الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بن هشام، حدثنا أبي، حدثنا قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: لَمَّا دَعَا نَبِيُّ اللَّهِ مُوسَى عليه السلام صَاحِبَهُ إِلَى الْأَجَلِ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمَا، قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: كُلُّ شَاةٍ وَلَدَتْ على غير لونها، فلك ولدها، فعمد موسى فَرَفَعَ حِبَالًا عَلَى الْمَاءِ، فَلَمَّا رَأَتِ الْخَيَالَ فَزِعَتْ، فَجَالَتْ جَوْلَةً، فَوَلَدْنَ كُلُّهُنَّ بُلْقًا إِلَّا شاة واحدة، فذهب بأولادهن كلهن ذلك العام.
[سورة القصص (28) : الآيات 29 الى 32]
فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ نَارًا قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (30) وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (32)
قَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ قَبْلَهَا أَنَّ مُوسَى عليه السلام قضى أتم الأجلين وأوفاهما وأبرهما وأكملهما وأبقاهما، وَقَدْ يُسْتَفَادُ هَذَا أَيْضًا مِنَ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ حيث قال تعالى: فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ أَيِ الْأَكْمَلَ مِنْهُمَا، واللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: قَضَى عَشْرَ سِنِينَ وَبَعْدَهَا عَشْرًا أُخَرَ، وَهَذَا الْقَوْلُ لَمْ أره لغيره، وقد حكاه عنه ابن أبي حاتم وابن جرير، فالله أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ: وَسارَ بِأَهْلِهِ قَالُوا: كَانَ مُوسَى قَدِ اشْتَاقَ إِلَى بِلَادِهِ وَأَهْلِهِ، فَعَزَمَ عَلَى زِيَارَتِهِمْ فِي خُفْيَةٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، فَتَحَمَّلَ بِأَهْلِهِ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ الْغَنَمِ الَّتِي وَهَبَهَا لَهُ صِهْرُهُ، فَسَلَكَ بِهِمْ فِي لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ مُظْلِمَةٍ بَارِدَةٍ، فَنَزَلَ مَنْزِلًا، فَجَعَلَ كُلَّمَا أَوْرَى زَنْدَهُ لَا يُضِيءُ شَيْئًا، فَتَعَجَّبَ مِنْ ذلك، فبينما هو كذلك آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ نَارًا أَيْ رَأَى نارا تضيء على بعد فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا أَيْ حَتَّى أَذْهَبَ إِلَيْهَا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ أَضَلَّ الطَّرِيقَ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ أَيْ قِطْعَةٍ مِنْهَا لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ أَيْ تستدفئون بِهَا مِنَ الْبَرْدِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ أَيْ مِنْ جَانِبِ الْوَادِي مِمَّا يَلِي الْجَبَلَ عَنْ يَمِينِهِ مِنْ نَاحِيَةِ الْغَرْبِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ فَهَذَا مِمَّا يُرْشِدُ إِلَى أَنَّ مُوسَى قَصَدَ النَّارَ إِلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ، وَالْجَبَلُ الْغَرْبِيُّ عَنْ يَمِينِهِ، وَالنَّارُ وَجَدَهَا تَضْطَرِمَ فِي شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ فِي لَحْفِ الْجَبَلِ مِمَّا يَلِي الْوَادِيَ، فَوَقَفَ بَاهِتًا فِي أَمْرِهَا، فَنَادَاهُ رَبُّهُ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «1» : حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ
(1) تفسير الطبري 10/ 69.
أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: رَأَيْتُ الشَّجَرَةَ الَّتِي نُودِيَ مِنْهَا مُوسَى عليه السلام سَمْرَةً خَضْرَاءَ تَرِفُّ، إِسْنَادُهُ مُقَارَبٌ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ بَعْضِ مَنْ لَا يَتَّهِمُ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ:
شَجَرَةٌ مِنَ العليق، وبعض أهل الكتاب يقول إنها مِنَ الْعَوْسَجِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هِيَ مِنَ الْعَوْسَجِ، وعصاه من العوسج.
وقوله تعالى: أَنْ يَا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ أَيِ الَّذِي يُخَاطِبُكَ وَيُكَلِّمُكَ هُوَ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْفَعَّالُ لِمَا يَشَاءُ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ وَلَا رَبَّ سِوَاهُ، تَعَالَى وَتَقَدَّسَ وَتَنَزَّهَ عَنْ مُمَاثَلَةِ الْمَخْلُوقَاتِ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ سُبْحَانَهُ.
وَقَوْلُهُ: وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ أَيِ الَّتِي فِي يَدِكَ كَمَا قَرَّرَهُ عَلَى ذَلِكَ فِي قوله تعالى: وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسى؟ قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى [طَهَ: 17- 18] وَالْمَعْنَى أَمَّا هَذِهِ عَصَاكَ الَّتِي تَعْرِفُهَا أَلْقِهَا فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى فعرف وتحقق أن الذي يكلمه هُوَ الَّذِي يَقُولُ لِلشَّيْءِ: كُنْ فَيَكُونُ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي سُورَةِ طَهَ، وَقَالَ هَاهُنَا: فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ أَيْ تَضْطَرِبُ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً أي في حركتها السريعة مع عظم خلقتها وقوائمها، وَاتِّسَاعِ فَمِهَا وَاصْطِكَاكِ أَنْيَابِهَا وَأَضْرَاسِهَا، بِحَيْثُ لَا تمر بصخرة إلا ابتلعتها، تنحدر فِي فِيهَا تَتَقَعْقَعُ كَأَنَّهَا حَادِرَةٌ فِي وَادٍ فَعِنْدَ ذَلِكَ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ أَيْ وَلَمْ يَكُنْ يَلْتَفِتُ لِأَنَّ طَبْعَ الْبَشَرِيَّةِ يَنْفِرُ مِنْ ذَلِكَ، فَلَمَّا قَالَ اللَّهُ لَهُ: يَا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ رَجَعَ فَوَقَفَ فِي مَقَامِهِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ الله تعالى: اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ أَيْ إِذَا أَدْخَلْتَ يَدَكَ فِي جَيْبِ دِرْعِكَ ثُمَّ أَخْرَجْتَهَا، فَإِنَّهَا تَخْرُجُ تَتَلَأْلَأُ كَأَنَّهَا قِطْعَةُ قَمَرٍ فِي لَمَعَانِ الْبَرْقِ، وَلِهَذَا قَالَ: مِنْ غَيْرِ سُوءٍ أَيْ مِنْ غَيْرِ بَرَصٍ.
وقوله تعالى: وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ قَالَ مُجَاهِدٌ: مِنَ الْفَزَعِ، وَقَالَ قَتَادَةُ:
مِنَ الرُّعْبِ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ بن جَرِيرٍ: مِمَّا حَصَلَ لَكَ مِنْ خَوْفِكَ مِنَ الْحَيَّةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَعَمُّ مِنْ هَذَا، وَهُوَ أَنَّهُ أُمِرَ عليه السلام إِذَا خَافَ مِنْ شَيْءٍ أَنْ يَضُمَّ إِلَيْهِ جَنَاحَهُ مِنَ الرهب وهو يَدُهُ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُهُ مِنَ الْخَوْفِ، وَرُبَّمَا إِذَا اسْتَعْمَلَ أَحَدٌ ذلك على سبيل الاقتداء فوضع يده على فؤاده، فإنه يزول عنه ما يجده أو يخف إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهِ الثِّقَةُ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، حدثنا الربيع بن ثعلب الشيخ صالح، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْمُؤَدَّبُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كَانَ مُوسَى عليه السلام قَدْ مُلِئَ قَلْبُهُ رُعْبًا مِنْ فِرْعَوْنَ، فَكَانَ إِذَا رَآهُ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَدْرَأُ بِكَ فِي نَحْرِهِ، وَأُعَوِّذُ بِكَ مِنْ شره، فنزع اللَّهُ مَا كَانَ فِي قَلْبِ مُوسَى عليه السلام، وَجَعَلَهُ فِي قَلْبِ فِرْعَوْنَ، فَكَانَ إِذَا رآه بال كما يبول الحمار.
وقوله تعالى: فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ يعني إلقاء الْعَصَا وَجَعْلَهَا حَيَّةً تَسْعَى وَإِدْخَالَهُ يَدَهُ فِي جَيْبِهِ فَتَخْرُجُ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ، دَلِيلَانِ قَاطِعَانِ وَاضِحَانِ عَلَى قُدْرَةِ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ،