الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد ذُكِرَ فى الحديث إمارة زيد، وقد كان طَعَن فى إمرته أناسٌ، فلما أمَّرَ النبىُّ (صلى الله عليه وسلم) ابنَه أسامة طعن فيه أناسٌ أيضاً فقال النبىُّ (صلى الله عليه وسلم):" إن تطعنوا فى إمارته فقد طعنتم فى إمارة أبيه من قبله، وأيم الله لقد كان خليقاً للإمارة ".
من فوائد الحديث:
1 -
جواز التحدث بنعمة الله إن أمن العبد على نفسه من فتنة العجب. فقد تحدث سلمة عن غزواته كلها.
2 -
وفيه منقبة لزيد بن حارثة حيث أمَّرهُ النبىُّ (صلى الله عليه وسلم) فى عددٍ كثيرٍ من السرايا.
3 -
وفيه عزة الإسلام حيث كانوا لا يخافون فى الله لومة لائم فكانوا ينطلقون فى المعمورة يبلغون دين الله.
4 -
وفيه شجاعة الصحابة، وبذلهم الأرواح فى سبيل نشر الدين.
5 -
وفيه السمع والطاعة ولو كان عبداً حبشياً، وذلك فى قوله:" اسْتَعْمَلَهُ عَلَيْنَا " أو" يؤمره
علينا "، فقد كان فى الجيش أجل منه، ولكن أمر فوجب السمع والطاعة.
الحديث السابع عشر
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ فَلَا يُصْبِحَنَّ بَعْدَ ثَالِثَةٍ وَبَقِيَ فِي بَيْتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ نَفْعَلُ كَمَا فَعَلْنَا عَامَ الْمَاضِي قَالَ كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَامَ كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ فَأَرَدْتُ أَنْ تُعِينُوا فِيهَا. (5569)
الشرح:
قال الكرمانىُّ فى "شرح البخارى ": " هذا هو الثامن عشر من ثلاثيات البخارى "
والحديث أخرجه البخارىُّ فى كتاب الأضاحى، باب " ما يؤكل من لحوم الأضاحى، وما يتزود منها" وقد شرع الله الأضاحى، للحصول على التقوى، حيث أنها عبادة لا يجوز صرفها لغير الله خلافاً لما كان عليه أهل الجاهلية الذين كانوا يذبحوا للأصنام فقال تعالى:" لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ "(الحج، 37).
وفى هذا الحديث ينقل لنا صورة من حال الصحابة، فى عامٍ أصابهم فيه الجهد، فجعل النبى (صلى الله عليه وسلم) الحق فى الأضاحى للناس أجمعين، ليس لأصحابها فقط مراعاةً لحوائج الناس، وتحقيقاً للإيمان الذى جعل النبى (صلى الله عليه وسلم) شرطه أنه " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه "، وفِعْلُ النبىِّ هذا ينقل لنا صورةً من صور رحمة النبىِّ بالأمة، ثم جعل النبى (صلى الله عليه وسلم) أمر أضحيته بعد هذا العام يرجع للمضحى نفسه، ومن أجل هذا الحديث اختلف أهل العلم فى بعض المسائل الخاصة بالأضحية، وهو ما نبينه فى عرضنا لمسائل الحديث.
وفى الحديث خمس مسائل:
الأولى: الأضحيةُ وحكمها ووقتها:
تعريفها:
الأضاحي: جمع أضحية بضم الهمزة ويجوز كسرها ويجوز حذف الهمزة وفتح الضاد كأنها اشتقت من اسم الوقت الذي شرع ذبحها فيه، وبها سمي اليوم يوم الأضحى. وهى مايذكى تقرباً إلى الله تعالى فى أيام النحر بشرائط مخصوصة. (1)
حكمها:
اختلف العلماء فى وجوب الأضحية على الموسر على قولين كما قال النووى (2):
أ - فقال جمهورهم هي سنة فى حقه إن تركها بلا عذر لم يأثم ولم يلزمه القضاء وممن قال بهذا أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وبلال وأبو مسعود البدرى وسعيد بن المسيب وعلقمة والأسود وعطاء ومالك وأحمد وأبو يوسف وإسحاق وأبو ثور والمزني وبن المنذر وداود وغيرهم
(1) سبل السلام -نقلاً عن صحيح فقه السنة-لأبى مالك حـ2، صـ367
(2)
شرح النووى لمسلم، كتاب الأضاحى (1960) حـ13 صـ 93
ب - الوجوب واختلف القائلون بذلك على من تجب:
* فقال ربيعة والأوزاعي وأبو حنيفة والليث هي واجبة على الموسر وبه قال بعض المالكية.
* وقال النخعى واجبة على الموسر إلا الحاج بمنى.
* وقال محمد بن الحسن واجبة على المقيم بالأمصار.
* والمشهور عن أبى حنيفة أنه انما يوجبها على مقيم يملك نصابا والله أعلم " ا. هـ
ومن أدلة القائلين بالوجوب الأمر الذى فى الآية " فَصلِّ لِرَبِّكَ وانْحَر" ولكن فيها تأويلات، وبحديث جندب بن سفيان (رضي الله عنه) المتفق عليه أن النبىَّ قال:" من ذبح قبل أن يصلى فليُعِد مكانها أخرى، ومن لم يذبح فليذبح " وأُجيب بأن فى بيان شروط الأضحية لا فى وجوبها، وحديث أبى هريرة عند ابن ماجةَ وغيره " أن النبىَّ (صلى الله عليه وسلم) قال: من كان له سعةٌ ولم يُضَحِّ فلا يقربنَّ مُصلانا " وأجيب عليه بترجيح وقفه.
ومن أدلة القائلين بالاستحباب حديث أم سلمة أن النبىَّ (صلى الله عليه وسلم) قال: " إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحى فلا يمس من شعره وبشره شيئاً " فقوله " وأراد أحدكم " صارفٌ من الوجوب إلى الندب. وما ثبت عن الصحابة كما فى مسند عبد الرزاق والبيهقىُّ عن أبى سريحة بسند صحيح قال: " رأيت أبا بكر وعمر، وما يضحيان ".
أما وقتها:
فبعد صلاة العيد، ولا تجزئ قبله، قال بن المنذر:
"وأجمعوا أنها لاتجوز قبل طلوع الفجر يوم النحر واختلفوا فيما بعد ذلك "
أما آخر وقتها فعلى مذاهب ذكرها النووى فى شرح مسلم، وأشهرها مذهبين:
الأول: مذهب الشافعىِّ فقال: " تجوز فى يوم النحر وأيام التشريق الثلاثة بعده " وممن قال بهذا علىُّ بن أبى طالب وجبير بن مطعم وبن عباس وعطاء والحسن البصرى وعمر بن عبد العزيز وسليمان بن موسى الأسدى فقيه أهل الشام ومكحول وداود الظاهرى وغيرهم.
الثانى: قال أبو حنيفة ومالك وأحمد تختص بيوم النحر ويومين بعده وروى هذا عن عمر بن الخطاب وعلى وبن عمر وأنس رضى الله عنهم.
واختلفوا فى جواز التضحية فى ليالى هذه الأيام، وذلك على مذهبين، الراجح قول الجمهور بالجواز، وهو رأى الشافعىُّ وأبى حنيفة، وأحمد وإسحاق وأبى ثور.
الثانية: حكم ادخار لحوم الأضاحى بعد ثلاث.
على مذهبين عند أهل العلم ذكرها ابن بطال فى شرحه للبخارى:
الأول: ذهب قوم إلى أن يحرموا لحوم الأضاحى بعد ثلاث، واحتجوا بحديث أبى عبيد عن على بن أبى طالب:(أن النبى نهى أن يؤكل من لحم الأضاحى بعد ثلاث) وبحديث ابن عمر: (أنه عليه السلام أباح لهم الأكل منها ثلاثًا) وإليه ذهب ابن عمر.
الثانى: رأى الجمهور فإنهم لم يروا بأكلها وادخارها بأسًا، واستدلوا بحديث سلمة هذا، واختلُفَ فى أحاديث الإباحة هل هى ناسخة للنهى أم لا:
فقال الجمهور: أحاديث الإباحة ناسخة للنهى فى ذلك، وهذا قول الطحاوى، وقال المهلب:"والذى يصح عندى أنه ليس فيها ناسخ ولا منسوخ وإنما كان لعلة فلما زالت العلةُ زال الحكم " وقول عائشة (رضى الله عنها): (وليست بعزيمة ولكنه أراد أن يطعم منه) يبين أنه ليس بمنسوخ، وقال آخرون كان النهي للكراهة لا للتحريم والكراهة باقية إلى اليوم-أفاده البدر العينى.
الثالثة: كيفية تقسيم الأضحية.
قيل: يستحب له أن يتصدق بثلثها، ويأكل ثلثها، وُيطعم الجيران ثلثها؛ لأن ذلك كان يفعله بعض السلف، لقوله:" فكلوا وتصدقوا وأطعموا " وذهب إلى ذلك الشافعىُّ، وقد ورد فى هذا آثارٌ ضعيفة، حتى قال الثورىُّ:" إن تصدق بلقمة أجزأه ".
فله أن يقسمها كيفما شاء، ولو تصدق بها كلها جاز، لما عند البخارىِّ ومسلم من حديث علىِّ (1)" أن النبىَّ أمره أن يقوم على بُدْنه كلها لحومها وجلودها وجلالها، ولا يعطى فى جزارتها شيئا "
الرابعة: هل قول النبى (صلى الله عليه وسلم)"فكلوا " يوجب على المضحى الأكل منها؟
(1) البخارى (1717) ومسلم (1317)