الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ زُرْعَةَ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ الْحَضْرَمِيِّ عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ:«إِنَّ أَوَّلَ عَظْمٍ مِنَ الْإِنْسَانِ يَتَكَلَّمُ يَوْمَ يُخْتَمُ عَلَى الْأَفْوَاهِ فَخِذُهُ مِنَ الرِّجْلِ الشِّمَالِ» .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «1» : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ قَالَ: قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: قَالَ أَبُو مُوسَى هُوَ الْأَشْعَرِيُّ رضي الله عنه: يُدْعَى الْمُؤْمِنُ لِلْحِسَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ رَبُّهُ عَمَلَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، فَيَعْتَرِفُ فَيَقُولُ: نَعَمْ أَيْ رَبِّ عَمِلْتُ عملت عملت، قال: فيغفر الله تعالى لَهُ ذُنُوبَهُ وَيَسْتُرُهُ مِنْهَا، قَالَ: فَمَا عَلَى الْأَرْضِ خَلِيقَةٌ تَرَى مِنْ تِلْكَ الذُّنُوبِ شَيْئًا وَتَبْدُو حَسَنَاتُهُ، فَوَدَّ أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ يَرَوْنَهَا، وَيُدْعَى الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ لِلْحِسَابِ، فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ رَبُّهُ عَمَلَهُ فَيَجْحَدُ وَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ وَعَزَّتِكَ لَقَدْ كَتَبَ عَلَيَّ هَذَا الْمَلَكُ مَا لَمْ أَعْمَلْ، فيقول له الملك: أما علمت كذا يَوْمِ كَذَا فِي مَكَانِ كَذَا؟ فَيَقُولُ:
لَا وَعِزَّتِكَ أَيْ رَبِّ مَا عَمِلْتُهُ، فَإِذَا فَعَلَ ذلك ختم الله على فيه، قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: فَإِنِّي أَحْسَبُ أَوَّلَ مَا يَنْطِقُ مِنْهُ الْفَخِذُ الْيُمْنَى، ثُمَّ تَلَا الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ.
وقوله تبارك وتعالى: وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي تَفْسِيرِهَا: يَقُولُ وَلَوْ نَشَاءُ لَأَضْلَلْنَاهُمْ عَنِ الْهُدَى، فَكَيْفَ يَهْتَدُونَ؟ وَقَالَ مُرَّةُ: أَعْمَيْنَاهُمْ: وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَطَمَسَ عَلَى أَعْيُنِهِمْ فجعلهم عميا يترددون. وقال السدي: يقول ولو نشاء أَعْمَيْنَا أَبْصَارَهُمْ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَأَبُو صَالِحٍ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ، يَعْنِي الطَّرِيقَ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: يَعْنِي بِالصِّرَاطِ هَاهُنَا الْحَقَّ، فَأَنَّى يُبْصِرُونَ وَقَدْ طَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ. وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: فَأَنَّى يُبْصِرُونَ لا يبصرون الحق «2» .
وقوله عز وجل: وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ قَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَهْلَكْنَاهُمْ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي لَغَيَّرْنَا خَلْقَهُمْ. وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ: لَجَعَلْنَاهُمْ حِجَارَةً.
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وقتادة: لأقعدهم على أرجلهم، ولهذا قال تبارك وتعالى: فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا أَيْ إِلَى أَمَامٍ وَلا يَرْجِعُونَ إِلَى وَرَاءٍ بَلْ يَلْزَمُونَ حَالًا وَاحِدًا لَا يتقدمون ولا يتأخرون.
[سورة يس (36) : الآيات 68 الى 70]
وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ (68) وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَاّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ (70)
(1) تفسير الطبري 10/ 458.
(2)
انظر هذا الأثر والآثار التي قبله في تفسير الطبري 10/ 458، 459.
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنِ ابْنِ آدَمَ أَنَّهُ كُلَّمَا طَالَ عُمْرُهُ، رُدَّ إِلَى الضَّعْفِ بَعْدَ الْقُوَّةِ، والعجز بعد النشاط، كما قال تبارك وتعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ [الروم: 54] وقال عز وجل:
وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً [النحل: 70] وَالْمُرَادُ مِنْ هَذَا- وَاللَّهُ أَعْلَمُ الْإِخْبَارُ عَنْ هَذِهِ الدَّارِ بِأَنَّهَا دَارُ زَوَالٍ وَانْتِقَالٍ، لَا دار دوام واستقرار، ولهذا قال عز وجل: أَفَلا يَعْقِلُونَ أَيْ يَتَفَكَّرُونَ بِعُقُولِهِمْ فِي ابْتِدَاءِ خلقهم، ثم صيرورتهم إلى سن الشيبة، ثُمَّ إِلَى الشَّيْخُوخَةِ لِيَعْلَمُوا أَنَّهُمْ خُلِقُوا لِدَارٍ أُخْرَى لَا زَوَالَ لَهَا وَلَا انْتِقَالَ مِنْهَا وَلَا مَحِيدَ عَنْهَا، وَهِيَ الدَّارُ الْآخِرَةُ.
وَقَوْلُهُ تبارك وتعالى: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ يَقُولُ عز وجل مُخْبِرًا عَنْ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ مَا عَلَّمَهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ أي ما هُوَ فِي طَبْعِهِ فَلَا يُحْسِنُهُ وَلَا يُحِبُّهُ ولا تقتضيه جبلته، ولهذا ورد أنه صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَحْفَظُ بَيْتًا عَلَى وَزْنٍ مُنْتَظِمٍ بَلْ إِنْ أَنْشَدَهُ زَحَّفَهُ أَوْ لَمْ يُتِمَّهُ. وقال أبو زرعة الرازي: حدثنا إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَا وَلَدَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ ذَكَرًا وَلَا أُنْثَى إِلَّا يَقُولُ الشِّعْرَ إِلَّا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ذَكَرَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ الذي أكله الأسد بِالزَّرْقَاءِ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ هُوَ الْبَصْرِيُّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان يتمثل بهذا البيت [الطويل] :
كَفَى بِالْإِسْلَامِ وَالشَّيْبِ لِلْمَرْءِ نَاهِيًا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللَّهِ: [الطويل] كَفَى الشَّيْبُ وَالْإِسْلَامُ لِلْمَرْءِ نَاهِيًا «1» قَالَ أَبُو بكر أو عمر رضي الله عنهما: أشهد أنك رسول الله، يقول تَعَالَى: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ وَهَكَذَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلْعَبَّاسِ بن مرداس
(1) صدره:
عميرة ودّع إن تجهزت غاديا والبيت لسحيم عبد بني الحسحاس في الإنصاف 1/ 168، وخزانة الأدب 1/ 267، 2/ 102، 103، وسر صناعة الإعراب 1/ 141، وشرح التصريح 2/ 88، وشرح شواهد المغني 1/ 325، والكتاب 2/ 26، 4/ 225، ولسان العرب (كفى) ، ومغني اللبيب 1/ 106، والمقاصد النحوية 3/ 665، وبلا نسبة في أسرار العربية ص 144، وأوضح المسالك 3/ 253، وشرح الأشموني 2/ 364، وشرح عمدة الحافظ ص 425، وشرح قطر الندى ص 323، وشرح المفصل 2/ 115، 7/ 84، 8/ 24، 93، 138، ولسان العرب (نهى) .
السلمي رضي الله عنه «أنت القائل [المتقارب] :
أَتَجْعَلَ نَهْبِي وَنَهْبَ الْعُبَيْدِ
…
بَيْنَ الْأَقْرَعِ وَعُيَيْنَةَ «1»
فقال: إنما هو عيينة والأقرع، فقال صلى الله عليه وسلم:«الْكُلُّ سَوَاءٌ» يَعْنِي فِي الْمَعْنَى، صَلَوَاتُ اللَّهِ وسلامه عليه، والله أعلم.
وَقَدْ ذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ الْأُنُفِ لِهَذَا التقديم والتأخير الذي وقع في كلامه صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْبَيْتِ مُنَاسِبَةً أَغْرَبَ فِيهَا، حَاصِلُهَا شَرَفُ الْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ عَلَى عُيَيْنَةَ بْنِ بدر الفزاري لأنه ارتد أيام الصديق رضي الله عنه بِخِلَافِ ذَاكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَهَكَذَا رَوَى الْأُمَوِيُّ فِي مَغَازِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ يَمْشِي بَيْنَ الْقَتْلَى يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ يَقُولُ «نُفْلِقُ هَامًا» فَيَقُولُ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه متمما للبيت [الطويل] :
مِنْ رِجَالٍ أَعِزَّةٍ عَلَيْنَا
…
وَهُمْ كَانُوا أَعَقَّ وأظلما «2»
وهذا لبعض الشعراء الْعَرَبِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ وَهِيَ فِي الْحَمَاسَةِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «3» : حَدَّثَنَا هُشَيْمُ: حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اسْتَرَاثَ الْخَبَرَ تَمَثَّلَ فِيهِ بِبَيْتِ طرفة [الطويل] :
وَيَأْتِيكَ بِالْأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ «4» وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْهَا. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها كَذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أُسَامَةُ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَمَثَّلُ من الأشعار:
(1) يروى البيت:
أتجعل نهبي ونهب العبيد
…
بين عيينة والأقرع
وهو للعباس بن مرداس في ديوانه ص 84، ولسان العرب (نهب) ، (عبد) ، وتاج العروس (نهب) ، (عبد) .
(2)
البيت للحصين بن الحمام المري في الشعر والشعراء 2/ 648.
(3)
المسند 6/ 31، 146. [.....]
(4)
صدره: ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا وهو لطرفة في ديوانه ص 41، ولسان العرب (تبت) ، (ريث) ، وتاج العروس (رجز) ، وبلا نسبة في شرح قطر الندى ص 108، ولسان العرب (ضمن) .
وَيَأْتِيكَ بِالْأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ ثُمَّ قَالَ، ورواه غير زائدة عن سماك عن عطية عن عائشة رضي الله عنها، هذا فِي شِعْرِ طَرَفَةَ بْنِ الْعَبْدِ فِي مُعَلَّقَتِهِ المشهورة، وهذا المذكور منها أوله [الطويل] :
سَتُبْدِي لَكَ الْأَيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِلًا
…
وَيَأْتِيكَ بِالْأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ
وَيَأْتِيكَ بِالْأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تَبِعْ لَهُ
…
بَتَاتًا وَلَمْ تَضِرِبْ لَهُ وقت موعد
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ: قيل لعائشة رضي الله عنها: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يتمثل بشيء من الشعر؟ قالت رضي الله عنها: كان أبغض الحديث إليه، غير أنه صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَمَثَّلُ بِبَيْتِ أَخِي بَنِي قَيْسٍ، فَيَجْعَلُ أَوَّلَهُ آخِرَهُ، وَآخِرَهُ أَوَّلَهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: ليس هذا هكذا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَنَا بشاعر وما يَنْبَغِي لِي» رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ جَرِيرٍ، وَهَذَا لَفْظُهُ. وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ: بلغني أن عائشة رضي الله عنها سُئِلَتْ:
هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَمَثَّلُ بِشَيْءٍ مِنَ الشِّعْرِ؟ فَقَالَتْ رضي الله عنها: لَا. إِلَّا بَيْتَ طَرَفَةَ.
سَتُبْدِي لَكَ الْأَيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِلًا
…
وَيَأْتِيكَ بِالْأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تزود
فجعل صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ لَمْ تُزَوِّدْ بِالْأَخْبَارِ» فَقَالَ أَبُو بكر: ليس هذا هكذا، فقال صلى الله عليه وسلم:«إني لست بشاعر ولا ينبغي لي» وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ نُعَيْمٍ وَكِيلُ الْمُتَّقِي بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هِلَالٍ النَّحْوِيُّ الضَّرِيرُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: مَا جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْتَ شِعْرٍ قَطُّ إِلَّا بَيْتًا وَاحِدًا.
تَفَاءَلْ بِمَا تَهْوَى يَكُنْ فَلَقَلَّمَا
…
يُقَالُ لِشَيْءٍ كَانَ إِلَّا تَحَقَّقَا
سَأَلْتُ شَيْخَنَا الْحَافِظَ أَبَا الْحَجَّاجِ الْمِزِّيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: هُوَ مُنْكَرٌ، وَلَمْ يعرف شيخ الحاكم ولا الضرير، وثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم تَمَثَّلَ يَوْمَ حَفْرِ الْخَنْدَقِ بِأَبْيَاتِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ رضي الله عنه، ولكن تبعا لقول أصحابه رضي الله عنهم، فإنهم كانوا يرتجزون وهم يحفرون فيقولون [رجز] :
لا همّ لَولَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا
…
وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا «1»
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَينَا
…
وَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا
إِنَّ الْأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَينَا
…
إِذَا أرادوا فتنة أبينا
(1) الرجز لعبد الله بن رواحة في ديوانه ص 107، وشرح أبيات سيبويه 2/ 322، والكتاب 3/ 511، وله أو لعامر بن الأكوع في الدرر 5/ 148، وشرح شواهد المغني 1/ 286، 287، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 234، وتخليص الشواهد ص 130، وخزانة الأدب 7/ 139.
ويرفع صلى الله عليه وسلم صَوْتَهُ بِقَوْلِهِ أَبَيْنَا وَيَمُدُّهَا، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا بزحاف في الصحيحين أيضا، وكذا ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَهُوَ رَاكِبٌ الْبَغْلَةَ يُقْدِمُ بها في نحور العدو [رجز] :
أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ
…
أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ «1»
لَكِنْ قَالُوا هَذَا وَقَعَ اتِّفَاقًا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لِوَزْنِ شِعْرٍ، بَلْ جَرَى عَلَى اللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إِلَيْهِ، وَكَذَلِكَ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَارٍ، فَنَكِبَتْ أُصْبُعُهُ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم [رجز] :
هَلْ أَنْتِ إِلَّا إِصْبَعٌ دَمِيتِ
…
وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ «2»
وَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى إِلَّا اللَّمَمَ [النجم: 32] إنشاد [رجز] :
إن تغفر اللهم تغفر جما
…
وأي عبد لَكَ مَا أَلَمَّا «3»
وَكُلُّ هَذَا لَا يُنَافِي كَوْنَهُ صلى الله عليه وسلم مَا عُلِّمَ شعرا وما يَنْبَغِي لَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا عَلَّمَهُ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الذِي لَا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فُصِّلَتْ: 42] وَلَيْسَ هُوَ بِشِعْرٍ كَمَا زَعَمَهُ طَائِفَةٌ مِنْ جَهَلَةِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، وَلَا كِهَانَةٍ، وَلَا مُفْتَعِلٍ، وَلَا سِحْرٍ يُؤْثَرُ، كَمَا تَنَوَّعَتْ فِيهِ أَقْوَالُ الضُّلَّالُ وَآرَاءُ الْجُهَّالِ، وَقَدْ كَانَتْ سَجِيَّتُهُ صلى الله عليه وسلم تَأْبَى صِنَاعَةَ الشِّعْرِ طَبْعًا وَشَرْعًا، كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا شُرَحْبِيلُ بْنُ يَزِيدَ الْمُعَافِرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ التَّنُوخِيِّ قال:
سَمِعْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَا أُبَالِي مَا أُوتِيْتُ إِنْ أَنَا شَرِبْتُ تِرْيَاقًا، أَوْ تَعَلَّقْتُ تَمِيمَةً، أَوْ قُلْتُ الشِّعْرَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِي» تَفَرَّدَ بِهِ أبو
(1) الرجز لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي كتاب العين 6/ 65، وتهذيب اللغة 10/ 611، والحديث أخرجه البخاري في الجهاد باب 52، 61، والمغازي باب 54، ومسلم في الجهاد حديث 78- 80، والترمذي في الجهاد باب 15، وأحمد في المسند 4/ 280، 281، 289، 304.
(2)
الرجز لرسول الله ص في كتاب العين 6/ 65، وتهذيب اللغة 2/ 51، وتاج العروس (صبع) ، وجمهرة اللغة ص 686، ولسان العرب (صبع) ، والحديث أخرجه البخاري في الجهاد باب 9، والأدب باب 90، وتفسير سورة 93، ومسلم في الجهاد حديث 112، وأحمد في المسند 4/ 312، 313.
(3)
الرجز لأبي خراش الهذلي في الأزهية ص 158، وخزانة الأدب 7/ 190، وشرح أشعار الهذليين 3/ 1346، وشرح شواهد المغني ص 625، ولسان العرب (جمم) ، والمقاصد النحوية 4/ 216، وتاج العروس (جمم) ، ولأمية بن أبي الصلت في الأغاني 4/ 131، 135، وخزانة الأدب 4/ 4، ولسان العرب (لمم) ، وتهذيب اللغة 15/ 347، 420، وكتاب العين 8/ 350، وتاج العروس (لمم) ، ولأمية أو لأبي خراش في خزانة الأدب 2/ 295، ولسان العرب (لمم) ، وبلا نسبة في الإنصاف ص 76، وجمهرة اللغة ص 92، والجنى الداني ص 298، ولسان العرب (لا) ، ومغني اللبيب 10/ 244، وكتاب العين 8/ 321، وديوان الأدب 3/ 166، وتاج العروس (لا) .
دَاوُدَ «1» .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «2» رحمه الله: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ الْأُسُودِ بْنِ شَيْبَانَ عَنْ أَبِي نَوْفَلٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بسائغ عنده الشعر؟
فقالت: قد كَانَ أَبْغَضَ الْحَدِيثِ إِلَيْهِ. وَقَالَ عَنْ عَائِشَةَ رضي عَنْهَا: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعْجِبُهُ الْجَوَامِعُ مِنَ الدُّعَاءِ، وَيَدَعُ مَا بَيْنَ ذَلِكَ: وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «لِأَنَّ يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا» «3» انفرد بِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «4» : حَدَّثَنَا يزيد، حَدَّثَنَا قَزَعَةُ بْنُ سُوَيْدٍ الْبَاهِلِيُّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ مَخْلَدٍ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ (ح) وحدثنا الأشيب، فقال عن أبي عَاصِمٍ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَرَضِ بَيْتَ شِعْرٍ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ،» وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ نَظْمُهُ لَا إِنْشَادُهُ، والله أعلم.
على أن الشعر مَا هُوَ مَشْرُوعٌ، وَهُوَ هِجَاءُ الْمُشْرِكِينَ الَّذِي كَانَ يَتَعَاطَاهُ شُعَرَاءُ الْإِسْلَامِ، كَحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه، وَكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ وَأَمْثَالِهِمْ وَأَضْرَابِهِمْ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ، وَمِنْهُ مَا فِيهِ حِكَمٌ وَمَوَاعِظُ وَآدَابٌ، كَمَا يُوجَدُ فِي شِعْرِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَمِنْهُمْ أُمَيَّةُ بن أبي الصلت الذي قال فِيهِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«آمَنَ شِعْرُهُ، وَكَفَرَ قَلْبُهُ» وَقَدْ أَنْشَدَ بَعْضُ الصحابة رضي الله عنهم لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِائَةَ بَيْتٍ يَقُولُ عَقِبَ كُلِّ بَيْتٍ «هِيهِ» يَعْنِي يَسْتَطْعِمُهُ، فَيَزِيدُهُ مِنْ ذَلِكَ «5» ، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَبُرَيْدَةَ بْنِ الحصيب وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا، وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكَمًا» «6» وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم ما علمه الله الشعر وَما يَنْبَغِي لَهُ أَيْ وَمَا يَصْلُحُ لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ أَيْ مَا هَذَا الَّذِي عَلَّمْنَاهُ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ أَيْ بَيِّنٌ وَاضِحٌ جَلِيٌّ لِمَنْ تَأْمَّلَهُ وتدبره، ولهذا قال تعالى: لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا
(1) كتاب الطب باب 10.
(2)
المسند 6/ 148.
(3)
أخرجه أبو داود في الأدب باب 87.
(4)
المسند 4/ 125.
(5)
أخرجه مسلم في الشعر حديث 1، وابن ماجة في الأدب باب 41، وأحمد في المسند 4/ 388، 389، 390.
(6)
أخرجه أبو داود في الأدب باب 87.