الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تقريظ الكتاب
جرت عادة الكتاب والمؤرخين المتقدمين رحمهم الله أن يعرضوا ما كتبوا أو ألفوا على إخوانهم الكتاب العلماء أصحاب الفن لما عسى أن يظهر لهم في ذلك ويشهدوا على ما هنالك ويسمون ذلك تقريظا وأكثر المتأخرون في ذلك وبالغوا نظما ونثرا موافقين ومصادقين على ما يعرض عليهم صوابا أو خطأ والحق أن معنى التقريظ في اللغة كذلك أي مدح الكتاب أو المؤلف كيفما كان وفي القاموس "التقريظ" مدح الإنسان وهو حي بحق أو باطل ....
ويظهر لي أن التقريظ إذا كان بسؤال وبطلب كما تقدم فهو باطل أما إذا كان بغير طلب وكان الحامل عليه الاستحسان فهو صواب والحال أن الكتاب استطاب سواء هو مقروظ أو غير مقروظ إذ من المأكول ما هو أفضل القروظ كاقتطاف القطائف فالحكم إذا للذوق السليم والعقل الحكيم حسن الكتاب إذا قرظ نفسه بنفسه وتجلت الحقائق التي
…
تنقص الصفحة 100 من النسخة المطبوعة التى بين أيدينا
المنيف ثم إنني تتبعت تلك الصحف السبع وتدبرتها حرفا حرفا وراجعتها مرارا بلا خفا إن تنفست الصعداء وعلمت أن القول قول الفصل وما هو بالهزل وأقسمت برب السماء والأرض أنه لحق مثل ما أنكم تنطقون، وإن فريقا منكم ليكتمون الحق وهم يعلمون لله دركم من إحاطتكم علما بتلك الجمل التاريخية المفيدة أن في ذلك لعبرة.
وقال في رسالة ثالثة جوابا عن تعزية: وبعد قعد ورد علي مكتوبكم الأخير وفيه من الموعظة الحسنة والذكرى النافعة ما به كفاية والله ثم والله ما وعظني
أحد اتعظت لوعظه ولا ذكرني أحد فذكرت لذكراه مثلما حصل لي من كتابكم هذا الذي قام لدي مقام شخصكم فكأنكم شافهتموني بما احتوى عليه من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي أعيتنا عند تدبرها دامعة، وقلوبنا خاشعة وبقضاء ربها راضية وإلى حكمه راجعة فوعظت فكنت من الواعظين وذكرت فكنت من المذكرين فجزاكم الله عنا أحسن الجزاء
…
إلخ.
وكاتبني الشيخ طاهر الزواوي ثم الدمشقي الشهير بالجزائري جوابا عن رسالة لي إليه في شأن الزواوة وخصائصهم قبل اجتماعنا إذ هو بمصر وأنا بالشام فقال: أحيي فيك نزعة إصلاحية ونهضة زواوية وقد أثبت لي كتابك هذا ما بلغني عنك من غير واحد ثم اعلم أن تاريخ الزواوة تاريخ مجيد وتراجم علمائهم أشهر من أن تذكر وأكثر من تحصر وإنما يلزم أن تحرر لنا رسالة في لسانهم قل الشروع في تاريخهم - وتقدم ذكر هذا المعنى - وفي الديباج المذهب في أعيان المذهب وتاريخ ابن خلكان والسخاوي وغيرها من الكتب جملة من علماء الزواوة فراجعها
…
إلخ.
ولما اجتمعت به بمصر وسكنا معا مدة خمسة أعوام تقريبا كلفني بتحرير مقالات كثيرة وبتأليف في النحو وآخر في إلزام الشبان الأصحاب التدين وألح علي في إثبات مذكراتي ونظراتي في السياسة وكان معجبا بها شهادة الإخوان الشاميين والمصريين الذين هم بقيد الحياة وكان يرسل إلي شبانا من تلاميذه وخواصه لتلقي المواعظ والإرشادات إلى غير ذلك من ظنه الكمال وهو الكامل وكان يعجب باستدلالي بالقرآن وتطبيقاتي الدينية واعتباراتي إياها
ومما يعجبه بالزيادة ويضحك له حتى تظهر نواجذه قولي: "إن الناس كفروا بألمانيا على أن الباء سببية (1) وكان يتألم من سماع انتصارات ألمانيا لشدتها في إرهاق الحد المضر وبالجملة لذا تذكرته ونحن بمصر وتذكرت ابن زكري المرحوم الشيخ محمد المجيد ونحن بالجزائر أتمثل:
وكنا كندمحاي جذعية حقبة
…
من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
فلما تعرفنا كأنني ومالكا
…
لطول اجتماعنا لم نبت ليلة معا
وكاتبني المحب الفاضل المقري الحافظ الشيخ السيد ايجر بما نصه:
"وما أهديتموه إلينا من جواهر آدابكم استودعناه الحافظة واستنارت به البصيرة فيجدر بنا أن نجعل رسائلك البليغة الولائم لأنها تفوق لدينا الأعياد
والمواسم ولعلك لتفضل علينا بمزية أخرى هي أن تتحفنا بتاريخ مبدأ تعلمك وذكر الكتب التي أورثتك حسن الملكة .... إلخ"
وبالله التوفيق إلى أقوم طريق وهو سبحانه الولي الحقيق.
(1) ذلك بأن الناس أكثروا من القول أن ألمانيا لا تقهر فكذبهم الواحد القهار الذي غفلوا عنه.