المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ألا تكون لنا عبرة في استعراض تلك الوقائع والحوادث التي - تاريخ الزواوة

[أبو يعلى الزواوي]

الفصل: ألا تكون لنا عبرة في استعراض تلك الوقائع والحوادث التي

ألا تكون لنا عبرة في استعراض تلك الوقائع والحوادث التي نحلى بها جيد الزمان والتي ارتفعت بها أمم وسقطت أمم على توالي الحدثان {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر} .

‌نسب الزواوة

اختلف المؤرخون في نسب الزواوة، والزواوة قبائل كثيرة مشهورة، ومواطنهم ومساكنهم بشمال إفريقية يجعلهم البحر الأبيض المتوسط الممتد من خليج مدينة الجزائر إلى بجاية إحدى عواصمهم وإلى جيجل نصف دائرة فهؤلاء هم المعروفون والمشهورون بالزواوة، وهذا الخلاف في نسبهم هو الذي لفتتا إلى الاعتبار والبحث والتنقيب هل هم عرب أو بربر؟ فأدانا البحث الطويل الذي استغرق بضعة عشر عاما، والعمل ليالي وأياما، إلى نتائج مرضية، تعرضها على العلماء وأولى الأبصار، لا ليقال بل للاعتبار، وليس الغرض من ذلك إلا بيان الحقائق للأنام، ودفع الخرافات والأوهام، التي استولى كثيرها على عقول الجهال والعوام، إلا فكما قال تعالى:{يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم إن الله عليم خبير} وعليه فنقول: من المسلم أن المؤرخين المسلمين فريقان أهل المشرق وأهل المغرب فالمشهورون والمعروفون من الفريقين هم الطبري والمسعودي وابن إسحاق وابن الكلبي والواقدي وابن الأثير وابن كثير وابن عبد البر وابن الخطيب والمقري صاحب نفح الطيب وابن هشام وابن عبد ربه وابن خلدون وغيرهم ممن طالعت كتبهم ممن تقدموا على ابن خلدون أو تأخروا مثل المسالك والممالك وهذا أشهر ومن المتقدمين

ص: 90

والمعرب عن سيرة ملوك المغرب والقرطاس وزهرة الشيارخ والممتع ونزهة المشتاق والجمان في أخبار الزمان والروض المعطر والاستقصا لأخبار المغرب الأقصى وغيرهم، والمعتبرون في الأنساب من هؤلاء أشار إليهم ابن خلدون فقال: والذين ذهبوا بفضل الشهرة والأمانة المعتبرة واستفرغوا دواوين من قبلهم في صحفهم المتأخرة هم قليلون لا يكادون يتجاوزون عدد الأوائل ولا حركات العوامل، مثل ابن إسحاق والطبري وابن الكلبي ومحمد ابن عمر الواقدي وسيف ابن عمر الأسدي والمسعودي أقول بسبب قصدي الاختصار والإفادة، لا الإطناب والخصام واللجاجة، وكان شيخ التاريخ عموما وتاريخ المغرب والبربر خصوصا الداركة النقاد النسابة ابن خلدون من المتأخرين بالنسبة إلى المؤرخين والنسابين الذين ذكروا الزواوة وبسب أنه رحمه الله مغربي أندلسي الأصل بل يمني حضرمي ثم أندلسي وولد بتونس ونشأ فيها وكان في بجاية عاصمة الزواوة وتلمسان وفاس وبالخصوص أنه كان حاجبا للسلطان أبي عنان في أواسط القرن الثامن ومعنى هذه الخطة مثل (سكرتير جنرال) اليوم أي كاتم أسرار وصاحب الإمضاء وتولى ذات مرة رياسة بعثة من السلطان إلى شيخ الزواوة لمسائل سياسية وكان أحد كبار شيوخه الذين أخذ عنهم زواويا فقال في ذلك ما لفظه: ومنهم - يعني شيوخه - الشيخ أبو العباس أحمد الزواوي إمام المغرب قرأت عليه القرآن العظيم بالجمع الكبير بين القراءات السبع عن طريق أبي عمرو الداني أهـ وبهذه الأسباب كلها اعتمده في نسب الزواوة أكثر من غيره وأنه أعرف بهم وأحق بالشهادة عليهم مع أدلة أخرى وبراهين قاطعة والله أعلم.

ص: 91

قال رحمه الله عند كلامه على البربر: وأما شعوب هذا الجبل - يعني البربر - فإن علماء النسب متفقون على أنهم يجمعهم جذمان عظيمان وهما برنس ومادغس ويلقب مادغس الأبتر فلذلك يقال لشعوبه البتر ويقال لشعوب برنس البرانس وهما معا إبنا (بر) وبين النسابين خلاف هل هما لأب واحد فذكر ابن حزم عن أيوب ابن أبي يزيد صاحب الحمار أنهما لأب واحد على ما حدثه عنه يوسف الوراق إلى أن ذكر - أعني ابن خلدون - القبيلتين العظيمتين " كتامة وصنهاجة" هل هما من البربر أو لا فقال ما نصه: إن كتامة وصنهاجة ليسوا من البربر وأنهما من شعوب اليمن تركهما أفريفش بن صيفي بإفريقية مع من أنزل بها من الحامية لهذه جماع مذاهب أهل التحقيق في شأنهم انتهى كلامه قلت سيأتي من كلامه أن الزواوة من بطون كتامة كما تقدم قريبا أنهم من شعوب اليمن وشعوب اليمن من العرب العرباء القحطانيين الحميريين وأولاد يعرب من قحطان من المحقق أن العرب قسمان العرب والعرباء والعرب المستعربة والعرب المستعربة هم أولاد عدنان الذين صاهرهم إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام فعدنان الذي هو آخر من يجب معرفتهم من نسب النبي صلى الله عليه وسلم وهو عدنان - حفيد إسماعيل عليه السلام ومن أولاده معد ونزار ومضر ومنهم فهر الذي لقب بقريش وعلى هذا الحكم الصحيح يبنى أن كل مستعربي عربي وعلى أن القحطانيين أعرق في العربية من العدنانيين وأن فضل العدنانيين بالنبوة وبولايتهم الكعبة البيت الحرام ولكن ولاية الكعبة كانت قبل للقحطانيين إذ كان القحطانيون في شمال جزيرة العرب ولهم دولة هناك قبل العدنانيين ثمانمائة سنة قل ميلاد عيسى عليه السلام

ص: 92

ومن المؤرخين وأصحاب السير من جعلوا العرب كلهم من ولد إسماعيل عليه السلام وفي الروض الأنف للعلامة السهيلي: أما قحطان فاسمه مهزم فيما ذكر ابن ماكولا وكانوا أربعة إخوة فيما روي عن ابن منبه قحطان وقحط ومقحط وفلغ. وقحطان أول من قيل فيه أبيت اللعن وأول من قيل فيه عم صباحا واختلف فيه فقيل هو ابن عابر أبي شالح وقيل هو ابن عبد الله أخو هود وقيل هو هود نفسه فهو على هذا القول من إرم بن سام، ومن جعل العرب كلهم من إسماعيل قالوا فيه هو ابن تيمن بن قيذر بن إسماعيل ويقال هو ابن الهميسع بن يمن ويمن هذا سميت به اليمن في قول وقيل بل سميت بذلك لأنها عن يمين الكعبة، وتفيسر الهميسع الصراع وقال بن هشام يمن هو يعرب بن قحطان سمي بذلك لأن هودا عليه السلام قال له أنت أيمن أولادي نقيبة في خبر ذكره قال وهو أول من قال القريض والرجز وهو الذي أجلى بني حام إلى بلاد المغرب بعد أن كانوا يأخذون الجزية من ولد قوط بن يافث قال وهي أول جزية وخراج أخذه في بني آدم وقد احتجز لذا القول أعني أن قحطان من ولد إسماعيل عليه السلام بقول النبي صلى الله عليه وسلم:«ارموا يا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا» قال هذا القول لقوم من أسلم بن أقصى وأسلم من خزاعة وهو بنو حارثة بن شلبة بن عمر بن عامر وهم من سبأ بن شحب ابن يعرب بن قحطان اهـ كلام السهيلي ثم قال ابن خلدون في الزواوة من لفظه "الإلمام ذكر الزواوة من بطون كتامة هذا البطن من أكبر بطون البربر ومواطنهم كما ترى مختلفة من بجاية إلى تدلس (كذا) في جبال شاهقة وأوعار متسنمة ولهم بطون وشعوب كثيرة ومواطنهم متصلة بمواطن كتامة

ص: 93

هؤلاء وأكثر الناس جاهلون بنسبهم وعامة بسابة البربر على أنهم من بني سمكان بن يحيى بن ضريس وأنهم إخوة زواغة والمحققون من النسابة مثل ابن حزم وأنظاره إنما يعدونهم من بطون كتامة وهو الأصوب والموطن أوضح، ثم قال رحمه الله عن كتامة ما نصه:"الخبر عن كتامة وبطون البرانس وما كان لهم من العز والظهور على القبائل وكيف تناولوا الملك من أيدي الأغالبة ودعوة الشيعة هذا القبيل من قبائل البربر بالمغرب وأشدهم بأسا وقوة وأطولهم باعا في الملك وهم عند نسابة البربر من ولد كتام بن يونس ويقال كتم ونسابة العرب يهولون أنهم من حمير وذكر ذلك ابن الكلبي والطبري وأن أقريقش بن صيفي من ملوك التابعة وهو الذي افتتح إفريقية وبه سميت وقتل ملكها وسمي البربر بهذا الاسم كما ذكرناه فقال: وقام في البربر من حمير صنهاجة وكتامة فهم فيهم إلى اليوم انتهى يعني كلام ابن الكلبي والطبري وتشعبوا في الغرب وانبثوا في نواحيه إلا أن جمهورهم كانوا لأول الملة بعد هيج الردة وطبخة تلك الفتن موطنين بأرياف قسطينة إلى تخوم بجاية غربا إلى جبل أوراس من ناحية القبلة وكانت تلك المواطن وبلاد مذكورة أكثرها لهم وبين ديارهم ومجالات تقلبهم مقل "ايكجان وسطيف وباغاية ونقاوس وبلزمة وتيكست وميلة وقسنطينة وسكيكدة والقل وجيجل من حدود جبل أوراس إلى سيف البحر ما بين بجاية وبونة" وهنا ذكر ابن خلدون بطونا كثيرة من كتامة فقال إنها ملأت ما بين المغرب الأقصى وطرابلس الغرب إلى غير ذلك قلت وكذا قال الأستاذ المرحوم الشيخ طاهر الجزائري الدمشقي وهو واسع الإطلاع له في الفن طول الباع بحاثة كبير محقق ولما قال لي ذلك فات يوم ونحن بمصر سنة

ص: 94

1915 للميلاد أن الزواوة هم ما بين طرابلس الغرب وقصر وكتامة بالمغرب الأقصى فعارضته في ذلك بناء على ما لدينا من القبائل المشهورة بالزواوة فأجاب أن لا وإنما العرب لما احتلوا إفريقية اختلطوا بهم والحال أنهم عرب الأصل من اليمن عن شعوب حمير ولغة حمير غير لغة مضر.

ثم قال ابن خلدون: وعد ابن حزم منهم - يعني البربر - الذين من كتامة الزواوة بجميع بطونهم وهو الحق على ما تقدم وكان من هذه البطون بالمغرب الأقصى كثير منتبذون عن مواطنهم وهم بها إلى اليوم ولم يزالوا بهذه المواطن على هذه الحالة من لدن ظهور الملة وملك المغرب إلى دولة الأغالبة ولم تكن الدولة تسومهم بهضيمة ولا تنالهم بعسف لاعتزازهم عليها بكثرة جموعهم إلى أن قل: ولما صار لهم - يعني كتامة وصنهاجة الملك بالمغرب زحفوا إلى الشرق فملكوا الإسكندرية ومصر والشام واختطوا للقاهرة أعظم الأمصار بمصر وارتحل المعز رابع حلفائهم فنزلها وارتحل معه كتامة على قبائلهم واستفحلت الدولة هنالك إلى أن قال: وكانت لهم - يعني الزواوة - في الدولة صنهاجة مقامات مذكورة في السلم والحرب وقال في موضع آخر من تاريخه ما حاصله أنه إذا تنازعت قوتان بالمغرب أمرا من الأمور فالأغلية والفوز لجانب الزواوة والنصر حليفهم والإقدام دينهم والثبات شأنهم اهـ ما أردنا من كلام ابن خلدون خلاصة كلام المؤرخين في الزواوة فالقول تعليقا عليه: مما يثبت أن الزواوة من قبائل حمير اليمانية أشياء كثيرة منها بعض الأسماء والأعلام اليمانية القديمة باقية إلى الآن مستعملة عند الزواوة فمن ذلك ما وقفت عليه في كتب الرحلة الحجازية وهو أمر عجيب جدا إذ أعطى حقه

ص: 95

من التأمل وهو قضية غريبة لا يدركها إلا الذي يتكلم لغة الزواوة وإليك ذلك بالحرف وهذا السد هو ما يسمونه بسد العرم وأول من بناه "آيث عمرو"(1) ملك سبأ اهـ فإن لفظة آيث عمرو قد أدهشتني عند الوقوف عليها وعلى أن المؤلف المصري العربي تقلها علميا فقط وأن سبأ هي آخر حمير كما يأتي، ومن ذلك ما يقرب من هذا مما وقفت عليه في تفسير الفخر الرازي عند قوله تعالى:{إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر} فاستطرد المؤلف إلى الجغرافيا ليصف خليج فارس فقال ما لفظه "خليج بحر أرض فارس ويسمى الخليج الفارسي وهو بحر البصرة وفارس الذي على شرقيه "تيزي أومقران" ومعنى لفظتي تزي أومقران" يفهمها من يحسن الزواوة وغيره يظنهما علما مزجيا أو مركبا فقط ومعنى تزي بكسر المثناة فوق هضبة أو أكمة ومعنى أمقران الكبير وتعريها "الهضبة الكبيرة" والشيء الذي يعتبر ويؤيد هذا أيضا أن الحميريين من اليمانيين احتلوا تلك الجهة من الخليج الفارسي كذا في الرحلة الحجازية التي صاحبها مطلع ومحقق عن محققي المتأخرين وكذا ابن هشام صاحب السيرة النبوية ذكر أن الحميريين غزوا البحرين ونزلوا بالخليج الفارس ثم انظر هل هذا قبل سيل العرم أو بعده أما نزوحهم إلى مغربنا هذا فكما تقدم أنهم قدموا مع أفريقش بن صيفي وأنهم مشهورون أولو قوة وألو بأس شديد وذكر صاحب الرحلة الحجازية استخبار عمرانهم وقوتهم ومصانعهم وبالأخص السد الذي بنوه وبلغ طوله ثمانمائة ذراع وعرضه مائة وخمسون ذراعا لا محالة وقد أشار إلى ذلك

(1) سيأتي الكلام على نقطة آيث قريبا وكل آت قريب

ص: 96

القرآن وبه كفاية وقال تعالى: {لقد كان لسبأ في مساكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتى أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل ذلك جزيناهم بما كفروا وهل يجازى إلا الكفور وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين فقالوا ربما باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق} صدق الله العظيم.

وقد صاروا أحاديث وبالأخص عند المؤرخين وقد كثر كلامهم عنهم وفيهم قال جل ذكره: {وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد} ، قلت وقد ورد الثناء على حمير وسبأ وتبع وفي تيسير الوصول إلى معرفة حديث الرسول ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (إن رجلا من قيس قال يا رسول الله ألعن حميرا فأعرض عنه فأعاد عليه فقال صلى الله عليه وسلم: «رحم الله حميرا أفواههم سلام وأيديهم طعام وهم أهل أمن وإيمان» أخرجه الترميذي وأما تبع فقيل أنه نبي وفي الروض الأنف للسهيلى روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تسبوا تبعا فإنه كان مؤمنا» وقيل التبابعة هم ملوك حمير ومأرب اسم ملك سبأ وأن أفريقش الذي نزل إفريقية وسميت باسمه وكان قدومه افريقية بكتامة وصنهاجة وهو أحد ملوك حمير ثم أن مما يؤيد أن البربر من حمير مشابهة الخطين الحميري والبربري مشابهة كبيرة ورأيت في المجلة الآسيوية منذ أعوام أن علماء الأثر اكتشفوا أي وجدوا الخط الحميري في قرية من قرى افريقية منقوشا على حجر. ومنها ما ذكر ابن عبد ربه في أنساب

ص: 97

اليمن فقال قحطان ابن عابر وعابر هو هود النبي عليه السلام بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام فالقحطانيون إذن أبناء هود والعدنانيون أبناء إسماعيل عليهما السلام فولد يعرب ابن قحطان يشحب وولد يشحب سبأ وولد سبأ حميرا وكهلان فإن القبائل قد تفرفت منهما وولد حمير كثيرا فمن أولاده ملك والهميسع وزيد واوسا وعرين ووائل ودرمى وكهلان وعمير كرب ومشروح ومرة رهط معد يكرب بن النعمان القيل (الملك) الذي كان بحضرموت وقال - أعني ابن عبد ربه - عن التبابعة تبع الأصغر أسعد أبو كرب واسمه تبان بن ملكيكرب وهو تبع الأكبر ابن قيس بن بن زيد بن عمر ذي الأذعار بن أبرهة ذي المنار وتبع بن الراكش بن قيس بن صيفي وملكيكرب تبع الأكبر يكني أبا مالك وله يقول الأعشى:

وخان الزمان أبا مالك

وأي امرئ لم يخنه الزمان

ومن الشواهد أيضا أن الحميريين قدموا المغرب ما عثرت عليه من شعر أحد أبناء ملكيكرب يذكر المنازل وتفرق قومه فقال:

وقد فارقت منا ملوك بلادها

فساروا بأرض ذات مبدى ومحضر

وقد نزلت منا خزاعة منزلا

كريما لدي البيت العتيق المستر

وفي يثرب منا قبائل إن دعوا

أتوا سربا من دارعين وحمير

هم طردوا عنها اليهود فأصبحوا

على معزل منها بساحة خيبر

وغسان حي عزهم في سيوفهم

كرام المساعي قد حووا أرض قيصر

وقد نزلت منا قضاعة منزلا

بعيدا فأمست في بلاد السنوبر

ص: 98

وكلب لها ما بين رمله عالج

إلى الحرة الرجلا من أرض تدمر

ولخم فكانت بالعراق ملوكها

وقد طرحت عدنان في كل مطحر

وحلت جذام حيث حلت وشاركت

هنالك لخما في العلى والتجبر

وأزد لها البحران والسيف كله

وأرض عمان بعد أرض المشقر

ومنا بأرض المغرب جند تعلقوا

إلى بربر حتى أتوا أرض بربر

ومن ذلك أيضا أن كلمة (ذو) التي هي من مستعملات ملوك بطون الحميرية المسماة الذوون فيقولون ذو وانكلاع الذي هو يزيد بن النعمان وذو الكلاع الأكبر حتى عرفوا بالأذواء موجودة. ومثل هذه الكلمة والقاعدة في قبائل الزواوة "أيث" بمعنى ذوي فيقولون للجذم أو للسلطان أو القبيلة آيث يحي، آيث ياني، آيث وسيف، آيث ذار، آيث يثورغ، آيث صدقاء، آيث يراتن، آيث فرواسن، آيث خليلي، آيث بوشعايب، آيث يجر، آيث جناد، آيث غبري، آيث فليق، آيث وجنون، آيث عمر، آيث وغيس، آيث يعلى، آيث مليكش، بوعكاش، آيث منصور، آيث منجلات وهلم جرا.

وقال ابن عبد ربه ومن بني صيفي بن سبأ بلقيس وهي بلقمة ابنة آل فرخ بن ذي جدن لحرث بن قيس بن سبأ الأصغر ومنهم حمير التبابعة وهم تسعة وفي الروض الأنف: روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تسبوا تبعا فإنه كان مؤمنا» ثم قال أعني صاحب الروض الأنف السهيلي لا ندري أي التبابعة أراد في حديث معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تسبوا أسعد الحميري فإنه أول من كسى الكعبة» وهذا أصح من الأول هو قال الطبري عند قوله تعالى

ص: 99

{كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود وعاد وفرعون وإخوان لوط وأصحاب الأيكة وقوم تبع} عن ابن عباس أنه سأل عبد الله بن سلام عن تبع ما كان فقال أن تبعا كان رجلا من العرب وأنه ظهر على الناس فاختار فتية من الأحبار فاستبطنهم واستدخلهم حتى أخذ منهم وبايعهم وأن قومه استكبروا ذلك وقالوا قد ترك دينكم وبايع الفتية فلما فشا ذلك قال للفتيه فقال الفتية بيننا وبينهم النار تحرق الكاذب وينجو منها الصادق ففعلوا فعلق الفتية مصاحفهم في أعناقهم ثم غدوا إلى النار فلما ذهبوا إلى أن يدخلوها سفعت النار في وجوهم فنكصوا عنها فقال لهم تبع لتدخلونها فلما دخلوها أفرجت عنهم حتى قطعوها وأنه قال لقومه ادخلوها فلما ذهبوا يدخلونها سفعت النار وجوههم فنكصوا عنها قال لهم تبع لتدخلنها فلما دخلوها أفرجت عنهم حتى إذا توسطوا أحاطت بهم وأحرقتهم فأسلم تبع وكان تبع رجلا صالحا اهـ وذكر أيضا في الطبري أن رجلا سأل عبد الله بن عمرو بن العاص: هل صحيح ما تزعم حمير أن تبعا منهم قال نعم والذي نفسي بيده إنه في العرب كالأنف بين العينين وقد كان منهم سبعون ملك (1) اهـ وفي قبائل الزواوة وفي القاموس صنهاجة قوم بالمغرب من ولد صنهاجة الحميري وحاصل الأمر أن غالب الأقوال المتقدمة تثبت أن كتامة وصنهاجة من حمير وحمير ابن سبأ لأول بن يشجب بن يعرب بن قحطان وأن حميرا كثيرة الولد والنسل وفي السند الفريد: فولد حمير بن سبأ مالكا والهميسع وزيدا وأوسا وعرينا ووائلا ودرمى وكهلان وعميكرب ومسروحا ومرة رهط معد يكرب بن

(1) عقب (صحيفة 93)

ص: 100