المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

4 - وفيه الدقه والضبط فى نقل العلم، فإن سلمة - تحبير الوريقات بشرح الثلاثيات

[وليد الصعيدي]

الفصل: 4 - وفيه الدقه والضبط فى نقل العلم، فإن سلمة

4 -

وفيه الدقه والضبط فى نقل العلم، فإن سلمة قال:" مَا كَادَتْ الشَّاةُ تَجُوزُهَا "

5 -

فيه دليل على مخالفة هدى النبى صلى الله عليه وسلم فى ارتفاع المنبر.

6 -

جواز التعدى على الآخرين فى ما جاء الشرع بجوازه، فهنا التعدى والمقاتلة للمار بين يدى المصلى.

7 -

وفيه سترة الإمام سترة للمأمومين.

‌الحديث الثالث

3 -

حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ كُنْتُ آتِي مَعَ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ فَيُصَلِّي عِنْدَ الْأُسْطُوَانَةِ الَّتِي عِنْدَ الْمُصْحَفِ فَقُلْتُ يَا أَبَا مُسْلِمٍ أَرَاكَ تَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَ هَذِهِ الْأُسْطُوَانَةِ قَالَ فَإِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَهَا. (502)

الشرح:

نص الحافظ فى الفتح على أن هذا الحديث ثالث ثلاثيات البخارى

هذا الحديث أخرجه البخارى فى كتاب الصلاة فى باب " السترة بمكة وغيرها "، ومسلم فى كتاب الصلاة باب " دنو المصلى من السترة " وفيه:" كان يتحرى موضع مكان المصحف يسبح فيه " والتسبيح هو: صلاة النافلة.

والحديث ينقل لنا مشروعية اتخاذ السترة للمصلى كما بينا فى الحديث السابق، وفيه أيضاً مدى متابعة الصحابة للنبى (صلى الله عليه وسلم) ومحبتهم له. وهذا الحديث قد ساوى فيه البخاري شيخه أحمد بن حنبل، فإنه أخرجه في مسنده عن مكي بن إبراهيم.

*وقوله "الأسطوانة " قال ابن حجر: " والغالب أنها من بناء، بخلاف العمود فإنه من حجر واحد. أما عن الشاهد من الحديث فقال ابن حجر:" قال ابن بطال: لما تقدم أنه (صلى الله عليه وسلم) كان يصلي إلى الحربة، كانت الصلاة إلى الأسطوانة أولى لأنها أشد سترة ".

ص: 66

* وقوله: "التي عند المصحف" قال ابن حجر: "هذا دال على أنه كان للمصحف موضع خاص به، ووقع عند مسلم بلفظ: "يصلي وراء الصندوق " وكأنه كان للمصحف صندوق يوضع فيه، والأسطوانة المذكورة حقق لنا بعض مشايخنا أنها المتوسطة في الروضة المكرمة، وأنها تعرف بأسطوانة المهاجرين." ا. هـ

وفيه ثلاث مسائل:

ولورود هذا الحديث فى باب السترة فى مكة وجب ذكرُ مسألةٍ لم تذكر فى جملة المسائل السابقة فى الحديث السابق، وهى:

الأولى: هل تشرع السترة فى مكة أم لها حكم آخر؟

قال ابن حجرفى الفتح (1):

قال ابن المنير: إنما خص مكة بالذكر دفعا لتوهم من يتوهم أن السترة قِبلة، ولا ينبغي أن يكون لمكة قِبلة إلا الكعبة، فلا يحتاج فيها إلى سترة. انتهى. والذي أظنه أنه أراد أن ينكت على ما ترجم به عبد الرزاق حيث قال في " باب لا يقطع الصلاة بمكة شيء " عن كثير بن كثير بن المطلب عن أبيه عن جده قال " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في المسجد الحرام ليس بينه وبينهم - أي الناس - سترة " وأخرجه من هذا الوجه أصحاب السنن، فقال ابن حجر:" ورجاله موثقون إلا أنه معلول "

ثم قال: " فأراد البخاري التنبيه على ضعف هذا الحديث وأن لا فرق بين مكة وغيرِها في مشروعية السترة "، واستدل على ذلك بحديث أبي جحيفة وفيه " أن النبى (صلى الله عليه وسلم) صلى بهم بالبطحاء

-وبين يديه عنزة -

" وهذا هو المعروف عند الشافعية وأن لا فرق في منع المرور بين يدي المصلي بين مكة وغيرها.

واغتفر بعض الفقهاء ذلك للطائفين دون غيرهم للضرورة، وعن بعض الحنابلة جواز ذلك في جميع مكة.

الثانية: كيف التوفيق بين قوله: " الأسطوانة " التى هى من بناء وبين ما ثبت عند البخارى من حديث ابن عمر أن أعمدة مسجد النبى (صلى الله عليه وسلم) كانت من خشب نخل؟

(1) الفتح، حـ1، صـ718

ص: 67

قال على القارى (1): " الجواب: أن يكون قول الراوى " فيصلى عند الأسطوانة " فى خلافة عثمان (رضي الله عنه)، فإنه جدد عمارة المسجد النبوى وبناه مزخرفاً، فالإسطوانة كانت - حينئذ - مبنية بالحجارة والجص فلا محذور، ويؤيده قوله: " التى عند المصحف".ا. هـ.

فلم يكن على عهد النبى (صلى الله عليه وسلم) هذا المصحف.

الثالثة: ما هو المراد بالمصحف؟

قال القارى: " المراد بالمصحف ما جمع فى زمن عثمان وكتب فى محل واحد؛ فإن القرآن قبل ذلك كتب فى صحفٍ متفرقة إلى أن ولى عثمان الخلافة فأمر بجمع الصحف فى محل واحد، وأمر أن تكتب ستة مصاحف وبعث بها، واحداً إلى مكة، وإلى البصرة واحداً، وإلى الكوفة واحداً، وإلى الشام آخر، وآخر إلى البحرين، وأمسك عنده واحداً وهو الذى يوضع فى صندوق موضوع بجنب الأسطوانة المتوسطة فى المسجد النبوىّ، وكان سلمةُ أدرك عثمان بالاتفاق ".

الرابعة: كيف التوفيق بين تحريه الصلاةفى موطن واحد، ونهى النبىِّ عن إيطان الرجل موضعاً من المسجد يلازمه.

قال النووى فى شرح مسلم (2): " وفي هذا أنه لا بأس بإدامة الصلاة في موضع واحد إذا كان فيه فضل، وأما النهي عن ايطان الرجل موضعا من المسجد يلازمه فهو فيما لا فضل فيه ولا حاجة إليه فأما ما فيه فضل فقد ذكرناه، وأما من يحتاج إليه لتدريس علم أو للإفتاء أو سماع الحديث ونحو ذلك فلا كراهة فيه بل هو مستحب، لأنه من تسهيل طرق الخير، وقد نقل القاضي رضي الله عنه خلاف السلف في كراهة الايطان لغير حاجة والاتفاق عليه لحاجة نحو ما ذكرناه ".

من فوائد الحديث:

(1) تعليقات القارى على ثلاثيات البخارى،

(2)

شرح مسلم للنووى رقم (509) مجلد 2/ 189

ص: 68

1 -

اتخاذ السترة للمصلى، وهذا ظاهرٌ فى الحديث فإن النبى (صلى الله عليه وسلم) كان يصلى عندها والصحابة من بعده كانوا يتحرون ذلك، ومن الأدلة؛ حديث أنس بن مالك فى البخارى فى الحديث الذى يلى حديث سلمة قال "لقد رأيت كبار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبتدرون السواري عند المغرب "

2 -

مدى محبة الصحابة للنبى (صلى الله عليه وسلم) فإنهم كانوا يقلدونه فيما يقدرون عليه، وهذا التقليد لا يصدر إلا عن محبة كما يقال:" إن المحب لمن يحب مطيع ". وأمثلة ذلك كثيرة منها قول أبى أيوب لما ترك النبى (صلى الله عليه وسلم) الأكل من البصل فقال أبو أيوب " لا جرم أن أكره الذي تكره يا رسول الله ".

3 -

وجوب إفراد النبى (صلى الله عليه وسلم) بالاتباع كما يفرد الله عز وجل بالتوحيد والعبادة.

4 -

من بركة التعلم أن يستفهم الطالب أستاذه عن كل ما أشكل عليه، فإنما شفاء العىِّ السؤال.

وهذا واضح من سؤال يزيد لسلمة رضي الله عنه.

5 -

وجوب الاتِّباع وإن لم تتضح الحكمة من وراء الفعل.

فيزيد رحمه الله سأل شيخه عن مسألة فلم يجبه عن علة الفعل إلا مجرد أنه رأى النبى (صلى الله عليه وسلم) فعل ذلك.

6 -

وفيه تكريم المصحف الشريف فقد كان له صندوقٌ خاصٌ به كما فى رواية مسلم

7 -

وفيه التلطف فى السؤال والأدب فيه، والتقديم للسؤال بما يحبه الشيخ، فقد قال يزيد لسلمة:" يا أبا مسلم .. " فقد كناه، والكنية أحب إلى النفس.

8 -

وفيه السؤال على ما يستغربه المرء، إن كان فى ذلك منفعة. فقال يزيد لسلمة: " أراك تتحرى

الصلاة عند هذه الاسطوانة ".

9 -

وفيه أنه لا بأس بإدامة الصلاة فى مكان واحد إذا كان فيه فضل. قاله النووى.

ص: 69