الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْلُهَا: (إنَّهَا لآخِرُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأ بِهَا فِي الْمَغْرِبِ) . قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَى مَنْ قَالَ: التَّطْوِيلُ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ مَنْسُوخٌ.
قَوْلُهُ: «فَلَوْلَا صَلَّيْتَ بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى» . قَالَ الشَّارِحُ: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْقِرَاءَةِ فِي الْعِشَاءِ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ كَمَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ الْعُلَمَاءِ. وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّخْفِيفِ لِلْإِمَامِ لِمَا بَيَّنَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ حَدِيثِ مُعَاذٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ بِلَفْظِ: «فَإِنَّ فِيهِمْ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالْكَبِيرَ» . وَفِي لَفْظٍ لَهُ: «فَإِنَّ خَلْفَهُ الضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ» . قَالَ أَبُو عُمَرَ: التَّخْفِيفُ لِكُلِّ إمَامٍ أَمْرٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ أَقَلُّ الْكَمَالِ وَأَمَّا الْحَذْفُ وَالنُّقْصَانُ فَلَا لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ نَهَى عَنْ نَقْرِ الْغُرَابِ وَرَأَى رَجُلًا
يُصَلِّي وَلَمْ يُتِمَّ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ فَقَالَ لَهُ: «ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» . وَقَالَ: «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عز وجل إلَى مَنْ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ» . وَقَالَ أَنَسٌ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَفَّ النَّاسِ صَلَاةً فِي تَمَامٍ. انْتَهَى.
بَابُ الْحُجَّةِ فِي الصَّلَاةِ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيُّ
وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ أَثْنَى عَلَى قِرَاءَتِهِ
929-
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «خُذُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ، مِنْ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ - فَبَدَأَ بِهِ - وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
930-
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
931-
وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأُبِيٍّ: «إنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} » .
932-
وَفِي رِوَايَةٍ: «أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ» . قَالَ: وَسَمَّانِي لَكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ» . فَبَكَى. مُتَّفَق عَلَيْهِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ» هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ لَمْ يَحْفَظْ الْقُرْآنَ جَمِيعًا فِي عَصْرِهِ صلى الله عليه وسلم إلَّا هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ. وَالْمُصَنِّفُ رحمه الله عَقَدَ هَذَا الْبَابَ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ يَقُولُ: إنَّهَا لَا تُجْزِئُ فِي الصَّلَاةِ إلَّا قِرَاءَةُ السَّبْعَةِ الْقُرَّاءِ الْمَشْهُورِينَ. انْتَهَى.
قَالَ فِي الاخْتِيَارَات: وَمَا خَالَفَ الْمُصْحَف وَصَحَّ سَنَدَهُ صَحَّتِ الصَّلاةُ بِهِ، وَهَذَا أَنَصُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدٍ، وَمُصْحَفُ عُثْمَانٍ أَحَد الْحُرُوفِ السَّبْعَةِ. وَقَالَهُ عَامَّةُ السَّلَفِ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ. انْتَهَى.
قَوْلُهُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأُبِيٍّ: «إنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} » قَالَ الشَّارِحُ: فِيهِ اسْتِحْبَابُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى الْحُذَّاقِ فِيهِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ وَالْفَضْلِ، وَإِنْ كَانَ الْقَارِئُ أَفْضَلَ مِنْ الْمَقْرُوءِ عَلَيْهِ وَفِيهِ مَنْقَبَةٌ شَرِيفَةٌ لِأُبِيٍّ بِقِرَاءَتِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ وَلَمْ يُشَارِكْهُ فِيهَا أَحَدٌ لَاسِيَّمَا مَعَ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى لِاسْمِهِ وَنَصْهِ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَنْزِلَةِ الرَّفِيعَةِ.
قَوْلُهُ: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} وَجْهُ تَخْصِيصِ هَذِهِ السُّورَةِ أَنَّهَا وَجِيزَةٌ جَامِعَةٌ لِقَوَاعِدَ كَثِيرَةٍ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ وَمُهِمَّاتِهِ وَالْإِخْلَاصِ وَتَطْهِيرِ الْقُلُوبِ وَكَانَ الْوَقْتُ يَقْتَضِي الِاخْتِصَارَ.
قَوْلُهُ: (وَسَمَّانِي لَكَ) فِيهِ جَوَازُ الِاسْتِثْبَاتِ فِي الِاحْتِمَالَاتِ وَسَبَبُهُ هَا هُنَا أَنَّهُ جَوَّزَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى أَمَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِهِ وَلَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (فَبَكَى) فِيهِ جَوَازُ الْبُكَاءِ لِلسُّرُورِ وَالْفَرَحِ بِمَا يُبَشَّرُ الْإِنْسَانُ وَيُعْطَاهُ مِنْ مَعَالِي الْأُمُورِ. وَاخْتَلَفُوا فِي وَجْهِ الْحِكْمَةِ فِي قِرَاءَتِهِ عَلَى أُبَيٍّ فَقِيلَ: سَبَبُهَا أَنْ يَسُنَّ لِأُمَّتِهِ بِذَلِكَ الْقِرَاءَةُ عَلَى أَهْلِ الْإِتْقَانِ وَالْفَضْلِ وَيَتَعَلَّمُوا آدَابَ الْقِرَاءَةِ وَلَا يَأْنَفُ أَحَدٌ مِنْ ذَلِكَ. وَقِيلَ التَّنْبِيهُ عَلَى جَلَالَةِ أُبَيٍّ وَأَهْلِيَّتِهِ لِأَخْذِ الْقُرْآنِ عَنْهُ، وَلِذَلِكَ كَانَ يَعُدُّهُ صلى الله عليه وسلم رَأْسًا وَإِمَامًا فِي إقْرَاءِ الْقُرْآنِ وَهُوَ أَجَلُّ نَاشِرِيهِ أَوْ مِنْ أَجَلِّهِمْ.