الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خَلْفَهُ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَجَرَّنِي حَتَّى جَعَلَنِي حِذَاءَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَف فِي صَلَاة الْمَأْمُوم خَلْف الصَّفّ وَحْده، فَقَالَتْ طَائِفَة: لَا يَجُوز وَلَا يَصِحّ. وَفَرَّقَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ فَرَأَوْا عَلَى الرَّجُل الْإِعَادَة دُون الْمَرْأَة. وَتَمَسَّكَ الْقَائِلُونَ بِالصِّحَّةِ بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ قَالُوا: لِأَنَّهُ أَتَى بِبَعْضِ الصَّلَاة خَلْف الصَّفّ وَلَمْ يَأْمُرهُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِالْإِعَادَةِ، فَيُحْمَل الْأَمْر بِالْإِعَادَةِ عَلَى جِهَة النَّدْب مُبَالَغَة فِي الْمُحَافَظَة عَلَى الْأَوْلَى وَمِنْ جُمْلَة مَا تَمَسَّكُوا بِهِ حَدِيث ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ. وَهُوَ تَمَسّك غَيْر مُفِيد لِلْمَطْلُوبِ. قِيلَ: الْأَوْلَى الْجَمْع بَيْن أَحَادِيث الْبَاب بِحَمْلِ عَدَم الْأَمْر بِالْإِعَادَةِ
عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِعُذْرٍ مَعَ خَشْيَة الْفَوْت لَوْ انْضَمَّ إلَى الصَّفّ وَأَحَادِيث الْإِعَادَة عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِغَيْرِ عُذْر. قَالَ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ: وَلَا يُعَدّ حُكْم الشُّرُوعِ فِي الرُّكُوع خَلْف الصَّفّ حُكْم الصَّلَاة كُلّهَا خَلْفه، فَهَذَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَرَى أَنَّ صَلَاة الْمُنْفَرِد خَلْف الصَّلَاة بَاطِلَة، وَيَرَى أَنَّ الرُّكُوع دُون الصَّفّ جَائِز. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
بَاب الْحَثّ عَلَى تَسْوِيَة الصُّفُوف وَرَصّهَا وَسَدّ خَلَلهَا
1479-
عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سَوُّوا صُفُوفَكُمْ، فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ» .
1480-
وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم يُقْبِلُ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ قَبْل أَنْ يُكَبِّرَ فَيَقُولُ: «تَرَاصُّوا وَاعْتَدِلُوا» . مُتَّفَق عَلَيْهِمَا.
1481-
وَعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسَوِّي صُفُوفَنَا كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهِ الْقِدَاحَ حَتَّى رَأَى أَنَّا قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ، ثُمَّ خَرَجَ يَوْمًا فَقَامَ حَتَّى كَادَ أَنْ يُكَبِّرَ فَرَأَى رَجُلًا بَادِيًا صَدْرُهُ مِنْ الصَّفِّ، فَقَالَ: عِبَادَ اللَّهِ لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَة إلَّا الْبُخَارِيَّ فَإِنَّ لَهُ مِنْهُ.
1482-
: «لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ» .
1483-
وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد فِي رِوَايَة قَالَ: فَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يُلْزِقُ كَعْبَهُ
بِكَعْبِ صَاحِبِهِ، وَرُكْبَتَهُ بِرُكْبَتِهِ، وَمَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِهِ.
1484-
وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه: «سَوُّوا صُفُوفَكُمْ، وَحَاذُوا بَيْنَ مَنَاكِبِكُمْ، وَلِينُوا فِي أَيْدِي إخْوَانِكُمْ، وَسُدُّوا الْخَلَلَ، فَإِنَّ
الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ فِيمَا بَيْنَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْحَذْفِ» . - يَعْنِي أَوْلَاد الضَّأْن الصِّغَار - رَوَاهُ أَحْمَدُ.
1485-
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:
…
«أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا» ؟ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالَ: «يُتِمُّونَ الصَّفَّ الْأَوَّلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَة إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ.
1486-
وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَتِمُّوا الصَّفَّ الْأَوَّلَ، ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ، فَإِنْ كَانَ نَقْصٌ فَلْيَكُنْ فِي الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.
1487-
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الَّذِينَ يُصَلُّونَ عَلَى مَيَامِنِ الصُّفُوفِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.
1488-
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى فِي أَصْحَابِهِ تَأَخُّرًا فَقَالَ لَهُمْ: تَقَدَّمُوا فَائْتَمُّوا بِي، وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ وَرَاءَكُمْ، لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمْ اللَّهُ عز وجل» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «سَوُّوا صُفُوفَكُمْ» فِيهِ أَنَّ تَسْوِيَة الصُّفُوف وَاجِبَة.
قَوْلُهُ: «تَرَاصُّوا» : أَيْ تَلَاصَقُوا بِغَيْرِ خَلَل، وَفِيهِ جَوَاز الْكَلَام بَيْن الْإِقَامَة وَالدُّخُول فِي الصَّلَاة.
قَوْلُهُ: «وَلِينُوا فِي أَيْدِي إخْوَانكُمْ» . أَيْ إذَا جَاءَ الْمُصَلِّي وَوَضَعَ يَده عَلَى مَنْكِب الْمُصَلِّي فَلْيَلِنْ لَهُ بِمَنْكِبِهِ، وَكَذَا إذَا أَمَرَهُ مَنْ يُسَوِّي الصُّفُوفَ بِالْإِشَارَةِ بِيَدِهِ أَنْ يَسْتَوِيَ فِي الصَّفّ أَوْ وَضَعَ يَده عَلَى مَنْكِبه فَلْيَسْتَوِ، وَكَذَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُل فِي الصَّفّ فَلْيُوسِعْ لَهُ.
قَوْلُهُ: «الْحَذْفُ» قَالَ النَّوَوِيُّ: بِحَاءٍ مُهْمَلَة وَذَال مُعْجَمَة مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ فَاء وَاحِدَتهَا حَذَفَةٌ مِثْل قَصَب وَقَصَبَة، وَهِيَ غَنَم سُود صِغَار تَكُون بِالْيَمَنِ وَالْحِجَاز.
قَوْلُهُ: «أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفّ الْمَلَائِكَة عِنْد رَبّهَا» فِيهِ الِاقْتِدَاء بِأَفْعَالِ الْمَلَائِكَة فِي صَلَاتهمْ وَتَعَبُّدَاتهمْ.
قَوْلُهُ: «أَتِمُّوا الصَّفَّ الْأَوَّل» فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ تَمَام الصَّفّ الْأَوَّل. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الصَّفّ الْأَوَّل فِي الْمَسْجِد الَّذِي فِيهِ مِنْبَر، هَلْ هُوَ الْخَارِج بَيْن يَدَيْ الْمِنْبَر، أَوْ الَّذِي هُوَ أَقْرَب إلَى الْقِبْلَة؟ فَقَالَ الْغَزَالِيّ فِي الْإِحْيَاء: إنَّ الصَّفّ الْأَوَّل هُوَ الْمُتَّصِل الَّذِي فِي فِنَاء الْمِنْبَر وَمَا عَنْ طَرَفَيْهِ مَقْطُوع. قَالَ: وَكَانَ سُفْيَانُ يَقُول: الصَّفّ الْأَوَّل هُوَ الْخَارِج بَيْن يَدَيْ الْمِنْبَر. قَالَ: وَلَا يَبْعُد أَنْ يُقَال: الْأَقْرَب إلَى الْقِبْلَة هُوَ الْأَوَّل. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْح مُسْلِمٍ: الصَّفّ الْأَوَّل الْمَمْدُوح الَّذِي وَرَدَتْ الْأَحَادِيث بِفَضْلِهِ هُوَ الصَّفّ الَّذِي يَلِي الْإِمَام سَوَاء جَاءَ صَاحِبه مُقَدَّمًا أَوْ مُؤَخَّرًا، سَوَاء تَخَلَّلَهُ مَقْصُورَةٌ أَوْ نَحْوُهَا، هَذَا هُوَ الصَّحِيح الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْمُحَقِّقُونَ. وَقَالَ طَائِفَة مِنْ الْعُلَمَاء: الصَّفّ الْأَوَّل هُوَ الْمُتَّصِل مِنْ طَرَف الْمَسْجِد إلَى طَرَفه لَا تَقْطَعهُ مَقْصُورَة وَنَحْوهَا، فَإِنْ تَخَلَّلَ الَّذِي يَلِي الْإِمَام فَلَيْسَ بِأَوَّلَ، بَلْ الْأَوَّل مَا لَمْ يَتَخَلَّلهُ شَيْء، قَالَ: وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْغَزَالِيّ.
قَوْلُهُ: «إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ» إلَى آخِرِهِ لَفْظ أَبِي دَاوُد «إنَّ اللَّه وَمَلَائِكَته يُصَلُّونَ عَلَى مَيَامِن الصُّفُوف» . وَفِيهِ اسْتِحْبَاب الْكَوْن فِي يَمِينِ الصَّفّ الْأَوَّل وَمَا بَعْده مِنْ الصُّفُوف.
قَوْلُهُ: (لَا يَزَال قَوْم يَتَأَخَّرُونَ) زَادَ أَبُو دَاوُد: «عَنْ الصَّفّ الْأَوَّل» .
قَوْلُهُ: (قَوْلُهُ: (حَتَّى يُؤَخِّرهُمْ اللَّه) أَيْ يُؤَخِّرهُمْ اللَّهُ عَنْ رَحْمَته وَعَظِيم فَضْله، أَوْ عَنْ رُتْبَة الْعُلَمَاء الْمَأْخُوذ عَنْهُمْ، أَوْ عَنْ رُتْبَة السَّابِقِينَ. وَفِيهِ الْحَثّ عَلَى الْكَوْن فِي الصَّفّ الْأَوَّل وَالتَّنْفِير عَنْ التَّأَخُّر عَنْهُ.