الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْلُهُ: (وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ وَلَا زَعْفَرَانٌ) . قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لَيْسَ الْوَرْسُ مِنْ الطِّيبِ وَلَكِنَّهُ نَبَّهَ بِهِ عَلَى اجْتِنَابِ الطِّيبِ وَمَا يُشْبِهُهُ فِي مُلَايَمَةِ الشَّمِّ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ تَحْرِيمُ أَنْوَاعِ الطِّيبِ عَلَى الْمُحْرِمِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِيمَا يُقْصَدُ بِهِ التَّطَيُّبُ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: مَسَّهُ، تَحْرِيمُ مَا صُبِغَ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ وَلَكِنَّهُ لَا بُدَّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِلْمَصْبُوغِ رَائِحَةٌ فَإِنْ ذَهَبَتْ جَازَ لُبْسُهُ خِلَافًا لِمَالِكٍ.
قَوْلُهُ: «إِلا أَنْ لا يَجِدَ النَّعْلَيْنِ» . فِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ زِيَادَةٌ حَسَنَةٌ بِهَا يَرْتَبِطُ ذِكْر النَّعْلَيْنِ بِمَا قَبْلهمَا وَهِيَ: «وليحرم أَحَدكمْ فِي إِزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبِسْ الْخُفَّيْنِ» . وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ وَاجِدَ النَّعْلَيْنِ لا يَلْبِس الْخُفَّيْنِ الْمَقْطُوعَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُور.
قَوْلُهُ: (فَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ) . هُمَا الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ عِنْدَ مِفْصَلِ السَّاقِ وَالْقَدَمِ. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ عَلَى مَنْ لَبِسَهُمَا إذَا لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ. وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْقَطْعَ شَرْطٌ لِجَوَازِ لُبْسِ الْخُفَّيْنِ خِلَافًا لِلْمَشْهُورِ عَنْ أَحْمَدَ فَإِنَّهُ أَجَازَ لُبْسَهُمَا مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ لإِطْلَاقِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَجَابَ عَنْهُ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَاجِبٌ وَهُوَ مِنْ الْقَائِلِينَ بِهِ. وَقَدْ أَجَابَ الْحَنَابِلَةُ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا دَعْوَى النَّسْخِ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ. وَأَجَابَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَنْ هَذَا فَقَالَ: كِلَاهُمَا صَادِقٌ حَافِظٌ، وَزِيَادَةُ ابْنِ عُمَرَ لَا تُخَالِفُ ابْنَ عَبَّاسٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ عَزَبَتْ عَنْهُ أَوْ شَكَّ فِيهَا أَوْ قَالَهَا فَلَمْ يَنْقُلْهَا عَنْهُ بَعْضُ رُوَاتِهِ. وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِقِيَاسِ الْخُفِّ عَلَى السَّرَاوِيلِ فِي تَرْكِ الْقَطْعِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ مُصَادِمٌ لِلنَّصِّ فَهُوَ فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ، وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِ عَطَاءٍ: إنَّ الْقَطْعَ فَسَادٌ، وَاَللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْفَسَادَ إنَّمَا يَكُونُ
فِيمَا نَهَى عَنْهُ الشَّارِعُ لَا فِيمَا أَذِنَ فِيهِ بَلْ أَوْجَبَهُ. وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ مُطْلَقٍ وَمُقَيَّدٍ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَالْجَمْعُ مَا أَمْكَنَ هُوَ الْوَاجِبُ. انْتَهَى مُلَخَّصًا. قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: الْأَوْلَى قَطْعُهُمَا عَمَلًا بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَخُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ.
بَابُ مَا يَصْنَعُ مَنْ أَحْرَمَ فِي قَمِيصٍ
2443-
عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَاءَهُ رَجُلٌ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ؟
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ فِي جُبَّةٍ بَعْدَ مَا تَضَمَّخَ بِطِيبٍ؟ فَنَظَرَ إلَيْهِ سَاعَةً فَجَاءَهُ الْوَحْيُ ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، فَقَالَ:«أَيْنَ الَّذِي سَأَلَنِي عَنْ الْعُمْرَةِ آنِفًا» . فَالْتُمِسَ الرَّجُلُ فَجِيءَ بِهِ، فَقَالَ: «أَمَّا الطِّيبُ الَّذِي بِكَ فَاغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَأَمَّا الْجُبَّةُ فَانْزِعْهَا ثُمَّ اصْنَعْ فِي الْعُمْرَةِ كُلَّ مَا تَصْنَعُ فِي
…
حَجِّكَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2444-
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمْ: وَهُوَ مُتَضَمِّخٌ بِالْخَلُوقِ.
2445-
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد: فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اخْلَعْ جُبَّتَكَ فَخَلَعَهَا مِنْ رَأْسِهِ» .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «ثُمَّ اصْنَعْ فِي الْعُمْرَةِ كُلَّ مَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ» . فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْرِفُونَ أَعْمَالَ الْحَجِّ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: كَأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَخْلَعُونَ الثِّيَابَ وَيَجْتَنِبُونَ الطِّيبَ فِي الْإِحْرَامِ إذَا حَجُّوا وَكَانُوا يَتَسَاهَلُونَ فِي ذَلِكَ فِي الْعُمْرَةِ فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ مَجْرَاهُمَا وَاحِدٌ. وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ الْبَابِ عَلَى مَنْعِ اسْتِدَامَةِ الطِّيبِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ لِلْأَمْرِ بِغَسْلِ أَثَرِهِ مِنْ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْهُ بِأَنَّ قِصَّةَ يَعْلَى كَانَتْ بِالْجِعْرَانَةِ وَهِيَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ بِلَا خِلَافٍ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا طَيَّبَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهَا عِنْدَ إحْرَامِهِمَا وَكَانَ ذَلِكَ
فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهِيَ سَنَةَ عَشْرٍ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْأَمْرِ الْآخِرِ فَالْآخِرِ وَبِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِغَسْلِهِ فِي قِصَّةِ يَعْلَى إنَّمَا هُوَ الْخَلُوقُ لَا مُطْلَقُ الطِّيبِ فَلَعَلَّ عِلَّةَ الْأَمْرِ فِيهِ مَا خَالَطَهُ مِنْ الزَّعْفَرَانِ. وَقَدْ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ تَزَعْفُرِ الرَّجُلِ مُطْلَقًا مُحْرِمًا وَغَيْرَ مُحْرِمٍ. وَاسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ مَنْ أَصَابَ طِيبًا فِي إحْرَامِهِ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا ثُمَّ عَلِمَ فَبَادَرَ إلَى إزَالَتِهِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَظَاهِرُهُ أَنَّ اللُّبْسَ جَهْلًا لَا يُوجِبُ الْفِدْيَةَ وَقَدْ احْتَجَّ مَنْ مَنَعَ مِنْ اسْتِدَامَةِ الطِّيبِ وَإِنَّمَا وَجْهُهُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِغَسْلِهِ لِكَرَاهَةِ التَّزَعْفُرِ لِلرَّجُلِ لَا لِكَوْنِهِ مُحْرِمًا مُتَطَيِّبًا.