الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: التدوين في القرن الثاني الهجري
نمهيد
…
الفصل الثاني: التدوين في القرن الثاني الهجري
يشمل هذا القرن عصر جيلين:
الأول: صغار التابعين إذ تأخرت وفاة بعضهم إلى ما بعد سنة (140 هـ) وقد سبق الكلام عن أثرهم وجهودهم في التدوين ضمن الكلام عن جهود جيل التابعين كله بمختلف طبقاته.
أما الجيل الثاني: فهم أتباع التابعين الحلقة الثالثة - بعد جيل الصحابة والتابعين - في سلسلة رواة السُّنَّة ونقلة الدِّين إلى الأمَّة، ولقد كان لهذا الجيل أثره الرائد في التصدي لأصحاب البدع والأهواء، ومقاومة الكذب الذى فشى في هذا العصر على أيدي الزنادقة الذين بلغوا ذروة نشاطهم ضد السُّنَّة ورواتها في منتصف هذا القرن، حتى اضطر الخليفة المهدي رحمه الله إلى تكليف أحد رجاله بتتُّبع أخبارهم والتضييق عليهم في أوكارهم، فأصبح ذلك الرجل يعرف بصاحب الزنادقة. 1
وقد نشط الأئمة والعلماء من هذا الجيل في خدمة السُّنَّة
1 قال الإمام الذهبي في ترجمة المهدي في السير 7 / 401: "وكان قصاباً في الزنادقة باحثاً عنهم، وقال في التذكرة 1 / 244: "وكثرة محاسنه – المهدي – وتتبعه لاستئصال الزنادقة".
وانظر: الفتاوى لابن تيمية 4 / 20، وانظر قصة قتله للمقنَّع ومن معه من الزنادقة في البداية والنهاية 10 / 145.
وعلومها وحمايتها من كل ما يشوبها وعلى أيديهم بدأ التدوين الشامل المبوَّب المرتَّب، بعد أن كان من قبلهم يجمع الأحاديث المختلفة في الصحف والكراريس بشكل محدود وكيفما اتفق بدون تبويب ولا ترتيب. 1
كما نشأ وتفتَّق على أيديهم علم الرجال، بعد أن كان السؤال عن الإسناد قد بدأ في أواخر عصر الصحابة وكبار التابعين.
وكما كان لهذا الجيل الريادة في ابتداء التدوين المرتَّب على الأبواب والفصول، كذلك كانت له الريادة في ابتداء التصنيف في علم الرجال، حيث أَلَّف في تاريخ الرجال كل من: الليث بن سعد (ت 175 هـ) ، وابن المبارك (ت 181 هـ) ، وضمرة بن ربيعة (ت 202 هـ) ، والفضل بن دكين (ت 218 هـ) وغيرهم.
ويعتبر هذا الجيل جيل التأسيس لعلوم السُّنَّة المطهَّرة ولا غروَّ، ففيه عاش جهابذة رجال السُّنَّة أمثال الأئمة: مالك، والشافعى والثوري، والأوزاعي، وشعبة، وابن المبارك، وابراهيم الفزاري، وابن عيينة، والقطان، وابن مهدي، ووكيع وغيرهم كثير. 2
1 قال الحافظ الذهبي في التذكرة 1 / 160 بعد ذكره ظهور البدع والأهواء وانتشارها في هذا العصر: "وقام على هؤلاء علماء التابعين وأئمة السلف وحذَّروا من بدعهم، وشرع الكبار في تدوين السنن وتأليف الفروع وتصنيف العربية، ثم كثر ذلك في أيام الرشيد، وكثرت التصانيف، وألفوا في اللغات، وأخذ حفظ العلماء ينقص، ودوِّنت الكتب واتَّكلوا عليها، وإنما كان قبل ذلك علم الصحابة والتابعين في الصدور فهي كانت خزائن العلم لهم رضي الله عنهم.
2 المزيد من المعلومات عن جهود هذا الجيل في خدمة السنة، يراجع: الجرح والتعديل 1 / 9 – 11، وذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل للذهبي ص:171.