الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث التاسع والعاشر
9 -
حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ رضي الله عنه قَالَ بَايَعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ عَدَلْتُ إِلَى ظِلِّ الشَّجَرَةِ فَلَمَّا خَفَّ النَّاسُ قَالَ يَا ابْنَ الْأَكْوَعِ أَلَا تُبَايِعُ؟ قَالَ: قُلْتُ: قَدْ بَايَعْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: وَأَيْضًا، فَبَايَعْتُهُ الثَّانِيَةَ فَقُلْتُ لَهُ يَا أَبَا مُسْلِمٍ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تُبَايِعُونَ يَوْمَئِذٍ قَالَ عَلَى الْمَوْتِ. (2960)
10 -
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ قَالَ بَايَعْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَقَالَ لِي يَا سَلَمَةُ أَلَا تُبَايِعُ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَايَعْتُ فِي الْأَوَّلِ قَالَ وَفِي الثَّانِي. (7208)
الشرح:
قال الكرمانىُّ عن الحديث الأول: " هذا هو الحادى عشر من الثلاثيات التى فى الصحيح "، وقد عدلت هنا عن ترتيب الصحيح، تقديماً للترتيب الزمنى للأحداث، فهذه البيعة كانت فى الحديبية أى قبل خيبر بمدة زمنية.
والحديث أخرجه البخارى فى كتاب الجهاد والسير، باب " البيعة فى الحرب ألا يفروا، وقال بعضهم: على الموت
…
" وقد أخرجه فى الأحكام أيضاً. وهو الحديث الثانى الذى معنا باب:
" من بابع مرتين ".
والحديث الثانى هذا هو " الحادى والعشرون من ثلاثيات البخارى بترتيب الصحيح " كما نص عليه القسطلانى فى " إرشاد السارى "
* وفى الترجمة الأولى ذكر شيئين كان الصحابة يبايعون النبى (صلى الله عليه وسلم) عليهما، ولا تعارض بين الرأيين؛ عدم الفرار والموت، قال ابن حجر (1):" لا تنافي بين قولهم بايعوه على الموت وعلى عدم الفرار، لأن المراد بالمبايعة على الموت أن لا يفروا ولو ماتوا، وليس المراد أن يقع الموت ولا بد " وقد أنكره نافع فقال: " بل بايعهم على الصبر " كما هو فى الحديث الأول من هذا الباب. فكان كلُّ مسلم يبايع النبى (صلى الله عليه وسلم) على أن يقيه بنفسه، ولا يفر عنه حتى يموت دونه ".
و (أبو مسلم) هى كنية سلمة.
وفيه ثلاث مسائل:
الأولى: ما هى البيعة المذكورة، وكيف كانت؟
(1) الفتح، كتاب الجهاد والسير، باب (110) حديث رقم (2958)
البيعة المذكورة؛ هى بيعة الرضوان، وقد أخذها الرسول (صلى الله عليه وسلم) منهم فى الحديبية وكان أمرُها أن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، وهو بالمدينة، أنه دخل هو وأصحابه المسجد الحرام، وأخذ مفتاح الكعبة، وطافوا واعتمروا، وحلق بعضهم وقصر بعضهم، فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا، وحسبوا أنهم داخلو مكة عامهم ذلك، وأخبر أصحابه أنه معتمر فتجهزوا للسفر. واستنفر العرب وخرج منها يوم الإثنين غرة ذي القعدة سنة 6 هـ، ومعه زوجته أم سلمة، في ألف وأربعمائة، ويقال: ألف وخمسمائة، ولم يخرج معه بسلاح، إلا سلاح المسافر: السيوف في القُرُب. فعلم المشركون بخروج النبى صلى الله عليه وسلم فتجهزوا لقتاله، ولكن لم يتم ذلك فقد غير النبى صلى الله عليه وسلم الطريق حتى لا يصطدم بهم، ثم بدأت المفاوضات، وقريش يأتيها من يبلغها بغرض النبى صلى الله عليه وسلم، وانقسمت قريش فريقين؛ فريقٌ يريد الحرب والآخر لا يرى ذلك، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرسل لهم أحد أصحابه يعرض عليهم أمره ويخبرهم أن النبى صلى الله عليه وسلم ما جاء لقتال، فوقع الاختيار على عثمان، فجاءهم وأبلغهم، ثم أن عثمان تغيب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد احتبسته قريش حتى ترى أمرها وتستشير، وطال الاحتباس، فشاع بين المسلمين أن عثمان قتل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغته الإشاعة:(لا نبرح حتى نناجز القوم)، ثم دعا أصحابه إلى البيعة، فثاروا إليه يبايعونه على ألا يفروا، وبايعته جماعة على الموت، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد نفسه وقال:(هذه عن عثمان). ولما تمت البيعة جاء عثمان فبايعه، ولم يتخلف عن هذه البيعة إلا رجل من المنافقين يقال له: جَدُّ بن قَيْس.
أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه البيعة تحت شجرة، وكان عمر آخذا بيده، ومَعْقِل بن يَسَار آخذا بغصن الشجرة يرفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه هي بيعة الرضوان التي أنزل الله فيها:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ .... الآية} [الفتح: 18]، وعرفت قريش ضيق الموقف فأسرعت إلى بعث سُهَيْل بن عمرو لعقد الصلح، وأكدت له ألا يكون في الصلح إلا أن يرجع عنا عامه هذا، لا تتحدث العرب عنا أنه دخلها علينا عنوة أبداً، ثم تم الصلح ببنوده العشرة، ورجع النبى صلى الله عليه وسلم عن البيت ولم يعتمر عامه هذا، حتى كان فتح مكة فى العام التالى ففتحها.
الثانية: الحكمة من إخفاء الشجرة التى تمت البيعة تحتها.
قال ابن حجر (1): " والحكمة من إخفائها أن لا يحصل بها افتتان لما وقع تحتها من الخير، فلو بقيت لما أمن تعظيم بعض الجهال لها، حتى ربما أفضى بهم إلى اعتقاد أن لها قوة نفع أو ضر.
كما نراه الآن مشاهدا فيما هو دونها، وإلى ذلك أشار ابن عمر بقوله " كانت رحمة من الله " أي كان خفاؤها عليهم بعد ذلك رحمة من الله تعالى "
الثالثة: العلة فى تكرار أخذ البيعة من سلمة.
قال ابن المنير: الحكمة في تكراره البيعة لسلمة أنه كان مقداما في الحرب فأكد عليه العقد احتياطا.
وقال ابن حجر: أو لأنه كان يقاتل قتال الفارس والراجل فتعددت البيعة بتعدد الصفة.
وقال المهلب فيما ذكره ابن بطال: " أراد أن يؤكد بيعة سلمة لعلمه بشجاعته وعنائه في الإسلام وشهرته بالثبات، فلذلك أمره بتكرير المبايعة ليكون له في ذلك فضيلة " واعترض ابن حجر على هذا الكلام بقوله أنه لم يكن ظهر من سلمة ذلك بعدُ، والصحيح أن يقال أن النبى (صلى الله عليه وسلم) تفرس فيه ذلك.
(1) الموضع السابق
وقال ابن حجر بعد ذلك (1): " ويحتمل أن يكون سلمةُ لما بادر إلى المبايعة ثم قعد قريبا، واستمر الناس يبايعون إلى أن خفوا، أراد صلى الله عليه وسلم منه أن يبايع لتتوالى المبايعة معه ولا يقع فيها تخلل، لأن العادة في مبدأ كل أمر أن يكثر من يباشره فيتوالى، فإذا تناهى قد يقع بين من يجيء آخراً تخلل، ولا يلزم من ذلك اختصاص سلمة بما ذكر "
من فوائد الحديث:
1 -
قال ابن حجر: " قال ابن المنير: يستفاد من هذا الحديث أن إعادة لفظ العقد في النكاح وغيره ليس فسخاً للعقد الأول خلافا لمن زعم ذلك من الشافعية.
قلت -أى ابن حجر-: الصحيح عندهم أنه لا يكون فسخا كما قال الجمهور.
2 -
وفيه منقبةٌ لصحابة النبىِّ (صلى الله عليه وسلم) الذين بايعوا تحت الشجرة (فقد رضى الله عنهم) ومنهم سلمة.
قال تعالى:" لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ "(الفتح / 18)
3 -
وفيه متابعة الشيء العظيم المرة بعد الأخرى، لتظل النفسُ متعلقةً به.
4 -
وفيه البيعة لمن ولاه الله أمر المسلمين، دون غيره.
5 -
عدم الإغترار بمعظمٍ فى الدين، لطالما لم يأتى الشرع بالأمر بتعظيمه، وإلا فمن فعل ذلك وقع فى المخالفة، وكما يقال من استحسن فقد شرع، والتشريع حقٌ خالص لله سبحانه. لأجل ذلك أخفيت الشجرة.
(1) الفتح، كتاب الأحكام، حـ13، صـ 242، باب من بايع مرتين