الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التَّدْلِيسِ، بَلْ هُوَ خَبِيرٌ بِضَمَائِرِ عِبَادِهِ وَإِنْ أَظْهَرُوا خِلَافَهَا. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ أَيْ اتَّبِعُوا كِتَابَ اللَّهِ وسنة رسوله.
وقوله تعالى: فَإِنْ تَوَلَّوْا أَيْ تَتَوَلَّوْا عَنْهُ وَتَتْرُكُوا مَا جَاءَكُمْ بِهِ فَإِنَّما عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ أَيْ إِبْلَاغُ الرِّسَالَةِ وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ أي بقبول ذَلِكَ وَتَعْظِيمِهِ وَالْقِيَامِ بِمُقْتَضَاهُ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ [الشورى: 53] الآية. وقوله تعالى: وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ [الرَّعْدِ: 40] . وَقَوْلِهِ فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية: 21- 22] .
قال وَهْبُ بْنُ مُنْبِهٍ: أَوْحَى اللَّهُ إِلَى نَبِيٌّ مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهُ شِعِيَاءُ أَنْ قُمْ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَإِنِّي سَأُطْلِقُ لِسَانَكَ بِوَحْيٍ، فَقَامَ فَقَالَ: يَا سَمَاءُ اسْمَعِي وَيَا أَرْضُ انْصِتِي، فَإِنَّ اللَّهَ يُرِيدُ أَنْ يَقْضِيَ شَأْنًا وَيُدَبِّرَ أَمْرًا هُوَ مُنَفِّذُهُ، إِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُحَوِّلَ الرِّيفَ إِلَى الْفَلَاةِ، وَالْآجَامَ «1» فِي الْغِيطَانِ «2» ، وَالْأَنْهَارَ فِي الصَّحَارِي، وَالنِّعْمَةَ فِي الْفُقَرَاءِ، وَالْمُلْكَ فِي الرُّعَاةِ، وَيُرِيدُ أَنْ يَبْعَثَ أُمِّيًّا مِنَ الْأُمِّيِّينَ لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا صَخَّابٍ فِي الأسواق، لو يمر على السِّرَاجِ لَمْ يُطْفِئْهُ مِنْ سَكِينَتِهِ، وَلَوْ يَمْشِي عَلَى الْقَصَبِ الْيَابِسِ لَمْ يُسْمَعْ مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْهِ، أَبْعَثُهُ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، لَا يَقُولُ الْخَنَا «3» ، أَفْتَحُ بِهِ أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا، وَأُسَدِّدُهُ لِكُلِّ أَمْرٍ جَمِيلٍ، وَأَهَبُ لَهُ كُلَّ خُلُقٍ كَرِيمٍ، وَأَجْعَلُ السَّكِينَةَ لِبَاسَهُ، وَالْبِرَّ شِعَارَهُ، وَالتَّقْوَى ضَمِيرَهُ، وَالْحِكْمَةَ مَنْطِقَهُ، وَالصِّدْقَ وَالْوَفَاءَ طَبِيعَتَهُ، وَالْعَفْوَ وَالْمَعْرُوفَ خُلُقَهُ، وَالْحَقَّ شَرِيعَتَهُ، وَالْعَدْلَ سِيرَتَهُ، وَالْهُدَى إِمَامَهُ، وَالْإِسْلَامَ مِلَّتَهُ، وَأَحْمَدَ اسْمَهُ، أَهْدِي بِهِ بَعْدَ الضَّلَالَةِ، وَأُعَلِّمُ بِهِ مِنَ الْجَهَالَةِ، وَأَرْفَعُ بِهِ بَعْدَ الْخَمَالَةِ، وَأُعْرَفُ بِهِ بعد النكرة، وأكثر به الْقِلَّةِ، وَأُغْنِي بِهِ بَعْدَ الْعَيْلَةِ، وَأَجْمَعُ بِهِ بَعْدَ الْفُرْقَةِ، وَأُؤَلِّفُ بِهِ بَيْنَ أُمَمٍ مُتَفَرِّقَةٍ، وقلوب مختلفة، وأهواء مشتتة، وَأَسْتَنْقِذُ بِهِ فِئَامًا مِنَ النَّاسِ عَظِيمًا مِنَ الْهَلَكَةِ، وَأَجْعَلُ أُمَّتَهُ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، مُوَحِّدِينَ مُؤْمِنِينَ مُخْلِصِينَ مُصَدِّقِينَ بِمَا جَاءَتْ بِهِ رُسُلِي، رَوَاهُ ابن أبي حاتم.
[سورة النور (24) : آية 55]
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (55)
هَذَا وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ تعالى لرسوله صلوات الله وسلامه عليه بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض،
(1) الآجام، جمع أجمة: وهي الشجر الكثيف الملتف.
(2)
الغيطان: هي الأرض المنبتة.
(3)
الخنا: الفحش في القول.
أَيْ أَئِمَّةَ النَّاسِ وَالْوُلَاةَ عَلَيْهِمْ، وَبِهِمْ تَصْلُحُ البلاد، وتخضع لهم العباد. وليبدلنهم من بَعْدَ خَوْفِهِمْ مِنَ النَّاسِ أَمْنًا وَحُكْمًا فِيهِمْ، وقد فعله تبارك وتعالى، وله الحمد والمنة، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يمت حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَكَّةَ وَخَيْبَرَ وَالْبَحْرَيْنِ وَسَائِرَ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَأَرْضَ الْيَمَنِ بِكَمَالِهَا، وَأَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ وَمِنْ بَعْضِ أَطْرَافِ الشَّامِ، وَهَادَاهُ هِرَقْلُ مَلِكُ الرُّومِ وَصَاحِبُ مِصْرَ وإسكندرية وَهُوَ الْمُقَوْقِسُ، وَمُلُوكُ عُمَانَ وَالنَّجَاشِيُّ مَلِكُ الْحَبَشَةِ الَّذِي تَمَلَّكَ بَعْدَ أصْحَمَةَ رحمه الله وَأَكْرَمَهُ.
ثُمَّ لَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاخْتَارَ اللَّهُ لَهُ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْكَرَامَةِ، قَامَ بِالْأَمْرِ بَعْدَهُ خَلِيفَتُهُ أَبُو بكر الصديق، فلمّ شعث ما وهي بعد موته صلى الله عليه وسلم، وَأَطَّدَ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ وَمَهَّدَهَا، وَبَعَثَ الْجُيُوشَ الْإِسْلَامِيَّةَ إِلَى بِلَادِ فَارِسَ صُحْبَةَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ رضي الله عنه، فَفَتَحُوا طَرَفًا مِنْهَا، وَقَتَلُوا خَلْقًا مِنْ أَهْلِهَا. وَجَيْشًا آخَرَ صُحْبَةَ أَبِي عبيدة رضي الله عنه ومن اتبعه مِنَ الْأُمَرَاءِ إِلَى أَرْضِ الشَّامِ، وَثَالِثًا صُحْبَةَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه إِلَى بِلَادِ مِصْرَ، فَفَتَحَ اللَّهُ لِلْجَيْشِ الشَّامِيِّ فِي أَيَّامِهِ بُصْرَى وَدِمَشْقَ ومَخَالِيفَهُمَا مِنْ بِلَادِ حَوْرَانَ وَمَا وَالَاهَا وَتَوَفَّاهُ اللَّهُ عز وجل وَاخْتَارَ لَهُ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْكَرَامَةِ.
وَمَنَّ عَلَى أهل الإسلام بأن ألهم الصديق أن يستخلف عمر الفاروق، فقام بالأمر بَعْدَهُ قِيَامًا تَامًّا، لَمْ يَدُرِ الْفُلْكُ بَعْدَ الأنبياء عَلَى مِثْلِهِ فِي قُوَّةِ سِيرَتِهِ وَكَمَالِ عَدْلِهِ. وَتَمَّ فِي أَيَّامِهِ فَتْحُ الْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ بِكَمَالِهَا وَدِيَارِ مِصْرَ إِلَى آخِرِهَا وَأَكْثَرِ إِقْلِيمِ فَارِسَ. وَكَسَرَ كِسْرَى وَأَهَانَهُ غَايَةَ الْهَوَانِ وَتَقَهْقَرَ إِلَى أَقْصَى مَمْلَكَتِهِ، وَقَصَّرَ قَيْصَرَ، وَانْتَزَعَ يَدَهُ عَنْ بلاد الشام، وانحدر إلى القسطنطينية، وَأَنْفَقَ أَمْوَالَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ وَوَعَدَ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ، عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ أَتَمُّ سَلَامٍ وَأَزْكَى صَلَاةٍ.
ثُمَّ لَمَّا كانت الدولة العثمانية امتدت الممالك الْإِسْلَامِيَّةُ إِلَى أَقْصَى مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، فَفُتِحَتْ بِلَادُ الْمَغْرِبِ إِلَى أَقْصَى مَا هُنَالِكَ الْأَنْدَلُسُ وَقُبْرُصُ، وَبِلَادُ الْقَيْرَوَانِ، وَبِلَادُ سَبْتَةَ مِمَّا يَلِي الْبَحْرَ الْمُحِيطَ، وَمِنْ نَاحِيَةِ الْمَشْرِقِ إِلَى أَقْصَى بِلَادِ الصِّينِ، وَقُتِلَ كِسْرَى وَبَادَ مُلْكُهُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَفُتِحَتْ مَدَائِنُ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانُ وَالْأَهْوَازُ، وَقَتَلَ الْمُسْلِمُونَ مِنَ التُّرْكِ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً جِدًّا، وَخَذَلَ اللَّهُ مَلِكَهُمُ الْأَعْظَمَ خَاقَانَ، وَجُبِيَ الْخَرَاجُ مِنَ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِلَى حَضْرَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه، وَذَلِكَ بِبَرَكَةِ تِلَاوَتِهِ وَدِرَاسَتِهِ وَجَمْعِهِ الْأُمَّةَ عَلَى حِفْظِ الْقُرْآنِ، وَلِهَذَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِيَ الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مشارقها ومغاربها، ويبلغ مُلْكُ أُمَّتِي مَا زُوِيَ لِيَ مِنْهَا» «1» فَهَا نَحْنُ نَتَقَلَّبُ فِيمَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْإِيمَانَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ، والقيام بشكره على الوجه الذي
(1) أخرجه مسلم في الفتن حديث 19، وأبو داود في الفتن باب 1، والترمذي في الفتن باب 14، وابن ماجة في الفتن باب 9، وأحمد في المسند 5/ 278، 284، 4/ 123.
يُرْضِيهِ عَنَّا.
قَالَ الْإِمَامُ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ فِي صَحِيحِهِ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «لَا يَزَالُ أَمْرُ النَّاسِ مَاضِيًا مَا وَلِيَهُمُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا» ثُمَّ تَكَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَلِمَةٍ خَفِيَتْ عَنِّي، فَسَأَلْتُ أَبِي: مَاذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقال: قال «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ» «1» . وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ بِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ عَشِيَّةَ رَجَمَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ، وَذَكَرَ مَعَهُ أَحَادِيثَ أخر، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً عَادِلًا وَلَيْسُوا هُمْ بِأَئِمَّةِ الشِّيعَةِ الِاثْنَيْ عَشْرَ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ أُولَئِكَ لَمْ يَكُنْ إِلَيْهِمْ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، فَأَمَّا هَؤُلَاءِ فَإِنَّهُمْ يَكُونُونَ مِنْ قُرَيْشٍ يَلُونَ فَيَعْدِلُونَ، وَقَدْ وَقَعَتِ الْبِشَارَةُ بِهِمْ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ، ثم لا يشترط أن يكونوا مُتَتَابِعِينَ، بَلْ يَكُونُ وُجُودُهُمْ فِي الْأُمَّةِ مُتَتَابِعًا وَمُتَفَرِّقًا، وَقَدْ وُجِدَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ عَلَى الْوَلَاءِ وَهُمْ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، ثم علي رضي الله عنه، ثُمَّ كَانَتْ بَعْدَهُمْ فَتْرَةٌ، ثُمَّ وُجِدَ مِنْهُمْ من شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ قَدْ يُوجَدُ مِنْهُمْ مَنْ بقي في الوقت الذي يعلمه الله تعالى.
ومنهم المهدي الذي اسمه يطابق اسْمَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكُنْيَتُهُ كُنْيَتَهُ، يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا وَقِسْطًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا.
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بن جهمان عَنْ سَفِينَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال «الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم تكون مُلْكًا عَضُوضًا» «2» .
وَقَالَ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ فِي قَوْلِهِ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً الْآيَةَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ بِمَكَّةَ نَحْوًا مِنْ عشر سنين يدعون إلى الله وحده وإلى عبادته وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ سرًّا، وَهُمْ خَائِفُونَ لَا يُؤْمَرُونَ بِالْقِتَالِ حَتَّى أُمِرُوا بَعْدُ بِالْهِجْرَةِ إلى المدينة، فقدموها فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ بِالْقِتَالِ، فَكَانُوا بِهَا خَائِفِينَ يُمْسُونَ في السلاح ويصبحون في السلاح، فصبروا بِذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ إِنَّ رَجُلًا من الصحابة قَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبَدَ الدَّهْرِ نَحْنُ خَائِفُونَ هَكَذَا؟ أَمَا يَأْتِي عَلَيْنَا يَوْمٌ نَأْمَنُ فيه ونضع عنا السِّلَاحَ؟
فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لن تصبروا إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى يَجْلِسَ الرَّجُلُ مِنْكُمْ فِي الملأ العظيم محتبيا ليست فيه حَدِيدَةٌ» وَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، فَأَظْهَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عَلَى جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، فَأَمِنُوا وَوَضَعُوا السِّلَاحَ. ثم إن الله تعالى قَبَضَ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم، فَكَانُوا كَذَلِكَ آمِنِينَ فِي إِمَارَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وعثمان
(1) أخرجه مسلم في الإمارة حديث 6، وأحمد في المسند 5/ 98، 101.
(2)
أخرجه أحمد في المسند 5/ 220، 221، بلفظ:«الخلافة ثلاثون عاما ثم يكون بعد ذلك الملك» ، وأخرجه أبو داود في السنة والترمذي في الفتن باب 48، بلفظ:«خلافة النبوة ثلاثون سنة» . [.....]
حتى وقعوا فيما وقعوا فيه، فأدخل عَلَيْهِمُ الْخَوْفَ فَاتَّخَذُوا الْحَجَزَةَ وَالشُّرَطَ وَغَيَّرُوا فَغُيِّرَ ما بِهِمْ «1» ، وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما حق في كتاب الله، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ.
وَقَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَنَحْنُ فِي خَوْفٍ شَدِيدٍ، وَهَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ- إلى قوله- لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [الأنفال: 26] . وقوله تعالى: كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْ مُوسَى عليه السلام أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ: عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ [الأعراف:
129] الآية، وَقَالَ تَعَالَى: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ [القصص: 5- 6] الآيتين.
وَقَوْلُهُ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ الآية، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَدَيِّ بْنِ حَاتِمٍ حِينَ وَفَدَ عَلَيْهِ «أَتَعْرِفُ الْحِيرَةَ؟» قَالَ: لَمْ أَعْرِفْهَا، وَلَكِنْ قَدْ سمعت بها. قال «فو الذي نَفْسِي بِيَدِهِ لِيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى تَخْرُجَ الظَّعِينَةُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْبَيْتِ فِي غَيْرِ جِوَارِ أَحَدٍ، وَلَتَفْتَحُنَّ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ» قُلْتُ: كِسْرَى بْنُ هُرْمُزَ، قَالَ «نَعَمْ كِسْرَى بْنُ هُرْمُزَ، وَلَيُبْذَلَنَّ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ» . قَالَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ: فَهَذِهِ الظَّعِينَةُ تَخْرُجُ مِنْ الْحِيرَةِ فَتَطُوفُ بِالْبَيْتِ فِي غَيْرِ جِوَارِ أَحَدٍ، وَلَقَدْ كُنْتُ فِيمَنْ افْتَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَكُونَنَّ الثَّالِثَةَ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ قَالَهَا «2» .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «3» : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عن أَبِي سَلَمَةَ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ وَالرِّفْعَةِ وَالدِّينِ وَالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ، فَمِنْ عَمِلَ مِنْهُمْ عَمَلَ الْآخِرَةِ لِلدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْآخِرَةِ نصيب» .
وقوله تعالى: يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «4» : حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا هُمَامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ حَدَّثَهُ قال: بينا أنا رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا آخِرَةَ الرَّحْلِ، قَالَ «يَا مُعَاذُ» . قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وسَعْدَيْكَ، قَالَ: ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ «يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ» . قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ «يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ» . قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ. قَالَ «هَلْ تَدْرِي ما حق الله على
(1) انظر الدر المنثور 5/ 100.
(2)
أخرجه البخاري في المناقب باب 25، والترمذي في تفسير سورة 1، باب 2، وأحمد في المسند أحمد في المسند 4/ 257.
(3)
المسند 5/ 134.
(4)
المسند 5/ 242.