الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبَزَّارُ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: يَعْنِي تَقَلُّبَهُ مِنْ صُلْبِ نَبِيٍّ إِلَى صُلْبِ نبي حتى أخرجه نبيا. وقوله تعالى: إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ أَيِ السَّمِيعُ لِأَقْوَالِ عِبَادِهِ، الْعَلِيمُ بِحَرَكَاتِهِمْ وَسَكَنَاتِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ [يونس: 61] الآية.
[سورة الشعراء (26) : الآيات 221 الى 227]
هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ (223) وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (225)
وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) إِلَاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)
يَقُولُ تَعَالَى مُخَاطِبًا لِمَنْ زَعَمَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أن مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم ليس بحق، وَأَنَّهُ شَيْءٌ افْتَعَلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، أَوْ أنه أتاه به رئي «1» من الجان، فنزه الله سبحانه وتعالى جَنَابَ رَسُولِهِ عَنْ قَوْلِهِمْ وَافْتِرَائِهِمْ، وَنَبَّهَ أَنَّ ما جاء به إنما هو مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَأَنَّهُ تَنْزِيلُهُ وَوَحْيُهُ، نَزَلَ بِهِ مَلَكٌ كَرِيمٌ أَمِينٌ عَظِيمٌ، وَأَنَّهُ لَيْسَ من قبل الشَّيَاطِينِ، فَإِنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ رَغْبَةٌ فِي مِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَإِنَّمَا يَنْزِلُونَ عَلَى مَنْ يُشَاكِلُهُمْ وَيُشَابِهُهُمْ مِنَ الْكُهَّانِ الْكَذَبَةِ، وَلِهَذَا قَالَ الله تعالى: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ أَيْ أُخْبِرُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ أَيْ كذوب في قوله وهو الأفاك أَثِيمٍ وهو الْفَاجِرُ فِي أَفْعَالِهِ. فَهَذَا هُوَ الَّذِي تَنَزَّلُ عليه الشياطين من الكهان، وَمَا جَرَى مَجْرَاهُمْ مِنَ الْكَذَبَةِ الْفَسَقَةِ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ أَيْضًا كَذَبَةٌ فَسَقَةٌ يُلْقُونَ السَّمْعَ أَيْ يَسْتَرِقُونَ السَّمْعَ مِنَ السَّمَاءِ، فَيَسْمَعُونَ الْكَلِمَةَ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ، فَيَزِيدُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ، ثُمَّ يلقونها إلى أوليائهم من الإنس، فيحدثون بِهَا فَيُصَدِّقُهُمُ النَّاسُ فِي كُلِّ مَا قَالُوهُ بِسَبَبِ صِدْقِهِمْ فِي تِلْكَ الْكَلِمَةِ الَّتِي سُمِعَتْ مِنَ السَّمَاءِ، كَمَا صَحَّ بِذَلِكَ الْحَدِيثُ.
كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: سَأَلَ نَاسٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْكُهَّانِ، فَقَالَ «إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِشَيْءٍ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ بِالشَّيْءِ يَكُونُ حَقًّا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ يَخْطِفُهَا الْجِنِّيُّ فيقرقرها في أذن وليه كقرقرة الدجاج، فيخلطون معها أكثر من مائة كذبة» «2» .
وروى الْبُخَارِيُّ أَيْضًا: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هريرة يَقُولُ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «إِذَا قَضَى اللَّهُ الْأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتِ الملائكة
(1) الرئي: التابع من الجن، الذي يتراءى لمتبوعه.
(2)
أخرجه البخاري في التوحيد باب 57.
بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ، كَأَنَّهَا سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ، فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا: مَاذَا قَالَ ربكم؟ [قالوا للذي قَالَ] : الْحَقُّ، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ، فَيَسْمَعُهَا مُسْتَرِقُو السَّمْعِ، وَمُسْتَرِقُو السَّمْعِ هَكَذَا بعضهم فوق بعض- وصف سُفْيَانُ بِيَدِهِ، فَحَرَّفَهَا وَبَدَّدَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ- فَيَسْمَعُ الْكَلِمَةَ فَيُلْقِيهَا إِلَى مَنْ تَحْتَهُ، ثُمَّ يُلْقِيهَا الْآخَرُ إِلَى مَنْ تَحْتَهُ، حَتَّى يُلْقِيَهَا عَلَى لِسَانِ السَّاحِرِ أَوِ الْكَاهِنِ، فَرُبَّمَا أَدْرَكَهُ الشِّهَابُ قَبْلَ أَنْ يُلْقِيَهَا، وَرُبَّمَا أَلْقَاهَا قَبْلَ أَنْ يدركه، فيكذب معها مائة كذبة، فيقال: أليس قَدْ قَالَ لَنَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا: كَذَا وَكَذَا؟ فَيُصَدَّقُ بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ الَّتِي سُمِعَتْ مِنَ السماء» تفرد بِهِ الْبُخَارِيُّ «1» . وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رِجَالٍ مِنَ الْأَنْصَارِ قَرِيبًا مِنْ هَذَا، وَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سَبَأٍ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ [سبأ: 23] الآية.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ أَنَّ أَبَا الْأَسْوَدِ أَخْبَرَهُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَحَدَّثُ فِي الْعَنَانِ- وَالْعَنَانُ:
الغمام- بالأمر فِي الْأَرْضِ، فَتَسْمَعُ الشَّيَاطِينُ الْكَلِمَةَ، فَتَقُرُّهَا فِي أُذُنِ الْكَاهِنِ كَمَا تُقَرُّ الْقَارُورَةُ، فَيَزِيدُونَ مَعَهَا مائة كذبة» «2» . ورواه البخاري في موضع آخر في كِتَابِ بَدْءِ الْخَلْقِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنِ اللَّيْثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِنَحْوِهِ.
وقوله تعالى: وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَعْنِي الْكُفَّارَ يَتْبَعُهُمْ ضُلَّالُ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ رحمه الله وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَغَيْرُهُمَا. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: كَانَ الشَّاعِرَانِ يَتَهَاجَيَانِ فَيَنْتَصِرُ لِهَذَا فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ «3» ، وَلِهَذَا فِئَامٌ مِنَ الناس، فأنزل الله تعالى: وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «4» : حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنِ ابْنِ الْهَادِ عَنْ يُحَنِّسَ مَوْلَى مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْعَرْجِ إِذْ عَرَضَ شَاعِرٌ يُنْشِدُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «خُذُوا الشَّيْطَانَ- أَوْ أَمْسِكُوا الشَّيْطَانَ- لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا» .
وقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِي كُلِّ لَغْوٍ يَخُوضُونَ «5» . وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِي كُلِّ فَنٍّ مِنَ الْكَلَامِ، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: قَدْ وَاللَّهِ رَأَيْنَا أَوْدِيَتَهُمُ الَّتِي يَهِيمُونَ فيها مرة في شتمه فلان،
(1) كتاب التفسير، تفسير سورة 15، باب 1، وسورة 34، باب 1.
(2)
أخرجه البخاري في بدء الخلق باب 6، 11.
(3)
فئام من الناس: أي جماعات من الناس.
(4)
المسند 3/ 8، 41.
(5)
انظر تفسير الطبري 9/ 490.
وَمَرَّةً فِي مِدْحَةِ فُلَانٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: الشَّاعِرُ يَمْدَحُ قَوْمًا بِبَاطِلٍ وَيَذُمُّ قَوْمًا بِبَاطِلٍ.
وَقَوْلُهُ تعالى: وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ قَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ رَجُلَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ أَحَدُهُمَا مِنَ الْأَنْصَارِ، وَالْآخَرُ مِنْ قَوْمٍ آخَرِينَ، وَإِنَّهُمَا تَهَاجَيَا، فَكَانَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غُوَاةٌ مِنْ قَوْمِهِ، وَهُمُ السُّفَهَاءُ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ «1» . وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَكْثَرُ قَوْلِهِمْ يَكْذِبُونَ فِيهِ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه هُوَ الْوَاقِعُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. فَإِنَّ الشُّعَرَاءَ يَتَبَجَّحُونَ بِأَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ لَمْ تَصْدُرْ مِنْهُمْ وَلَا عَنْهُمْ، فَيَتَكَثَّرُونَ بِمَا لَيْسَ لَهُمْ، وَلِهَذَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ رحمهم الله: فِيمَا إِذَا اعْتَرَفَ الشَّاعِرُ فِي شِعْرِهِ بِمَا يُوجِبُ حَدًّا: هَلْ يُقَامُ عَلَيْهِ بِهَذَا الِاعْتِرَافِ أَمْ لَا، لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ، وَالزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ فِي كِتَابِ الْفُكَاهَةِ، أَنَّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، اسْتَعْمَلَ النُّعْمَانَ بْنَ عَدِيِّ بْنِ نَضْلَةَ عَلَى مَيْسَانَ مِنْ أرض البصرة، وكان يقول الشعر، فقال [الطويل] :
أَلَا هَلْ أتَى الْحَسْنَاءَ أَنَّ حَلِيلَها
…
بِمَيْسَانَ يُسقَى في زُجَاجٍ وَحَنْتَمِ «2»
إِذَا شئْتُ غَنَّتْنِي دَهَاقِينُ قَرْيَةٍ
…
وَرَقَّاصَةٌ تَجْذُو عَلَى كُلِّ مَنْسَمِ
فإنْ كُنْتَ نُدْمَانِي فَبِالْأَكْبَرِ اسْقِنِي
…
وَلَا تَسْقِنِي بالأصغر المتثلم
لعل أمير المؤمنين يسوؤه
…
تَنَادُمُنَا بِالْجَوْسَقِ الْمُتَهَدِّمِ
فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قال: إي والله إنه ليسوؤني ذَلِكَ، وَمَنْ لَقِيَهُ فَلْيُخْبِرْهُ أَنِّي قَدْ عَزَلْتُهُ، وكتب إليه عمر بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ- أما بعد- قد بلغني قولك:
لعل أمير المؤمنين يسوؤه
…
تنادمنا بالجوسق المتهدم
وايم الله إنه ليسوؤني وَقَدْ عَزَلْتُكَ. فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بَكَّتَهُ بهذا الشعر، فقال: والله يا أمير
(1) انظر تفسير الطبري 9/ 489.
(2)
البيت الأول للنعمان بن نضلة العدوي في لسان العرب (جذا) ، وللنعمان بن عدي في لسان العرب (ختم) ، وتاج العروس (خثم) والمخصص 9/ 100، والبيت الثاني، ويروى البيت الثاني:
إذا شئت غنّتني دهاقين قرية
…
وصنّاجه تحدو على كل منسم
وهو للنعمان بن نضلة العدوي في لسان العرب (جذ) وتاج العروس (جذا) ، وبلا نسبة في لسان العرب (صنج) ، (دهق) ، (دهقن) ، وتاج العروس (صنج) ، (دهقن) ، ومجمل اللغة 1/ 418، ومقاييس اللغة 1/ 439، 511، والمخصص 12/ 86، 262، والبيتان الثالث والرابع للنعمان بن نضلة العدوي في الأزهية ص 218، ولسان العرب (جسق)(ندم) ، (جدا) ، وبلا نسبة في لسان العرب (دهق) .
الْمُؤْمِنِينَ مَا شَرِبْتُهَا قَطُّ، وَمَا ذَاكَ الشِّعْرُ إِلَّا شَيْءٌ طَفَحَ عَلَى لِسَانِي. فَقَالَ عُمَرُ: أَظُنُّ ذَلِكَ، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَا تَعْمَلْ لِي عملا أَبَدًا وَقَدْ قُلْتَ مَا قُلْتَ، فَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّهُ حَدَّهُ عَلَى الشَّرَابِ، وَقَدْ ضَمِنَهُ شِعْرُهُ، لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَلَكِنَّهُ ذَمَّهُ عُمَرُ رضي الله عنه وَلَامَهُ عَلَى ذَلِكَ وَعَزَلَهُ بِهِ، وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا يَرِيهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا» «1» .
وَالْمُرَادُ مِنْ هَذَا أَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم الَّذِي أنزل عليه هذا الْقُرْآنُ لَيْسَ بِكَاهِنٍ وَلَا بِشَاعِرٍ، لِأَنَّ حَالَهُ مُنَافٍ لِحَالِهِمْ مِنْ وُجُوهٍ ظَاهِرَةٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ [يس: 69] وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ [الْحَاقَّةِ: 40- 43] وَهَكَذَا قَالَ هَاهُنَا: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء: 194] إِلَى أَنْ قَالَ وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ إِلَى أَنْ قَالَ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ.
وَقَوْلُهُ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ سَالِمٍ الْبَرَّادِ مَوْلَى تَمِيمٍ الدَّارِيِّ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ جَاءَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وَهُمْ يَبْكُونَ، فَقَالُوا: قَدْ عَلِمَ اللَّهُ حِينَ أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ أَنَّا شُعَرَاءُ، فَتَلَا النَّبِيُّ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قَالَ «أَنْتُمْ» وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً قَالَ «أَنْتُمْ» وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا قَالَ «أَنْتُمْ» رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ جَرِيرٍ «2» مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَيْضًا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْأَشَجِّ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عن الوليد بن أبي كثير عن يزيد عن عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مَوْلَى بَنِي نَوْفَلٍ أَنَّ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ، أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حين نزلت هذه الآية وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ يَبْكِيَانِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقْرَؤُهَا عَلَيْهِمَا وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ حَتَّى بَلَغَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قَالَ «أَنْتُمْ» .
وَقَالَ أَيْضًا حدثنا أبي، حدثنا أبو مسلم، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ إلى قوله وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ قال
(1) أخرجه بهذا اللفظ الترمذي في الأدب باب 71، وأخرجه أيضا البخاري في الأدب باب 92، ومسلم في الشعر حديث 7- 9، وأبو داود في الأدب باب 87، وابن ماجة في الأدب باب 42، وأحمد في المسند 2/ 288، 391، 478.
(2)
تفسير الطبري 9/ 490، 491.
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنِّي مِنْهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ الآية.
وهكذا قال ابن عباس وعكرمة مجاهد وقَتَادَةُ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: أَنَّ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِمَّا تَقَدَّمَ. وَلَا شَكَّ أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ، وَلَكِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ، فَكَيْفَ يَكُونُ سبب نزول هذه الآيات شعراء الأنصار؟ وفي ذَلِكَ نَظَرٌ، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ إِلَّا مُرْسَلَاتٌ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَكِنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ يَدْخُلُ فِيهِ شُعَرَاءُ الْأَنْصَارِ وَغَيْرُهُمْ حَتَّى يَدْخُلَ فِيهِ مَنْ كَانَ مُتَلَبِّسًا مِنْ شُعَرَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ بِذَمِّ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، ثُمَّ تَابَ وَأَنَابَ وَرَجَعَ وَأَقْلَعَ وَعَمِلَ صَالِحًا، وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا فِي مُقَابَلَةِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْكَلَامِ السَّيِّئِ. فَإِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ، وَامْتَدَحَ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ فِي مقابلة ما كان يذمه، كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرَى حِينَ أسلم [الخفيف] :
يَا رَسُولَ الْمَلِيكِ إِنَّ لِسَانِي
…
رَاتِقٌ مَا فَتَقْتُ إِذْ أَنَا بُورُ «1»
إِذْ أُجَارِي الشَّيْطَانَ فِي سُنَنِ الْغَيِّ
…
وَمَنْ مَالَ مَيْلَهُ مَثْبُورُ
وَكَذَلِكَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، كَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ابْنُ عَمِّهِ وَأَكْثَرَهُمْ لَهُ هَجْوًا، فَلَمَّا أَسَلَمَ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ يَمْدَحُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ما كان يهجوه، ويتولاه بعد ما كَانَ قَدْ عَادَاهُ، وَهَكَذَا رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ صَخْرَ بْنَ حَرْبٍ لَمَّا أَسْلَمَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَلَاثٌ أَعْطِنِيهِنَّ، قَالَ «نَعَمْ» قَالَ: مُعَاوِيَةُ تَجْعَلُهُ كَاتِبًا بَيْنَ يَدَيْكَ؟ قَالَ «نَعَمْ» قَالَ وَتُؤَمِّرُنِي حَتَّى أُقَاتِلَ الْكُفَّارَ كَمَا كُنْتُ أُقَاتِلُ المسلمين؟ قال «نعم» وذكر الثالثة «2» ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً قِيلَ: مَعْنَاهُ ذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا فِي كَلَامِهِمْ، وَقِيلَ فِي شِعْرِهِمْ. وكلاهما صحيح مكفر لما سبق.
وقوله تعالى: وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَرُدُّونَ عَلَى الْكُفَّارِ الَّذِينَ كَانُوا يَهْجُونَ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وقَتَادَةُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، وَهَذَا كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِحَسَّانَ:«اهْجُهُمْ- أَوْ قَالَ- هَاجِهِمْ وَجِبْرِيلُ مَعَكَ» «3» . وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «4» : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنْ اللَّهَ عز وجل قد أنزل في الشعراء مَا أَنْزَلَ، فَقَالَ «إِنَّ الْمُؤْمِنَ يُجَاهِدُ بِسَيْفِهِ وَلِسَانِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَكَأَنَّ مَا تَرْمُونَهُمْ به نضح النبل» .
(1) تقدم البيتان مع تخريجهما في تفسير الآية 19، من سورة الفرقان.
(2)
أخرجه مسلم في فضائل الصحابة حديث 168. [.....]
(3)
أخرجه البخاري في بدء الخلق باب 6، ومسلم في فضائل الصحابة حديث 153، وأحمد في المسند 4/ 286، 298، 299، 301، 302، 303.
(4)
المسند 6/ 387.
وقوله تعالى: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ، كقوله تعالى: يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ الآية، وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «إِيَّاكُمْ وَالظُّلْمَ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» «1» ، قال قتادة بن دعامة في قوله تعالى: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ يَعْنِي مِنَ الشُّعَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا إِيَاسُ بْنُ أَبِي تَمِيمَةَ قَالَ:
حَضَرْتُ الحسن ومر عليه بجنازة نصراني، فقال: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ. وَقَالَ عبد الله بن أبي رَبَاحٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ بَكَى، حَتَّى أَقُولَ قَدِ انْدَقَّ قَضِيبُ زَوْرِهِ، وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ.
وقال ابن وهب: أخبرنا شريح الْإِسْكَنْدَرَانِيُّ عَنْ بَعْضِ الْمَشْيَخَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا بِأَرْضِ الرُّومِ، فَبَيْنَمَا هُمْ لَيْلَةً عَلَى نَارٍ يَشْتَوُونَ عَلَيْهَا أَوْ يَصْطَلُونَ، إِذَا بِرِكَابٍ قَدْ أَقْبَلُوا فَقَامُوا إِلَيْهِمْ، فَإِذَا فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ فِيهِمْ، فَأَنْزَلُوهُ فَجَلَسَ مَعَهُمْ- قَالَ- وَصَاحِبٌ لَنَا قَائِمٌ يصلي حَتَّى مَرَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ قَالَ فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُخَرِّبُونَ الْبَيْتَ.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِمْ أَهْلُ مَكَّةَ، وَقِيلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ ظَالِمٍ.
كَمَا قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ذُكِرَ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى الْوَاسِطِيِّ، حَدَّثَنِي الْهَيْثَمُ بْنُ مَحْفُوظٍ أَبُو سَعْدٍ النَّهْدِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عبد الرحمن بن المجبر، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَتَبَ أَبِي في وَصِيَّتَهُ سَطْرَيْنِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنَ الدُّنْيَا، حِينَ يُؤْمِنُ الْكَافِرُ وَيَنْتَهِي الْفَاجِرُ وَيَصْدُقُ الْكَاذِبُ، إِنِّي اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْكُمْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَإِنْ يَعْدِلْ فَذَاكَ ظَنِّي بِهِ وَرَجَائِي فِيهِ، وَإِنْ يَجُرْ وَيُبَدِّلْ فَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ. آخَرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ الشُّعَرَاءِ، وَالْحَمْدُ لله رب العالمين.
(1) أخرجه مسلم في البر حديث 56، 57، وأحمد في المسند 2/ 92، 106، 3/ 323.