الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ:«أَلَيْسَتْ الْبَلْدَةُ» ؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ:«فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا إلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ» ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ:«اللَّهُمَّ اشْهَدْ فَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ، فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (يَوْمَ الْأَضْحَى بِمِنًى) . . وَهَذِهِ هِيَ الْخُطُبَةُ الثَّالِثَةُ بَعْدَ صَلاةِ الظُّهْرِ فَعَلَهَا لِيُعْلِمَ النَّاسَ بِهَا الْمَبِيت وَالرَّمْي فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَغَيْرَ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (فَفُتِحَتْ) بِفَتْحِ الْفَاءِ الْأُولَى وَكَسْرِ الْفَوْقِيَّةِ بَعْدَهَا أَيْ: اتَّسَعَ سَمْعُ أَسْمَاعِنَا وَقَوِيَ مِنْ قَوْلِهِمْ قَارُورَةٌ فُتُحٌ بِضَمِّ الْفَاءِ وَالتَّاءِ أَيْ: وَاسِعَةُ الرَّأْسِ قَالَ الْكِسَائِيُّ: لَيْسَ لَهَا صِمَامٌ وَلَا غِلَافٌ.
قَوْلُهُ: (فَطَفِقَ يُعَلِّمُهُمْ مَنَاسِكَهُمْ حَتَّى بَلَغَ الْجِمَارَ، فَوَضَعَ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: بِحَصَى الْخَذْفِ) قَالَ الشَّارِحُ: قَوْلُهُ: (حَتَّى بَلَغَ الْجِمَارَ) يَعْنِي: الْمَكَانَ الَّذِي تُرْمَى فِيهِ الْجِمَارُ. قَوْلُهُ: (فَوَضَعَ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَتَيْنِ) زَادَ فِي نُسْخَةٍ لِأَبِي دَاوُد فِي أُذُنَيْهِ وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيَكُونَ أَجْمَعَ لِصَوْتِهِ فِي إسْمَاعِ خُطْبَتِهِ وَعَلَى هَذَا فَفِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَتَقْدِيرُهُ فَوَضَعَ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَتَيْنِ فِي أُذُنَيْهِ حَتَّى بَلَغَ الْجِمَارَ قَوْلُهُ:(ثُمَّ قَالَ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْقَوْلِ الْقَوْلَ النَّفْسِيَّ. قَوْلُهُ: (بِحَصَى الْخَذْفِ) قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: حَصَى الْخَذْفِ صِغَارٌ مِثْلُ النَّوَى يُرْمَى بِهَا بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ.
بَابُ اكْتِفَاءِ الْقَارِنِ لِنُسُكَيْهِ بِطَوَافٍ وَاحِدٍ وَسَعْيٍ وَاحِدٍ
2635-
عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَرَنَ بَيْنَ حَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ أَجْزَأَهُ لَهُمَا طَوَافٌ وَاحِدٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ
2636-
وَفِي لَفْظٍ: «مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَجْزَأَهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ مِنْهُمَا حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ السَّعْيِ وَوُقُوفِ التَّحَلُّلِ عَلَيْهِ.
2637-
وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ
فَلْيُهِلَّ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ لَا يَحِلَّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا» . فَقَدِمْتُ وَأَنَا حَائِضٌ وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إلَيْهِ. فَقَالَ:«اُنْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي، وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ، وَدَعِي الْعُمْرَةَ» . قَالَتْ: فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا قَضَيْنَا الْحَجَّ أَرْسَلَنِي مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ إلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرْتُ، فَقَالَ:«هَذِهِ مَكَانُ عُمْرَتِكِ» . قَالَتْ: فَطَافَ الَّذِينَ كَانُوا أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ حَلُّوا، ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى لِحَجِّهِمْ، وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2638-
وَعَنْ طَاوُسٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا أَهَلَّتْ بِالْعُمْرَةِ فَقَدِمَتْ وَلَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ حِينَ حَاضَتْ فَنَسَكْتُ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا وَقَدْ أَهَلَّتْ بِالْحَجِّ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّفْرِ:«يَسَعُكِ طَوَافُكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ» . فَأَبَتْ، فَبَعَثَ بِهَا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
2639-
وَعَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا حَاضَتْ بِسَرِفٍ، فَتَطَهَّرَتْ بِعَرَفَةَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«يُجْزِي عَنْكِ طَوَافُكِ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى وُجُوبِ السَّعْيِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَبِهَذِهِ الْأَدِلَّةِ تَمَسَّكَ مَنْ قَالَ: إنَّهُ يَكْفِي الْقَارِنُ لِحَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ وَهُوَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُد. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: أَنَّهُ يَلْزَمُ الْقَارِنَ طَوَافَانِ وَسَعْيَانِ. وَأَجَابُوا عَنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ بِأَجْوِبَةٍ مُتَعَسِّفَةٍ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ:
إنْ ثَبَتَتْ الرِّوَايَةُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم طَافَ طَوَافَيْنِ فَيُحْمَلُ عَلَى طَوَافِ الْقُدُومِ وَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ. وَأَمَّا السَّعْيُ مَرَّتَيْنِ فَلَمْ يَثْبُتْ. قَالَ الشَّارِحُ: وَمِنْ جُمْلَةِ مَا يَحْتَجُّ بِهِ