المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الأول: كتب المسانيد - تدوين السنة النبوية نشأته وتطوره من القرن الأول إلى نهاية القرن التاسع الهجري

[محمد بن مطر الزهراني]

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدِّمَة:

- ‌تمهيد

- ‌الباب الأول: مكانة السنة في الإسلام وعناية السلف بها

- ‌الفصل الأول: ما جاء في التسوية بين حكم كتاب الله وحكم سُّنَّة

- ‌الفصل الثاني: عناية السلف بالسنة

- ‌أولا: العناية بالسنة في عصر الصحابة

- ‌ثانياً: العناية بالسُّنَّة المطهَّرة في عصر التابعين فمن بعدهم

- ‌ثالثاً: الرحلة في طلب الحديث:

- ‌الفصل الثالث: أصحاب الأهواء والفرق وموقفهم من حجية السنة

- ‌تمهيد

- ‌أولاً: رد السُّنَّة مطلقاً:

- ‌ثانياً: رد خبر الآحاد:

- ‌ثالثاً: رد الزيادة على النص:

- ‌الباب الثاني: تدوين السنة في القرنين الأول والثاني الهجريين

- ‌الفصل الأول: التدوين في القرن الأول

- ‌أولا: تدوين السنة بدأ في حياة النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌ثانياً: جهود الصحابة رضي الله عنهم في تدوين السُّنَّة المطهَّرة ونقلها إلى الأمَّة

- ‌ثالثاً: جهود التابعين في تدوين السُّنَّة المشرفة:

- ‌الفصل الثاني: التدوين في القرن الثاني الهجري

- ‌نمهيد

- ‌أولاً: تطور التدوين في هذا القرن عما سبق:

- ‌ثانياً: ممن اشتهر بوضع المصنفات في الحديث في هذا القرن:

- ‌ثالثاً: دراسة موجزة عن نموذج مما دون في هذا القرن:

- ‌الباب الثالث: التدوين في القرن الثالث الهجري

- ‌تعريف موجز عن جهود علماء السنة في هذا القرن ومميزات التدوين فيه

- ‌الفصل الأول: كتب المسانيد

- ‌الفصل الثاني: الكتب الستة

- ‌تمهيد

- ‌أولاً: صحيح الإمام البخاري

- ‌ثانياً: صحيح الإمام مسلم

- ‌ثالثاً: سنن أبي داود السجستاني

- ‌رابعاً: جامع أبي عيسى الترمذي

- ‌خامساً: كتاب السنن لأبي عبد الرحمن النسائي

- ‌سادساً: السنن للحافظ أبي عبد الله ابن ماجه

- ‌الباب الرابع: التدوين في القرنين الرابع والخامس

- ‌تمهيد في بيان جهود علماء السنة إجمالا

- ‌الفصل الأول: التدوين في القرن الرابع الهجري

- ‌أولا: دراسة موجزة لنماذج مختارة من كتب السنة المدونة في القرن الرابع

- ‌ثانياً: كتب المستخرجات

- ‌الفصل الثاني: التدوين في القرن الخامس الهجري

- ‌أولاً: أهم المؤلفات في الجمع بين الكتب الستة جميعها أو بعضها:

- ‌ثانياً: دراسة موجزة لنماذج مما أُلِّف في هذا القرن

- ‌الباب الخامس: اتجاه تدوين السنة بعد القرن الخامس إلى نهاية القرن التاسع

- ‌تعريف موجز بأحوال المسلمين في تلك القرون الأربعة

- ‌الفصل الأول: كتب في موضوعات خاصة ومحدودة

- ‌أولاً:- كتب الموضوعات:

- ‌ثانياً: كتب الأحكام:

- ‌ثالثاً: كتب غريب الحديث:

- ‌الفصل الثاني: كتب في موضوعات عامة وشاملة

- ‌أولاً: كتب الأطراف:

- ‌ثانياً: كتب التخريج

- ‌ثالثاً: كتب الزوائد

- ‌رابعاً: كتب الجوامع

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌الفصل الأول: كتب المسانيد

‌الفصل الأول: كتب المسانيد

تعريفها:

المسند لغة: ما ارتفع عن الأرض وعلا عن السطح. 1

وفي الاصطلاح: أطلقه المحدِّثون على معنيين:

الأول: الحديث المسند.

قال الخطيب البغدادي: "وصفهم الحديث بأنه مسند يريدون أن إسناده متصل بين راويه وبين من أسند عنه، إلا أن أكثر استعمالهم هذه العبارة هو فيما أسند عن النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، واتصال الإسناد فيه يكون كل واحد من رواته سمعه ممن فوقه حتى ينتهي ذلك إلى آخره وإن لم يبين فيه السماع بل اقتصر على العنعنة" 2

وعلى هذا المعنى أطلق بعض المصنفين على كتابه: مسند، مثل "الجامع الصحيح المسند" لأبي عبد الله البخاري، وكذلك "مسند الدارمي" و "صحيحا ابن خزيمة وابن حبان" وغيرها.

الثاني: كتب المسانيد.

وهي التي تخرج الأحاديث على أسماء

1 لسان العرب لابن منظور – مادة سند، وابن الأثير في النهاية 2 / 408.

2 الكفاية – باب ما يستعمل أصحاب الحديث من العبارات ص: 58.

ص: 99

الصحابة، وضم أحاديث كل واحد من الصحابة بعضها إلى بعض 1، مثل "مسند الإمام أحمد وأبي يعلى الموصلي" وغيرهما.

2-

طريقة ترتيب كتب المسانيد:

للعلماء في ذلك ثلاث طرق:

الأولى: ترتيب أسماء الصحابة على حروف المعجم من أوائل الأسماء، فيبدأ – مثلاً - بأُبيّ بن كعب، ثم أسامة بن زيد، ثم أنس بن مالك وهكذا، إلى آخر الحروف.

الثانية: الترتيب على القبائل فيبدأ ببني هاشم، ثم الأقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النسب، ثم مَنْ يليهم.

الثالثة: الترتيب على قدر سوابق الصحابة في الإسلام ومحله في الدين، فيبدأ بالعشرة - رضوان الله عليهم -، ثم المقدمين من أهل بدر، ثم يلونهم أهل بيعة الرضوان بالحديبية

وهكذا.

قال الخطيب البغدادي: "وهذه الطريقة – الأخيرة - أحب إلينا في تخريج المسند". 2

3-

أهم كتب المسانيد:

1-

مسند أبي داود سليمان بن داود الطيالسي (ت 204 هـ) وقد

1 الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع – باب وصف الطريقتين اللتين عليهم يصنَّف الحديث 2 / 284، حيث قال رحمه الله:"من العلماء من يختار تصنيف السنن وتخريجها على الأحكام وطريقة الفقه، ومنهم من يختار تخريجها على المسند وضم أحاديث كل واحدٍ من الصحابة إلى بعض".

2 المصدر السابق 2 / 292.

ص: 100

ردَّ الحافظ السيوطي على من نسب هذا المسند إلى الطيالسي وجعله أول مصنف في المسند باعتبار تقدم وفاته، فقال:"إنما هو من جمع بعض الحفاظ الخراسانيين جمع فيه ما رواه يونس بن حبيب الأصبهاني خاصة عنه، وشذَّ عنه كثير منه، ويشبه هذا "مسند الشافعي" فإنه ليس تصنيفه، وإنما لقطه بعض الحفاظ النيسابوريين من مسموع الأصم من كتاب "الأم" فإنه كان سمع "الأم" أو غالبها على الربيع عن الشافعي". 1

وقد رتب هذا "المسند" على أبواب الفقه الشيخ أحمد بن عبد الرحمن البنا الساعاتي – رحمه الله – وسماه "منحة المعبود بترتيب مسند أبي داود"، وهو مطبوع في مجلدين بتحقيق حبيب الرحمن الأعظمي.

2-

مسند أبي بكر بن أبى شيبة (ت 235 هـ) وهو غير "المصنف" المطبوع، ويوجد منه نسختان خطيتان، أحدهما في مكتبة أحمد الثالث بتركيا والأخرى في المكتبة الوطنية بتونس، ومصورة هذه الأخيرة في مكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية.

3-

مسند إسحاق بن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهويه المتوفى سنة (238 هـ) .

قام الدكتور عبد الغفور بن عبد الحق البلوشي بتحقيق جزء منه – من مسند عائشة – لنيل درجة الدكتوراه من شعبة السُنَّة بالدراسات

1 جلال الدين السيوطي: تدريب الراوي 1 174 – 175، شمس الدين السخاوي: فتح المغيث 1 / 86.

ص: 101

العليا بالجامعة الإسلامية وأغلبه فيما أعلم مفقود. 1

4-

مسند الإمام أحمد بن محمد بن حنبل (ت 241هـ) - هو أكبر المسانيد الموجودة فيما أعلم، وقد طبع في ستة مجلدات كبيرة – وسيأتي الحديث عنه في الفقرة الرابعة بإذن الله.

5-

مسند أحمد بن إبراهيم الدورقى (ت246 هـ) يوجد منه قطعة فيه مسند سعد بن أبى وقاص في الظاهرية مجموع (37) .

6-

المنتخب من مسند عبد بن حميد الكشي المتوفى سنة (249 هـ) وقد طبع في ثلاثة أجزاء بتحقيق مصطفى العدوي. 2

7-

مسند يعقوب بن شيبة أبو يوسف السدوسي البصري المتوفى سنة (262 هـ) .

قال الذهبي: "صاحب المسند الكبير العديم النظير المعلَّل، الذي تم في مسانيده نحو من ثلاثين مجلداً، ولو كمل لجاء في مائة مجلد". 3 وقد طبع جزء منه يمثل الجزء العاشر من مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

8-

مسند أحمد بن إبراهيم الطرسوسي الخزاعي (ت 273 هـ)

1 انظر: الدراسة المفصَّلة عنه في كتاب "الإمام إسحاق بن راهويه وكتابه المسند" للدكتور عبد الغفور البلوشي، طبعة مكتبة الإيمان بالمدينة.

2 وله طبعة أخرى بتحقيق طالب تركي في جامعة أرض روم في مجلد ضخم، ويحقق في جامعة الإمام محمد بن سعود – رسالة دكتوراه.

3 أبو عبد الله الذهبي: سير أعلام النبلاء 12 / 476 وقال عن منهجه فيه ص 477: "يخرج العالي والنازل، ويذكر أولاً سيرة الصحابي مستوفاة، ثم يذكر ما رواه، ويوضح علل الأحاديث، ويتكلم على الرجال، ويجرِّح ويعدِّل بكلامٍ مفيدٍ عذبٍ شافٍ، بحيث إن الناظر في مسنده لا يَملُّ منه، لكن قلَّ من روى عنه".

ص: 102

والموجود منه جزء يسير من مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو مطبوع.

9-

مسند ابن أبي غرزة أحمد بن حازم الغفاري الكوفي (ت 257 هـ) ، يوجد منه مسند عابس الغفاري وجماعة من الصحابة في المكتبة الظاهرية بدمشق.

10-

مسند الحارث بن محمد بن أبي أسامة التميمي البغدادي (ت 282 هـ) وهو مفقود فيما أعلم إلا بعض أوراق وجدت باسم المنتقى أو العوالي المستخرجة من مسند الحارث.

11-

مسند أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزَّار (ت 292 هـ) ، قام بتحقيقه الدكتور محفوظ الرحمن الهندي، وهو ناقصٌ من أوله.

12-

مسند أبي يعلى أحمد بن علي بن المثنى التميمي الموصلي (ت 307 هـ) وقد طبع أكثر من طبعة وفيه نقص.

13-

مسند أبي سعيد الهيثم بن كليب الشاشي (ت 335 هـ) طبع بعضه والباقي تحت الطبع فيما أعلم.

14-

مسند المقلِّين لدعلج بن أحمد السجستانى (ت 351 هـ) وهو مطبوع في جزء صغير. 1

وهناك مسانيد أخرى في عداد المفقودات من تراثنا العلمى منها: مسند مسدد بن مسرهد (ت 228 هـ) ، ومسند محمد بن يحيى بن أبي

1 انظر: المزيد من المعلومات عن هذه المسانيد في كتاب "إسحاق بن راهويه وكتابه المسند" للدكتور عبد الغفور البلوشي، فجزاه الله عني خيراً.

ص: 103

عمر العدني (ت 243 هـ) ، ومسند أحمد بن منيع أبو جعفر البغوي (ت 244 هـ) ، وكذلك المسند المصنَّف الذي لم يصنف مثله للحافظ بقي بن مخلد القرطبي (ت 276 هـ) وقد رتبه مؤلفه رحمه الله على الأبواب داخل مسند كلِّ صحابى ليسهل بذلك على طلبة العلم الوقوف على الحديث في مسنده، وقد كتب عنه الأستاذ الدكتور أكرم العمري دراسة جيدة في كتابه "بقى بن مخلد ومقدمة مسنده، دراسة وتحقيق".

تنبيه:

1-

هناك كتب مرتبة على أسماء الصحابة على طريقة المسانيد، ولم يسمها أصحابها مسانيد من ذلك مثلاً:

أ) المعجم الكبير للطبرانى.

ب) العلل للدارقطني وغيرهما

2-

وهناك كتب ذكرت في عداد كتب المسانيد وهى ليست مرتبة على المسانيد ولا على الأبواب، مثل:"مسند علي بن الجعد" المطبوع في مجلدين، و "مسند يحيى بن معين"، و "مسند السرَّاج" ونحوهما.

4-

دراسة موجزة عن نموذج من كتب المسانيد:

النموذج: مسند الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل.

مؤلفه: شيخ الإسلام وسيد المسلمين في عصره الحافظ الحجة والإمام القدوة المجمع على جلالة قدره وعلو شأنه من الموافق

ص: 104

والمخالف، أبو عبد الله أحمد بن محمد الذهلي الشيباني المولود سنة (164 هـ) والمتوفى سنة (241 هـ) . 1 كتاب المسند:

طريقة ترتيبه:

رتبه رحمه الله على قدر سابقة الصحابي في الإسلام ومحله من الدين، فبدأ بالعشرة الخلفاء على غيرهم، ثم أهل بدر، ثم أهل الحديبة. وهكذا.

مكانة هذا المسند:

قال حنبل: "جَمَعَنا أحمد بن حنبل أنا وصالح وعبد الله وقرأ علينا "المسند" - وما سمعه غيرنا - وقال: هذا الكتاب جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة ألف حديث وخمسين ألف، وما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فارجعوا إليه، فإن وجدتموه وإلا فليس بحجة".

قال الإمام الذهبي: "هذا القول منه على غالب الأمر وإلا فلنا أحاديث قوية في الصحاح والسنن والأجزاء وما هي في "المسند"، وقدَّر الله تعالى أن الإمام قطع الرواية قبل تهذيب "المسند" وقبل وفاته بثلاث عشرة سنة، فتجد في الكتاب أشياء مكررة ودخول مسند في مسند، وسند في سند وهو نادر".

وقال أبو موسى محمد بن أبي بكر المديني: "وهذا الكتاب أصل كبير، ومرجع وثيق لأصحاب الحديث انتقى من حديث كثير

1 أفرد كثيرٌ من الأئمة ترجمة الإمام أحمد في مؤلفٍ مستقل، وممن أفرده: الإمام ابن الجوزي، والإمام الذهبي وغيرهما، كما ترجم له الذهبي في سير أعلام النبلاء ترجمة طويلة، انظر: السير 11 / 177 – 357.

ص: 105

ومسموعات وافرة، فجعله إماماً ومعتمداً، وعند التنازع ملجئاً ومستنداً". 1

عدد أحاديث المسند:

قال الحافظ أبو موسى المديني: "فأما عدد أحاديثه فلم أزل أسمع من أفواه الناس أنها أربعون ألفاً، إلى أن قرأت على أبي منصور بن زريق القزاز – بزايين - ببغداد قال: حدثنا أبو بكر الخطيب قال: حدثنا ابن المنادي قال: لم يكن أحد في الدنيا أروى عن أبيه منه -يعني عبد الله بن أحمد بن حنبل- لأنه سمع "المسند" وهو ثلاثون ألفاً، والتفسير وهو مائة وعشرون ألفاً. الخ.

فلا أدري هل الذي ذكره ابن المنادي أراد به ما لا مكرر فيه، أو أراد غيره مع المكرر، فيصلح القولان جميعاً الخ". 2

ويذكر أبو موسى – أيضاً - عن أبي عبد الله الحسين بن أحمد الأسدي في كتابه "مناقب الإمام أحمد" أنه سمع أبا بكر بن مالك 3 يذكر أن جملة ما وعاه "المسند" أربعون ألف حديث غير ثلاثين أو أربعين. 4

1 انظر: المصعد الأحمد لابن الجزري المطبوع في مقدمة المسند بتحقيق الشيخ أحمد شاكر 1 / 31 – 33.

2 شمس الدين ابن الجزري: المصعد الأحمد ص: 32 – 33 من مقدمة أحمد شاكر للمسند، ولأبي موسى المديني كتاب عن مسند الإمام أحمد اسمه "خصائص المسند" وهو مطبوع في مقدمة المسند بتحقيق أحمد شاكر، وقد طبع مفرداً مراراً في الهند ومصر وغيرهما.

3 هو أحمد بن جعفر بن مالك القطيعي، راوية المسند عن عبد الله بن أحمد بن حنبل رحمهم الله جميعاً.

4 شمس الدين ابن الجزري: المصعد الأحمد ص: 32 – 33 من مقدمة المسند لأحمد شاكر.

ص: 106

عدد الصحابة المخرجة مسانيدهم في المسند:

قال أبو موسى: "فأما عدد الصحابة فنحو سبعمائة رجل ومن النساء مائة ونيف" 1

وقال ابن الجزرى: "قد عددتهم فبلغوا ستمائة ونيفاً وتسعين سوى النساء، وعددت النساء فبلغن ستاً وتسعين، واشتمل "المسند" على نحو ثمانمائة من الصحابة، سوى ما فيه ممن لم يسم من الأبناء والمبهمات وغيرهم". 2

شرط الإمام أحمد:

قال الحافظ أبو موسى المديني: "لم يخرج أحمد في "مسنده" إلا عمن ثبت عنده صدقه وديانته، دون من طعن في أمانته". 3

وقال شيخ الاسلام ابن تيمية: "شرط "المسند" أقوى من شرط أبي داود في "سننه"، وقد روى أبو داود في "سننه" عن رجال أعرض عنهم أحمد في "المسند"، ولهذا كان الإمام أحمد لايروي في "المسند" عمن يعرف أنه يكذب مثل محمد بن سعيد المصلوب ونحوه، ولكن قد يروي عمن يُضَعَّف لسوء حفظه، فإنه يكتب حديثه ليعتضد به ويعتبر به". 4

1 شمس الدين ابن الجزري: المصد الأحمد 1 / 34 – 35 من المسند بتحقيق أحمد شاكر.

2 المصدر السابق.

3 انظر: المصعد الأحمد المطبوع في مقدمة المسند بتحقيق الشيخ أحمد شاكر 1 / 34.

4 أبو العباس بن تيمية: الفتاوى 18 / 26، ابن الجزري: المصعد الأحمد ص: 34 – 35 من مقدمة أحمد شاكر للمسند.

ص: 107

درجة أحاديث المسند:

قال الحافظ أبو القاسم التميمي رحمه الله: "لا يجوز أن يقال: فيه السقيم، بل فيه الصحيح والمشهور والحسن والغريب". 1

وقال شيخ الاسلام ابن تيمية: "وقد تنازع الناس هل في "مسند الإمام أحمد" حديث موضوع، فقال طائفة من الحفاظ كأبي العلاء الهمداني وغيره: ليس فيه موضوع، وقال بعض العلماء كأبى الفرج ابن الجوزي: فيه موضوع". 2

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولا خلاف بين القولين عند التحقيق، فإن لفظ الموضوع قد يراد به: المختلق المصنوع الذي يتعمد صاحبه الكذب، وهذا مما لا يعلم أن في "المسند" منه شيئاً، ويراد بالموضوع: ما يعلم انتفاء خبره، وإن كان صاحبه لم يتعمد الكذب بل أخطأ فيه، وهذا الضرب في "المسند" منه، بل وفي "سنن أبي داود والنسائي". 3

وقال الحافظ في مقدمة "تعجيل المنفعة": "ليس في "مسند أحمد" حديثاً لا أصل له إلا ثلانة أحاديث أو أربعة منها حديث عبد الرحمن بن عوف: أنه يدخل الجنة زحفاً، والاعتذار عنه أنه مما أمر الإمام

1 شمس الدين ابن الجزري: المصعد الأحمد ص: 34 – 35 من مقدمة المسند بتحقيق الشيخ أحمد شاكر.

2 شيخ الإسلام ابن تيمية: مجموع الفتاوى 18 / 26، شمس الدين ابن الجزري: المصعد الأحمد ص:34 – 35 من مقدمة المسند بتحقيق الشيخ أحمد شاكر.

3 المصدر السابق.

ص: 108

أحمد بالضرب عليه فترك سهواً".

أقسام أحاديث المسند المطبوع:

قال الشيخ أحمد بن عبد الرحمن الساعاتى: "بتتبعي لأحاديث "المسند" وجدتها تنقسم إلى ستة أقسام:

الأول: ما رواه عبد الله بن أحمد عن أبيه سماعاً منه، وهو المسمى "مسند الإمام أحمد"، وهو كبير جداً يزيد على ثلاثة أرباع الكتاب.

الثاني: ما رواه عبد الله عن أبيه وغيره، وهو قليل جداً.

الثالث: ما رواه عبد الله عن غير أبيه، وهو المسمى عند المحدثين بزوائد عبد الله وهو كثير بالنسبة للأقسام كلها عدا الأول.

الرابع: ما قرأه عبد الله على أبيه ولم يسمعه منه، وهو قليل.

الخامس: ما وجده عبد الله في كتاب أبيه بخط يده، ولم يقرأه ولم يسمعه، وهو قليل أيضاً.

السادس: ما رواه الحافظ أبو بكر القطيعي عن غير عبد الله وأبيه - رحمهما الله تعالى - وهو أقل الجميع". 1

1 أحمد بن عبد الرحمن الساعاتي: الفتح الرباني 1 / 8.

ص: 109

عناية العلماء بالمسند:

1-

رتبه على معجم الصحابة والرواة عنهم كترتيب كتب الأطراف الحافظ أبو بكر محمد بن عبد الله بن المحب الصامت.

2-

أخذ الحافظ أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير - رحمه الله تعالى - كتاب "المسند" بترتيب ابن المحب الصامت، وضم إليه "الكتب الستة"، و "مسند البزار"، و "مسند أبي يعلى الموصلي"، و "معجم الطبراني الكبير"، ورتبها جميعاً على نفس ترتيب ابن المحب للمسند، وسماه:"جامع المسانيد والسنن".

قال ابن الجزري: "وجهد نفسه كثيراً وتعب فيه تعباً عظيماً فجاء لا نظير له في العالم، وأكمله إلا بعض مسند أبي هريرة، فإنه مات قبل أن يكمله لأنه عوجل بكفِّ بصره، وقال لي رحمه الله تعالى: لا زلت أكتب فيه في الليل والسراج يُنَوْنِص 1 حتى ذهب بصري معه 2، ولعل الله أن يقيض له من يكمله مع أنه سهل، فإن "معجم الطبراني الكبير" لم يكن فيه شىء من مسند أبي هريرة رضي الله تعالى عنه". 3

3-

رتبه الحافظ ابن حجر أيضاً على الأطراف وسماه: "إطراف

1 النوص – بالتحريك – هو التردد والحركة الضعيفة، انظر: تاج العروس 4 / 443 – 444.

2 هكذا فلتكن الهمم في خدمة سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهكذا يبذل في سبيل خدمتها الغالي والنفيس كما كان يفعل سلف الأمَّة رحمهم الله، ورحم الله ابن كثير رحمة واسعة، وعوَّضه عن حبيبته بالجنة، وحشرنا الله وإياه مع محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم.

3 أحمد بن عبد الرحمن الساعاتي: الفتح الرباني 1 / 8.

ص: 110

المسند - بكسر النون وضم الميم - المعتلي بأطراف المسند الحنبلي" 1، ثم ضمه أيضاً مع الكتب العشرة في كتابه "إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة".

4-

ترجم لرجاله الحافظ شمس الدين الحسيني في كتابه "الإكمال بمن في مسند أحمد من الرجال ممن ليس في تهذيب الكمال للمزي".

ثم ترجم لرجاله أيضاً ضمن كتابه "التذكرة برجال العشرة" وهي "الكتب الستة"، و "موطأ مالك"، و "مسند أحمد"، و "مسند الشافعى"، و "مسند أبي حنيفة"، وقد اختصره الحافظ في "تعجيل المنفعة"، مقتصراً على رجال الأربعة.

5-

رتبه الشيخ أحمد بن عبد الرحمن الساعاتى على الكتب والأبواب ليسهل بذلك على طلبة العلم الاستفادة من المسند وسماه "الفتح الربانى بترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني"، ثم عاد وشرحه وخرج أحاديثه في كتاب سماه "بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني"، وكلاهما مطبوع.

6-

اعتنى بهذا المسند أيضاً الشيخ أحمد بن محمد شاكر - رحمه الله تعالى - فشرح غريبه وحكم على أحاديثه صحة وضعفاً بما أوصله إليه اجتهاده، ثم صنع له فهارس قسمها - رحمه الله تعالى - إلى قسمين: فهارس لطيفة كفهارس الأعلام ونحوها، وفهارس علمية كتلك التي صنعها في "الرسالة" للشافعي، وقد توفي - رحمه الله تعالى - قبل أن يكمله إذ بلغ الربع تقريباً.

1 طبع في عشر مجلدات بتحقيق د: زهير بن ناصر الناصر.

ص: 111

هذه أهم الجهود التي وقفت عليها، وهناك جهود أخرى اعتنت ب "المسند" من حيث مكانته وأهميته وبيان درجة أحاديثه من أهمها:

[1]

خصائص المسند لأبي موسى المديني.

[2]

المصعد الأحمد.

[3]

المسند الأحمد كلاهما لشمس الدين ابن الجزري.

[4]

القول المسدد في الذب عن مسند أحمد للحافظ ابن حجر رحمه الله وغير ذلك.

ص: 112