح؛ لأن المغصوب كالماء النجس، لا يجور التطهر به، وأما كتابة المهر فيه فليست شرطًا لصحة النكاح حتى تقاس على الصلاة في المغصوب، نعم
…
مهرًا مغصوبًا والله تعالى أعلم" اهـ.
أقول: مكان النقط نحو سطر مطموس لم يظهر، والتعليقة الأخيرة كأنها بخط ابن حميد النجدي صاحب "الحب".
فائدة
طُلِبَ في الزنا أربعة، وفي الإحصانِ اكتُفي باثنين؛ لأن الزنا سببٌ وعلَّةٌ، والإحصان شرطٌ، وإبداء الشروط تقصرُ عن العلل والأسباب؛ لأنها مصححةٌ وليست موجبة، ولهذا لا يُكتفى بالإقرار مرَّةً، عندنا وعند الحنفية.
فائدة
عطيةُ الأولاد: المشروع أن يكون على قدْر مواريثهم (ق/ 266 أ)؛ لأن الله تعالى مَنَعَ مما يُؤَدّي إلى قطيعة الرَّحِم، والتسويةُ بين الذكر والأنثى مخالفةٌ لما وَضَعَهُ الشَّرْع هن التفضيل، فيُفضي ذلك إلى العداوة؛ ولأنَّ الشَّرْع أعلمُ بمصالحنا، فلو لم يكنِ الأصلحَ التفضيلُ بين الذَّكَر والأنثى لما أشَرَعَهُ؛ ولأن حاجةَ الذكر إلى المال أعظمُ من حاجة الأنثى، ولأن الله تعالى جعلَ الأنثى على النِّصف من الذكر فى الشهادات والميراث
(1)
والدِّيَات، وفي العقيقة بالسُّنَّة؛ ولأن الله تعالى جعل الرِّجالَ قوَّامين على (ظ/ 186 ب) النساء، فإذا عَلِمِ الذكرُ أن الأبَ زاد الأنثى على العَطِيَّة التي أعطاها اللهُ وسواها بمن فضَّلَهُ اللهُ عليها، أفضى ذلك إلى العداوة والقَطِيعة، كما إذا فضَّل عليه مَنْ سوَّى بينَهُ وبينَه.
فأيُّ فرقٍ بين أن يُفَضِّلَ من أَمَرَ اللهُ بالتَّسوية بينَه وبين أخيه، أو يُسَوِّيَ بينَ مَنْ أمر الله بالتَّفضيل بينهما!؟
وأعترض ابنُ عقيل على دليل التفضيل وقال: بناءُ العطية حالَ
(1)
ليست في (ع).
الحياة والصِّحَّة والمال لا حقَّ لأحد فيه، ولهذا لا يجوزُ له الهِباتُ والعطايا
(1)
للوارِث، وما زاد على الثلُث للأجانب عِبْرَةً بحال صحته، وقطعًا له عن حال مرض الموت، فضلًا عن الموت، وكذا تُعطى الإخوة الأخواتُ مع وجود الابن والأب، وإن لم يكنْ لهم حقٌّ في الإرث، وتلك عطيَّةٌ من الله على سبيل التَّحكُّم لا اختيارَ لأحد فيه، وهذه عطيَّةٌ من مكلَّفٍ غيرِ محجورٍ عليه، فكانت على حسب اختياره من تفضيل وتسوية، وهذا هو القولٌ الصحيحُ عندي.
قلت: وهذه الحجَّةُ ضعيفةٌ جدًّا، فإنها باطلةٌ بما سَلَّمه من امتناع التَّفضيل بين الأولاد المُتَساوِينَ في الذكورة والأنوثة، وكيف يصحَّ له قوله:"إنها عطيَّةٌ من مكلّف غير محجور عليه، فجازت على حسْب اختياره" وأنت قد حَجَرت عليه في التَّفضيل بين المُتَساوِينَ؟.
فائدة
(2)
قال ابن عقيل: جَرَى
(3)
في جواز العمل في السَّلطنة الشَّرعية بالسِّياسة: هو الحزم، فلا يخلو منه إمامٌ.
قال شافعيٌّ: لا سياسةَ إلا ما وافق الشَّرْعَ.
قال ابنُ عقيل: السياسةُ ما كان فعلًا يكونُ معه الناسُ أقربَ إلى الصَّلاح، وأبعدَ عن الفساد، وإن لم يضَعْه الرسولُ، ولا نزلَ به
(1)
(ق): "يجوز له الهبات والعطيات".
(2)
(ق): "مسألة"، وقد نقل هذا الفصل المؤلف في "الطرق الحكمية":(ص/13 - فما بعدها) وعلق عليه بما هو أوسع مما هنا، وعزاه إلى "الفنون"، وانظر ما سبق (3/ 1035).
(3)
كذا بالأصول، والمقصود: جرى خلاف أو نزاع
…
فقيل: هو الحزم ....
وحيٌ، فإن أردتَ بقولك:"إلا ما وافقَ الشَّرْعَ" أي: لم يخالفْ ما نَطَق به الشرعُ = فصحيح، وإن أردتَ: ما نطقَ به الشرعٌ
(1)
-فغلطٌ وتغليط للصَّحابة، فقد جرى من الخلفاء الراشدين من القتل والمُثَل ما لا يجحدُه عالم بالسنن، (ق/266 ب) ولو لم يكن إلا تحريق المصاحف كان رأيًا اعتمدوا فيه على مصلحة، وتحريق عليٍّ في الأخاديد وقال:
إني إذا شاهدتُ أمرًا مُنْكَرًا
…
أجَّجْتُ نَارِي ودَعَوْتُ قنْبَرا
(2)
ونَفَى عُمَرُ نصرَ بن حجَّاجٍ
(3)
.
قلت: هذا موضعُ مَزَلَّةِ أقدام، وهو مقام ضْنكٍ ومعتركٌ صعب، فرَّطَ فيه طائفةٌ، فعطَّلوا الحدودَ وضيَّعوا الحقوقَ وجرَّأوا أهلَ الفجور على الفساد، وجعلوا الشريعةَ قاصرةً لا تقومُ بها مصالحُ العباد، وسدَّوا على أنفسهم طُرُقًا عديدةً من طرق معرفة المحقِّ من المبطل
(4)
، بل عطَّلوها مع عِلْمهم قطعًا وعِلْمْ غيرهم بأنها أدِلَّةُ حَقٍّ، ظنًّا منهم منافاتها لقواعد الشرع، والذي أوجبَ لهم ذلك نوعُ تقصير في معرفة الشريعة، فلما رأي ولاةُ الأمر ذلك، وأن الناسَ لا يستقيمُ أمرهم إلا
(5)
بشيء
(1)
"فصحيح وإن أردت ما نطق به الشرع" سقطت من (ظ).
(2)
قصة تحريق علي رضي الله عنه للسبيئة أو الزنادقة أخرجها البخاري رقم (3017)، وقصة التحريق وإنشاد البيت أخرجه أبو طاهر المخلّص في حديثه بسندٍ حسن قاله الحافظ في "فتح الباري":(12/ 282). على اختلاف في رواية البيت فى المصادر.
(3)
أخرج قصة نصر بن حجاج ابنُ سعد في "الطبقات"(3/ 285)، والخرائطي قي"اعتلال القلوب":(ص/ 337 و 339)، قال الحافظ:"بسندٍ صحيح"، "الإصابة":(3/ 579).
(4)
(ظ): "الحق من الباطل".
(5)
(ع): "ولا".
زائدٍ على ما فهمه هؤلاء من الشريعة، أَحْدَثوا لهم قوانينَ سياسيةً ينتظمُ بها أمرُ العالمَ، فتولَّد من تقصير أولئك في الشريعة وإحداث هؤلاء ما أحدثوه من أوضاع سياسَتِهم = شرٌّ طويل، وفساد عريضٌ، وتَفَاقَمَ الأمرُ، وتعذَّرَ استدراكُهُ.
وأفرطتْ طائفة أخرى فسَّوغتْ منه ما يُنافي حكمَ الله ورسوله، وكلا الطائفتين أُتِيتْ من تقصيرها في معرفة ما بعث الله به رسوله
(1)
، فإنَّ اللهَ أرسل رُسلَهُ وأنزل كُتبهُ ليقومَ الناسُ بالقسط، وهو العدل الذي به قامتْ السَّماواتُ والأرضُ، فإذا ظهرت أماراتُ العدل، وتبيَّنَ وجهُه بأيِّ طريق كان، فثَمَّ شرعُ الله ودينُه، والله تعالى لم يحصرْ طرُقَ العدل وأدلَّتَه وعلاماتِه في شيء، ونفى غيرَها من الطرق التي هي مثلُها أو أقوى منها، بل بيَّن بما شَرَعَهُ من الطُّرُق أن مقصوده إقامةُ العدل وقيام الناس بالقسط، فأيُّ طريقٍ اسْتُخْرِجَ بها العدلُ والقسطُ فهي من الدِّين.
لا يقال: "إنها مخالفةٌ له" فلا تقول: إن السياسةَ العادلةَ مخالفةٌ لما نطقَ به الشرعُ، بل موافقة لما جاء به، بل هي جزءٌ من أجزائه، ونحن نسمِّيها سياسةً تبعًا لمصطلحكم، وإنما هي شرعٌ حقٌّ. فقد حبس رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في تُهمة
(2)
، وعاقب في تهمة
(3)
، لما ظهر
(1)
من قوله: "وكلا الطائفتين
…
" إلى هنا سقط من (ع).
(2)
أخرجه أبو داود رقم (3630)، والترمذي رقم (1417)، والحاكم:(4/ 102) وغيرهم من طريق بَهْز بن حكيم عن أبيه عن جده، وهو حديث حسن كما قال الترمذي، وصححه الحاكم. ووقع في ق):"في نميمة".
(3)
تقدم في قصة الزبير وضربه لابن أبي الحقيق (3/ 1037).
أمارات الرِّيبة على المتهم، فمَنْ أطلقَ كُلَّ متَّهَمٍ وحلّفه وخلَّى سبيلَه مع علمِه باشتهاره بالفساد في الأرض، ونَقْبِه البيوتَ وكثرة سرقاته، وقال: لا آخذُهُ إلا بشاهدَي عدْلٍ؛ فقولهُ مخَالفُ للسِّياسة الشرعية، وكذلك منعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الغَالَّ (ق/ 267 أ) من سهمِهِ من الغنيمة
(1)
، وتحريق الخلفاء الراشدين متاعَه كله
(2)
، وكذلك أخذه شطرَ مال مانع الزكاة
(3)
، وكذلك إضعافُه الغُرْمَ على سارق ما لا يُقطعُ فيه وعقوبته بالجَلد
(4)
. (ظ/187 أ) وكذلك إضعافُه الغرْمَ على كاتم الضَّالَّة
(5)
. وكذلك تحريق عمر حانوتَ الخَمَّار
(6)
، وتحريقه قَرْيَةَ خمر
(7)
، وتحريقه قصرَ سعد بن أبي وقَّاص لما احتجَبَ فيه عن الرَّعِيَّة
(8)
، وكذلك حَلْقُه رأسَ نصرِ بن حجَّاج ونفيه
(9)
، وكذلك
(1)
أخرجه أبو داود رقم (2713)، والترمذي رقم (1461) -من حديث عمر رضي الله عنه وضعفه البخاري والترمذي، وأشار إلى ذلك أبو داود.
(2)
أخرجه أبو داود رقم (2715) من حديث ابن عَمْرو رضي الله عنهما وهو ضعيف. وانظر: "التلخيص": (4/ 81، 113).
(3)
أخرجه أحمد: (33/ 220 رقم 20016)، وأبو داود رقم (1575) والنسائى:(5/ 25)، وابن خزيمة رقم (2266)، والحاكم:(1/ 398) وغيرهم من طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده.
(4)
أخرجه أبو داود رقم (1710)، والترمذي رقم (1289) مختصرًا، والنسائي:(8/ 85 - 86) من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وحسنه الترمذي.
(5)
أخرجه أبو داود رقم (1718) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(6)
أخرج عبد الرزاق: (6/ 77) أن عمر أحرق بيتَ رجلٍ وجد فيه خمرًا وكان جُلد فيها.
(7)
ذكر شيخ الإسلام في "الاقتضاء": (2/ 49) أن عليًا حرق قرية يباع فيها الخمر، ولم أجده عن عمر.
(8)
أخرجه أحمد: (1/ 448 رقم 390)، وابن المبارك في "الزهد":(ص/ 179) وسنده صحيح غير أنه منقطع.
(9)
تقدم قريبًا.
ضربُه صَبيغًا
(1)
، وكذلك مصادرته عمّالَه. وكذلك إلزامه الصحابَةَ أن يُقِلُّوا الحَديثَ عن رسول الله ليشتغلَ الناسُ بالقرآن فلا يُضَيِّعوه
(2)
، إلى غير ذلك من السِّياسة التي ساس بها الأمَّةَ فصارت سُنَّة إلى يوم القيامة، وإن خالفها مَنْ خالفها.
ومن هذا تحريقُ الصديق للُّوطِيِّ
(3)
. ومن هذا تحريقُ عثمان للصُّحف المخالفة للسان قريش
(4)
. ومن هذا اختيار عُمرَ للناس الإفراد بالحج ليعتمروا في غير أشهره، فلا يزالُ البيتُ الحرام مقصودًا
(5)
، إلى أضعافِ أضعاف ذلك من السِّياسات التي ساسوا بها الأمَّة وهي بتأويل القرآن والسنة.
وتقسيمُ النَّاسِ الحُكْمَ إلى شريعة وسياسة، كتقسيم من قَسَّم الطريقةَ إلى شريعةٍ وحقيقةٍ، وذلك تقسيمٌ باطلٌ، فالحقيقةُ نوعان:
حقيقة هي حقٌّ صحيحٌ، فهي لُبُّ الشَّريعة لا قسيمها، وحقيقةٌ باطلة، فهي مضادَّة للشَّريعة كمضادَّة الضَّلال للهدى.
وكذلك السَّياسة نوعان: سياسةٌ عادلة، فهي جزء من الشَّريعة
(1)
أخرجه الدارمي: (1/ 66)، والبزار في "مسنده":(1/ 423)، واللالكائي:(4/ 635 - 636)، وهي قصة مشهورة.
(2)
أخرج مَعمر في "الجامع": (11/ 262) عن الزهري عن أبي هريرة قال: "لما ولي عمر قال: "أقِلُّوا الروايةَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
" وأخرجه الطبراني في "الأوسط": (2/ 326)، والرامهرمزي في "الحديث الفاصل" (ص/ 553)، والروايات عن عمر في هذا المعنى كثيرة.
(3)
أخرجه البيهقي: (8/ 232).
(4)
أخرجه البخاري رقم (4987) وغيره.
(5)
أخرجه مسلم رقم (1221 و 1222).
وقسمٌ من أقسامها لا قسيمها. وسيَاسَةٌ باطِلَةٌ فهِيَ مُضَادَّة للشَّريعة
(1)
مضَادَّةَ الظُّلم للعدل.
ونظير هذا: تقسيمُ بعض الناس الكلامَ في الدِّين إلى الشرع والعقل هو تقسيمٌ باطل، بل المعقولُ قسمان: قسمٌ يوافق ما جاء به الرسولُ، فهو معقولُ: كلامِه ونصوصِه، لا قسيم ما جاء به، وقسم يخالِفُه، فذلك ليس: بمعقولٍ، وإنما هو خيالاتٌ وشُبَهٌ باطلة يظن صاحبها أنها معقولات، وإنما هي خيالاتٌ وشُبُهَاتٌ.
وكذلك القياسُ والشرع، فالقياسُ الصحيح هو معقولُ النصوص، والقياسُ الباطل المخالف للنصوص مضَادٌّ للشرع.
فهذا الفصلُ هو فَرْقُ ما بينَ وَرثَةِ الأنبياء وغيرهم، وأصله مبنيٌّ على حرف واحد، وهو عموم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم بالسُّنَّة، إلى كلِّ ما يَحتاج إليه العباد في معارفهم وعلومهم وأعمالهم التي بها صلاحُهُمْ في معاشهم ومَعَادِهم، وأنه لا حاجةَ إلى أحد سواه ألبَتَّةَ، وإنما حاجتُنا إلى من يُبَلغُنا عنه ما جاء به، فمن لم يستقر هذا في قلبه لم يرسخ قدمُه في الإيمان بالرسول، بل يجبُ الإيمان بعموم رسالته في ذلك، كما يجبُ الإيمان بعموم رسالته بالنسبة إلى المُكَلَّفين، (ق/267 ب) فكما لَا يخرجُ أحد من الناس عن رسالته ألبتة فكذلك لا يخرجُ حقٌّ من العلمِ والعملِ عما جاء به، فما جاء به هو الكافي الذي لا حاجَةَ بالأمَّةِ إلى سواه، وإنما يحتاجُ إلى غيره من قلَّ نصيبُه من معرفته وفهمه، فبحسب قلَّة نصيبِهِ من ذلك تكون حاجتُه، وإلا فقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما
(2)
طائر يُقَلِّب جناحيه في السَّماء إلا وقد ذكر للأمَّة
(1)
من قوله: "كمضادة الضلال
…
" إلى هنا ساقط من (ق).
(2)
(ظ): "وما من".
منه علمًا
(1)
، وعلَّمهم كل شيءٍ، حتى آدابَ التخَلِّي وآداب الجماع والنوم، والقيام والقعود، والأكل والشرب، والرُّكوب والنزول، ووصف لهم العَرْشَ والكرسِيَّ والملائكة، والجنة والنار، ويوم القيامة وما فيه، حتى كأنهم
(2)
رأيُ عَيْن، وعرَّفهم بربِّهم ومعبودِهم أتمَّ تعريف، حتى كأنهم يَرَوْنه بما وصفه لهم من صفات كماله ونعوت جلاله، وعرَّفهم الأنبياءَ وأُمَمَهُمْ وما جرى لهم معهم، حتى كأنهم كانوا بينهم، وعرَّفهم من طرق الخير والشر، دقيقِها وجليلِها، ما لم يعَرِّفْهُ نبيّ لأمَّتِهِ قبلَهُ.
وعرَّفهم من أحوال الموت وما يكونُ بعدَه في البرزخ، وما يحصلُ فيه من النعيم والعذاب للرُّوح والبَدَن ما جلَّى لهم ذلك حتى كأنهم يُعَاينوه.
وكذلك عرفهم من أدِلَّة التوحيد والنُّبُوَّة والمعَاد والرَّدِّ على جميع طوائف أهل الكفر والضَّلال، ما ليس لمن عرفه حاجةٌ إلى كلام أحدٍ من الناس ألبتةَ.
وكذلك عرَّفهم من مكايد الحروب ولقاء العدو وطرُق الظَّفَر به، ما لو علموه وفعلوه لم يَقُمْ لهم عدوٌّ أبدًا.
وكذلك عَرَّفهم من مكائد
(3)
إبليسَ وطرقه التي يأتيهم منها وما يحترزون به من كَيْدِه ومكرِه، وما يدفعون به شَرَّه ما لا مزيدَ عليه.
(1)
جاء هذا في حديثٍ أخرجه البخاري رقم (6604)، ومسلم رقم (2891) من حديث حذيفة رضي الله عنه.
(2)
(ظ): "كأنه".
(3)
من قوله: "الحروب ولقاء
…
" إلى هنا ساقط من (ظ).
وكذلكْ أرشدَهم في معاشِهِمْ إلى ما لو فعلوه لاستقامتْ لهم دنياهم أعظمَ استقامةٍ.
وبالجملة، فجاءهم بخير الدنيا والآخرة بحذافيره، ولم يجعل الله بهم حاجة إلى أحد سواه. ولهذا ختم اللهُ به ديوان النُّبُوَّة، فلم يجعلْ بعدَه رسولًا، لاستغناء الأُمَّة به عمن سواه، فكيف يظَنُّ أن شريعَتَهُ الكاملة المكملة محتاجة إلى سياسة خارجة عنها، أو إلى حقيقة خارجة عنها، أو إلى قياس خارج عنها، أو إلى معقول خارج عنها؟.
فمن ظنذَ ذلك فهو كمن ظنَّ أن بالناس حاجةً إلى رسول آخر بعده. وسبب هذا كلِّه خفاءُ ما جاء به (ظ/ 187 ب) على مَنْ ظَنَّ ذلك.
قال تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت: 51]، وقال:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89]، وقال:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9]، وقال:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 57]، وكيف يَشفِي ما في الصدور كتاب لا يَفي بعشر معشار ما النَّاسُ محتاجون إليه على زعمهم الباطل.
ويالله العجبُ كيف كان الصحابةُ والتابعون قيلَ وضع هذه القوانين واستخراج هذه الآراء والمقاييس والأقوال؟ أَهَلْ
(1)
كانوا مهتدين بالنُّصوص أم كانوا على خلاف ذلك؟! حتى جاء المتأخرون أعلمَ
(1)
كذا بالأصول.
منهم، وأهدى منهم، هذا ما لا يظنُّه من به رَمَقٌ من عقل
(1)
أو حياء، نعوذُ بالله من الخذلان؛ ولكن من أوتي فَهمًا في الكتاب وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم استغنى
(2)
بهما عن غيرهما بحسب ما أوتيه من الفهم، وذلك فضلُ الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفَضْلُ العظيم، وهذا الفَصْل لو بُسِط كما ينبغي
(3)
لقام منه عدة: أسفار، ولكن هذه لفظات تشيرُ إلى ما وراءَها.
فائدة
قال ابن عقيل: يحرم خَلْوةُ النساء بالخِصْيان والمَجْبُوبينَ؛ إذ غايةُ ما تجد
(4)
فيهم عدمُ العضو أو ضعفه، ولا يمنع ذلك لإمكان الاستمتاع بحسِّهم من القبلة واللمس والاعتناق. والخصِيُّ يقرعُ قرعَ الفحل، والمجبوبُ يُسَاحِقُ، ومعلومٌ أن النساء لو عَرَض فيهنَّ حبُّ السِّحَاق منَعْنا خَلْوَةَ بعضِهنَّ ببعض، فأولى أن نمنع خَلْوةَ من هو في الأصل على شهوته للنساء.
فائدة
عزَّى بعضُ العلماءِ رجلًا بطفلة فقال له: قد دخل بعضُك الجَنَّةَ فاجتهد أن لا تَتَخَلَّفَ بقيَّتُك
(5)
عنها.
قلت: وفي جواز هذه الشَّهادة ما فيها، فإنا وإن لم نشُك أن
(1)
استعمل ابن القيم هذا التعبير أيضًا في "مفتاح دار السعادة": (3/ 97).
(2)
(ق) ما: "علم استغناءه"، و (ع):"استغناه".
(3)
"كما ينبغى" ليست في (ق).
(4)
(ق وظ): "تجدد"!.
(5)
(ق): "نفسك".
أطفال المؤمنين في الجنة، لا نشهدُ لمُعَيَّنٍ أنه فيها، كما نشهدُ لعموم المؤمنين بالجنة، ولا نشهدُ بها لمعيَّنٍ سوى من شهد له النَّصُّ.
وعلى هذا يُحمل حديث عائشة، وقد شهدت للطفل من الأنصار بأنه عصفور من عصافير الجنة. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:"وما يُدْرِيكِ"
(1)
؟.
وهكذا نقول لهذا المُعَزِّي: وما يُدريكَ أنَّ بعضَ المُعَزَّى دخل الجنة؟! وسرُّ المسألة الفرقُ بين المعيَّنِ والمُطْلَق في الأطفال والبالغينَ، والله أعلم.
فائدة
قوله في حديث الجمعة: "وطُوِيتِ الصُّحُف"
(2)
، أي: صحفُ الفَضلِ، فأما صحفُ الفرض فإنها لا تُطوى (ق/268 ب) لأن الفرض يسقطُ بعد ذلك.
فائدة
عن أحمدَ في الصَّيد إذا أوْجَبه، والشَّاة إذا ذبحها، ثم سقطت في ماء هل تباحُ؟ على روايتين.
وسئِلَ بعض أصحابنا عن هؤلاء الشَّوَّائين يذبحون الدجاج ويرمون به في ماء السَّمْط
(3)
وهو يضطربُ؛ فخرَّجه على هاتين الروايتين، وصحح الإباحة قال: لأن ذلك: الاضطرابَ ليس له حُكْمُ الحياةِ.
(1)
أخرجه مسلم رقم (2662)، بنحوه من حديث عائشة رضي الله عنها.
(2)
أخرجه البخاري رقم (929)، ومسلم رقم (850) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
أصل السَّمط: أن يُنزع صوف الشاة المذبوحة بالماء الحار. "اللسان": (7/ 322).
فائدة
اسْتدِل على تفضيل النِّكاح على التَّخَلِّي لنوافل العِبادة: بأن الله عز وجل اختار النكاحِ لأنبيائه ورسله، فقال:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد: 38] وقال في حق آدم: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف: 189] واقتطع من زمن كليمهِ عشرَ سنينَ في رعاية الغنم مهر الزوجة، ومعلومٌ مقدارُ هذه السنينَ العشرِ في نوافل العبادات.
واختار لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أفضلَ الأشياء فلم يخْتَر له ترك النكاح بل زوَّجه بتسعٍ فما فوقهن، ولا هَدْيَ فوقَ هديه.
ولو لم يكنْ فيه إلا سرورُ النبي صلى الله عليه وسلم يوم المباهاة بأمَّتِهِ.
ولو لم يكن فيه إلا أنه بِصَدَدِ أنه لا ينقطعُ عملُهُ بموته.
ولو لم يكُنْ فيه إلّا أنه يخرجُ من صُلْبه من يشهدُ للهِ بالوحدانية ولرسوله بالرسالة.
ولو لم يكن فيه إلا غضُّ بصره، وإحصانُ فرجه عن التفاتِهِ إلى ما حرَّم اللهُ.
ولو لم يكن فيه إلا تحصينُ امرأةِ يُعِفُّها اللهُ به، ويُثيبُه على قضاء وَطَرِه ووَطَرِها، فهو في لَذاتِه وصحائفُ حسناته تتزايَدُ.
ولو لم يكنْ فيه إلا ما يُثابُ عليه من نفقته على امرأته وكسوتها ومسكنها ورفع اللُّقمة إلى فيها.
ولو لم يكن فيه إلا تكثيرُ الإسلام وأهله وغيظُ أعداء الإسلام.
ولو لم يكنْ فيه إلا ما يترتَّب عليه من العبادات التي لا تحصل للمُتخَلِّي للنوافل.
ولو لم يكن فيه إلا تعديلُ قوته الشَّهوانية الصَّارفة له عن تعلُّق قلبه بما هو أنفع له في دينه ودنياه، فإن تعلُّقَ القلب بالشَّهوة ومجاهدته عليها تصدُّه عن تعلّقِه
(1)
بما هو أنفعُ له، فإن الهمَّة متى انصرفت إلى شيءٍ انصرفتْ عن غيره.
ولو لم يكن فيه إلا تعرضه لبناتٍ إذا صَبَر عليهن وأحسنَ إليهنَّ كُنَّ له سِترًا من النار.
ولو لم يكن فيه إلا أنه إذا قدَّم له فرَطين لم يبلغا الحِنْثَ أدخلَه الله يهما الجنَّةَ.
ولو لم يكن فيه إلا استجلابُه عونَ الله له فإن (ظ / 188 أ) في الحديث المرفوع: "ثَلاثَةٌ حَقٌّ علَى اللهِ عَوْنُهُمْ: النَّاكحُ يُريدُ العَفَافَ. وَالمُكَاتِبُ يُرِيد الأَدَاءَ، وَالمُجَاهِدُ"
(2)
.
فائدة
اسْتُدِل (ق/ 269 أ) على وجوب الجماعة: بأن الجَمع بين الصَّلاتين شُرع في المطر لأجلْ تحصيل الجماعة، مع أن إحدى الصلاتين قد وقعتْ خارج الوقت، والوقت واجبٌ، فلو لم تكنِ الجماعةُ واجبة لما تُرِك لها الوقت الواجب.
(1)
(ق): "تعلق قلبه".
(2)
أخرجه أحمد (12/ 379) رقم 7416)، والترمذي رقم (1655) وابن ماجه رقم (2518)، والنسائي:(6/ 61) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
والحديث صححه ابن حبان "الإحسان": (9/ 339)، والحاكم:(2/ 160)، وحسنه الترمذي والبغوي.
اعْتُرِض على ذلك: بأن الواجبَ قد يسقط لغير الواجب، بل لغير المستحَبِّ، فإن شطر الصلاة يسقطُ لسفر الفُرْجة والحجارة، ويسقط غسلُ الرجلين لأجل لبس الخُفِّ، وغايتُهُ أن يكون مباحًا.
وهذا الاعتراضُ فاسدٌ؛ فإن فرض المسافر ركعتين، فلم يسقطِ الواجبُ لغيرِ الواجب، وأيضًا فإنه لا محذورَ في سقوط الواجب لأجل المباح، وليس الكلامُ في ذلك، وإنما المستحيلُ أن يُراعى في العبادة أمرٌ مستحبٌّ يتضمَّن فواتَ الواجب، فهذا هو الذي لا عهدَ لنا في الشريعة بمثله ألبتةَ، وبذلك خرج الجواب عن سقوط غسل الرجلين لأجل الخُفِّ.
واسْتُدِلَّ على وجوبها: بأن الله تعالى أمَرَ بها في صلاة الخوف التي هي محل التخفيف، وسقوط ما لا يسقطُ في غيرها، واحتمالُ ما لا يحتمل في غيرها، فما الظن بصلاة الآمنِ المقيم؟!
فاعْتُرِض على ذلك: بأن المقصودَ الاجتماعُ في صلاة الخوف، فقصد اجتماع المسلمين وإظهار طاعتهم وتعظيم شعار
(1)
دينهم، ولاسيما حيث كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فكان المقصودُ أن يظهروا للعدوِّ طاعةَ المسلمين له، وتعظيمهم لشأنه، حتى إنهم في حال الخوف الذي لا يبقى أحد مع أحد يتَّبعونه ولا يتفرَّقون عنه ولا يفارقونه بحالٍ، وهذا كما جرى لهم في عُمْرة القضاء معه حتى قال عرْوَةُ بن مسعود: لقد وفَدْتُ على الملوك -كسرى وقيصر- فلم أرَ ملِكًا يعظِّمُهُ أصحابُة ما يُعَظِّمُ محمدًا أصحابُهُ
(2)
.
(1)
(ع): "شعائر".
(2)
أخرجه البخاري رقم (1694) من حديث المِسوَر رضي الله عنه في قصة الحديبية.
والذي يدلُّ على هذا: أنا رأينا الجماعةَ تَسْقطُ عند المطر الذي يبلُّ النعال، فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي:"ألا صَلّوا في رِحَالِكُمْ"
(1)
، والجمعةُ تسقطُ بخشية فوات
(2)
الخبز الذي في التَّنُور، مع كون الجماعة شرطًا فيها، وتسقطُ: خشية مصادفة غريمٍ يؤذيه. ومعلومٌ أن عذرَ الحرب ومواقَفَةَ
(3)
الكفار أعظمُ من هذا كله، ومع هذا فأقيم شعارُها في تلك الحال، فدلَّ على أن المقصود ما ذكرنا.
قلت: ونحن لا ننكِرُ أن هذا مقصودٌ أيضًا مضمومٌ إلى مقصود الجماعة، فلا منافاةَ بينه وبين وجوبِ الجَماعة، بل إذا كان هذا أمرًا مطلوبًا فهو من أدلِّ الدلائل على وجوب الجماعة في (ق/269 ب) تلك الحال، ومع أن هذا مقصود أيضًا في اجتماع المسلمين في الصلاة وراءَ إمامهم، وأسباب العبادات التي شرعت لأجلها لا يشرَطُ دوامُها في ثبوت تلك العبادات، بل تلك العباداتُ تستقرُّ وتدومُ، وإن زالت أسباب مشروعيَّتها. وهذا كالرَّمَل في الطَّواف والسَّعي بين الصَّفا والمروة.
ونظير هذا اعتراضهم على أحاديث الأمر بفسخ الحجِّ إلى العمرة، بأن المقصودَ بها الإعلام بجواز العُمرة في أشهر الحجِّ مخالفة للكفار. فقيل لهمك وهذا من أدلِّ الدلائل على استحبابه ودوام مشروعيته، فإن ما شُرِع من المناسك قصدًا لمخالفة الكفار فإنه دائمُ المشروعيَّة إلى يوم القيامة. كالوقوف: بعَرفة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم خالَفَهُم ووقف بها وكانوا
(1)
أخرجه البخاري رقم (632)، ومسلم رقم (697) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(2)
(ع): "بفوات".
(3)
(ع): "ومواقفته".