الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي غَرِيبِهِ: السَّدْلُ: إسْبَالُ الرَّجُلِ ثَوْبَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَضُمَّ جَانِبَيْهِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِنْ ضَمَّهُ فَلَيْسَ بِسَدْلٍ. وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: هُوَ أَنْ يَلْتَحِفَ بِثَوْبِهِ، وَيُدْخِلَ يَدَيْهِ مِنْ دَاخِلٍ فَيَرْكَعَ وَيَسْجُدَ، وَهُوَ كَذَلِكَ. قَالَ: وَهَذَا مُطَّرِدٌ فِي الْقَمِيصِ وَغَيْرِهِ مِنْ الثِّيَابِ. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ مَعْنَى النَّهْيِ الْحَقِيقِيِّ، وَكَرِهَهُ ابْنُ عُمَرَ وَمُجَاهِدٌ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ أَحْمَدُ: يُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ.
قَوْلُهُ: (وَأَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ) قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لِأَنَّهُ مِنْ زِيِّ الْمَجُوسِ. وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى كَرَاهَةِ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُتَلَثِّمًا كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ.
بَابُ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْحَرِيرِ وَالْمَغْصُوبِ
691-
عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَفِيهِ دِرْهَمٌ حَرَامٌ لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ عز وجل لَهُ صَلَاةً مَا دَامَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَدْخَلَ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ وَقَالَ: صُمَّتَا إنْ لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَمِعْتُهُ يَقُولُهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
692-
وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
693-
وَلِأَحْمَدَ: «مَنْ صَنَعَ أَمْرًا عَلَى غَيْرِ أَمْرِنَا فَهُوَ مَرْدُودٌ» .
694-
وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: أُهْدِيَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرُّوجُ حَرِيرٍ فَلَبِسَهُ، ثُمَّ صَلَّى فِيهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَزَعَهُ نَزْعًا عَنِيفًا شَدِيدًا كَالْكَارِهِ لَهُ، ثُمَّ قَالَ:«لَا يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتَّقِينَ» . مُتَّفَق عَلَيْهِ.
695-
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَبِسَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَبَاءً لَهُ مِنْ دِيبَاجٍ أُهْدِيَ إلَيْهِ، ثُمَّ أَوْشَكَ أَنْ نَزَعَهُ وَأَرْسَلَ بِهِ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقِيلَ: قَدْ أَوْشَكْت مَا نَزَعْته يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «نَهَانِي عَنْهُ جِبْرِيلُ» . فَجَاءَهُ عُمَرُ يَبْكِي، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَرِهْت أَمْرًا وَأَعْطَيْتَنِيهِ فَمَا لِي؟ فَقَالَ: «مَا أَعْطَيْتُك لِتَلْبَسَهُ إنَّمَا أَعْطَيْتُك تَبِيعُهُ فَبَاعَهُ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
قَوْلُهُ: (مَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ) إلى آخره. قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ
تَعَالَى: وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ: إنَّ الصَّلَاةَ فِي الثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ ثَمَنُهُ لَا تَصِحُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: تَصِحُّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النُّقُودَ تَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ.
قَوْلُهُ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» قَالَ الشَّارِحُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَوَاعِدِ الدِّينِ؛ لِأَنَّهُ يَنْدَرِجُ تَحْتَهُ مِنْ الْأَحْكَامِ مَا لَا يَأْتِي عَلَيْهِ الْحَصْرُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: يُحْتَجّ بِهِ فِي إَبْطَالِ جَمِيعِ الْعُقُودِ الْمَنْهِيَّة، وَعَدَمِ وُجُودِ ثَمَرَاتها الْمُتَرَتِّبَة عَلَيْهَا، وَأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الفَسَاد لأّنَّ الْمَنْهِيَّات كُلَّهَا ليْسَتْ مِنْ أَمْرِ الدِّين فَيَجِبُ رَدَّهَا. قَالَ الشَّارِحُ: فَالصَّلَاةُ مَثَلًا الَّتِي تُرِكَ فِيهَا مَا كَانَ يَفْعَلُهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَوْ فُعِلَ فِيهَا مَا كَانَ يَتْرُكُهُ لَيْسَتْ مِنْ أَمْرِهِ، فَتَكُونُ بَاطِلَةً بِنَفْسِ هَذَا الدَّلِيلِ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْأَمْرُ الْمَفْعُولُ أَوْ الْمَتْرُوكُ مَانِعًا بِاصْطِلَاحِ أَهْلِ الْأُصُولِ، أَوْ شَرْطًا أَوْ غَيْرَهُمَا، فَلْيَكُنْ مِنْك هَذَا عَلَى ذِكْرٍ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا الْحَدِيثُ مَعْدُودٌ مِنْ أُصُولِ الْإِسْلَامِ، وَقَاعِدَةٌ مِنْ قَوَاعِدِهِ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ: مَنْ اخْتَرَعَ مِنْ الدِّينِ مَا لَا يَشْهَدُ لَهُ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِهِ فَلَا يُلْتَفَتُ
…
إلَيْهِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا يَنْبَغِي حِفْظُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ فِي إبْطَالِ الْمُنْكَرَاتِ وَإِشَاعَةِ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ كَذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (فَرُّوجُ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ هُوَ الْقَبَا الْمُفَرَّجُ مِنْ خَلْفٍ. وَالْحَدِيثُ اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِتَحْرِيمِ الصَّلَاةِ فِي الْحَرِيرِ. وَقَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ: إنَّهَا مَكْرُوهَةٌ فَقَطْ، مُسْتَدِلِّينَ بِأَنَّ عِلَّةَ التَّحْرِيمِ الْخُيَلَاءُ، وَلَا خُيَلَاءَ فِي الصَّلَاةِ، وَهَذَا تَخْصِيصٌ لِلنَّصِّ بِحِيَالِ عِلَّةِ الْخُيَلَاءِ، وَهُوَ مِمَّا لَا يَنْبَغِي الِالْتِفَاتُ إلَيْهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ:
وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَبِسَهُ قَبْلَ تَحْرِيمِهِ إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِ أَنَّهُ لَبِسَهُ بَعْدَ التَّحْرِيمِ فِي صَلَاةٍ وَلَا غَيْرِهَا. وَيَدُلُّ عَلَى إبَاحَتِهِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ مَا رَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ:
696-
أَنَّ أُكَيْدِرَ دَوْمَةَ أَهْدَى إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جُبَّةَ سُنْدُسٍ - أَوْ دِيبَاجٍ - قَبْلَ أَنْ يَنْهَى عَنْ الْحَرِيرِ فَلَبِسَهَا فَتَعَجَّبَ النَّاسُ مِنْهَا فَقَالَ: «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْهَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
قَالَ الشَّارِحُ: وَقَدْ اخْتَلَفُوا هَلْ تُجْزِي الصَّلَاةُ فِي الْحَرِيرِ بَعْدَ تَحْرِيمِهِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: إنَّهَا تُجْزِئُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مَعَ التَّحْرِيمِ، وَعَنْ مَالِكٍ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ. انْتَهَى.