المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وفي اعتقادي أن الزواوي في حديثه عن الصفات البيولوجية والعادات - تاريخ الزواوة

[أبو يعلى الزواوي]

الفصل: وفي اعتقادي أن الزواوي في حديثه عن الصفات البيولوجية والعادات

وفي اعتقادي أن الزواوي في حديثه عن الصفات البيولوجية والعادات الاجتماعية للزواوة ومقارنتها مع صفات وعادات العرب وضع يده على نقطة مهمة وهي وحدة المزاج البربري - العربي، وهي وحدة لا نكاد نجدها مع الشعوب المسلمة الأخرى فالمزاج الفارسي مثلا يختلف اختلافا بينا عن المزاج العرب حتى أن الدول الإسلامية التي قامت في المنطقة وكانت ذات مزاج فارسي لم تعمر طويلا سواء في المغرب أو في المشرق فالدولة الفاطمية مثلا أقصر عمرا من الدولة الأموية والدولة العباسية بينما عمرت الدولة الأموية وهي أكثر الدول الإسلامية عروبة عمرت في المغرب العربي أكثر من 700 عام، وينطبق الأمر نفسه على الأتراك الذين لم تعمر دولتهم في الشرق أكثر من خمسمائة عام لنكتشف بعد ذلك أن التركي والعربي رغم أن الإسلام -السني- يجمع بينهما إلا أنهما لا يملكان نفس المزاج، وينطبق هذا على الأكراد أيضا.

وبهذه الملاحظة الذكية يكون أو يعلى قد فسر لنا -ربما من حيث لا يقصد - لماذا كان البربر والعرب يملكان تاريخا واحدا.

‌وحدة العشيرة

كثيرا ما تتشابه أسماء العشائر والعائلات والأماكن ما بين المشرق والمغرب، وهو تشابه ليس من الممكن أن يكون من صنع (الاستعمار العربي الهلالي) كما يورد هؤلاء الذين لا يضمرون للجزائر سوى الشر والذين يرغبون في إعادة احتلالها، وهم الذين ظلوا يعيدون احتلالها طوال 130 سنة تقريبا! لأننا في هذه الحالة لابد أن نقول أن الأسماء البربرية في المشرق العربي هي نتيجة

ص: 53

(استعمار بربري) وهو أمر لا يقول به أحد ولن يصدقه أحد، لأنه أيا من كتب التاريخ (على اختلاف مدارسها) لم تذكر مثل هذا الاستعمار البربري للمشرق، إذن فإن الأمر المنطقي هو العلاقة "القديمة جدا والمتواصلة والمتساوية" بعن الجهتين المشرق والمغرب، إذ أننا نجد بعد تشابه الأماكن تشابها في العشائر في علاقة تاريخية ثقافية قديمة متطابقة.

وهذه العلاقة وحدها التي يمكن أن تفسر لنا لماذا كان أبوليوس يعبد آلهة المصريين ولماذا عبد البربر آلهة الفينقيين، ولماذا كان البربر ضمن فراعنة مصر والذين كانت تتبعهم الشام والجزيرة العربية، ولماذا جوهر الصقلي البربري هو الذي بنى القاهرة المصرية ولماذا طارق بن زياد هو قائد الجيش العربي الذي فتح إسبانيا

وهي التي تفسر لنا لماذا لم تنتشر المسيحية انتشارا واسعا بين البربر رغم طول القرون بينما اعتنقوا بشكل شامل الإسلام العربي في أقل من أربعين سنة .. إنه لولا تلك العلاقات القديمة والمتواصلة والمتساوية لما أمكن للعرب إقناع البربر بالإسلام، في الوقت الذي عجزت فيه أوروبا عن إقناعهم بالمسيحية وهذه العلاقة القديمة المتواصلة والمتساوية والتشابه العشائري يفسرها النظام الاجتماعي العشائري القبلي بين البربر والعرب ويقول في ذلك آخر بحث صدر في الموضوع وهو بحث الدكتور سعد الدين إبراهيم، الذي سبقت الإشارة إليه، يقول في صفحة 87 (والتنظيم الاجتماعي للبربر لم يختلف كثيرا عن مثيله بين العرب حيث يتمحور حول القبيلة والعشيرة، ومن البربر من استوطن واحترف الزراعة منذ قديم الأزل. ومن قبائلهم من احترف الرعي وعاش حياة البداوة

وقد حاولت فرنسا في أثناء احتلالها

ص: 54

لأقطار المغرب، أن تحدث الفرقة بين العرب والبربر ولكن الجماعتين قاومتا تلك المحاولة معا بشدة وحسم. كما اشترك العرب والبربر بالتساوي في النضال ضد الاستعمار الفرنسي في كل بلاد المغرب).

ولعلنا نلاحظ هنا أن فرنسا حاولت "تأبيد النظام الاجتماعي العشائري في منطقة القبائل بقصد منع تطور المنطقة، وحصدت غير ما كانت تتوخى، إذ أنها بذلك "حافظت" دون أن ترغب، على التشابه بين هذا النظام البربري مع شقيقه العربي سواء في الجزائر أو المغرب العربي أو في الوطن العربي عموما. كما نلاحظ هنا أن الوطنية ومفهوم الوطن عند البربر مر بنفس المراحل التي مر بها عند العرب من قبلية وعشيرة تتنقل في عالم البداوة إلى أن تتوطن في عالم الزراعة وتبدأ رحلة الحضارة والدخول في التاريخ.

كما نلاحظ أن بعض الكتب الصادرة بالفرنسية أعقاب 1988 وهي تسعى لتشويه المفهوم الوطني لدى الجزائريين بتشويه تاريخ الثورة الجزائرية والحركة الوطنية الجزائرية قبلها تحاول أن تدق أسافين بين الجزائريين عربا وبربرا، فيقول بعضها أن البربر هم صانعوا حركة النضال الجزائري ضد الاستعمار، وأخرى تقول أن العرب هم الذين فعلوا ذلك .. وحقيقة الحال أن الجزائريين كل الجزائريين عربهم وبربرهم قاموا معا ضد الغزوات الاستعمارية كائنا ما كان مصدرها. وذلك انطلاقا من وحدة المزاج ووحدة الوطن ووحدة النظام الاجتماعي العشائري الذي يشبه شقيقه في المشرق العربي عبر كل مراحل تطوره.

ص: 55

والقضاء البدوى أو العرف الذي تعمل فيه العشائر في كل مكان من الأردن والعراق وسورية والجزيرة العربية ومصر لا يختلف كثيرا أو قليلا عن القضاء المعمول به في جبال جرجرة سواء تيزي وزو أو بجاية أو حتى التوارق، فنظام "الجماعة" هو ذاته في المشرق والمغرب وهو على كل حال يستحق الدراسة المفصلة، ولعل التشابه ليس فقط في أسلوبه، بل وفي هدفه، ذلك أنه يهدف في جرجرة وعسير وردفان إلى إيجاد نوع من التناغم بين القوانين التي كانت سائدة قبل الإسلام والشريعة الإسلامية نفسها دون إحداث خلل كبير في البنية الاجتماعية وهذا يدل على عبقرية المجتمع العربي في كل مكان من المشرق والمغرب، فالإسلام كما هو معروف أكد في تشريعه القرآني كثيرا من القوانين والعادات التي كانت قبله وطور بعضها وألغى البعض الآخر وحاول أن يطور النظام القبلي برمته، فمن جهة يقر العشائرية والقبلية {وجعلناكم شعوبا وقبائل يعارفوا} ومن جهة يقيم الدولة على أسس إيديولوجية وهي الدين، أي أن هناك محاولة واضحة للعبور بالمجتمع من مرحلة العشائرية إلى القومية إلى الأممية عبورا سلسا وهادئا دون صراع قبلي أو عرقي.

وهكذا نجد أن مهمة القضاء البدوي في المشرق والمغرب هي نزع فتيل هذه الصراعات وتطويع القوانين القديمة مع الشريعة الجديدة، ونلاحظ هنا أن القوانين القديمة متشابة فالبربر يتشددون كما يشير أبو يعلى الزواوي في قضايا الجنس وكذلك البدو في الجزيرة والشام .. وأي دارس لمسألة تطور مفهوم الجنس عند العرب -وهناك كتب هامة تناولت هذا الموضوع ومنها كتاب الزواج عند العرب- يجد أن المجتمع في جرجرة وصحراء الجزائر

ص: 56

والمشرق العربي يحمل نفس المفاهيم زمر بنفس التطورات، وهذا لا يمكن أن يتأتى من علاقة استعمارية أو علاقة عداوة، فإن اختلاف ابن الأطلس عن ابن ردفان هو لا يعدو اختلاف بطنك عن ظهرك فكلاهما أنت!!

وفي اعتقادي أن هذه العلاقة ناجمة عن أن الإنسان هو نفسه في الطرفين، فالعشائر القديمة كما العشائر الحديثة هي ذاتها .. وقد أورد محمد علي مادون في كتابه جدولا بأسماء هذه العشائر والقبائل في المشرق والمغرب، وأعتقد أن كل مؤرخي أوروبا كائنا من كانوا لا يستطيعون المزايدة على العرب (في المشرق أو في المغرب) بموضوعة الأنساب، فعلم الأنساب هو علم عربي مائة بالمائة، لم تهتم به أمة كما اهتموا ..

ولعلي أود هنا الإدلاء بملاحظة تتعلق بقول البعض أن في داخل التنظيم العشائري لبربر عادات لا تتفق مع الإسلام وهي أقرب إلى المسيحية أو الوثنية. وهذه العادات التي يركز عليها مؤرخو الاستعمار تؤكد في نظري القاعدة ولا تنفيها، كما يرغبون! فحتى اللحظة التي نعيشها في هذا القرن، هناك عادات لدى القبائل والعشائر العربية في نجد وعسير وحضرموت وعمان والعراق والشام لا تتفق مع الإسلام، لكنها لم تعني لنفس الباحثين أن تلك القبائل الشامية أو اليمانية أو العراقية أنها قبائل غير عربية؟! ومن هذه العادات وشم النساء وأشكال الوشم، فهي تتم لدى نساء المشرق والمغرب بنفس الطريقة وبنفس الأشكال.

ويرجع بقاء هذه العادات (وبالتالي عدم فهمها أو محاولة تزييفها من قبل المدرسة الاستعمارية في كتابة التاريخ) إلى أن الإسلام أدخل النظام

ص: 57

الاجتماعي العشائري نفسه في صلب عملية "الأسلمة" وهذا النظام هو الذي تولى مهمة تنحية الشوائب، فإن كانت القبيلة مثلا تعبد الشجرة فإن الإسلام رفض ألوهية الشجرة .. لكنه أعطاها شيئا من القداسة والاحترام .. "كالقسم بالتين والزيتون" وتولى النظام الاجتماعي نفسه عملية التفريق بين الألوهية والقداسة وهكذا هبوطا إلى أبسط الحالات الاجتماعية اليومية وأعقدها .. فكم هو الطلاق سهل في الإسلام والعشيرة شكلا وكم هو معقد صعب مضمونا وتنفيذا .. إن ذلك كله نظام اجتماعي عربي لا يملكه أي تشكيل قومي في أوروبا سكسونيا أو غير ساكسوني، وهو متشابه في جبل ردفان وجبل جرجرة.

ولعل ما يفسر كل ذلك أيضا هو أن الحضارة العربية، والبربر جزء مؤسس فيها تبدي اهتماما واسعا بالإنسان ونظام المجتمع العشائري .. وهناك مئات الكتب .. لكنها لا تبدي اهتماما بالطوائف والإثنيات .. فليس في الحضارة العربية سوى عدد ضئيل جدا من الكتب التي تهتم بالإثنيات ولعل في طليعتها كتاب "الملل والنحل" فالفكر الإسلامي باعتباره نتاج تفاعلات فكر قومي قديم تطور من مفهوم العشائرية إلى الوطنية فالقومية إلى الأممية، لم يكن ينفي أو يلغي وجود الطوائف والإثنيات داخل التشكيل القومي للأمة العربية لكنه يركز على تطويرها نحو فكرته الأممية عبر تماسكها الأصلي "كأرومة واحدة" ونعتقد أنه نجح في ذلك نجاحا يستحق الدراسة .. فقد أرجع معظم العرب مشرقا ومغربا إلى جد واحد من جهة واعتنق معظمهم دينا واحدا على مذهب واحد تقريبا فمعظم العرب ومنهم البربر مسلمون سنة،

ص: 58

فحوالي 80% من العرب كانوا عام 1990 يدينون بالإسلام على المذهب السني. ويدخل البربر في هذه الأغلبية سواء لجهة الدين أو المذهب، فمعظم البربر هم مسلمون سنة والملاحظ أن نسبة الشيعة القليلة لدى المسلمين العرب هي مرتفعة لدى المسلمين غير العرب.

وسؤالي الآن إلى كل محاولي زراعة الفرقة وإشاعة العنصرية والبغضاء ألا يعني هذا التطابق العشائري والديني والمذهبي بين العرب والبربر في المغرب العربي -والجزائر خصوصا- من جهة وبين هؤلاء والعرب في المشرق من جهة أخرى شيئا آخر غير الغزو الهلالي -ولماذا لم يحدث مثل هذا التطابق مع الغزو الفرنسي وهو الذي يملك إمكانيات وأدوات لسحق ثقافة الشعوب، لم يكن يملكها الهلاليون - أعتقد أن على مثقفي الاستعمار من أوروبيين وجزائريين وعرب أن يثبتوا لنا بأنهم ليسوا من خريجي مستشفيات المجانين؟! أو أن يعترفوا بأنهم لا تجمعهم مع شعبنا "وحدة العشيرة" التي جمعت بين حسين آيت أحد ومحمد بوضياف وأحمد بن بلة وكريم بلقاسم ومحمد خيضر ورابح بيطاط في مرحلة من أصعب مراحل مجتمعنا ووحدة العشرة هذه هي التي جعلت المصريين والشوام والعرب عموما يحتضنون الثورة الجزائرية وخصوصا قياديها من الأمازيغ، ويعتبرون الثورة ثورتهم والقيادة قيادتهم .. وهو أمر لم تفعله ألمإنيا ولا أمريكا ولا الاتحاد السوفياتي ولا الهند سواء شعوبها أو حكوماتها فلم يكن التلاميذ السوفيات أو الأمريكان أو الهنود يحيون كل صباح علم بلادهم بنشيد قسما .. لقد فصل ذلك الأطفال العرب وحدهم دون أطفال العالم وقد فعلوه في كثير من الأحيان بعيدا جدا عن رأي حكامهم،

ص: 59