المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أسباب تأليف الكتاب ومنهجه - تاريخ الزواوة

[أبو يعلى الزواوي]

الفصل: ‌أسباب تأليف الكتاب ومنهجه

‌أسباب تأليف الكتاب ومنهجه

إذن وإن أسباب تأليف الكتاب هي كما أسلفنا إزاحة الظلم الذي وقع على البربر عموما والزواوة منهم خصوصا من طرف مثقفي الاستعمار وذلك لسعي هاته الفئة إلى طمس تاريخ الزواوة وفصلهم عن بني أرومتهم العرب من جهة، وإنكار إسهام الزواوة في الحضارة البشرية، لإخراجهم من التاريخ ونزرع الفتن بينهم وبين أهلهم سواء في القطر الجزائري أو في سائر أقطار الوطن العربي من جهة أخرى، وللمستعمر أهدافه الكثيرة من وراء ذلك لعل في طليعتها استمرار التخلف، فما دام الزواوي متخلفا جائعا خائفا في بلده، فهذا يعني أن فرنسيا متقدما شبعانا آمنا في فرنسا، فكما لم يغتني عني إلا من فقر فقير فلا استعمار دون تخلف وجوع وخوف.

وبالتأكيد فإن هذه الأسباب التي يوردها الشيخ أبو يعلى الزواوي هي أسباب أكثر من وجيهة سواء من الناحية العلمية المحضة، حيث يجب أن يبرز الحقيقة على أيدي العلماء قبل غيرهم من بني البشر، أو من الناحية الوطنية والعشائرية والدينية فهل يرضى جزائري له ذرة من الوطنية أن يسكت وهو يرى الفتنة تزرع في وطنه، وهل يرضى زواوي عاقل له ذرة من حب الزواوة عشيرته وأهله، أن تستغل عواطف هذه العشيرة وهؤلاء الأهل ليزح بهم في فتنة تسيل فيها دماؤهم ويسيلون فيها دماء غيرهم، لا لشيء إلا ليستفيد الأجنبي المستعمر وبعض المنتفعين من أشخاص وعائلات كائنا من كانت ثقافتهم أو وظيفتهم أو عائلاتهم أو عاطفتهم وهل يرضى مسلم عاقل له ذرة

ص: 18

من دين أن يرى أبناء دينه في فتنة لا دين لها، ولا يستفيد منها إلا سوى أعداء الدين والمنتفعين به، وهل يرضى إنسان عصري وحديث بأساليب الهمجية؟

ولعله من الواضح أن الزواوة سواء كانوا من المقيمين في أرض الوطن أم من المهجرين إلى الشام رفضوا تلك الدعاوى التي بثها المستعمر الفرنسي في الجزائر وفي سورية ولبنان بأنهم غير عرب وأنهم بربر ورومان وما إلى ذلك، وهم الذين حثوا أبو يعلى الزواوي على تأليف كتابه بالإضافة إلى رغبته هو ودوافعه هو لإزاحة الظلم والتزوير. وكان في هذا واضح العبارة فهو يربط الأسباب والعلاقات والدوافع والتشجيعات ربطا محكما ومنطقيا

إذ يقول:

(وكان مولدي بالزواوة، ومنشاي ومرباي في تلك القرى ذوات الزوايا، وكادت شهرة تلك القبائل الصنهاجية تكون طامسة الأعلام مجهولة، لأسباب كثيرة، وقضايا منها ما هي مقبولة، ومنها ما هي مزورة مردودة

تحرك لي الساكن، واستنجدني الظاعن والقاطن، فأردت أن أضع كتابا صغير الحجم، كبير العلم، كأنموذج من تاريخ الزواوة، مقتصرا على تبيين نسبهم وذكر شيء من فضائلهم، وما قيل فيهم، وما كان لأوائلهم، ليكون النشء الجديد على بصيرة من سلفهم، ليعلموا ما كان من أمرهم، ليقتدوا بكل فعل مجيد، وينبذوا كل ما هو غير سديد، لعلهم يأخذون ببعض القديم وبعض الجديد، والتزام الأحماض فيه لتنشيط قارئيه، لأنفخ فيهم روحا قوية، وأبعث فيهم ذوي همم عالية، وأهدي إليهم هذا الكتاب المستطاب، فإن فعلوا فذاك هو الصواب، وإلا فما علي من حساب) ص 3 - 4.

ص: 19

إذن فإن أبو يعلى الزواوي لا ينكر ولا يخفي دوافعه الوطنية والعشائرية الدينية في تأليفه لهذا الكتاب، بل هو يحمل الأجيال الجديدة مسؤوليتها إن هي انساقت وراء أولائك الجهال والمهذارين الذين يدقون الأسافين بين الجزائريين الزواوة والجزائريين غير الزواوة

بل وأكثر من ذلك فهو ينبه هذه الأجيال الجديدة بأن عليها التمحيص والتدقيق والأخذ بأفضل ما في القديم وبأفضل ما في الجديد

ولعمري إن أبو يعلى كان في هذه العبارات البسيطة مربيا كبيرا

!!

ثم يتطرق إلى المنهجية حيث قسم كتابه إلى فصول سبعة تجدها منطقية الترتيب والتصاعد، فقد تحدث عن علم التاريخ وفضله أولا، ثم نجده يدخل موضوعه مباشرة إذ خصص الفصل الثاني لنسب الزواوة وهو يكاد يكون أطول فصول الكتاب من صفحة 12 إلى صفحة 26 ثم يرفده بفصل ثالث غير منفصل عن الثاني ألا وهو محامدهم وخصائصهم، وأما الفصل الرابع فهو في زواياهم وعلمائهم وخدمتهم العربية، والفصل الخامس في بعض عاداتهم وأما الفصل السادس ففي المطلوب لإصلاح حالهم وخصص السابع للائحة التعليم ونظامه الذي يقترحه ويبين طريقة التعليم.

ونحن في عصرنا هذا حيث في الجزائر عدة جامعات ومنها جامعة تيزي وزو، لو دققنا النظر أن لكل فصل فها يستحق لوحده أطروحة جامعية خاصة.

فالرجل كان عالما محيطا بموضوعه أيما إحاطة عارفا بأبعاده وخفاياه، ويعرف وعورة الطريق الذي يسير عليه، فأن نقول في أول القرن العشرين، والاستعمار ينيخ بكلكله على صدرك، إن الزواوة عرب، فتلك والله بطولة،

ص: 20