الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حِجُّ الْبَيْتِ} . وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» . وَقَوْلُهُ: «حُجُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أَحُجُّ» . وَهَذَا الدَّلِيلُ يَسْتَلْزِمُ وُجُوبَ كُلِّ فِعْلٍ فَعَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حَجِّهِ إلَّا مَا خَصَّهُ دَلِيلٌ فَمَنْ ادَّعَى عَدَمَ وُجُوبِ شَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِهِ فِي الْحَجِّ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ على ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (مُضْطَبِعًا) . الِاضْطِبَاعُ: أَنْ يُدْخِلَ رِدَاءَهُ تَحْتَ إبِطِهِ الْأَيْمَنِ وَيَرُدَّ طَرَفَهُ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ وَيَكُونَ مَنْكِبُهُ الْأَيْمَنُ مَكْشُوفًا. وَالْحِكْمَةُ فِي فِعْلِهِ أَنَّهُ يُعِينُ عَلَى إسْرَاعِ الْمَشْيِ وَقَدْ ذَهَبَ إلَى اسْتِحْبَابِهِ الْجُمْهُورُ.
قَوْلُهُ: (وَفِي عُمَرِهِ كُلِّهَا) . فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّة الرَّمَلِ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ.
قَوْلُهُ: (أَطَأ) أَصْلُهُ وَطَى فَأُبْدِلَتْ الْوَاوُ هَمْزَةً كَمَا فِي وَقَّتَ وَأَقَّتَ، وَمَعْنَاهُ مَهَّدَ وَثَبَّتَ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ عُمَرَ كَانَ قَدْ هَمَّ بِتَرْكِ الرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ؛ لِأَنَّهُ عُرِفَ سَبَبُهُ وَقَدْ انْقَضَى فَهَمَّ أَنْ يَتْرُكَهُ لِفَقْدِ سَبَبِهِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لَهُ حِكْمَةٌ مَا اطَّلَعَ عَلَيْهَا فَرَأَى أَنَّ الِاتِّبَاعَ أَوْلَى. وَيُؤَيِّدُ مَشْرُوعِيَّة الرَّمَلِ عَلَى الْإِطْلَاقِ مَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ رَمَلُوا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي اسْتِلَامِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ
وَتَقْبِيلِهِ، وَمَا يُقَالُ حِينَئِذٍ
2535-
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَأْتِي هَذَا الْحَجَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُ عَيْنَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا، وَلِسَانٌ يَنْطِقُ بِهِ، وَيَشْهَدُ لِمَنْ اسْتَلَمَهُ بِحَقٍّ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ.
2536-
وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُقَبِّلُ الْحَجَرَ وَيَقُولُ: إنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
2537-
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَسُئِلَ عَنْ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ فَقَالَ: رَأَيْتُ
…
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَلِمُهُ ثُمَّ يُقَبِّلُهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
2538-
وَعَنْ نَافِعٍ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما اسْتَلَمَ الْحَجَرَ بِيَدِهِ ثُمَّ قَبَّلَ يَدَهُ وَقَالَ: مَا تَرَكْتُهُ مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2539-
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: طَافَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2540-
وَفِي لَفْظٍ: طَافَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى بَعِيرٍ كُلَّمَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ أَشَارَ إلَيْهِ بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ وَكَبَّرَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.
2541-
وَعَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِمِحْجَنٍ مَعَهُ وَيُقَبِّلُ الْمِحْجَنَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.
2542-
وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: «يَا عُمَرُ إنَّكَ رَجُلٌ قَوِيٌّ لَا تُزَاحِمْ عَلَى الْحَجَرِ فَتُؤْذِيَ الضَّعِيفَ إنْ وَجَدْتَ خَلْوَةً فَاسْتَلِمْهُ وَإِلَّا فَاسْتَقْبِلْهُ وَهَلِّلْ وَكَبِّرْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ) . قَالَ الطَّبَرِيُّ: إنَّمَا قَالَ عُمَرُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ كَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ فَخَشِيَ أَنْ يَظُنَّ الْجُهَّالُ أَنَّ اسْتِلَامَ الْحَجَرِ مِنْ بَابِ تَعْظِيمِ الْأَحْجَارِ كَمَا كَانَتْ الْعَرَبُ تَفْعَلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَرَادَ أَنْ يُعْلِمَ النَّاسَ أَنَّ اسْتِلَامَهُ اتِّبَاعٌ لِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا؛ لِأَنَّ الْحَجَرَ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ بِذَاتِهِ كَمَا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ تَعْبُدُ الْأَوْثَانَ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) إلَى آخِرِهِ. فِيهِ اسْتِحْبَابُ تَقْبِيلِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ.
قَوْلُهُ: قَالَ لَهُ: «يَا عُمَرَ إنَّكَ رَجُلٌ قَوِيٌّ» . إلَى آخِرِهِ. فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلُ قُوَّةٍ أَنْ يُضَايِقَ النَّاسَ إذَا اجْتَمَعُوا عَلَى الْحَجَرِ لِمَا يَتَسَبَّبُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ أَذِيَّةِ الضُّعَفَاءِ وَالْإِضْرَارِ بِهِمْ، وَلَكِنَّهُ يَسْتَلِمُهُ خَالِيًا إنْ تَمَكَّنَ وَإِلَّا اكْتَفَى بِالْإِشَارَةِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ مُسْتَقْبِلًا لَهُ.