الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: ليس في هذا -ولله الحمد- ردٌّ لهذا المذهب ولا إبطال له، فإن دخولَ (ظ / 157 ب) التاء هاهنا يتضمَّنُ فائدةً لا تحصلُ بدونها فتعيَّنَ الإتيانُ بها، وهي: أن المراد بالمرضعة فاعِلَةُ الرَّضَاع، فالمرادُ الفعل لا مجرد الوصف، ولو أُرِيْدَ الوصفُ المجرَّد بكونها من أهل الإرضاع لقيل:"مُرْضِعٌ" كحَائِض وطَامِث.
ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يَقْبلُ الله صَلاةَ حَائِضٍ إلاّ بِخِمَارٍ"
(1)
فإن المرادَ به الموصوفة بكونها من أهل الحَيْض لا من يجري دمُها، فالحائضُ والمُرْضِعُ وَصْف عامّ، يقالُ
(2)
على من لها ذلك وصفًا، وإن لم يكنْ قائِمٌا بها، ويقال على مَنْ قام بها الفعلُ، فأُدْخِلت التاءُ هاهنا إيذانًا بأن المُرَادَ: مَنْ تفعل الرَّضَاع، فإنها تذهلُ عمَّا تُرْضِعُهُ لشدَّة قوله زلزلة الساعة، وأكَّدَ هذا المعنى بقوله:{عَمَّا أَرْضَعَتْ} فعُلِم أن المُرادَ: المُرضِعَةُ التي تُرْضِعُ بالفعل لا بالقوَّة والتَّهَيُّؤ، وترجيح هذا المذهب له موضع غير هذا.
فصل
المسلك الخامس:
أن هذا من باب اكتساب المضاف حكم المضاف إليه، إذا كان صالحًا للحذف والاستغناء عنه بالثاني، كقول الشاعر
(3)
:
لمَّا أتى خَبَر الزُّبَيْرِ تواضَعَتْ
…
سُورُ المَدِينَةِ والجَبِالُ الخُشَّعُ
(1)
أخرجه أحمد: (6/ 150)، وأبو داود رقم (641)، والترمذي رقم (377)، وابن ماجه رقم (655)، وابن حبان "الإحسان":(4/ 612)، والحاكم:(1/ 251).
والحديث حسَّنه الترمذي، وصححه ابن خزيمة وابن حبان، والحاكم على شرط مسلم. وأعله الدارقطني بالوقف. انظر:"نصب الراية": (1/ 295).
(2)
(ق وظ): "فقال".
(3)
البيت لجرير "ديوانه"(ص / 270).
وقال الآخر
(1)
:
مَشَيْنَ كما اهْتَزَّتْ رِمَاحٌ تَسَفَّهَتْ
…
أَعَالِيَها مَرُّ الرِّيَاحِ النَّوَاسِمِ
وقال الآخر:
بَغْيُ النُّفُوسِ مُعِيدَةٌ نَعْمَاءَهَا
…
نِقَمًا، وإنْ عَمِهَتْ، وطالَ غُرُورُها
فأنَّثَ الأوَّلُ: "السُّورَ" المضاف إلى المدينة، والثاني:"المَرَّ" المُضَافَ إلى الرِّياح، (ق/216 أ) والثالثُ:"البَغْيَ" المُضاف إلى النفوس، لتأنيث المُضاف إليه مع أن التذكير أصلٌ والتأنيث فرع، فحُمِل الأصل على الفرع، فَلأَنْ يجوزَ تذكيرُ المؤنث لإضافته إلى غير مؤنث أولى؛ لأنه حَمْل للفرعِ
(2)
على الأصل.
ومنْ الأول أيضًا قول الشاعر
(3)
:
وتَشْرَقُ بالأَمْرِ الذي قد أَذَعْتَهُ
…
كما شَرِقَتْ صَدْرُ القَنَاةِ منَ الدَّمِ
فأنث "الصَّدْرَ" لإضافته إلى القناة.
وأنشدني بعضُ أصحابنا لأبي محمد بن حزم، في هذا المعنى بإسناد لا يحضرُني:
تجنَّب صديقًا مثل ما، واحذرِ لذي
…
تراه كعَمْرو بين عُرْبِ وأعجمِ
فإن صديقَ السَّوْءِ يُرْدِي وشاهدي
…
كما شَرِقَتْ صدْرُ القناةِ من الدَّمِ
(1)
البيت لذي الرمة "ديوانه": (2/ 754)، والرواية فيه:
*رويدًا كما اهتزت ..... *
(2)
(ع وظ): "حَمَل الفرعَ".
(3)
البيت للأعشى "ديوانه": (ص/183).