الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهُمْ كُفَّارٌ بِالْهِدَايَةِ وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهَا، كَذَلِكَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الشَّقَاوَةُ لَا حِيلَةَ لَكَ فِيهِمْ وَلَا تَسْتَطِيعُ هِدَايَتَهُمْ إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ أَيْ إِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَالْإِنْذَارُ، وَاللَّهُ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ، إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً أَيْ بَشِيرًا لِلْمُؤْمِنِينَ وَنَذِيرًا لِلْكَافِرِينَ، وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ أَيْ وَمَا مِنْ أُمَّةٍ خَلَتْ مِنْ بَنِي آدَمَ إِلَّا وَقَدْ بَعَثَ الله تعالى إِلَيْهِمُ النُّذُرَ، وَأَزَاحَ عَنْهُمُ الْعِلَلَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ [الرَّعْدِ: 7] وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ [النحل: 36] الآية، وَالْآيَاتُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ.
وَقَوْلُهُ تبارك وتعالى: وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَهِيَ الْمُعْجِزَاتُ الْبَاهِرَاتُ وَالْأَدِلَّةُ الْقَاطِعَاتُ وَبِالزُّبُرِ وَهِيَ الْكُتُبُ وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ أَيِ الْوَاضِحُ الْبَيِّنُ ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا أَيْ وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ كَذَّبَ أُولَئِكَ رُسُلَهُمْ فِيمَا جَاءُوهُمْ بِهِ، فَأَخَذْتُهُمْ أَيْ بِالْعِقَابِ وَالنَّكَالِ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ أَيْ فَكَيْفَ رَأَيْتَ إِنْكَارِي عَلَيْهِمْ عظيما شديدا بليغا، والله أعلم.
[سورة فاطر (35) : الآيات 27 الى 28]
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)
يَقُولُ تَعَالَى مُنَبِّهًا عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ فِي خَلْقِهِ الْأَشْيَاءَ الْمُتَنَوِّعَةَ الْمُخْتَلِفَةَ مِنَ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ الْمَاءُ الَّذِي يُنْزِلُهُ مِنَ السَّمَاءِ، يُخْرِجُ بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا مِنْ أَصْفَرَ وَأَحْمَرَ وَأَخْضَرَ وَأَبْيَضَ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَلْوَانِ الثِّمَارِ، كَمَا هُوَ الْمُشَاهَدُ مِنْ تَنَوُّعِ أَلْوَانِهَا وَطَعُومِهَا وَرَوَائِحِهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [الرَّعْدِ: 4] .
وَقَوْلُهُ تبارك وتعالى: وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها أَيْ وَخَلَقَ الْجِبَالَ كَذَلِكَ مُخْتَلِفَةَ الْأَلْوَانِ، كَمَا هُوَ الْمُشَاهِدُ أَيْضًا مِنْ بِيضٍ وَحُمْرٍ، وَفِي بَعْضِهَا طَرَائِقُ وَهِيَ الْجُدَدُ جَمْعُ جُدَّةٍ، مُخْتَلِفَةُ الْأَلْوَانِ أَيْضًا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: الْجُدَدُ الطَّرَائِقُ، وَكَذَا قَالَ أَبُو مالك والحسن وقتادة والسدي، ومنها غرابيب سُودٌ. قَالَ عِكْرِمَةُ: الْغَرَابِيبُ الْجِبَالُ الطِّوَالُ السُّودُ، وَكَذَا قَالَ أَبُو مَالِكٍ وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ وَقَتَادَةُ: وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «1» : وَالْعَرَبُ إِذَا وَصَفُوا الْأَسْوَدَ بِكَثْرَةِ السَّوَادِ قَالُوا: أَسْوَدُ غِرْبِيبٌ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: هَذَا مِنَ الْمُقَدَّمِ وَالْمُؤَخَّرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَغَرابِيبُ سُودٌ أي سود غرابيب، وفيما قاله نظر.
(1) تفسير الطبري 10/ 409.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ أي كَذَلِكَ الْحَيَوَانَاتُ مِنَ الْأَنَاسِيِّ، وَالدَّوَابِّ، وَهُوَ كُلُّ ما دب على القوائم، وَالْأَنْعَامِ، مِنْ بَابِ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِ كَذَلِكَ هِيَ مُخْتَلِفَةٌ أَيْضًا، فَالنَّاسُ مِنْهُمْ بَرْبَرٌ وَحُبُوشٌ وَطُمَاطِمُ فِي غَايَةِ السَّوَادِ وَصَقَالِبَةٌ وَرُومٌ فِي غَايَةِ الْبَيَاضِ، وَالْعَرَبُ بَيْنَ ذَلِكَ وَالْهُنُودُ دُونَ ذَلِكَ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ [الرُّومِ: 22] وَكَذَلِكَ الدَّوَابُّ وَالْأَنْعَامُ مُخْتَلِفَةُ الْأَلْوَانِ حَتَّى فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ بَلِ النَّوْعِ الْوَاحِدِ مِنْهُنَّ مُخْتَلِفُ الْأَلْوَانِ، بَلِ الْحَيَوَانُ الْوَاحِدُ يَكُونُ أَبْلَقَ فِيهِ مِنْ هَذَا اللَّوْنِ وَهَذَا اللَّوْنِ، فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ.
وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: أيصبغ ربك؟ قال صلى الله عليه وسلم: «نَعَمْ صَبْغًا لَا يُنْفَضُّ أَحْمَرَ وَأَصْفَرَ وَأَبْيَضَ» وَرُوِيَ مُرْسَلًا وَمَوْقُوفًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا:
إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ أَيْ إِنَّمَا يَخْشَاهُ حَقَّ خَشْيَتِهِ الْعُلَمَاءُ الْعَارِفُونَ بِهِ، لِأَنَّهُ كُلَّمَا كَانَتِ الْمَعْرِفَةُ لِلْعَظِيمِ الْقَدِيرِ الْعَلِيمِ الْمَوْصُوفِ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ الْمَنْعُوتِ بِالْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى، كُلَّمَا كَانَتِ الْمَعْرِفَةُ بِهِ أَتَمُّ وَالْعِلْمُ بِهِ أَكْمَلَ كَانَتِ الْخَشْيَةُ لَهُ أَعْظَمَ وَأَكْثَرَ.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ قَالَ: الَّذِينَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ «1» وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْعَالِمُ بِالرَّحْمَنِ من عباده مَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَأَحَلَّ حَلَالَهُ وَحَرَّمَ حَرَامَهُ، وَحَفِظَ وَصِيَّتَهُ وَأَيْقَنَ أَنَّهُ مُلَاقِيهِ وَمُحَاسَبٌ بِعَمَلِهِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الْخَشْيَةُ هِيَ الَّتِي تَحُولُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ مَعْصِيَةِ اللَّهِ عز وجل. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: الْعَالِمُ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ، وَرَغِبَ فِيمَا رَغِبَ اللَّهُ فِيهِ، وَزَهِدَ فِيمَا سَخِطَ اللَّهُ فِيهِ، ثُمَّ تَلَا الْحَسَنُ إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ.
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ الْعِلْمُ عَنْ كَثْرَةِ الْحَدِيثِ، وَلَكِنَّ الْعِلْمَ عَنْ كَثْرَةِ الْخَشْيَةِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: إِنَّ العلم ليس بكثرة الرواية، وإما الْعِلْمُ نُورٌ يَجْعَلُهُ اللَّهُ فِي الْقَلْبِ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْخَشْيَةَ، لا تدرك بكثرة الرواية، وإنما الْعِلْمُ الَّذِي فَرَضَ اللَّهُ عز وجل أَنْ يُتَّبَعَ، فَإِنَّمَا هُوَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَمَا جَاءَ عَنِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، فَهَذَا، لَا يُدْرَكُ إِلَّا بِالرِّوَايَةِ، وَيَكُونُ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: نُورٌ يُرِيدُ بِهِ فَهْمَ الْعِلْمِ وَمَعْرِفَةَ مَعَانِيهِ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عن
(1) انظر تفسير الطبري 10/ 409. [.....]