الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وشهدنا ما شهدت، فاستغضب المقداد، فجعلت أعجب لأنه مَا قَالَ إِلَّا خَيْرًا، ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَيْهِ فَقَالَ: مَا يَحْمِلُ الرَّجُلَ عَلَى أَنْ يَتَمَنَّى مَحْضَرًا غَيَّبَهُ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَدْرِي لَوْ شهده كيف يَكُونُ فِيهِ، وَاللَّهِ لَقَدْ حَضَرَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَقْوَامٌ أَكَبَّهُمُ اللَّهُ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِي جَهَنَّمَ لَمْ يُجِيبُوهُ وَلَمْ يُصَدِّقُوهُ، أَوَ لَا تَحْمَدُونَ اللَّهَ إِذْ أَخْرَجَكُمْ من بطون أمهاتكم لا تعرفون إلا ربكم مصدقين بما جَاءَ بِهِ نَبِيُّكُمْ قَدْ كُفِيتُمُ الْبَلَاءَ بِغَيْرِكُمْ؟ لَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَشَدِّ حَالٍ بَعَثَ عَلَيْهَا نَبِيًّا من الأنبياء في فترة جَاهِلِيَّةٍ، مَا يَرَوْنَ أَنَّ دِينًا أَفْضَلَ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، فَجَاءَ بِفُرْقَانٍ فَرَّقَ بِهِ بَيْنَ الحق والباطل، وفرق بين الوالد وولده، إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَرَى وَالِدَهُ وَوَلَدَهُ أَوْ أَخَاهُ كَافِرًا وَقَدْ فَتَحَ اللَّهُ قُفْلَ قَلْبِهِ لِلْإِيمَانِ يَعْلَمُ أَنَّهُ إِنْ هَلَكَ دَخَلَ النَّارَ، فَلَا تَقَرُّ عَيْنُهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ حَبِيبَهُ فِي النَّارِ، وَإِنَّهَا الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَلَمْ يخرجوه.
وقوله تعالى: وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ والسدي وقتادة وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: أَئِمَّةً يُقْتَدَى بِنَا فِي الخير. وقال غيرهم: هداة مهتدين دعاة إِلَى الْخَيْرِ، فَأَحَبُّوا أَنْ تَكُونَ عِبَادَتَهُمْ مُتَّصِلَةً بِعِبَادَةِ أَوْلَادِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ، وَأَنْ يَكُونَ هُدَاهُمْ مُتَعَدِّيًا إِلَى غَيْرِهِمْ بِالنَّفْعِ، وَذَلِكَ أَكْثَرُ ثَوَابًا، وَأَحْسَنُ مآبا، ولهذا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ، أَوْ عَلَمٍ يَنْتَفِعُ بِهِ مَنْ بعده، أو صدقة جارية» «1» .
[سورة الفرقان (25) : الآيات 75 الى 77]
أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً (75) خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (76) قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً (77)
لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى مِنْ أَوْصَافِ عباده المؤمنين ما ذكر من الصفات الجميلة، والأقوال والأفعال الْجَلِيلَةِ، قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ أُوْلئِكَ أَيْ المتصفون بهذه يُجْزَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْغُرْفَةَ وَهِيَ الْجَنَّةُ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكُ والسُّدِّيُّ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِارْتِفَاعِهَا بِما صَبَرُوا أَيْ عَلَى الْقِيَامِ بِذَلِكَ وَيُلَقَّوْنَ فِيها أَيْ فِي الْجَنَّةِ تَحِيَّةً وَسَلاماً أَيْ يُبْتَدَرُونَ فِيهَا بِالتَّحِيَّةِ وَالْإِكْرَامِ، ويلقون التَّوْقِيرَ وَالِاحْتِرَامَ، فَلَهُمُ السَّلَامُ وَعَلَيْهِمُ السَّلَامُ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنَعْمَ عُقْبَى الدَّارِ. وَقَوْلُهُ تعالى:
خالِدِينَ فِيها أَيْ مُقِيمِينَ لَا يَظْعَنُونَ وَلَا يَحُولُونَ وَلَا يَمُوتُونَ وَلَا يَزُولُونَ عَنْهَا وَلَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها مَا دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ [هود: 108] الآية.
(1) أخرجه مسلم في الوصية حديث 14.
وقوله تعالى: حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً أَيْ حَسُنَتْ مَنْظَرًا وَطَابَتْ مَقِيلًا وَمَنْزِلًا، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي أَيْ لَا يُبَالِي وَلَا يَكْتَرِثُ بِكُمْ إِذَا لَمْ تَعْبُدُوهُ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا خَلَقَ الخلق ليعبدوه ويوحدوه ويسبحوه بكرة وأصيلا. قال مجاهد وعمرو بن شعيب قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي يَقُولُ: مَا يَفْعَلُ بِكُمْ رَبِّي «1» . وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عباس في قوله قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي الآية، يقول: لولا إيمانكم. وأخبر تعالى الْكَفَّارَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَهُ بِهِمْ إِذْ لَمْ يَخْلُقْهُمْ مُؤْمِنِينَ، وَلَوْ كَانَ لَهُ بِهِمْ حَاجَةٌ لَحَبَّبَ إِلَيْهِمُ الْإِيمَانَ كَمَا حَبَّبَهُ إِلَى المؤمنين.
وقوله تعالى: فَقَدْ كَذَّبْتُمْ أَيُّهَا الْكَافِرُونَ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً أَيْ فَسَوْفَ يكون تكذيبكم لزاما لكم، يعني مقتضيا لعذابكم وهلاككم وَدَمَارِكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ يَوْمُ بَدْرٍ، كَمَا فَسَّرَهُ بِذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَغَيْرُهُمْ. وقال الحسن البصري فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً أي يوم القيامة، ولا منافاة بينهما.
(1) انظر تفسير الطبري 9/ 427. [.....]