المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

2 - تعظيم تحريم الكذب عليه صلى الله عليه وسلم - تحبير الوريقات بشرح الثلاثيات

[وليد الصعيدي]

الفصل: 2 - تعظيم تحريم الكذب عليه صلى الله عليه وسلم

2 -

تعظيم تحريم الكذب عليه صلى الله عليه وسلم وأنه فاحشة عظيمة وموبقة كبيرة ولكن لا يكفر بهذا الكذب إلا أن يستحله.

وقال البغوى (1): إعلم أن الكذب على النبي (صلى الله عليه وسلم) أعظم أنواع الكذب بعد كذب الكافر على

الله، وقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم): " إن كذبا علي ليس ككذبٍ على أحد، من كذب علي متعمدا فليتبوأ

مقعده من النار ".

3 -

لافرق فى تحريم الكذب عليه صلى الله عليه وسلم بين ما كان فى الأحكام وما لا حكم فيه كالترغيب والترهيب والمواعظ وغير ذلك فكله حرام من أكبر الكبائر وأقبح القبائح باجماع من يعتد بهم فى الاجماع خلافا للكرامية.

4 -

من كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمدا فى حديث واحد فسق وردت رواياتة كلها وبطل الاحتجاج بجميعها.

5 -

يحرم رواية الحديث الموضوع على من عرف كونه موضوعا أو غلب على ظنه وضعه فمن روى حديثا علم أو ظن وضعه ولم يبين حال روايته ووضعه فهو داخل فى هذا الوعيد مندرج فى جملة الكاذبين على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

‌الحديث الثانى

2 -

حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ قَالَ كَانَ جِدَارُ الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ مَا كَادَتْ الشَّاةُ تَجُوزُهَا. (497، طرفه رقم 7334)

الشرح:

هذا الحديث هو ثانى ثلاثيات البخارى كما نص عليه الحافظ فى الفتح.

وقد اخرجه البخارى فى كتاب الصلاة، باب " قدر كم ينبغى أن يكون بين المصلى والسترة ".

(1) شرح السنة للبغوى (1/ 255)

ص: 61

والحديث ينقل لنا مشروعية اتخاذ السترة والمسافة بين المصلى وسترته، والشاهد من قوله " جدار المسجد عند المنبر" ما قاله ابن حجر فى الفتح عن الكرمانىُّ أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى بجانب المنبر ولم يكن لمسجده محراب فكانت المسافة بين النبى والجدار هى نفس المسافة بين المنبر والجدار، ثم نقل معنىً آخر عن ابن رشيد، وهو أن البخارى أراد بالترجمة ما جاء فى حديث سهل بن سعد من أن النبى صلى على المنبر فتكون المسافة بينه وبين جدار المسجد كسترة هى مسافة المنبر من الجدار وهى " ما كادت الشاة تجوزها " ثم لما كان يسجد فى أصل المنبر كانت درجة المنبر هى السترة له وهى بنفس القدر السابق.

وفى الحديث عشر مسائل:

الأولى: حكم السترة.

السترة مشروعة فقد حافظ عليها النبى (صلى الله عليه وسلم) فى كل مواطن صلاته، والعلماء فيها على مذهبين:

الأول: أنها على الندب وذلك عند الجمهور، ومن أدلتهم أنه قد روى عنه (صلى الله عليه وسلم) أنه صلى إلى غير سترة، فقالوا أن هذا صرف الأمر من الوجوب إلى الاستحباب.

الثانى: أنها واجبة، ومن أدلتهم أن النبى (صلى الله عليه وسلم) أمر بها وحافظ عليها طول عمره، وأولوا حديث:" أنه صلى إلى غير جدار " فقال الشوكانىُّ: " ولكنه قد تقرر في الأصول أنَّ فِعْلَه صلى الله عليه وسلم لا يعارض القول الخاص بنا وتلك الأوامر السابقة خاصة بالأمة فلا يصلح هذا الفعل أن يكون قرينة لصرفها " ومن القائلين بالوجوب الشيخ الألبانى رحمه الله

الثانية: كم تكون المسافة بين المصلى والسترة؟

قال البغوي: استحب أهل العلم الدنو من السترة بحيث يكون بينه وبينها قدر إمكان السجود وكذلك بين الصفوف " وقد أمر النبى (صلى الله عليه وسلم) الدنو من السترة كما عند أبى داود.

ص: 62

وقد جاءت الروايات التى تذكر صفة صلاة النبى صلى الله عليه وسلم، بأن المسافة كانت قدر ممر الشاة، وأخرى تقول ثلاثة أذرع، فقال ابن بطال اقل المسافة ممر الشاة.

وجمع الداودي بأن أقله ممر الشاة وأكثره ثلاثة أذرع، وجمع بعضهم فقال قدر ممر الشاة حال السجود والركوع، والثلاثة أذرع حال القيام كما ذكر ذلك ابن حجر فى الفتح.

الثالثة: الحكمة من اتخاذ السترة.

قال الشوكانىُّ فى نيل الأوطار: " قال العلماء: والحكمة في السترة كف البصر عما وراءها ومنع من يجتاز بقربه "

وقال أيضاً: " والحكمة في الأمر من الدنو أن لا يقطع الشيطان عليه صلاته كما أخرجه أبو داود.

والمرادُ بالشيطانِ المارُّ بين يدي المصلي كما في حديث (فإن أبَى فليقاتله فإنما هو شيطان) قال في شرح المصابيح: معناه يدنو من السترة حتى لا يوسوس الشيطان عليه صلاته.

الرابعة: مقدار ارتفاع السترة.

قال النووي: ويحصل بأي شيء أقامه بين يديه.

وقال ابن حجر: " اعتبر الفقهاء مؤخرة الرحل في مقدار أقل السترة، واختلفوا في تقديرها بفعل ذلك. فقيل ذراع، وقيل ثلثا ذراع وهو أشهر " ا. هـ

وقال الشوكانى: " السترة لا تختص بنوع بل بكل شيء ينصبه المصلي تلقاء وجهه يحصل به الامتثال" وقال أيضاً: " السترة تحصل بكل شيء ينصب تجاه المصلي وإن دق "

أما الخط فالراجح من كلام أهل العلم كما ذهب الإمام مالك وعامة الفقهاء أنه لا يجزئ، واعتذروا بضعف الحديث.

وقالوا: " الغرض من السترة الإعلام وهو لا يحصل بالخط " خلافاً لما ذهب إليه أحمد والشافعى فى رواية عنه.

الخامسة: هل السترة خاصة بالفضاء أم بأي مكان؟

ص: 63

قال الشوكانى: الأحاديث تدل على عدم الفرق بين الصحاري والعمران وهو الذي ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من اتخاذه السترة سواء كان في الفضاء أو في غيره وحديث أنه كان بين مصلاه وبين الجدار ممر شاة ظاهر أن المراد في مصلاه في مسجده لأن الإضافة للعهد، وكذلك حديث صلاته في الكعبة المتقدم فلا وجه لتقييد مشروعية السترة بالفضاء، وكذلك التسوية بين مكة وغيرها من البلدان وبين المسجد الحرام وغيره من المساجد لا فرق فى ذلك على الراجح من كلام أهل العلم.

السادسة: وهل تشرع في موضع يأمن المصلى المرور بين يديه؟

قال النووى (1): " واختلفوا إذا كان في موضع يأمن المرور بين يديه، وهما قولان في مذهب مالك ومذهبنا أنها مشروعة مطلقا لعموم الأحاديث، ولأنها تصون بصره، وتمنع الشيطان المرور والتعرض لإفساد صلاته كما جاءت الأحاديث."

وقال ابن الهمام من الحنفية: " لا بأس بترك السترة إذا أمن المرور "

السابعة: حكم المدافعة.

قال الشوكانىُّ: " قال النووي: لا أعلم أحدا من الفقهاء قال بوجوب هذا الدفع، وتعقبه الحافظ بأنه قد صرح بوجوبه أهل الظاهر اهـ. وظاهر الحديث معهم "

وقال أيضاً: " وحكى القاضي عياض وابن بطال الإجماع على أنه لا يجوز له المشي من مكانه ليدفعه ولا العمل الكثير في مدافعته لأن ذلك أشد في الصلاة من المرور ".

وقال أيضاً: " قال الحافظ: وذهب الجمهور إلى أنه إذا مر ولم يدفعه فلا ينبغي له أن يرده لأن فيه إعادة للمرور. قال: وروى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود وغيره أن له ذلك ".

السابعة: أمْرُ النبي (صلى الله عليه وسلم) بمدافعة المار بين يدى المصلى هل هو لكل مصلى؟

قال النووي: واتفقوا على أن هذا كله لمن لم يفرط في صلاته بل احتاط وصلى إلى سترة أو في مكان يأمن المرور بين يديه "

(1) النووى - شرح مسلم

ص: 64

وقال الشوكانى: " لا يجوز الدفع والمقاتلة إلا لمن كان له ستر، ثم قال: " وقد قيد بما إذا كان منفردا أو إماما وأما إذا كان مؤتما فسترة الإمام سترة له ".

الثامنة: هل على المصلى شىءٌ إذا أُصيب المدفوع؟

قال الشوكانىًُّ: " قال القاضي عياض: فإن دفعه بما يجوز فهلك فلا قَوَد عليه باتفاق العلماء.

وهل تجب دية أم يكون هدرا؟ مذهبان للعلماء: وهما قولان في مذهب مالك ".

التاسعة: هل المقاتلة لخلل يقع في صلاة المصلي من المرور بين يديه أو لدفع الإثم عن المار؟

مذهبان لأهل العلم، ذكرهما الشوكانىُّ فقال:

الأول: قال ابن أبى جمرة: الظاهر لدفع الإثم عن المار.

الثانى: قال الحافظ: " وقال غيره بل الأول أظهر لأن إقبال المصلي على صلاته أولى من اشتغاله بدفع الإثم عن غيره. وقد روى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود أن المرور بين يدي المصلي يقطع نصف صلاته. وروى أبو نعيم عن عمر: " لو يعلم المصلي ما ينقص من صلاته بالمرور بين يديه ما صلى إلا إلى شيء يستره من الناس ". قال: فهذان الأثران مقتضاهما أن الدفع لخلل يتعلق بصلاة المصلي ولا يختص بالمار وهما وإن كانا موقوفين لفظا فحكمهما حكم الرفع لأن مثلهما لا يقال بالرأي " اهـ

من فوائد الحديث:

1 -

الإهتمام بكل مفردة من مفردات الدين، وعدم الإحتجاج بأن هذا من الأصول وهذا من الفروع، فقد رأينا مدى اهتمام النبىِّ صلى الله عليه وسلم بالسترة، واهتمام الصحابة من بعده، وإن كان هذا الأمر فى أعيننا هيناً.

2 -

الإهتمام بكل ما يساعد فى الخشوع فى الصلاة، وتفريغ الأعضاء من الشواغل، فاتخاذ

السترة، من مشروعيته أنه يجعل المصلى لا ينشغل بالمارِّ بين يديه.

3 -

إبعاد كل ما يكون سبباً فى إنقاص الأجر فى الطاعات، وخاصةً الصلاة لقول عمر رضي الله عنه:

" لو يعلم المصلي ما ينقص من صلاته بالمرور بين يديه ما صلى إلا إلى شيء يستره من الناس ".

ص: 65