الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سُورَةِ لُقْمَانَ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة لقمان (31) : الآيات 1 الى 5]
بسم الله الرحمن الرحيم
الم (1) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (2) هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)
أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)
تقدم في سُورَةِ الْبَقَرَةِ عَامَّةُ الْكَلَامِ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بصدر هذه السورة، وهو أنه سبحانه وتعالى جَعَلَ هَذَا الْقُرْآنَ هُدًى وَشِفَاءً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ، وَهُمُ الَّذِينَ أَحْسَنُوا الْعَمَلَ فِي اتِّبَاعِ الشَّرِيعَةِ، فَأَقَامُوا الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ بِحُدُودِهَا وَأَوْقَاتِهَا وَمَا يَتْبَعُهَا مِنْ نَوَافِلَ رَاتِبَةٍ وَغَيْرِ رَاتِبَةٍ، وَآتَوُا الزَّكَاةَ المفروضة عليهم إلى مستحقيها، ووصلوا أرحامهم وقراباتهم، وَأَيْقَنُوا بِالْجَزَاءِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، فَرَغِبُوا إِلَى اللَّهِ فِي ثَوَابِ ذَلِكَ لَمْ يُرَاءُوا بِهِ، وَلَا أَرَادُوا جَزَاءً مِنَ النَّاسِ وَلَا شَكُورًا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَهُوَ مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ أَيْ عَلَى بَصِيرَةٍ وَبَيِّنَةٍ وَمَنْهَجٍ وَاضِحٍ جلي وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أَيْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
[سورة لقمان (31) : الآيات 6 الى 7]
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (6) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (7)
لَمَّا ذَكَّرَ تَعَالَى حَالَ السُّعَدَاءِ، وَهُمُ الَّذِينَ يَهْتَدُونَ بكتاب الله وينتفعون بسماعه، كَمَا قَالَ تَعَالَى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر: 23] الآية، عَطَفَ بِذِكْرِ حَالِ الْأَشْقِيَاءِ الَّذِينَ أَعْرَضُوا عَنِ الِانْتِفَاعِ بِسَمَاعِ كَلَامِ اللَّهِ وَأَقْبَلُوا عَلَى اسْتِمَاعِ الْمَزَامِيرِ وَالْغَنَاءِ بِالْأَلْحَانِ وَآلَاتِ الطَّرَبِ، كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قال: هو والله الغناء.
رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ «1» : حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قال: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ يُونُسَ عَنْ أَبِي صَخْرٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ الْبَجَلِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ أَبِي الصَّهْبَاءِ الْبَكْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ وَهُوَ يَسْأَلُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
(1) تفسير الطبري 10/ 202، 203.
فقال عبد الله بن مسعود: الْغِنَاءُ وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، يُرَدِّدُهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الْخَرَّاطُ عَنْ عَمَّارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي الصَّهْبَاءِ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ مَسْعُودٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ قَالَ: الْغِنَاءُ «1» ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرٌ وَعِكْرِمَةُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ وَمَكْحُولٌ وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ وَعَلِيُّ بْنُ بَذِيمَةَ.
وَقَالَ الحسن البصري: نزلت هذه الآية وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فِي الْغِنَاءِ وَالْمَزَامِيرِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: قَوْلُهُ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَاللَّهِ لَعَلَّهُ لَا يُنْفِقُ فِيهِ مَالًا، وَلَكِنْ شِرَاؤُهُ اسْتِحْبَابُهُ بِحَسْبِ الْمَرْءِ مِنَ الضَّلَالَةِ أَنْ يَخْتَارَ حَدِيثَ الْبَاطِلِ عَلَى حَدِيثِ الْحَقِّ، وَمَا يَضُرُّ عَلَى مَا ينفع، وقيل: أراد بِقَوْلِهِ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ اشْتِرَاءَ الْمُغَنِّيَاتِ مِنَ الْجَوَارِي. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَحْمَسِيُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ خَلَّادٍ الصَّفَّارِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنُ يَزِيدَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «لَا يَحُلُّ بَيْعُ الْمُغَنِّيَاتِ وَلَا شِرَاؤُهُنَّ وَأَكْلُ أَثْمَانِهِنَّ حَرَامٌ، وَفِيهِنَّ أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل عَلَيَّ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ» وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ بِنَحْوِهِ، ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَضَعَّفَ عَلِيَّ بْنَ يَزِيدَ الْمَذْكُورَ.
(قُلْتُ) عَلِيٌّ وَشَيْخُهُ وَالرَّاوِي عَنْهُ كُلُّهُمْ ضُعَفَاءُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ قال: يَعْنِي الشِّرْكُ، وَبِهِ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّهُ كُلُّ كَلَامٍ يَصُدُّ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ وَاتِّبَاعِ سَبِيلِهِ. وَقَوْلُهُ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَيْ إِنَّمَا يَصْنَعُ هَذَا لِلتَّخَالُفِ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، وَعَلَى قِرَاءَةِ فَتْحِ الْيَاءِ تَكُونُ اللَّامُ لَامَ الْعَاقِبَةِ أَوْ تَعْلِيلًا لِلْأَمْرِ الْقَدَرِيِّ، أَيْ قَيَّضُوا لِذَلِكَ ليكونوا كذلك. وقوله تعالى: وَيَتَّخِذَها هُزُواً قَالَ مُجَاهِدٌ: وَيَتَّخِذُ سَبِيلَ اللَّهِ هُزُوًا يَسْتَهْزِئُ بِهَا. وَقَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي وَيَتَّخِذُ آيَاتِ اللَّهِ هَزُّوا، وَقَوْلُ مُجَاهِدٍ أَوْلَى.
وَقَوْلُهُ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ أَيْ كَمَا اسْتَهَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَسَبِيلِهِ أُهِينُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الْعَذَابِ الدَّائِمِ الْمُسْتَمِرِّ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً أَيْ هَذَا الْمُقْبِلُ عَلَى اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ وَالطَّرَبِ إِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِ الْآيَاتُ الْقُرْآنِيَّةُ وَلَّى عَنْهَا وَأَعْرَضَ وَأَدْبَرَ وتصامم وما به من صمم، كأنه ما سمعها لِأَنَّهُ يَتَأَذَّى بِسَمَاعِهَا إِذْ لَا انْتِفَاعَ لَهُ بِهَا وَلَا أَرَبَ لَهُ فِيهَا، فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُؤْلِمُهُ كَمَا تَأَلَّمَ بسماع كتاب الله وآياته.
(1) انظر تفسير الطبري 10/ 203.