المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث الثانى عشر - تحبير الوريقات بشرح الثلاثيات

[وليد الصعيدي]

الفصل: ‌الحديث الثانى عشر

4 -

وفيه لقاء الواحد أكثر من المثلين؛ لأن سلمة كان وحده، وألقى بنفسه إلى التهلكة، كما قال بن بطال

5 -

وفيه فضل الرماية، لأنه سلمة وحده قاومهم بها وردَّ الغنيمة.

6 -

وتعريف الإنسان نفسه إذا كان شجاعا ليرعب خصمه.

7 -

واستحباب الثناء على الشجاع ومن فيه فضيلة لا سيما عند الصنع الجميل ليستزيد من ذلك، ومحله حيث يؤمن الافتتان. قاله بن حجر.

8 -

وفيه المسابقة على الأقدام ولا خلاف في جوازه بغير عوض، وأما بالعوض فالصحيح لا يصح. والله أعلم. قاله ابن حجر، ففى رواية مسلم وأحمد أنه فى عودتهم من الغزوة تسابق سلمة ورجلٌ من الأنصار، على سمعٍ ومرأى من النبى ولم ينكر (صلى الله عليه وسلم).

9 -

أن قوله " ياصباحاه " ليست من دعوى الجاهلية المنهي عنها لأنها استغاثة على الكفار. قاله ابن المنير

10 -

وفيه تأكيد العفو عند المقدرة إن كان من باب حظ النفس، لقول النبىِّ (صلى الله عليه وسلم) لسلمة " مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ "

‌الحديث الثانى عشر

12 -

حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ "عَنْ سَلَمَةَ قَالَ: "خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى خَيْبَرَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: أَسْمِعْنَا يَا عَامِرُ مِنْ هُنَيَّاتِكَ، فَحَدَا بِهِمْ، فَقال النبي صلى الله عليه وسلم:"مَنْ السَّائِقُ؟ " قَالُوا: عَامِرٌ فَقَالَ: رحمه الله، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَا أَمْتَعْتَنَا بِهِ؟ فَأُصِيبَ صَبِيحَةَ لَيْلَتِهِ. فَقَالَ الْقَوْمُ: حَبِطَ عَمَلُهُ، قَتَلَ نَفْسَهُ.

ص: 100

فَلَمَّا رَجَعْتُ - وَهُمْ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ - فَجِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ، فَقَالَ: كَذَبَ مَنْ قَالَهَا، إِنَّ لَهُ لأَجْرَيْنِ اثْنَيْنِ، إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ، وَأَيُّ قَتْلٍ يَزِيدُهُ عَلَيْهِ" (6891)

الشرح:

قال الكرمانىُّ فى "شرح البخارى" والقسطلانىُّ فى "إرشاد السارى": " هذا هو التاسع عشر من الثلاثيات ".

وقد أخرج البخارى هذا الحديث فى كتاب الديات باب "إذا قتل نفسه خطأ فلا دية له" وذكره فى كتاب المغازي عن القعنبي وفي الأدب عن قتيبة وفي المظالم عن أبي عاصم النبيل وفي الذبائح عن مكي بن إبراهيم وفي الدعوات عن مسدد، وأخرجه مسلم وابن ماجه أيضا.

وقال الإسماعيلي معلقاً على قوله: " قتل نفسه خطأ " قال: " ولا إذا قتلها عمدا " يعني أنه لا مفهوم لقوله "خطأ"، والذي يظهر أن البخاري إنما قيده بالخطأ لأنه محل الخلاف، وقد أخرج الحديث أيضاً فى "باب ما يجوز من الشعر والرجز والحداء" وفى " غزوة خيبر".

وعامر هو ابن الأكوع فهو أخو سلمة وقيل عمه.

ولم يذكر في هذه الطريق صفة قتل عامر نفسه، وقد جاء ذكر ذلك في كتاب الأدب من كتاب البخارى ففيه:"وكان سيف عامر قصيرا فتناول به يهوديا ليضربه فرجع ذبابه فأصاب ركبته "

وقد تقدم في الدعوات من وجه آخر عن يزيد بن أبي عبيد شيخ مكي بلفظ فيه: "فلما تصاف القوم أصيب عامر بقائمة سيفه فمات "

قوله " من هُنَيَّاتك " بضم الهاء وفتح النون وتشديد الياء آخر الحروف جمع هُنَيَّة وقد تبدل الياء هاء فيقال هُنَيْهَة ويجمع على هنيهات وأراد بها الأراجيز.

قوله " حدا بهم ": من الحدو وهو سوق الإبل والغناء لها، يقال حدوت الإبل حدوا وحداء، والذى كان يقوله جاء فى غزوة خيبر، قال:

ص: 101

اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا

فاغفر فداء لك ما أبقينا

وثبت الأقدام إن لاقينا

وألقين سكينة علينا إنا إذا صيح بنا أتينا ...... وبالصياح عولوا علينا

وإنما قالوا "حبط عمله" إعمالاً لقوله تعالى: "ولا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُم " ولكن هذا إنما هو فيمن يتعمد قتل نفسه إذ الخطأ لا ينهى عنه أحد، وقال الداودي: ويحتمل أن يكون هذا قبل قوله تعالى:

" وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً " وقوله: وجاهد اسم فاعل من جهد ومجاهد اسم فاعل أيضا من جاهد.

وفيه مسألتان:

الأولى: هل لقاتل نفسه دية؟

على مذهبين عند أهل العلم:

الأول: قال بن بطال: " قال الأوزاعي وأحمد وإسحاق: تجب ديته على عاقلته (1)، فإن عاش فهي له

عليهم وإن مات فهي لورثته. وقال الظاهرية دية من قتل نفسه على عاقلته.

الثانى: وهو قول الجمهور، قالوا لا يجب في ذلك شيء، وقصة عامر هذه حجة لهم إذ لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب في هذه القصة له شيئا، ولو وجب لبينها إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، وقد أجمعوا على أنه لو قطع طرفا من أطرافه عمدا أو خطأ لا يجب فيه شيء. وهو مذهب البخارىُّ كما بوب عليه.

الثانية: حكم الحداء وما يلتحق به.

(1) العاقلة هم العصبة وهم القرابة من قبل الأب الذين يعطون دية قتل الخطإ وهي صفة جماعة عاقلة (اللسان، 11/ 458)

ص: 102

قال ابن حجر: نقل ابن عبد البر الاتفاق على إباحة الحداء، وفي كلام بعض الحنابلة إشعار بنقل خلافٍ فيه، ومانعه محجوج بالأحاديث الصحيحة، ويلتحق بالحداء هنا الحجيج المشتمل على التشوق إلى الحج بذكر الكعبة وغيرها من المشاهد، ونظيره ما يحرض أهل الجهاد على القتال، ومنه غناء المرأة لتسكين الولد في المهد. ا-هـ وقال أيضاً: وأخرج الطبري من طريق ابن جريج قال: سألت عطاء عن الحداء والشعر والغناء فقال: " لا بأس به ما لم يكن فحشا". وقال ابن بطال: ما كان في الشعر والرجز ذكر الله تعالى وتعظيم له ووحدانيته وإيثار طاعته والاستسلام له فهو حسن مرغب فيه، وهو المراد في الحديث بأنه حكمة، وما كان كذبا وفحشا فهو مذموم. والأدلة فى ذلك كثيرة عن النبى (صلى الله عليه وسلم) والصحابة والتابعين، منها ما أخرجه أحمد وابن أبي شيبة والترمذي وصححه من حديث جابر بن سمرة قال:"كان أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم يتذاكرون الشعر وحديث الجاهلية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينهاهم. وربما يتبسم"، أما الروايات التى جاءت فى ذم الشعر على الإطلاق قال ابن حجر عنها أنها واهية.

من فوائد الحديث:

1 -

استحباب الحداء في الأسفار، لتنشيط النفوس والدواب على قطع الطريق واشتغالها بسماعه عن الإحساس بألم السير.

2 -

مشروعية المواساة والتعزى، كما فعل النبى (صلى الله عليه وسلم) لما رأى سلمة مهموما بما سمع من موت عمه.

3 -

الكذب يطلق على ما يخالف الواقع عمداً كان أو خطأ.

4 -

وفيه معجزة من معجزات النبى (صلى الله عليه وسلم) حيث قال رحمه الله، وفى رواية قال رجلٌ " وجبت يا رسول الله" وقال أبو عمر كانوا قد عرفوا أنه إذا استغفر لأحد عند الوقعة وفي المشاهد يستشهد البتة

5 -

لا يؤخذ بالظاهر، وإنما للأمور بواطن فقد قالوا:" حبط عمله " فقال النبى (صلى الله عليه وسلم)"كذبوا "

ص: 103