المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

كتبه في الإصلاح محبنا العلامة الشيخ عبد القادر المغربي الطرابلسي - تاريخ الزواوة

[أبو يعلى الزواوي]

الفصل: كتبه في الإصلاح محبنا العلامة الشيخ عبد القادر المغربي الطرابلسي

كتبه في الإصلاح محبنا العلامة الشيخ عبد القادر المغربي الطرابلسي الذي كان يحرر بجريدة المؤيد الشهيرة وهو ممن إذا عبر حبر، وإذا أنشأ وشى وهو هذا نصه:

‌الإصلاح الإسلامي

الباعث عليه - المطلب به - فهرست أركانه - فلنا في مقال سابق أن هذا الإصلاح الذي سماه المرحوم جمال الدين حركة دينية لا يمس جوهر الدين ونصوصه السماوية وإنما يتناول تمييز التقاليد التي اقتبسناها عن الأمم الأخرى بواسطة الاختلاط بهم بواسطة أفراد من علمائهم دخلوا ديننا وحملوا إلينا مزاعم من دينهم، ثم تمييز الآراء الاجتهادية أصبحت على طول الزمان كأنها أقوال الشارع نفسه بحيث أصبحت لا تجوز مصادرتها ولا التردد في قبولها، نميز كل هذا عن نصوص الدين الأصلية ونحدد مقاصده السامية ونقف على أسراره العلمية ونسعى في إيجاد طرائق تعليمية تقرب الدين للأفهام ونسهل تحصيله ونشره بين الأنام، إهمال المسلمين للإصلاح أن غدروا فيه فيما مضى من الزمن فإنم لا يغدرون فيه اليوم وقد أصبحت المادة المعنوية بيد الشعوب الأوروبية وصار لهم بهاتين القوتين حق الإشراف والوصاية على الحالة الاجتماعية العامة في العلم الإنساني ومهما حكموا بأن الشريعة وكذلك التعليم يتنافى والمدنية أو لا ينطبق على مصالح البشر كان قولهم المسموع ورأيهم المتبوع فإذا لم نثبت بأن ديننا يواخي المدنية ويلائم المصالح

ص: 142

البشرية كنا مسيئين إليه وإلى أنفسنا فتتلاشى قوميتنا (1) وينهار بنا عزنا، إن عقلاء الإفرنج لكثرة ما خالطونا عن طريق قراءة أخبارنا واستعمار بلادنا والسياحة والتجارة بيننا - أصبحوا يعدون لنا من المذام والمساوئ الدينية والأدبية والاجتماعية ما لا يخطر لنا ببال وقد يتفق أحيانا أن يعجب بعض أولائك العقلاء بما تضمنته قرءاننا من الحكم الرائعة والآداب الناصعة والقواعد الجامعة فيجهر في محافل قومه بأن الإسلام من خير أديان البرية دينا وأنه ملائم لمصالح البشر وليس في أصوله ما يتنافي المدنية الصحيحة ثم يستنتج من ذلك كله أن المسلمين خير الأمم دينا وأدبا وفضيلة ونظاما اجتماعيا حتى إذا ساقته المقادير أو أحب الاستطلاع إلى بلادنا وأشرف من كتب على نوع حكوماتنا ومحاكمنا وأطوار خاصتنا وعامتنا وأحوال عائلاتنا (2) ومجتمعنا وسائر ضروب أشغالنا ومعاملاتنا. رجع القهقرى عن رأيه وندم على ما كان من التسرع في حكمه وعاد إلى قومه يئسا وعن مدحه الإسلام والمسلمين ساكتا وقد قال المرحوم جمال الدين مرة: إن عقلاء الإفرنج يتدبرون آداب القرآن وتعاليمه العالية ويحكمون بأنه خير قانون للإصلاح في شؤون البشر ويهمون أن يسلموا ثم ينظرون من خلال القرآن وتعاليمه العالية إلى الأمم الإسلامية السائمة في أسيا وإفريقية يرونها من أحط الأمم شأنا وأشدها ابتعادا عن روح الدين والمدنية وممارسة الفضيلة فينفرون من الإسلام وينظرون إلى القرآن كالمرتابين فيه وفي صلاحيته لأن يكون سلما ترتقي عليه الأمم إلى معارج المدنية والعمران وبعد أن رأوا ما رأوا من حالة أتباعه وهكذا

(1) لو قال جنسيتنا لأصاب لفظة قومية تركية.

(2)

وكذلك لو عبر بالأسرة عن العائلة لأن لفظة عائلة غير صحيحة في المعنى

ص: 143

يدعوهم القرآن إلى الإسلام وينهاهم المسلمون عنه ثم قال جمال الدين فالواجب علينا قبل كل شيء أن نثبت للأوروبيين أننا غير مسلمين وبهذه الصورة يمكن أن نجلبهم إلى الإسلام ونحسن اعتقادهم فيه ولو اقتصر الأمر على هذا لهان ولكن قد نبت من المسلمين وفي بلاد المسلمين طائفة عظيمة من الشبان تعلموا العلوم العصرية وتثقفوا بآداب الإفرنج ودرسوا قوانين الاجتماع الحديث وعرفوا بسبب ذلك من أطوار البشر وطبائع العمران ما لم يعرفه سواهم وقد أخذوا يقارنون بين ما يعرفون وبين ما ورثوه عن أسلافهم فنكروا أشياء كثيرة مما يعده المسلمون دينا ولما لم يجدوا أحدا يزيل شكوكهم ويزيح عنهم ما خاطرهم من الريب فيما إذا كان الدين الإسلامي يصلح للبشر أو لا يصلح؟ وجود هذه الطائفة المتنورة في بلاد المسلمين من أقوى البواعث على الإصلاح الديني ووجوب السعي إليه من بابه وأن لم نفعل اختل نظامنا ودخل الفشل والعدو بين صفوفنا يحاول قوم من الجامدين أن يأخذوا أولئك المتنورين بالتقليد الأعمى وأن يحملوهم على الإذعان والتصديق بمجرد نقل النصوص وسرد أقوال المتفقهين ولكن محاولة هذا منهم مقاومة للطبيعة وهو أمر مستحيل، عقل حر في نفسه، حر في حكومته، حر في عصره حر في الوسط الذي يعيش فيه تكلفه أن يقلد غيره تقليدا أعمى اللهم إن هذا تكليف ما يطاق، تكليف لم يرضه الله تعالى للمشركين في أزمنة انغماسهم في الجهالات وظهور الخوارق والمعجزات أتراه يرضاه للمتنورين في أزمنة الاكتشافات والاختراعات وأتينا العلم على المشاهدات والمجربات - للتباطئ في الإصلاح وإبقاء ما كان على ما كان حمل أناسا من هذه الطائفة المتنورة

ص: 144

على نبذ الدين باطنا واكتفوا من إسلاميتهم بالرسوم الظاهرة فتراهم يشهدون احتفالات الأعياد والمواسم ويمشي بعضهم في الجنائز وإلى مقابر المسلمين وإذا دعي إلى عقد نكاح استمع خطبة الشيخ بأدب واحتشام وغير ذلك مما من شأنه أن يساعد على الامتزاج بأهله ومواطنيه ويجعل عيشه معهم طيبا هادئا ومنهم جماعة يعتقدون الإسلام لكنه لا يعرفه جمهور المسلمين ولا يعترفون بصحته وأساس اعتقاد هؤلاء الإذعان لكلام الله وحده وإذا احتج أحد بكلام غيره عرضوه على عقولهم ومصالح البشر ونواميس الاجتماع فإذا وافقها قبلوه وإلا رفضوه فالعملة عندهم البرهان لا قال فلان وروى فلان ومن عجيب أطوار أفراد هذه الطبقة أن ترى الواحد منهم لا يصلي ولا يصوم والصلاة والصوم من أركان الإسلام الخمسة كما لا يخفى لكنك تراه كبير النفس قوي العزيمة ثابت الجأش كثير الأدب لا يكذب ولا يغش ولا يداهن ولا يتملق ولا يخضع ولا يشكو ولا يطمع وهو شديد الغيرة على الإسلام مجتهد في خدمته عامل على رفع شأنه بكل قوته إذا سمع طعنا فيه أو افتراء عليه قامت قيامته فيكتب ويخطب في الرد على الطاعنين وتسفيه آرائهم ويأخذ في تعداد مناقب الإسلام ومزاياه الجمة التي يفضل بها سائر الأديان ثم أنا نقارن بين هذا المسلم ومسلم آخر من الطبقة الجامدة فنراه يصلي ويصوم ويقف على الضريح خاشعا ضارعا ويتأدب مع القرآن فيدعي أن عقله عاجز عن فهم أسراره والنطق بعجائبه فهو من أجل ذلك يتكل على ما حققه "الشرنبلالية""الولواجية" و"الانغروبة" و"العالمكيرية"، وليس هذا وحده بل ترى خلافه أمشاجا من الكذب والصدق والنفاق

ص: 145

والإخلاص والتواضع والكبر والغش والخداع إلى غير ذلك مما هم في جانب والإسلام في جانب ثم ترى هذا المسلم يعيب المسلم الأول ويحتقره ويفسقه إن لم يكفره فكيف نحكم إذا فاضلنا بينهما ولا يلزم إلا الإصلاح لأن كليهما في خطأ من جهة وعلى صواب من جهة فلا نغفل هذا الخرق ولا نتهاون في ترقيعه أظن أنه قد اقتنعنا معشر المسلمين بوجوب الإصلاح فلا نجمد إلى حد أن نعطل أحكام العقل ولا نتساهل إلى درجة نتهاون معها بحدود الشرع بل نعتقد ونعمل بكل ما شرعه الله لنا بطريقة النقل الصحيح ثم نتساءل عمن يتصدى لهذا الإصلاح وممن ننتظر القيام بأعبائه؟ كنا أوجزنا في مقالنا السابق وأشرنا إلى أن الإصلاح الديني م وظيفة من وظائف علماء المسلمين وأنهم إن لم يقوموا به لم يقم غيرهم به وإن هم شغلوا عنه كان سواهم عنه أشغل. وقد يقولون إن كان لابد من هذا الإصلاح فينبغي أن يكون المطالبون به هم الحكام والرؤساء والعظماء والأغنياء. أما علماء الدين فمعظمهم قد شغلهم أمر دنياهم عن النظر في أمره وإن فرغوا فليس معهم مال ليساعدهم ولا لهم عصبة تعضدهم بمثل هذا الكلام يحاول العلماء زحزحة عبء العمل عن عواتقهم وإلقائه على عاتق غيرهم ومن الغريب أن يوجد قوم من الشبان المتحمسين يذهبون إلى أن الإصلاح الإسلامي لا يتأتى للمصلحين ما لم يقوموا بتأليف جمعيات ثورية تسعى في قلب المجتمع الإسلامي رأسا على عقب ثم يعودون فينشؤونه خلقا جديدا ومن لطف الله إن كان هذا الرأي قاصرا ومقصورا على ذوي الأمزجة العصبية الشاذة وهم قليلون في شبابنا المتنورين وهذا ما جعلني أرتاب في السيد جمال الدين منذ قال لي لابد في الوصول

ص: 146

إلى الإصلاح من حركة دينية فحسبته من أولئك النفر القائلين بلزوم تأليف الجمعيات الثورية حتى فسر لي الحركة الدينية بالإصلاح الإسلامي الذي أبنا فيه وشرحنا قوادمه وخوافيه. إصلاحنا المنشود ليس بدعا من كل إصلاح ديني أو اجتماعي قامت به جماعات البشر وحصل في أزمنة التاريخ القديم والحديث فهذه الإصلاحات إنما يقوم بها أولئك الذين لم تلههم مناصب الجاه ولا مظاهر العظمة عن النظر فيما حل بقومهم من البؤس والشقاء والبحث عن أسبابه ووسائل النجاة منه أمثال هؤلاء وهم المرجوون للبحث في الإصلاح لا أولئك الرؤساء والعظماء الذين يشعرون بالحاجة إليه وقد يأنفون من الاشتغال به بل ربما قاوموه أشد مقاومة لأنه قلما يخلو من تحطيم امتيازا تهم وزحزحتهم عن مستوى عظمتهم وهكذا كان شأن الرؤساء في كل انقلاب ديني وقد عاتب القرآن النبي صلى الله عليه وسلم في جملة آيات على عنايته بأمر كبراء العرب وانتظاره انتشار الإسلام بواسطة إيمانهم وكان صلى الله عليه وسلم حريصا على دعوتهم وإقامة البرهان لهم وكان اشتغاله بهم يدعوه أحيانا للإعراض عن المستضعفين والتولي بوجهه الشريف عنهم ظنا منه أن هؤلاء تبع لأولئك الرؤساء وأن الرؤساء متى أمنوا آمن معهم المستضعفون.

(تنقص ص 82 من النسخة التي بين أيدينا وتبدأ الصفحة 83 الآتي):

فرديا وإنما يكون جماعيا فيجتمع المجتهدون ويقررون الحكم بالأكثرية.

الخامس - أن ننظر إلى جميع المذاهب على السواء فلا نفرق بين الأئمة ولا نلتزم لقول إمام بعينه وإنما يأخذ أهل كل عصر من مذهب كل إمام ما يناسب مصلحتهم.

ص: 147

السادس - أن يكون مدار الأحكام الشرعية والمعاملات القضائية المصلحة فهي المحكمة في كل محكمة والمسؤولة في كل مسألة.

السابع - أن لا نحدث في الدين حدثا ولا نبتدع شيئا كبيرا بداعي أن له في السنة أصلا صغيرا وإنما نقف عند حد ما ورد عن الشارع وثبت في السنة بقدره.

الثامن - أن نميز العقائد الدينية عن التقاليد التي مرجعها النقل الأحادي أو الرأي الاجتهادي أو مجرد الشيوع بين الأشياخ فلا نكلف أنفسنا عقائد لم يكلفنا إياها الشرع ولا نكفر مؤمنا إلا إذا أنكر عقيدة ثابتة لا تقليدا مرويا.

التاسع - أن لا نعتمد في تصحيح الحديث على صحة روايته ومسنده وحدها بل ننظر في متن الحديث ومدلوله ومضمونه فإن وافق أصول الدين وآي القرآن قبل وإلا رد مهما كان أمر سنده وروايته.

العاشر - أن لا يجري قياس واستنباط في العقائد والعبادات والشعائر بل نعتمد فيهما ظاهر النص وإنما القياس في المعاملات الفقهية وكل ما يتعلق بالقضاء ويختلف باختلاف الزمان والمكان ويسمى اليوم الحقوق المدنية.

الحادي عشر - أن نرفع من شأن العمل قليلا فلا نزعم أن المسلم ينجو بمجرد أقوال رددها وتقاليد يبطنها وحركات يأتي بها المسلم بل المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. بفعل وعمل الأعمال التي حث عليها الإسلام وتخلق بالأخلاق التي أمر بها وإلا كان الدين دعاوي فارغة وألفاظا مهملة أو يقال كان الدين عبثا أو الوحي سدى.

الثاني عشر - أن نرفع أيضا من شأن الأسباب قليلا ونعتبرها مظاهر لإرادة الله تعالى وقدرته فلا نهملها إلى حد أن نقول أن السم لا دخل له

ص: 148