الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَا بَأْسَ أَنْ يَزِيدَ فِيهَا مِنْ الذِّكْرِ لِلَّهِ تَعَالَى مَا أَحَبَّ. وَخَالَفَهُمْ آخَرُونَ فَقَالُوا: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ عَلَى مَا عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ، وَبِجَوَازِ الزِّيَادَةِ قَالَ الْجُمْهُورُ.
قَوْلُهُ: (أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْإِهْلَالِ وَالتَّلْبِيَةِ) . قَالَ الشَّارِحُ: اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ رَفْعِ الصَّوْتِ لِلرَّجُلِ بِالتَّلْبِيَةِ بِحَيْثُ لَا يَضُرُّ نَفْسَهُ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ) . فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّلْبِيَةَ تَسْتَمِرُّ إلَى رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ. وَرَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ عَنْ الْفَضْلِ قَالَ: أَفَضْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ عَرَفَاتٍ فَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَيُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ مَعَ آخِرِ حَصَاةٍ. قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
قَوْلُهُ: (كَانَ يُمْسِكُ عَنْ التَّلْبِيَةِ فِي الْعُمْرَةِ إذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ) . قَالَ الشَّارِحُ: قَوْلُهُ: (حَتَّى يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ) . ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُلَبِّي فِي حَالِ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ وَبَعْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ وَفِي حَالِ مَشْيِهِ حَتَّى يَشْرَعَ فِي الِاسْتِلَامِ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْأَوْقَاتُ الَّتِي فِيهَا دُعَاءٌ مُخَصَّصٌ. وَقَدْ ذَهَبَ إلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ مِنْ تَرْكِ التَّلْبِيَةِ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الِاسْتِلَامِ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ، وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ: يُلَبِّي وَلَكِنَّهُ يَخْفِضُ صَوْتَهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَحْمَدَ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْمُقْنِعِ: وَمَنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا قَطَعَ التَّلْبِيَةَ إِذَا وَصَلَ الْبَيْتَ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي فَسْخِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ
2415-
عَنْ جَابِرٍ قَالَ: أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ أَمَرَنَا أَنْ نَحِلَّ وَنَجْعَلَهَا عُمْرَةً، فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَيْنَا وَضَاقَتْ بِهِ صُدُورُنَا، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَحِلُّوا فَلَوْلَا الْهَدْيُ مَعِي فَعَلْتُ كَمَا فَعَلْتُمْ، قَالَ: فَأَحْلَلْنَا حَتَّى وَطِئْنَا النِّسَاءَ وَفَعَلْنَا كَمَا يَفْعَلُ الْحَلَالُ حَتَّى إذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَجَعَلْنَا مَكَّةَ بِظَهْرٍ أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2416-
وَفِي رِوَايَةٍ: أَهْلَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْحَجِّ خَالِصًا لَا يُخَالِطُهُ
شَيْءٌ، فَقَدِمْنَا مَكَّةَ لِأَرْبَعِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، فَطُفْنَا وَسَعَيْنَا، ثُمَّ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَحِلَّ وَقَالَ:«لَوْلَا هَدْيٌ لَحَلَلْتُ» . ثُمَّ قَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ مُتْعَتَنَا هَذِهِ لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «بَلْ هِيَ لِلْأَبَدِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد.
2417-
وَلِمُسْلِمٍ مَعْنَاهُ.
2418-
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَصْرُخُ بِالْحَجِّ صُرَاخًا؛ فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ أَمَرَنَا أَنْ نَجْعَلَهَا عُمْرَةً إلَّا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ؛ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَرُحْنَا إلَى مِنَى أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
2419-
وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما قَالَتْ: خَرَجْنَا مُحْرِمِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُقِمْ عَلَى إحْرَامِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحْلِلْ، فَلَمْ يَكُنْ مَعِي هَدْيٌ فَحَلَلْتُ، وَكَانَ مَعَ الزُّبَيْرِ هَدْيٌ فَلَمْ يَحْلِلْ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ.
2420-
وَلِمُسْلِمٍ فِي رِوَايَةٍ: قَدِمْنَا مَعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ.
2421-
وَعَنْ الأَسْوَدْ عَنْ عَائِشَةَ قَالَت: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَلا نَرَى إِلا أَنَّهُ الْحِجَّ فَلَمَّا قَدِمْنَا تَطَوَّفْنَا بِالْبَيْتِ وَأَمَرَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ يَحِلَّ فَحَلَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ وَنِسَاؤُهُ لَمْ يَسِقْنَ فَأَحْلَلْنَ. قَالَتْ عَائِشَةَ: فَحِضتُ فَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَذَكَرَتْ قِصَّتُهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2422-
عَنْ ابن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ: كَانُوا يَرَوْنَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهَر الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرَ الْفُجُورَ فِي الأَرْضِ وَيَجْعَلُونَ الْمحرم صَفَرْ وَيَقُوولُونَ: إِذَا بَرَأَ الدبر وَعَفَا الأَثْرَ وَانْسَلَخَ صَفَرْ حلت الْعُمْرَةَ لِمَنْ اعْتَمَرَ فَقَدِمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةَ مُهلِّينَ بِالْحَجِّ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةَ فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ الْحِلِّ؟ قَالَ: «الْحِلُّ كُلَّهْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2423-
وَعَنْهُ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «هَذِهِ عُمْرَة اسْتَمْتَعْنَا بِهَا فَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ هَدْي فَلْيُحْلِل الْحِلَّ كُلَّه فَإِنَّ الْعُمْرَةْ قَدْ
دَخَلَتْ فِي الْحِجَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةْ» . رَوَأهُ أَحْمَد وَمُسْلِمْ وَأَبُو دَاوُد والنِّسَائِي.
2424-
وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مُتْعَة الْحِجِّ فَقَال: أَهَلَّ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ وَأَزْوَاجُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي حِجَّةِ الْوَدَاع وأَهْلَلْنَا فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «اجْعَلُوا إِهْلالَكُمْ بِالْحِجِّ عُمْرَةْ إِلا مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ» . فَطُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةْ وأَتَيْنَا النِّسَاءَ وَلَبِسْنَا الثِّيَاب، وَقَالَ:«مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ فَإِنَّهُ لا يَحِلُّ لَهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيَ مَحِلَّهُ» . ثُمَّ أَمَرَنَا عَشِيَّةَ التَّرْوِيَةَ أَنْ نُهِلَّ بِالْحَجِّ وَإِذَا فَرَغْنَا مِنَ الْمَنَاسِكَ جِئْنَا فَطُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةَ فَقَدْ تَمَّ حِجَّنَا وَعَلَيْنَا الْهَدْيَ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} إِلَى أَمْصَارِكُمْ. رَوَاهُ الْبُخَارِي.
2425-
وَعَنْ أَنَس أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَاتَ بِذِي الْحَلِيفَة حَتَّى أَصْبَحَ ثُمَّ أَهَلَّ بِحِجٍّ وَعُمْرَةْ وَأَهَلَّ النَّاس بِهِمَا. فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَر النَّاسُ فَحَلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمَ التَّرْوِِيَةِ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ قَالَ: وَنَحَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَبْع بدنات بِيَدِه قِيَامًا وَذَبَحَ بِالْمَدِينَة كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ. رَوَاهُ أَحْمَد وَالْبُخَارِي وأَبُو دَاوُد.
2426-
وَعَنْ ابن عُمَر قَالَ: مَنْ قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ وَأَصْحَابَهُ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ شَاءَ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةَ إِلا مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيَ» . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ أَيَرُوحُ أَحَدُنَا إِلَى مِنَى وَذكره يَقْطُرُ مَنِيًّا؟ قَالَ: «نَعَمْ» . وَسَطَعَتْ الْمَجَامِر. رَوَاهُ أَحْمَد.
2427-
وَعَنْ الرَّبِيع بن سُبْرَةْ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إِذَا كَانَ بَعَسْفَان قَالَ لَهُ سُرَاقَةَ بن مَالِك الْمدلجي: يَا رَسُولَ اللهِ اقْضِ لَنَا قَضَاءَ قَوْمٍ كَأَنَّمَا وُلِدُوا الْيَوْمَ. فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ عز وجل قَدْ أَدْخَلَ عَلَيْكُمْ فِي حِجِّكُمْ عُمْرَةً فَإِذَا قَدمْتُمْ فَمَنْ تَطَوَّفَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ فَقَدَّ حَلَّ إِلا مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاودُ.
2428-
وَعَنْ الْبَرَاء بن عَازِب قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه قَالَ: فَأَحْرَمَنَا بِالْحَجِّ فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ: «اجْعَلُوا حِجَّكُمْ عُمْرَة» . قَالَ: فَقَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ أَحْرَمْنَا بِالْحَجِّ كَيْفَ نَجْعَلُهَا عُمْرَةْ؟ قَالَ:
«انْظُرُوا مَا آمُرُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا» . فَرَدُّوا عَلَيْهِ الْقَوْلَ فَغَضَبَ ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ وَهُوَ غَضْبَان فَرَأَتْ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ فَقَالَتْ: مَنْ أَغْضَبَكَ أَغْضَبَهُ اللهِ؟ فَقَالَ: «وَمَا لِي لا أَغْضَبُ وَأَنَا آمُرُ بِالأَمْرِ فَلا أُتْبَع» ؟ . رَوَاهُ أَحْمَدَ وَابْنُ مَاجَةْ.
2429-
وَعَنْ رَبِيعَةْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَن عَن الْحَارِثْ بن بِلال عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ فسخ الْحِجِّ لَنَا خَاصَة أَمْ لِلنَّاسِ عَامة؟ قَالَ: «بَلْ لَنَا خَاصَة» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا التِّرْمِذِي وَهُوَ بِلالُ بن الْحَارِثْ الْمَزَنِي.
2430-
وَعَنْ سَلِيم بن الأَسْوَدْ أَنَّ أَبَا ذَر كَانَ يَقُولُ فِيمَنْ حَجَّ ثُمَّ فَسَخَهَا بِعُمْرَةْ: لَمْ يَكُنْ إِلا لِلرَّكْبِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
2431-
وَلِمُسْلِمْ وَالنِّسَائِي وَابنُ مَاجَةْ عَنْ إِبْرَاهِيمْ التَّيْمِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرْ قَالَ: كَانَتْ الْمُتْعَةْ فِي الْحَجِّ لأَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَاصة.
قَالَ أَحْمَدُ بن حَنْبَل: حَدِيثُ بِلال بن الْحَارِث عِنْدِي لَيْسَ يَثْبُتْ وَلا أَقُولُ بِهِ وَلا يُعْرَفُ هَذَا الرَّجُل - يَعْنِي الْحَارِثْ بن بِلال - وَقَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ عُرِفَ الْحَارِثُ بن بِلال إِلا أَنَّ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَرَوْنَ مَا يَرْوُونَ مِنْ الْفسخ أَيْنَ يَقَعْ الْحَارِثْ بن بِلال مِنْهُمْ؟ .
وَقَالَ فِي رِوَاية أَبِي دَاوُد: وَلَيْسَ يَصِحُّ حَدِيث فِي أَنَّ الْفَسْخَ كَانَ لَهُمْ خَاصَة. وَهَذَا أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِي يَفْتِي بِهِ فِي خِلافَةِ أَبِي بَكْر وَشَطْرًا مِنْ خِلافَةِ عُمَر.
قُلْتُ: وَيَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ جَابِر: «بَلْ هِيَ لِلأَبَدْ» وَحَدِيثُ أَبِي ذَرْ مَوْقُوفٌ. وَقَدْ خَالَفَهُ أَبُو مُوسَى وَابْنُ عَبَّاسِ وَغَيْرِهِمَا.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (أَرَأَيْتَ مُتْعَتَنَا هَذِهِ) أَيْ: أَخْبِرْنِي عَنْ فَسْخِنَا الْحَجَّ إلَى عُمْرَتِنَا هَذِهِ الَّتِي تَمَتَّعْنَا فِيهَا بِالْجِمَاعِ وَالطِّيبِ وَاللُّبْسِ.
قَوْلَهُ: «لِعَامِنَا هَذَا» أَيْ: مَخْصُوصَةً بِهِ لَا تَجُوزُ فِي غَيْرِهِ أَمْ لِلْأَبَدِ: أَيْ جَمِيعِ الْأَعْصَارِ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ يَجُوزُ فَسْخُ الْحَجِّ
إلَى الْعُمْرَةِ لِكُلِّ أَحَدٍ. وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ. قَالَ النَّوَوِيُّ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ: إنَّ فَسْخَ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالصَّحَابَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لَا يَجُوزُ بَعْدَهَا، قَالُوا: وَإِنَّمَا أُمِرُوا بِهِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لَيُخَالِفُوا مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ تَحْرِيمِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَحَدِيثِ الْحَارِثِ بْنِ بِلَالٍ عَنْ أَبِيهِ وَسَيَأْتِيَانِ وَيَأْتِي الْجَوَابُ عَنْهُمَا. قَالُوا: وَمَعْنَى قَوْلِهِ: «لِلْأَبَدِ» جَوَازُ الِاعْتِمَارِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ الْقِرَانِ فَهُمَا جَائِزَانِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَقَدْ عَارَضَ الْمُجَوِّزُونَ لِلْفَسْخِ مَا احْتَجَّ بِهِ الْمَانِعُونَ بِأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ عَنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ. قَالَ فِي الْهَدْيِ: وَرَوَى ذَلِكَ عَنْ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ طَوَائِفُ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، حَتَّى صَارَ مَنْقُولًا عَنْهُمْ نَقْلًا يَرْفَعُ الشَّكَّ وَيُوجِبُ الْيَقِينَ وَلَا يُمَكِّنُ أَحَدًا أَنْ يُنْكِرَهُ أَوْ يَقُولَ لَمْ يَقَعْ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَذْهَبُ حَبْرِ الْأُمَّةِ وَبَحْرِهَا ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابِهِ وَمَذْهَبُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَمَذْهَبُ إمَامِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ مَعَهُ وَمَذْهَبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيِّ قَاضِي الْبَصْرَةِ وَمَذْهَبُ أَهْلِ الظَّاهِرِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ قَاضِيَةٌ بِالنََّسْخِ، وَقَوْلُ أَبِي ذَرٍّ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ.
قَوْلُهُ: (وَذَبَحَ كَبْشَيْنِ) فِيهِ مَشْرُوعِيَّةِ الأُضْحِيَةِ وَقَدْ أَطالَ ابن الْقَيِّمِ الْكَلام عَلَى الْفَسْخْ وَرَجَّحَ وُجُوبُهُ وَبَيَّنَ بُطْلانُ مَا احْتَجَّ بِهِ الْمَانِعُونَ مِنْهُ. قَالَ الشَّارِحُ: وَإِذَا كَانَ الْمَوْقِعُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمُضِيق هُوَ إِفْرَادُ الْحَجِّ فَالْحَازِمُ الْمُتَحَرِّي ِلِدينِهِ الْوَاقِفُ عِنْدَ مُشْتَبِهَات الشَّرِيعَةُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَجْعَلَ حِجَّهُ من الابْتِدَاء تَمَتُّعًا أَوْ قَرَانًا فِرَارًًا مِمَّا هُو مَظَنَّةُ الْبَأْسِ إِلَى مَا لا بَأْسَ بِهِ فَإِنْ وَقَعَ فِي ذَلِكَ فَالسُّنَّةُ أَحَقُّ بِالاتِّبَاع وَإِذَا جَاءَ نَهْرُ اللهِ بَطَلَ نَهْرُ معقل. انْتَهَى. وَاخْتَارَ
شَيْخُ الإِسْلامِ ابن تَيْمِيَةْ وُجُوبْ الْفَسْخْ عَلَى الصَّحَابَةْ لا مُجَرَّدَ الْجَوَاز وَالاسْتِحْبَابَ فَهُوَ لِلأُمَّةَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَاللهُ أَعْلَمْ.