الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثاً: رد الزيادة على النص:
قال الإمام أبو عبد الله الشافعي رحمه الله: "فلم أعلم من أهل العلم مخالفاً في أن سنن النبي صلى الله عليه وسلم من ثلاثة وجوه فاجتمعوا منها على وجهين:
أحدهما: ما أنزل الله فيه نص كتاب، فبيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما نص الكتاب. 1
والآخر: مما أنزل الله فيه جملة كتاب، فبيَّن عن الله معنى ما أراد 2، وهذان الوجهان اللذان لم يختلفوا فيهما.
والوجه الثالث: ما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ليس فيه نص كتاب". 3
وهذا الأخير هو المراد بالزيادة على النص في اصطلاح الأصوليين. 4
1 مثاله قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "بني الإسلام على خمس" مع قوله تعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} ، وقوله سبحانه:{يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام} الآيتان 43 و 183 من سورة البقرة، وقوله سبحانه:{ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً} الاية 97 من سورة آل عمران، وغير ذلك كثير.
2 مثاله: الأحاديث التي فصلت مجمل الصلاة والزكاة والحج وغيرها وهي الأكثر من أنواع السنن والوجوه التي ذكرها الإمام الشافعي رحمه الله تعالى.
3 انظر: الرسالة للشافعي ص: 91 – 92.
4 انظر: ما كتبه الدكتور عمر بن عبد العزيز في كتابه: الزيادة على النص حقيقتها وحكمها ص: 11 – 26.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:
"للزيادة على النص مرتبتان:
الأولى: أن تتعلق الزيادة بالمزيد عليه على وجهٍ لا يكون فيه شرطاً فيه، كزيادة تغريب البِكر على جلده مائة.
والمرتبة الثانية: أن تتعلق الزيادة بالمزيد عليه تعلق الشرط بالمشروط.
والتحقيق أن هاتين المرتبتين حكمهما واحد، فالأولى زيادة جزء، والثانية زيادة شرط وحكم زيادتهما واحد، لأن التغريب جزء من الحدِّ، فزيادته على الجلد زيادة من الحد كما هو واضح.
ومذهب الجمهور - وهو الظاهر - أن هذا النوع من الزيادات لا يكون ناسخاً لأنه لم يرفع حكماً شرعياً، وإنما رفع البراءة الأصلية التي هي الإباحة العقلية، وهى استصحاب العدم الأصلي حتى يرد دليلٌ صارفٌ عنه، والزيادة في مثل هذا زيادة شيءٍ سكت عنه النص الأول، فلم يتعرض له بصريح إثبات ولا نفي.
وخالف في هذا الإمام أبو حنيفة رحمه الله فمنع كون التغريب جزءاً من الحدِّ وإن جاء بذلك الحديث الصحيح قائلأ: "إن الجلد كان مجزءاً وحده، وزيادة التغريب دلَّت على أنه لا يكفي وحده بل لا بد من التغريب، وهذا نسخٌ لاستقلال الجّلْد بتمام الحدِّ"، وهذا بناءً على أن المتواتر لا يُنسخ بالآحاد؛ لأن آية الجَلْدِ متواترة وأحاديث التغريب آحاد، والغرض عنده أن الزيادة نسخٌ والمتواتر
لا يُنسخ بالآحاد.
وكذلك قال الجمهور: "إن شرط وصف الإيمان في رقبة كفارة اليمين والظهار ليس نسخاً"، فيلزم القول به حملاً للمطلق - وهو رقبة كفارة اليمين والظهار - على المقيد بالإيمان وهو كفارة الخطأ، ومنع ذلك أبو حنيفة بأنَّ الزيادة على النص نسخ.
والجمهور قالوا: هذا النوع من الزيادة لا تعارض بينه وبين النص الأول، والناسخ والمنسوخ يشترط فيهما المنافاة بحيث يكون ثبوت أحدهما يقتضي نفي الآخر ولا يمكن الجمع بينهما". 1
1 انظر: مذكرة الشيخ محمد الأمين في أصول الفقه ص: 75 – 77.