الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة النور (24) : الآيات 58 الى 60]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَاّتِي لَا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60)
هَذِهِ الْآيَاتُ الْكَرِيمَةُ اشْتَمَلَتْ عَلَى اسْتِئْذَانِ الْأَقَارِبِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ فَهُوَ اسْتِئْذَانُ الْأَجَانِبِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَسْتَأْذِنَهُمْ خَدَمُهُمْ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ وَأَطْفَالُهُمُ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْهُمْ فِي ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ [الْأَوَّلُ] مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْغَدَاةِ، لِأَنَّ النَّاسَ إِذْ ذَاكَ يَكُونُونَ نِيَامًا فِي فُرُشِهِمْ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ
أَيْ فِي وَقْتِ الْقَيْلُولَةِ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَضَعُ ثِيَابَهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ مَعَ أَهْلِهِ.
وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ لأنه وقت النوم، فيؤمر الخدم والأطفال أن لا يَهْجُمُوا عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ لِمَا يُخْشَى مِنْ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ عَلَى أهله أو نحو ذَلِكَ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَلِهَذَا قَالَ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ أَيْ إِذَا دَخَلُوا فِي حَالٍ غَيْرِ هَذِهِ الأحوال، فلا جناح عليكم في تمكينكم من ذلك إياهم وَلَا عَلَيْهِمْ إِنْ رَأَوْا شَيْئًا فِي غَيْرِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ. لِأَنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَهُمْ فِي الْهُجُومِ، وَلِأَنَّهُمْ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ أَيْ فِي الْخِدْمَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَيُغْتَفَرُ فِي الطَّوَّافِينَ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهِمْ، وَلِهَذَا رَوَى الْإِمَامُ مَالِكٌ وأحمد بن حنبل وأهل السنن أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ في الهرة «إنها ليست بنجسة إِنَّهَا مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ أَوْ وَالطَّوَّافَاتِ» «1» . وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مُحْكَمَةً وَلَمْ تُنْسَخْ بِشَيْءٍ وَكَانَ عَمَلُ النَّاسِ بِهَا قَلِيلًا جَدًّا، أَنْكَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ.
كَمَا قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَرَكَ النَّاسُ ثَلَاثَ آيَاتٍ فَلَمْ يَعْمَلُوا بِهِنَّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، وَالْآيَةُ الَّتِي فِي سُورَةِ النِّسَاءِ وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى [النساء: 8] الآية، والآية فِي الْحُجُرَاتِ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ [الحجرات: 13] وروي أيضا من حديث
(1) أخرجه أبو داود في الطهارة باب 38، والترمذي في الطهارة باب 69، والنسائي في الطهارة باب 53، والمياه باب 8، وابن ماجة في الطهارة باب 32، والدارمي في الوضوء باب 58، ومالك في الطهارة حديث 13، وأحمد في المسند 5/ 296، 303، 309.
إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
غَلَبَ الشَّيْطَانُ النَّاسَ عَلَى ثَلَاثِ آيَاتٍ فَلَمْ يَعْمَلُوا بِهِنَّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إلى آخر الآية.
وروى أبو داود: حدثنا ابن الصباح وابن سُفْيَانَ وَابْنُ عَبْدَةَ وَهَذَا حَدِيثُهُ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: لَمْ يُؤْمِنْ بِهَا أَكْثَرُ النَّاسِ آيَةَ الْإِذْنِ، وَإِنِّي لَآمُرُ جَارِيَتِي هَذِهِ تَسْتَأْذِنُ عَلَيَّ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ «1» : وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَأْمُرُ بِهِ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ: سَأَلْتُ الشَّعْبِيَّ لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ؟ قَالَ:
لَمْ تُنْسَخْ. قُلْتُ: فَإِنَّ النَّاسَ لَا يَعْمَلُونَ بِهَا. فَقَالَ: اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلَيْنِ سَأَلَاهُ عَنِ الِاسْتِئْذَانِ فِي الثَّلَاثِ عَوْرَاتٍ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا فِي الْقُرْآنِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ اللَّهَ سِتِّيرٌ يُحِبُّ السَّتْرَ. كَانَ النَّاسُ لَيْسَ لَهُمْ سُتُورٌ عَلَى أَبْوَابِهِمْ، وَلَا حِجَالٌ فِي بُيُوتِهِمْ، فَرُبَّمَا فَاجَأَ الرَّجُلَ خَادِمُهُ أَوْ وَلَدُهُ أَوْ يَتِيمُهُ فِي حِجْرِهِ وَهُوَ عَلَى أَهْلِهِ، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ أَنْ يَسْتَأْذِنُوا فِي تِلْكَ الْعَوْرَاتِ الَّتِي سَمَّى اللَّهُ. ثُمَّ جَاءَ اللَّهُ بَعْدُ بِالسُّتُورِ، فَبَسَطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الرِّزْقَ، فَاتَّخَذُوا السُّتُورَ وَاتَّخَذُوا الْحِجَالَ، فَرَأَى النَّاسُ أَنَّ ذَلِكَ قَدْ كَفَاهُمْ مِنَ الِاسْتِئْذَانِ الَّذِي أُمِرُوا بِهِ. وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ «2» عَنِ الْقَعْنَبِيِّ عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو بِهِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: كَانَ أُنَاسٌ مِنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم يُحِبُّونَ أَنَّ يُوَاقِعُوا نِسَاءَهُمْ فِي هَذِهِ السَّاعَاتِ لِيَغْتَسِلُوا ثُمَّ يَخْرُجُوا إِلَى الصَّلَاةِ، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ أَنْ يَأْمُرُوا الْمَمْلُوكَيْنِ وَالْغِلْمَانَ أن لا يَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ فِي تِلْكَ السَّاعَاتِ إِلَّا بِإِذْنٍ، وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: بَلَغَنَا- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ وَامْرَأَتَهُ أَسْمَاءَ بِنْتَ مرثد صَنَعَا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا فَجَعَلَ النَّاسُ يَدْخُلُونَ بِغَيْرِ إِذَنٍ، فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَقْبَحَ هَذَا، إِنَّهُ لَيَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَزَوجِهَا- وَهُمَا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ- غُلَامُهُمَا بِغَيْرِ إِذَنٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إلى آخرها، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ لَمْ تُنْسَخْ قَوْلُهُ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يَعْنِي إِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ الَّذِينَ إِنَّمَا كَانُوا يَسْتَأْذِنُونَ فِي الْعَوْرَاتِ الثَّلَاثِ، إِذَا بَلَغُوا الْحُلُمَ وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسْتَأْذِنُوا عَلَى كُلِّ حَالٍ، يَعْنِي بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَجَانِبِهِمْ وَإِلَى الْأَحْوَالِ الَّتِي يَكُونُ الرَّجُلُ عَلَى امْرَأَتِهِ، وَإِنْ لم يكن في الأحوال الثلاث.
(1) كتاب الأدب باب 130.
(2)
كتاب الحمام باب 1.
قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ: إِذَا كَانَ الْغُلَامُ رَبَاعِيًّا، فَإِنَّهُ يَسْتَأْذِنُ فِي الْعَوْرَاتِ الثَّلَاثِ عَلَى أَبَوَيْهِ، فَإِذَا بَلَغَ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنْ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَهَكَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. وَقَالَ فِي قَوْلِهِ كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يَعْنِي كَمَا اسْتَأْذَنَ الْكِبَارُ مِنْ وَلَدِ الرَّجُلِ وَأَقَارِبِهِ. وَقَوْلُهُ وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُقَاتِلُ بْنُ حيان والضحاك وقتادة: هُنَّ اللَّوَاتِي انْقَطَعَ عَنْهُنَّ الْحَيْضُ وَيَئِسْنَ مِنَ الْوَلَدِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكاحاً أَيْ لَمْ يبق لهن تشوف إلى التزوج فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ أَيْ لَيْسَ عَلَيْهَا مِنَ الْحَرَجِ فِي التَّسَتُّرِ كَمَا عَلَى غَيْرِهَا مِنَ النِّسَاءِ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ «1» : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ الآية، فنسخ واستثنى من ذلك الْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكاحاً الْآيَةَ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ قَالَ: الْجِلْبَابُ أَوِ الرداء وكذلك رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَمُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَبِي الشَّعْثَاءِ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَالزُّهْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ: تَضَعُ الْجِلْبَابَ وَتَقُومُ بَيْنَ يَدَيِ الرَّجُلِ فِي الدِّرْعِ وَالْخِمَارِ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَغَيْرُهُ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ إِنْ يَضَعْنَ مِنْ ثِيَابِهِنَّ وَهُوَ الْجِلْبَابُ مِنْ فَوْقِ الْخِمَارِ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَضَعْنَ عِنْدَ غَرِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهَا خمار صفيق، وقال سعيد بن جبير في الآية غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ يَقُولُ: لَا يَتَبَرَّجْنَ بِوَضْعِ الجلباب ليرى ما عليهن مِنَ الزِّينَةِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا هشام بن عبد اللَّهِ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنِي سَوَّارُ بْنُ ميمون، حدثنا طلحة بن عَاصِمٍ عَنْ أُمِّ الضِّيَاءِ أَنَّهَا قَالَتْ: دَخَلَتْ على عائشة رضي الله عنها، فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ مَا تَقُولِينَ فِي الْخِضَابِ وَالنِّفَاضِ وَالصِّبَاغِ وَالْقُرْطَيْنِ وَالْخَلْخَالِ وَخَاتَمِ الذَّهَبِ وَثِيَابِ الرِّقَاقِ؟ فَقَالَتْ: يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ قِصَّتُكُنَّ كُلُّهُا وَاحِدَةٌ، أَحَلَّ اللَّهُ لَكُنَّ الزِّينَةَ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ، أَيْ لَا يَحِلُّ لَكُنَّ أَنْ يَرَوْا مِنْكُنَّ مُحَرَّمًا.
وَقَالَ السَّدِّيُّ: كَانَ شَرِيكٌ لِي يُقَالُ لَهُ مُسْلِمٌ، وَكَانَ مَوْلًى لِامْرَأَةِ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، فَجَاءَ يَوْمًا إِلَى السُّوقِ وَأَثَرُ الْحِنَّاءِ فِي يَدِهِ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ خَضَّبَ رَأْسَ مَوْلَاتِهِ وَهِيَ امْرَأَةُ حُذَيْفَةَ، فَأَنْكَرْتُ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ أَدْخَلَتُكَ عَلَيْهَا؟ فقلت: نعم، فأدخلني عليها فإذا هي امرأة جليلة، فقلت لها: إن مسلما حدثني أنه خضب لك رَأْسَكِ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ يَا بُنَيَّ إِنِّي مِنَ الْقَوَاعِدِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا، وَقَدْ قَالَ الله تعالى فِي ذَلِكَ مَا سَمِعْتَ. وَقَوْلُهُ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ أَيْ وَتَرْكُ وَضْعِهِنَّ لِثِيَابِهِنَّ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا خَيْرٌ وَأَفْضَلُ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.
(1) كتاب اللباس باب 34.