الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السابع والثامن
7 -
حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رضي الله عنه قَالَ كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ فَقَالُوا صَلِّ عَلَيْهَا فَقَالَ هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قَالُوا: لَا قَالَ فَهَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟ قَالُوا لَا فَصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ أُخْرَى فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلِّ عَلَيْهَا قَالَ هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قِيلَ: نَعَمْ قَالَ فَهَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟ قَالُوا ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ فَصَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ أُتِيَ بِالثَّالِثَةِ فَقَالُوا: صَلِّ عَلَيْهَا قَالَ هَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟ قَالُوا: لَا قَالَ: فَهَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قَالُوا ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ، قَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: صَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَيَّ دَيْنُهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ (2289)
8 -
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِجَنَازَةٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهَا فَقَالَ: هَلْ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ؟ قَالُوا: لَا، فَصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ أُخْرَى فَقَالَ هَلْ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ، قَالَ أَبُو قَتَادَةَ عَلَيَّ دَيْنُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَصَلَّى عَلَيْهِ "
…
(2295)
الشرح:
الحديث الأول قال عنه القسطلانىُّ فى شرح البخارى: " وهو سابع ثلاثياته "
وقد أخرجه البخارى فى كتاب الحوالة، " بَاب إِنْ أَحَالَ دَيْنَ الْمَيِّتِ عَلَى رَجُلٍ جَازَ "، والحَوالة بفتح الحاء وقد تكسر مشتقة من التحويل أو من الحئول، وهي عند الفقهاء:"نقل دين من ذمة إلى ذمة " والحديث الثانى قال الكرمانىُّ فيه: " وهذا الحديث ثامن ثلاثيات البخارى "
وأخرجه البخارى فى كتاب الكفالة، باب " من تكفل عن ميتٍ ديناً فليس له أن يرجع، وبه قال الحسن " وأصل الكفالة فى المال قوله تعالى: " وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ "(يوسف، 72)، أى: كفيل وضامن. أما الكفالة بالنفس فاختُلف فيها كما سنبيه إن شاء الله.
والحديث ينقل لنا عظم الدَّين وشدته، وأنه يجب على العبد أن لا يترك عليه دَيْن، فإنه لا يدرى هل حين موته سيجد من يتحمل عنه الدَّيْن أم لا، وقد ذكر بعض أهل العلم ذلك سبباً عن امتناع النبىِّ من الصلاة على من كان هذا حاله.
والحديث ينقل لنا أيضاً حال النبىِّ (صلى الله عليه وسلم) فى أول الأمر فقد كان يترك الصلاة على من مات وعليه دينٌ، فلما فتح الله على رسوله صلى الله عليه وسلم قال:«أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، فمن ترك دينا فعلي، ومن ترك مالا فلورثته» . رواه أحمد وأبو داود والنسائي من حديث جابر.
فتخيل شدة الدين من خلال ترك النبى (صلى الله عليه وسلم) الشفاعة له بالصلاة عليه.
وفيه ثمان مسائل:
الأولى: لماذا ترجم له البخارى بالحوالة مع أنه فى الضمان؟
قال ابن حجر: " قال ابن بطال: إنما ترجم بالحوالة فقال " إن أحال دين الميت " ثم أدخل حديث سلمة وهو في الضمان لأن الحوالة والضمان عند بعض العلماء متقاربان، وإليه ذهب أبو ثور لأنهما ينتظمان في كون كل منهما نقل ذمة رجل إلى ذمة رجل آخر، والضمان في هذا الحديث نقل ما في ذمة الميت إلى ذمة الضامن فصار كالحوالة سواء "
الثانية: مدى مشروعية ضمان ما على الميت من دين ولم يترك وفاءً؟
اختلف أهل العلم فيها: قال ابن حجر (1): قال ابن بطال:
ا- ذهب الجمهور إلى صحة هذه الكفالة ولا رجوع له في مال الميت. وهو الراجح. وبه قال الحسن، وابن أبي ليلى، والشافعي.
ب - وعن مالك له أن يرجع إن قال إنما ضمنت لأرجع، فإذا لم يكن للميت مال وعلم الضامن بذلك فلا رجوع له.
حـ- وعن أبي حنيفة إن ترك الميت وفاءً جاز الضمان بقدر ما ترك، وإن لم يترك وفاء لم يصح
ذلك، وخالفه تلميذه أبو يوسف وقال:" الكفالة جائزة كان له مخاطب أو لم يكن"
وقال ابن المنذر: " فخالف أبو حنيفة هذا الحديث "، ورد البغوى (2) على مذهب أبى حنيفة
فقال: " وبالاتفاق لو ضمن عن حي معسر دينا، ثم مات من عليه الدين كان الضمان بحاله، فلما لم يناف موت المعسر دوام الضمان لا ينافي ابتداءه.
وهذا الحديث حجة للجمهور، وقد بالغ الطحاوى الحنفى فى نصرة قول الجمهور.
الثالثة: علة امتناع النبى (صلى الله عليه وسلم) الصلاة فى أول أمره على من عليه دين؟
قال ابن حجر: " قال العلماء كأن الذى فعله (صلى الله عليه وسلم) من ترك الصلاة على من عليه دين ليحرض الناس على قضاء الديون فى حياتهم والتوصل إلى البراءة منها لئلا تفوتهم صلاة النبى (صلى الله عليه وسلم).
وحكى القرطبي أنه ربما كان يمتنع من الصلاة على من أدان دينا غير جائز، وأما من استدان لأمر هو جائز فما كان يمتنع "فقال الشوكانىُّ معقباً على قول القرطبى بعد أن ساقه:
" وفيه نظر لأن في حديث أبي هريرة ما يدل على التعميم حيث قال في رواية للبخاري: " من توفي وعليه دين " ولو كان الحال مختلفا لبينه صلى الله عليه وسلم ".
الرابعة: هل كانت صلاته على من عليه دين محرمةٌ عليه أم جائزة؟
قال ابن حجر (3): " وجهان، قال النووى: الصواب الجزم بجوازه مع وجود الضامن كما فى حديث مسلم.
(1) الفتح، حـ4، صـ 574
(2)
شرح السنة للبغوى، حـ8، 212
(3)
الفتح، حـ 4، صـ 586
الخامسة: هل المضمون عنه يبرأ بأداء الضامن أم بمجرد ضمانه.
ورد عند أحمد (1) من حديث جابر جابر، قال " توفى رجل فغسلناه وحنطناه وكفناه ثم أتينا به
النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: تصلي عليه فخطى خطوة، ثم قال أعليه دين؟ قلنا: ديناران، فانصرف، فتحملهما أبو قتادة، فأتيناه فقال أبو قتادة: الديناران على فقال النبي صلى الله عليه وسلم قد أوفى الله حق الغريم وبرئ منه الميت؟ قال: نعم، فصلى عليه، ثم قال بعد ذلك بيوم: ما فعل الديناران؟ فقال: إنما مات
أمس. قال فعاد إليه من الغد فقال: قد قضيتهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الآن بردت عليه جلده "
قال الشوكانى معلقا على قوله " الآن بردت عليه ":
" فيه دليل على أن خلوص الميت من ورطة الدين وبراءة ذمته على الحقيقة ورفع العذاب عنه إنما يكون بالقضاء عنه لا بمجرد التحمل بلفظ الضمانة، ولهذا سارع النبي صلى الله عليه وسلم إلى سؤال أبي قتادة في اليوم الثاني عن القضاء " ا. هـ فكان يقول له صلى الله عليه وسلم: " ما فعل الديناران " رغم أنه لما تحملهما أبو قتادة قال له النبى صلى الله عليه وسلم: " قد أوفى الله حق الغريم وبرئ منه الميت؟ قال نعم، فصلى عليه ".
فلو كان الأمر مجرد التحمل ولا شىء على الميت ما أتعب النبىُّ صلى الله عليه وسلم نفسه ولا أشغل باله ولكن لعلمه أن الميت يتعلق أمره حتى يقضى عنه الدين سأل أبا قتادة عن الدينارين.
لذلك بوب عليه صاحب المنتقى فقال: " باب في أن المضمون عنه إنما يبرأ بأداء الضامن لا بمجرد ضمانه "
السادسة: هل بعد الفتح كان يتحمل النبى صلى الله عليه وسلم دين الميت من مال المصالح أم من حرِّ ماله.
فيه وجهان:
(1) حسنه الأرنؤوط فى المسند (14536)
قال الشوكانىُّ (1): " وفي صلاته صلى الله عليه وسلم على من عليه دين بعد أن فتح الله عليه إشعار بأنه كان يقضيه من مال المصالح. وقيل بل كان يقضيه من خالص ملكه ".
السابعة: فهل كان القضاء واجبا عليه صلى الله عليه وسلم أم لا:
قال الشوكانىُّ: " فيه وجهان ".
الثامنة: هل تجوز الكفالة بالبدن؟
مذهبان لأهل العلم:
الأول: الجواز وبه قال جمهور الفقهاء كما نقا ابن بطال.
وقال البغوى فى شرح السنة (2):
" وأجاز أكثر أهل العلم الكفالة بالبدن، وقال جرير والأشعث لعبد الله بن مسعود في المرتدين: استتبهم وكفلهم، فتابوا، وكفلهم عشائرهم. "
وهو قول مالك والليث والثورى والأوزاعى وأبو حنيفة وأحمد واختُلف عن الشافعى، فمرة أجازها ومرة ضعفها.
وقال ابن بطال: " ولم يختلف الذين أجازوها فى النفس أن المطلوب إن غاب أو مات لم يقم على الكفيل به حد، ولا لزمه قصاص، فصارت الكفالة بالنفس عندهم غير موجبة لحكم فى البدن، وشذ أبو يوسف ومحمد، فأجازا الكفالة فى الحدود والقصاص، وقالا: إذا قال المقذوف أو المدعى للقصاص: بينتى حاضرة، كفلته ثلاث أيام. "
الثانى: لا تجوز الكفالة بالنفس، وقالت به طائفة من أهل العلم كما نقل ابن بطال.
ومن الفوائد:
1 -
تصح الضمانة عن الميت ويلزم الضَّمِينُ ما ضَمِنَ به، وسواء كان الميت غنيا أو فقيرا، وإلى ذلك ذهب الجمهور. كما قال الشوكانىُّ.
2 -
وفيه وجوب الصلاة على الجنازة، قاله ابن حجر.
3 -
صعوبة أمر الدَّيْنِ، وأنه لا ينبغى تحمله.
4 -
وجود النسخ فى الشرائع، وهذا يتضح من طرق الحديث الأخرى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان فى نهاية
أمره أنه يصلى على من مات وعليه دين لقوله: " فعلى دينه "، قال ابن بطال معلقاً على هذه اللفظة كما نقل الشوكانىُّ عنه:" هذا ناسخ لترك الصلاة على من مات وعليه دين وقد حكى الحازمي إجماع الأمة على ذلك ".
(1) نيل الأوطار، حـ5/ 294
(2)
شرح السنة، حـ 8، 214
5 -
يلزم المتولى لأمر المسلمين أن يقضى دين الميت، فإن لم يفعل فالإثم عليه إن كان حق الميت فى بيت المال يفى بقدر ما عليه من الدين وإلا فبقسطه، قاله ابن حجر.
6 -
كراهة الرجوع فى كفالة دين الميت. كما بوب عليه البخارى فى الحديث الثانى.
7 -
مدى محبة النبى صلى الله عليه وسلم لأمته، فكان كلما قابل قتادة سأله عن الدراهم هل أداها أم لا، ولما وسع الله على النبى (صلى الله عليه وسلم) كان هو الضامن لأمته فمن مات وعليه دين فقضاؤه كان على النبى (صلى الله عليه وسلم).
8 -
وفيه دليل على أنه يستحب للإمام أن يحض من تحمل عن ميت على الإسراع بالقضاء، وكذلك يستحب لسائر المسلمين؛ لأنه من المعاونة على الخير. قاله الشوكانىُّ.
9 -
أن المضمون عنه إنما يبرأ بأداء الضامن لا بمجرد ضمانه.
وليُعلم ذلك حتى لا يتلكأ ضامن فى أداء ما ضمنه كما نراه شائعاً بين المسلمين فى هذه الأيام.
10 -
وفيه تحقيق الإيمان بأن يحب المرءُ لأخيه ما يحبه لنفسه، فقد تحمل أبو قتادة مالاً ليس معه، ولكن دفعه الإيمان لذلك.
11 -
على الراعى المحافظة على حقوق الناس التى عند الغير والبحث عنها؛ لئلا تستأكل أموال الناس فتذهب، وهذا ما فعله النبى صلى الله عليه وسلم، فإن النبى صلى الله عليه وسلم كان يسأل أبا قتادة ليطمئن على الميت كما يطمئن على الحى برد حقه له. نبه على هذا المعنى ابنُ بطال.