الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُبحْ قطُّ تحريمَ الحلال، والتحريم ليس إلى العبد، إنما إليه الأسباب، والتحليل والتحريم يتبعُها فهو كالعِتْقِ سوَاء. وقد قال تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1]، ثم فرض تحلَّةَ اليمين في تحريم الحلال، وقد طلقَ صلى الله عليه وسلم حفصة
(1)
، ولم يكنْ ذلك تحريمًا لها، ولو كان الطلاق تحريمًا لشُرعَتْ فيه الكفارة كما شرِعَتْ في تحريم الحلال، وكما شرِعَتْ في الظِّهَار الذي هو تحريمٌ.
فإن قيل: فما تقولونَ إذا قال لنسائه: "إحداكُنَّ عَلَيَّ حرامٌ"، فإن هذا تحريم للمشترك فينبغي أن يعمَّ؟.
قيل: هذا السؤال (ق/302 ب) غيرُ مسموع منكم، فإن التحريم عندَكم طلاق، فهو كقوله: إحداكنَّ طالق، وأما من يجعله تحريمًا تُزيله الكفارةُ كالظهار كقول أحمد ومن وافقه، فعندَهم لا يعمُّ، لأنه مطلق في إثبات، فهو كقوله:"حَرُمَتْ واحِدَة منكُنَّ"، بخلاف ما إذا ورد المطْلَقُ في نفيٍ، كقوله:"واللهِ لا قَربْتُ واحدة منكنَّ"، أو في نهي كقوله:"لا تَقْرَبْ واحِدَة منهنَّ" فإنه يعم.
فائدة
ارتفاع الواقع شرعًا مُحال
، أي: ارتفاعُه في الزَّمن الماضي، وأما تقديرُ ارتفاعه مع وجوده ممكن، وله أمثلة:
أحدها: أنّ من يقول: الفسخُ رفعٌ للعقد من أصله، فيستتبع الولدَ والثمرَةَ والكسبَ، نقول: يقَدَّر ارتفاعُه من أصله واقعًا لا أنا
(1)
أخرجه أبو داود رقم (2283)، والنسائي:(6/ 213)، وابن ماجه رقم (2016) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
نقولُ برفعِه من أصله.
الثاني: إذا قال لامرأته: "إن قدِمَ زيدٌ آخرَ الشهر فأنتْ طالقٌ أوَّلَهُ"، وقلنا: تطلق من أوَّل الشهر بقدومه آخرَه، فإنا نقدر ارتفاع تلك الإباحةِ قبلَ قدومِهِ، لا أنا نرفعها ونجعلُ الوطءَ حرامًا، بل نقدْر أن تلك الإباحةَ في حكم العَدَم تنزيلًا للموجود منزلةَ المعدوم.
وثالثها: أنا ننزلُ المجهولَ كالمعدوم في بابْ اللُّقَطَة، فينتقل المُلكُ بعد الحول إلى الملتقِطِ مع بقاء المالك، تنزيلًا له منزلةَ المعدوم.
ورابعها: أنَّا في المفقود نزَّلنا الزَّوْجَ الذي فُقِدَ منزلَةَ المعدومِ، فأبحنا لامرأته أن تعتَدَّ وتتزوَّجَ، كما قضى فيه الصحابةُ.
وخامسها: أن مَنْ مات ولا يُعرَف له قرابة كان ماله لبيت المال، تنزيلًا للمجهول منزلةَ المعدوم، ولا نقولُ: نوقفه حتى يتبين له قرابةٌ، وكذلك لو علمنا له وارثًا وأحدًا وشككنا في غيرِهِ، دَفَعْنا إلى المعلوم ميراثهُ ولم نوقِفهُ إلا إن تُيُقِّن أنه كان له وارث وشككنا في عَدَمِهِ، فإنه ينبني على تقدير وجوده لأنه الأصل.
وعكس هذا تنزيلُ المعدوم منزِلةَ الموجود تقديرًا لا تحقيقًا، وله أمثلة:
أحدها: أن المقتولَ خطأ تورثُ عنه دِيَتُهُ المستحقة بعد موته، تنزيلًا لحياته المعدومة وقتَ ثُبوت الدِّيَة منزلةَ الحياة الموجودة ليثبت له المُلْكُ.
ثانيها: لو أعْتَق عبده عن غيره، فإنا نقدرُ المُلْكَ المعدوم للمعتَق عنه منزلةَ الموجود الثابت له ليقعَ العتقُ عنه.
ثالثها: الأجزاءُ التي لم تخلقْ بعدُ في بيع الثمار بعد بُدُو صلاحها، فإنها تنزلُ منزلةَ الموجود، حتى يكونَ موردًا للعقد.
ورابعها: المنافع المعدومة في الإجارة، فإنها تنزلُ منزلةَ الموجود
(1)
، ونظائرُ القاعدتين كثيرة.
فائدة
(2)
القياس وأصول الشرع (ق / 303 أ) يقتضي أنه لا يصِحُّ رفضُ شيء من الأعمال بعد الفَراغ منه، وأن نِية رفضِه وإبطاله لا تؤثِّرُ شيئًا، فإن الشارع لم يجعلْ ذلك إليه، ولو صحَّ ذلك لتمكَّن المكلَّفُ من إسقاط جميع أعماله الحسنة والقبيحة في الزمن الماضي، فيقصدُ إبطال ما مضى من حَجِّه وجهاده وهجرته وزكاته، وسائر أعماله الحسنة والقبيحة، فيقصدُ إبطالَ زناه وسرقته، وشربه وقتله، ورباه وأكله أموالَ اليتامى، وغير ذلك، فما بالُ الوضوء والصلاة، والصوم والحجّ دون سائر الأعمال؟.
خرج فيها الخلاف، فالمشهورُ في مذهب مالك صحة الرَّفض في الصَّلاة والصوم، وفي الحجِّ والطهارة (ظ / 212 أ) خلافٌ، وفي الطهارة خاصة وجهان لأصحابنا.
وليس في هذه المسائل نصٌّ ولا إجماع، ولا فرقٌ صحيح بينها وبين سائر الأعمال، بل المعلوم من قاعدة الشَّرْع: أن إبطالَ ما وقع من الأعمال إنما يكون بأسباب نَصَبها الله تعالى مبطلات لتلك الأعمال، كالردَّة المبطلة للإيمان، والحَدَث المبطل للوضوء، والإسلام المبطل
(1)
من قوله: "حتى يكون
…
" إلى هنا ساقط من (ع).
(2)
"الفروق": (2/ 26 - 29).