الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في فرانسا الحياة المنتظمة أي الأشغال مدة معلومة من الساعات والراحة كذلك مدة معلومة وإيلاف النظام يهذب الخلق ويقوم اعوجاجه، وقد ولد العمل في نفس العامل الإفريقي حب الربح فتراه حين يقبض أجرته منبسطا منشرحا يمتاز الزواوة - تأمل - والمغربي عن غيره اهـ بالحرف.
زوايا الزواوة وعلماؤهم
زوايا الزواوة كثيرة مشهورة ومعناها قديما وحديثا المدارس والمساجد وبعبارة أهل العصر الجامعات والكليات ومعنى الزاوية لغة هو جامعة جهة من جهات الدار فالمفهوم إذن من الزاوية موافق للفظ ثم مما يذكر بكل فخر أن تأسيس هذه الزوايا مع قدمها الذي يرجع إلى عصر لا مدنية فيه كما يقولون كان من الخواص والشرفاء والمرابطين الصلحاء اختيارا لا دخل للحكومات المتعاقبات عليها إلى اليوم ويا حبذا الأمر لو عزز بحسن الإدارة والحال أن نظم تأسيسها حسن جدا وإنما قصر النظر والتدبير أضاعا النتائج المرجوة وذلك أن الزاوية تعتبر مسجدا ومدرسة لله مجانا من حيث هي مسجد وأن المساجد لله باجرة طفيفة من حيث هي مدرسة للقرآن وطلبة العلم ولها دخل وخرج للنفقة والقيام بشؤون الطلبة والشيوخ والمدرسين ومن قواعد الانتساب إليها والسكنى بها أن يدفع الطالب قدرا صغيرا من الدراهم ثم هو لا يدفع شيئا بعد ذلك إلا تطوعا ولو مكث فيها مدة عمره كله وأما غير طلبة العلم من المسافرين والزائرين والمصلين فلا يدفعون شيئا (......) * وإن
* كلمة غير واضحة في النسخة
الزائرين والمسافرين يأكلون ويشربون مجانا وليس ذلك للمصلين من الأهالي المقيمين إلا الفقراء منهم وبعض السخفاء الطفيليين ولكل زاوية أهلها يتصرفون فيها حسب أصول تأسيسها خلفا عن خلف فالزوايا على هذا المعنى نظمية اجتماعية مدنية لو لم يعوزها حسن الإدارة والإصلاح الذي يقتضيه الحال والطبع إذ لا فرق بين هذه الزوايا ومؤسسات الجمعيات والشركات العلمية الخيرية المقامة بأوربا وأمريكا بأموال أولي البر من الوصايا والأوقاف ونحو ذلك فزوايا الزواوة كذلك دخلها من أولي البر والصلاح الملتزمين بعطايا من أرزاقهم وكسبهم للمؤسس الصالح المرجوة بركته ومن هذه الحيثية تعذر على الحكومات التداخل في شأنها والحق كذلك لأن الأعمال الخيرية كهذه لا ينبغي بل لا يمكن التداخل فيها (....) لكيلا يسخط الرأي العام في أمر معتقد صلاحا دينيا فإن المتبرعين إنما تبرعوا خدمة للعلم والصلاح الموصلين إلى رضاء الله وإن لم يفعلوا يخشوا سخط الله وبهذا المعنى يوجد الفرق بينهم وبين أولي البر من أوروبا وأمريكا فيقال مع الفارق بينهما عموم وخصوص منهجي فتنفرد جمعيات أوروبا وأمريكا بقصد التعليم على وجه خاص وتنفرد زوايا الزواوة بقصد خدمة العلم وإرضاءا لله فهذه القاعدة المتضمنة للعقيدة أمتن وقد يقال أن بينهما عموما وخصوصا بإطلاق وإنما امتازت مدارس أوروبا وأمريكا بحسن الإدارة وسداد الرأي والنظر وعدم الجمود وبالجملة إن للزواوة والبربر في هذا الشأن فضل السبق يذكر فيشكر ولمثل هذا أسهب العلامة ابن خلدون رحمه الله واسترسل في الثناء على البربر كما تقدم وهو ممن ضربوا في أرضهم ومواطنهم وأحق بالشهادة عليهم كما قدمنا وليس ابن
خلدون بالمؤرخ الذي يجازف بالقول كيف وقد سبق له أنه انتقد المؤرخين في المعنى. ثم أن خدمة الزواوة للعربية بناءا على أنهم عجم بسبب الوطن واللسان البربرين فإنهم إذا قرنوا بغيرهم من الأمم الإسلامية يعادلهم (......) * كما ذكرت في رسالتي الفرق بين المشارقة والمغاربة (1) (
…
) وبهذه الزوايا كثر علماء الزواوة قديما وتخرج منها فطاحل إذ ذكروا يفخر ويرفع رأسه شرفا وتيها وكذلك بطبيعة الخال يقتضي أن يكثئر علماء الزواوة لموقعهم الجغرافي فإن إحدى عواصمهم "بجاية" وكانت حاضرة وميناء من موانئ الحرب للأساطيل الأندلسية وكانت قرى الزواوة إذ ذاك لا تعد ولا تحصى ويبلغ عدد جموعهم الملايين.
هذا وكان من المناسب رسم خريطة بلاد الزواوة الجغرافية هنا وذكر القرى والقبائل بأسمائها وترجمة جمهور من علمائهم وأسماء الزوايا التي ينتسبون إليها من أين مهب صباهم ومدب صباهم ولم يخف ذلك كله علي وإنما تعذر. وكذلك ذكر أيامهم ووقائعهم وذكر ذوي البيوتات العظام، والأعيان الكرم، وما قيل في ذلك كله الإلمام بلسانهم الذي قد كلفني الأستاذ المرحوم الشيخ طاهر السمعوني أبو عيسى ثم الدمشقي الشامي الشهير أن أجمل له بعض القواعد للخطاب وبعض الأصول، كان هو وابن عمنا المرحوم الشيخ محمد المبارك الزواوي الدمشقي قد عزما على ذلك فتوقفا ولما لم تسعن
* كلمة غير واضحة في النسخة
(1)
من أن الأمم العجمية الثلاث فارسا وبربرا وتركا زادوا قوة في الإسلام إلا أن الأتراك قصروا في خدمة العربية تقصيرا فاحشا خلاف فارس والبربر فإنهم خدموا العربية مثل العرب وزيادة كما قدمنا
مخالفته كتبت عدة مقالات في الموضوع في المجلة السلفية بمصر ولكني رأيت أن ذلك كله أمر ثنوي مهم لا محالة إلا أن ما أنا بصدده من العناية بالنسب والتاريخ والإصلاح أهم وأكد خصوصا أنه من أغرب الغرائب لم يتقدم شيء من ذلك سوى تراجم علمائنا المتفرقة في الكتب وفي كتاب عنوان الدراية للغبريني في علماء بحاية والمراد بهم علماء الزواوة جملة وافرة وساعد ذلك أي تراجم العلماء فهو مطوي وليس بصواب وتقدم ذكر أسفنا على إهمال المتأخرين أمر التاريخ ولكن الزواوة لم يكتب شيء عن تاريخهم بالخصوص أظن أنه باعتبارهم من العرب فتابع لتاريخ العرب وباعتبارهم من البربر كذلك وكيفما كان الحال فلابد من تخصيصهم بتاريخ لشهرتهم ومقتضى الحال لذلك لما هنالك من المصالح وعلى الأخص بإن نسبهم الواجب لمطاعن وجهت من الجهال إليهم وقذف في حسبهم والغض من كرامتهم في عصرنا هذا. هذا وإن استخف بذلك أعني التاريخ والمتفدمين فنحن أكبرناه وإن الأزمان مختلفة والأحوال متباينة، وأن الشاهد يرى ما لا يرى الغائب، والناقد بصير، وعلى هذا فلا يورد علي أن هذه الصحف القليلة وإن هي محكرمة فلا تعد تاريخا فإن قبل بذلك قلت إن العبرة في المعنى والإفادة والخدمة الجليلة فإن مصنف الأجرومية لمحمد بن داود الصنهاجي أخ الزواوة وصغير الحجم، لكن لم يؤلف مثله في النحو كذلك مقدمة السنوسي في التوحيد، وبالخصوص أن كتابي هذا أول كتاب في الموضوع على ما أظن وأما الجمع واللم والحشو فغير خاف عني ولا حاجة لي به، ولا للناس فيه فائدة، كيف وقد سبرت غور الأمس واليوم، وعلمت من ذلك ما يستحق السوم، وكذلك الزواوة
المخاطبين بهذا يعلمون المطلوب والمرغوب من هذا التاريخ أن النسب والفضائل والخصائل والمحامد وغير ذلك مما يقتدى به، وينشط ذوي الهمم إلى الإتيان بمثله، ويبعث ذا العزائم على التحلي بجليه، ويرشد أولي الأمر إلى التنافس في خلاله، وبالتالي هدم الاستسلام لبعض الخرافات والأوهام، ونحو ذلك مما يحاجون به من الجهال والحساد والطعن في النسب وفي الدين وفي المروءة وسائر الأعمال التي يغضون بها كرامتهم وقد سمعنا بأذننا هذه أن الزواوة رومان وأبناء طالوت وجالوت إلى غير ذلك من القذائف السامة، والغارات الخانقة، والنيران السائلة، التي يرميها إليهم أجلاف من أعراب الوطن، وسخفاء العقول من حضر المدن، الذين لم يعمل فيهم القرآن ولا السلطان، وقال تعالى:{يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم} وأن عقولهم محجورة ومحجوبة عن فهم سورة الحجرات وفي قلوبهم أكنة وفي آذانهم وقر، فأبوا إلا أن دعوة الجاهلية الخبيثة كما في صحيح البخاري «دعوها فإنها خبيثة» ورأينا بأعيننا هذه أعينا تزدري الزواوة ولا تبالى ولو تلونا عليهم {ولا أقول للذين تزدري أعينهم لن يؤتيهم الله خيرا وإذا مروا بمم يتغامزون} ، ونحو ذلك من التصريح والتلويح والتعريض كقول العامة في القطر النبي عربي ولم يدر الجهول أنه آذى النبي والإسلام بقوله ذلك تعريضا وتعنيفا فإن السامع الجاهل مثله يقول له إذا كان النبي للعرب فقط وإليهم بعث بالخصوص فلا يلزمنا الإيمان به ولا العمل بشريعته وأهل العلم منا يقولون لهؤلاء الأرذال المجادلين بالباطل إن هذه الدعوى التي تدعونها من الخصوصية والأفضلية
ليست من الإسلام في شيء إنما هو من دعوى اليهود في اليهودية وذلك أن غير اليهودي إذا تهود لا تكون له درجة اليهودي في الأفضلية بلغ ما بلغ والإسلام نادى بالمساواة والإخاء والحرية التامات وأن درجة بلال الحبشي البربري وسلمان الفارسي وصهيب قد لا يبلغها كثير من قريش وقال صلى الله عليه وسلم «سلمان منا» وقال: «نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه» (1) وتقدم قوله صلى الله عليه وسلم في العجم وقال في الروم: «والروم ذات قرون كلما هلك قرن خلفه قرن، وهم أهل صخر وبحر هيهات آخر الدهر» من حديث طويل والمعنى أن الروم رجال عظام ولكن العرب العوام بل وغير العوام مغرورون ومخدوعون كما قدمنا هذا الكلام حين ذكرنا العجم وحقه أن يراجع ويحرر بماء العسجد وإني أقول ما قال ابن عباس رضي الله عنه لرجل شتمه: أتشتمني وفي ثلاث خصال أني لأسمع بالحاكم من حكام المسلمين يعدل في حكمه فأحبه ولعلي لا أقاضي إليه أبدا وإني لأسمع بالغيث يصيب البلاد من بلاد المسلمين فأفرح به وما لي بها من سائمة ولا راعية وإني لآتي على آية من كتاب الله تعالى فوددت أن المسلمين كلهم يعلمون منها مثل ما أعلم اهـ هذا ما نقول للذين يقولون أقوالا ولا يعرفوها وإن قيل هاتوا حققوا لم يحققوا.
(1) نعم فقد انحط الزواوة في هذا العهد الأخير انحطاطا يؤسف له ولكنهم كسائر الأمم الإسلامية الشرقية المصابة في نظامها وتعاليمها المخالفة لمقتضى الحال العصرية من اندفاع الأمة كلها شرقا وغربا إلى التصوف فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين وفي السياسة والعلوم العصرية ومعارفها التجارية والكيمياوية وسائر المعارف.
وفي كتب التاريخ والرحلات والتراجم ألوف من علماء الزواوة أرى جمعهم على حدة وفي الديباج لإبن فرحون ونيل الابتهاج وعنوان الدراية وابن خلكان والسخاوي عدد معتبر ومنهم من تولى القضاء والتدريس في مصر والشام مثل عيسى أبي الروح الزواوي الحميري المنكلاتي وقد أشار هو رحمه الله إلى أن الزواوة من حمير لأنه الب كذلك كما في الديحاج ونص ذلك: عيسى أبو الروح ابن مسعود بن المنصور بن يحي بن يونس بن يانيو (1) بن عبد الله بن أبي حاج المنكلاتي الحميري الزواوي وقدم الإسكندرية وتفقه بها ثم رحل إلى قابس فأقام بها مدة يسيرة ثم رحل إلى القاهرة فأقام بما يشغل الناس بالعلوم بالجامع الأزهر وسمع كتب الحديث الستة وحدث عن شرف الدين الدمياطي وولي نيابة القضاء بدمشق نحو سنتين ثم رجع إلى الديار المصرية فولي نيابة القضاء بما عن قاضي القضاة زين الدين مخلوف المالكي ثم من بعده عن قاضي القضاة زين الدين المخوفي المالكي، ولي تدريس المالكية بمصر بزاوية المالكية وترك ولاية الحكم أقبل على الاشتغال والتصنيف فشرح صحيح مسلم في إثني عشر مجلدا وسماه - إكمال الأعمال - ثم إن صاحب الديباج قال إن قبيلة آيت منكلات قبيلة من العرب قلت إن آيت مكلات في وسط القبائل التي تقدم ذكرها وقلنا أنها من الأذواء الحميرية ثم إن الزواوة علماءهم وعاميتهم لا يعلمون الفرق بين آيت منكلات وغيرهم من القبائل، كلها متجاورات وحالها واحد وما ذكره ابن فرحون هو من قبيل ما حررنا في نسب الزواوة وكذلك عيسى أبو الروح في انتسابه إلى حمير بقوله الحميري. وممن
(1) لعله نسبة إلى بنى ينى قبيلة فينسبه إليها بلغة الزواوة يانيو - بياء وألفا ونون مكسورة وياء وواو ساكنة.