المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

مع الشيخ طاهر هذه المدة الطويلة لا يمكن أن تتم - تاريخ الزواوة

[أبو يعلى الزواوي]

الفصل: مع الشيخ طاهر هذه المدة الطويلة لا يمكن أن تتم

مع الشيخ طاهر هذه المدة الطويلة لا يمكن أن تتم لو كان بينهما مثل هذا الاختلاف البين في المواقف السياسة وميزة طاهر الجزائري كانت عدم المهادنة.! ثم هناك موقف مهم ورد في الكتاب وهو مطالبة أبو يعلى الزواوي بعصرنة التعليم العربي في الجزائر وإدخال الاقتصاد السياسي والإداري والطب والفلسفة وهذه العصرنة هي التي قام بها الشيخ الطاهر الجزائري في دمشق والشام كله فجرت عليه غضب الأتراك وهذه المطالب بعصرنة التعليم في الجزائر والإصرار على العربية تتفق ليس فقط مع أفكار الشيخ الطاهر بل أيضا مع أفكار الحركة الوطنية الجزائرية وسائر فصائل حركة التحرر القومي العربي منذ مطلع القرن العشرين، فالبربرية زواوية وغير زواوية هي جزء من القومية العربية جنسا وثقافة، دينا وأرضا، ماضيا ومستقبلا.

إذن فإن مواقف الشيخ أبو يعلى الزواوي في نهاية التحليل هي المواقف (العربية الإسلامية) التي أجمع عليها كل رجالات الزواوة (الأمازيغ جميعا) من علماء وساسة منذ قرون ولم يخرج عن هذا الإجماع إلا فئة قيلة ممن أثرت فيهم أجهزة الدعاية الفرنسية. وما عبارته عن خطاب جامبول إلا كلمة مجاملة شاردة اقتضتها ظروف أكثر منها موقفا سياسيا أو ثقافيا، فالموقف السياسي والثقافي تجسد في رفقته لابن باديس في تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.

‌وحدة الوطن

يشير أبو يعلى في مطلع حديثه عن نسب الزواوة إلى اختلاف المؤرخين فيه وأن هذا الاختلاف هو الذي لفت نظره للبحث والتنقيب هل هم عرب

ص: 27

أو بربر ووصل إلى نتائج مرضية بعد بحث استغرق بضعة عشر عاما، وهو يحدد موقعهم الجغرافي بدقة إذ يقول في هذا المطلع:

(اختلف المؤرخون في نسب الزواوة، والزواوة قبائل كثيرة مشهورة، موطنهم ومساكنهم بشمال أفريقية يجعلهم البحر الأبيض المتوسط الممتد من خليج مدينة الجزائر إلى بجاية إحدى عواصمهم وإلى جيجل نصف دائرة فهؤلاء هم المعروفون والمشهورون بالزواوة) ص 12.

ويقول المهندس وباحث الآثار، المؤرخ العراقي د. أحمد سوسة في كتابه الذي حاربته الصهيونية (العرب واليهود في التاريخ حقائق تاريخية تظهرها المكتشفات الآثارية) ما نصه:(إن القبائل المعروفة بالبربر التي استوطنت أراضي شمال أفريقية كانت تقيم في الأصل في أرض فلسطين إلى جانب الكنعانيين ثم أخرجت منها في عهد الملك داود فيقول المسعودي في ذلك أن أرض البربر كانت أرض فلسطين من بلاد الشام وإن ملكهم كان جالوت، وهذا الاسم سمة لسائر ملوكهم إلى أن قتل ملكهم جالوت، فلم يتملك عليهم بعده ملك، وأنهم انتهوا إلى ديار المغرب، فانتشروا هناك واختارت البربر سكن الجبل والودية والرمال والدهاس وأطراف البراري والقفار) ص 98.

إذن فإن الذين سكنوا الجبل والأودية هم الزواوة بتوافق هذين النصين وإن البربر غير الزواوة سكنوا مناطق أخرى، إذ يقول القديس أو غستين في بعض كتاباته (لما سألت أهل بونة عنابة من أين أتيتم قالوا أتينا من أرض كنعان) والمعروف أن التوراة لا تتحدث أين ذهب الفلسطينيون بعد قتل داود ملكهم

ص: 28

جالوت أو جليات، فهذه النصوص تجيب عن السؤالين:: تخبر خبرين أين سكن الزواوة أو البربر ومن أين جاءوا؟

ولدينا نصوص أخرى مثل الخريطة التي ذكرها أحمد توفيق المدني في كتابه (تاريخ الجزائر) حول توزيع "القبائل البربرية وموطنها بالقطر الجزائري فيذكر (في عمالة الجزائر صنهاجة، وفي جبال الجرجرة المسماة ببلاد القبائل الكبرى زواوة، فليسة، قسطولة، أووقنون، فراوسين، بني راثن، بطروم، بني منقلات، عمور، بني يحي، هجر، فتاية) ص 125 طبعة ثانية الجزائر 1984. وأما محمد علي مادون صاحب كتاب ظهر حديثا بعنوان "عروبة البربر -الأمازيغ، الشلح، القبائل، التوارق- الحقيقة المغمورة" فيقول في الصفحة 115من طبعة دمشق الأولى (فبربر الجهات الشمالية من القالة شرقا إلى إرزا غربا من جبال وشتانة وأدوغ والجرجرة وغالبهم من كتامة في بلاد القبائل الصغرى وزواوة ميلاد القبائل الكبرى).

هذه الكتب التي ذكرتا لم يطلع عليها أو يعلى، كما أن مؤلفيها لم يطلعوا على كتابه هذا

ومع ذلك نلمس دقة الرجل في تحديد موطن الزواوة في منطقة جرجرة.

وورد في كتاب ظهر ونحن نكتب هذا التعليق لمؤلفه د. سعد الدين إبراهيم "تأملات في مسألة الأقليات" ص 86 ما يلي: (والبربر هم جماعة أثنية أصلية في شمال إفريقيا، وكانوا يمثلون أغلبية السكان الأصليين حينما وفدت إليهم جيوش العرب المسلمين في القرن السابع الميلادي، ولأنهم سلاليا ينتمون إلى الأسرة الحامية السامية، والبحر متوسطية التي ينتمي إليها العرب،

ص: 29

ولأن معظم النظريات عن أصولهم ترجع بهم إلى الجزيرة العربية أو الفينيقية، فقد سهل ذلك من عمليات التفاعل والمصاهرة، والتعريب والأسلمة

).

وكنت خلال تجوالي الطويل في العديد من الأقطار العربية قد لاحظت تشابه أسماء الكثير من القرى والبلدات والمناطق في الجزائر وعموم المغرب العربي وفلسطين والجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق، مع تشابه أسماء العشائر والقبائل وقد سجلت ذلك في "سفر" أعمل على إنجازه بعنوان "بلدانية العرب" وأنا أقول تشابه من باب الحيطة، فالواقع أن هناك تطابق كبير حتى في العادات القديمة جدا (المعروفة قبل الإسلام) فمثلا في الجزائر قرية المعذر وفي فلسطين معذره، وفي الجزائر البويرة وفي فلسطين البويرة، وفي الجزائر زكري وفي فلسطين زكريا، وفي الجزائر عنابة، وفي فلسطين عنابة، وفي الجزائر علمة وفي فلسطين علما .. هل ستقولون هذه أسماء عربية هنا وهناك اخترعها "الهلاليون" الغزاة الاستعماريون المحتلون كما يريد البعض أن يفهمونا، إذن ماذا لو قلت لكم أن في أواسط جبل الشيخ من امتداده المشرقي نحو سوريا جبل اسمه جبل بربر، وجبل آخر من سلسلة جبال تدمر في شمال سورية أيضا اسمه جبل بربر وتسكنه عشائر تمتد حتى العراق تسمى الشاوية أو الشوايا.

وإذا أردتم تشابها آخر .. ففي القبائلية نقول "مقران" عن الرجل الكبير السن والقدر والقيمة والقوة، فأقول أن ما بين الحدود العربية والإيرانية جبل يقال له جبل المقران، وفي فلسطين يقولون عن ذلك الرجل "أمقرن" أو أنهم يقولون "فلان قرن" أي أنه محنك وقوي ولا أحد يستطيع أن يغلبه وهو داهية يفلت من الحصار، وعند أريحا جبل يطل كقرن من الجبل على غور

ص: 30

الأردن، وهو الذي يسميه النصارى جبل التجربة، حيث حاول إبليس إغواء المسيح، ويسميه الفلسطينيون "قرن طل" أي جبل كبير أطل ويكتبها بعضهم متصلة "قرنطل" ولا أظنني أزيد أحدا علما إذا قلت أن معظم أسماء القرى والفلسطينية والعربية المتطابقة مع أسماء القرى والأماكن الجزائرية موجودة في الجزيرة العربية خاصة في منطقة جبال عسير، وقد أوردها الدكتور كمال صليبي الذي نشر بعدة لغات والموسوم "هل جاءت التوراة من الجزيرة العربية؟ " ولا أعتقد أن هذا التطابق في تسمية الأماكن بين جبال جرجرة في الجزائر وكنعان في فلسطين والشام وعسير في الجزيرة العربية، وأسماء القرى والأماكن، إلا إثراء للمدرسة التاريخية التي تقول أن الزواوة والبربر عموما إنما جاءوا من اليمن إلى فلسطين فمصر فصعيدها فالمغرب العربي .. وهو في نفس الوقت إضعاف لتلك المدرسة الاستعمارية التي تحاول أن تلحق كل البربر بمن فيهم الزواوة إلى أوروبا لمجرد أن بعض الأوروبيين في غفلة من الزمان، ساكنوا البربر في بعض مناطقهم.

وهذا الضعف الجغرافي - التاريخي للمدرسة الاستعمارية في كتابة التاريخ يزداد هزالا على هزال، إذا ما قارنا بين القبائل البربرية في المغرب العربي والقبائل العربية في المشرق العربي، وإذا ما قارنا بين اللهجات المشرقية واللهجات الأمازيغية، ثم احتكمنا إلى أقرب اللغات إلى هذه اللهجات جميعا، أي اللغات السامية وخاصة العربية!

شخصيا لست مهتما في أي من الطرفين ذهب إلى الآخر، أهم البربر الذي ذهبوا إلى اليمن، أم العرب الذين جاؤوا إلى الأطلس، فهم عندي كشقي

ص: 31

التمرة، وليس مهما أن تكون "دجلة" الجزائر سميت على نهر دجلة العراق أو النهر هو الذي سمي على نهر الجزائر، فتمر بسكرة كتمر البصرة كلاهما مذاق عربي!

وأبو يعلى الزواوي حين حدد الموقع الجغرافي كان يعرف المدخل إلى التاريخ أيضا

فقد اتصلت أرض المشرق بالمغرب اتصالا طبيعيا فكان من الطبيعي أن يتصل الناس بعضهم، هذا يذهب إلى ذاك فتمتزج السلالات، وتتكون الأمم من هذا الاتصال وهذا التمازج فلماذا ونحن في عصر التجمعات الكبرى، العصر الذي لا تستطيع دولة لوحدها أن تعيش، وقد صار التواصل أكثر إلحاحا، لماذا يراد فصل البربري عن العربي والادعاء للبربري بأن العرب غزاة هلاليون والادعاء للعرب بأن البربر رومان محتلون؟! إنه افتراء على التاريخ.

وحين قلت أن البربر رأس العروبة ورأس القومية العربية، كان ذلك صحيحا، فما داموا من قحطان، فقحطان رأس العرب. والذي يشجعني على القول أن البربر (فهر قريش) يكون بشكل من الأشكال هو "افريقش" ذلك الشبه إجماع على أن البربر من "كتم" أو "كتامة" وكتامة أو كتم هو اسم مشهور بين العرب في الجزيرة، ولعله في الأصل "قثم" فهناك من العرب ما يقلب القاف إلى كاف والثاء إلى تاء.

إن "كثم" من الأسماء المشهورة في القبائل العربية قديما وحديثا، ومنها عشيرة "الكتوم" الأردنية "وكتمتو" الفلسطينية وآل مكتوم على الشواطئ الشرقية للجزيرة العربية.

ص: 32

وقد لاحظت أن بعض العائلات البربرية حتى اليوم تحمل نفس ألقاب عائلات عربية في الجزيرة والشام، ومنها كما يحضرني اللحظة عائلة "كسوس" وهو اسم تحمله عائلة كبيرة في جنوب الأردن "الكرك".

أما القصيدة التي أوردها رحمه الله ونسبها إلى أحد أبناء ملكيكرب والتي تتحدث عن القبائل العربية ومساكنها والتي منها:

ومنا بأرض المغرب جند تعلقوا

إلى بربر حتى أتوا أرض بربر

فقد أوردها محمد كرد علي في كتابه خطط الشام ونسبها إلى معد يكرب (محمد كرد علي علامة سوري-كردي- تتلمذ على يد الشيخ طاهر الجزائري ويعتبر من مؤسسي الفكر القومي العربي وتولى وزارة التعليم في سورية) وأما المهندس الدكتور أحمد سوسة العلامة العراقي الشهير، فلم يذكر هذه القصيدة فحسب بل أوود في الصفحة 8 من الطبعة السادسة لكتابه المنشور بعدة لغات (العرب واليهود في التاريخ) ما يلي:

(إن القبائل المعروفة بالبربر والتي استوطنت أراضي شمال إفريقيا كانت تقيم في الأصل في فلسطين إلى جانب الكنعانيين ثم أخرجت منها في عهد الملك داود. فيقول المسعودي في ذلك أن أراضي البربر كانت أراضي فلسطين في بلاد الشام وأن ملكهم جالوت، فلم يتملك عليهم بعده ملك، أنهم انتهوا إلى ديار المغرب فانتشروا هناك واختارت البربر سكن الجبل والأودية والرمال والدهاس وأطراف البراري والهقار). ولست أدري كم يختلف قول أحمد سوسة الذي يعتمد الآثار بصفته عالم آثار شهير عن قول القديس أوغستين (وسألت أهل بونة "عنابة" من أين أتيتم فقالوا أتينا من أرض كنعان) وكم

ص: 33