الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وغلمان في زي الجواري فقالت: إِنْ عَرَفَ هَؤُلَاءِ مِنْ هَؤُلَاءِ فَهُوَ نَبِيٌّ، قالوا: فأمرهم سليمان فتوضؤوا، فَجَعَلَتِ الْجَارِيَةُ تُفْرِغُ عَلَى يَدِهَا مِنَ الْمَاءِ وَجَعَلَ الْغُلَامُ يَغْتَرِفُ فَمَيَّزَهُمْ بِذَلِكَ، وَقِيلَ بَلْ جَعَلَتِ الْجَارِيَةُ تَغْسِلُ بَاطِنَ يَدِهَا قَبْلَ ظَاهِرِهَا والغلام بالعكس، وقيل بل جعلت الجواري يغسلن مِنْ أَكُفِّهِنَّ إِلَى مُرَافِقِهِنَّ، وَالْغِلْمَانُ مِنْ مَرَافِقِهِمْ إلى كفوفهم وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بِقَدَحٍ لِيَمْلَأَهُ مَاءً رِوَاءً لَا مِنَ السَّمَاءِ وَلَا مِنَ الْأَرْضِ، فَأَجْرَى الْخَيْلَ حَتَّى عَرِقَتْ ثُمَّ مَلَأَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَبِخَرَزَةٍ وَسِلْكٍ لِيَجْعَلَهُ فِيهَا فَفَعَلَ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَكَانَ ذَلِكَ أَمْ لَا، وَأَكْثَرَهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ سُلَيْمَانَ عليه السلام، لَمْ يَنْظُرْ إِلَى مَا جَاءُوا بِهِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَا اعْتَنَى بِهِ، بَلْ أَعْرَضَ عَنْهُ. وَقَالَ مُنْكِرًا عَلَيْهِمْ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ؟ أَيْ أَتُصَانِعُونَنِي بِمَالٍ لِأَتْرُكَكُمْ عَلَى شِرْكِكُمْ وَمُلْكِكُمْ؟ فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ أَيِ الَّذِي أَعْطَانِي اللَّهُ مِنَ الْمُلْكِ وَالْمَالِ وَالْجُنُودِ خَيْرٌ مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ أَيْ أَنْتُمُ الَّذِينَ تَنْقَادُونَ لِلْهَدَايَا وَالتُّحَفِ، وَأَمَّا أَنَا فَلَا أَقْبَلُ مِنْكُمْ إِلَّا الْإِسْلَامَ أَوِ السَّيْفَ.
قَالَ الْأَعْمَشِ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه: أَمَرَ سُلَيْمَانُ الشَّيَاطِينَ فَمَوَّهُوا لَهُ أَلْفَ قَصْرٍ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، فَلَمَّا رَأَتْ رُسُلُهَا ذَلِكَ، قَالُوا:
مَا يَصْنَعُ هَذَا بهديتنا، وفي هذا جَوَازِ تَهَيُّؤِ الْمُلُوكِ وَإِظْهَارِهِمُ الزِّينَةَ لِلرُّسُلِ وَالْقُصَّادِ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ أَيْ بِهَدِيَّتِهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِها أَيْ لَا طَاقَةَ لَهُمْ بقتالهم وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً أي ولنخرجنهم من بلدتهم أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ أَيْ مُهَانُونَ مَدْحُورُونَ. فَلَمَّا رَجَعَتْ إِلَيْهَا رُسُلُهَا بِهَدِيَّتِهَا وَبِمَا قَالَ سُلَيْمَانُ سَمِعَتْ وَأَطَاعَتْ هِيَ وَقَوْمُهَا، وَأَقْبَلَتْ تَسِيرُ إِلَيْهِ فِي جُنُودِهَا خَاضِعَةً ذَلِيلَةً، مُعَظِّمَةً لِسُلَيْمَانَ نَاوِيَةً مُتَابَعَتَهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَمَّا تَحَقَّقَ سُلَيْمَانُ عليه السلام قُدُومَهُمْ عَلَيْهِ، وَوُفُودَهُمْ إِلَيْهِ فَرِحَ بِذَلِكَ وسره.
[سورة النمل (27) : الآيات 38 الى 40]
قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ قَالَ: فلما رجعت إليها الرسل بما قال سلميان قَالَتْ: قَدْ وَاللَّهِ عَرَفْتُ مَا هَذَا بِمَلِكٍ، وَمَا لَنَا بِهِ مِنْ طَاقَةٍ وَمَا نَصْنَعُ بمكابرته شَيْئًا، وَبَعَثَتْ إِلَيْهِ:
إِنِّي قَادِمَةٌ عَلَيْكَ بِمُلُوكِ قَوْمِي لِأَنْظُرَ مَا أَمْرُكَ وَمَا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مِنْ دِينِكَ، ثُمَّ أَمَرَتْ بِسَرِيرِ مُلْكِهَا الَّذِي كَانَتْ تَجْلِسُ عَلَيْهِ. وَكَانَ مِنْ ذَهَبٍ مُفَصَّصٍ بِالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ وَاللُّؤْلُؤِ، فَجُعِلَ فِي سَبْعَةِ أَبْيَاتٍ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ، ثُمَّ أَقْفَلَتْ عَلَيْهِ الْأَبْوَابَ ثُمَّ قَالَتْ لِمَنْ خَلَّفَتْ عَلَى سُلْطَانِهَا: احْتَفِظْ بما
قِبَلَكَ وَسَرِيرِ مُلْكِي، فَلَا يَخْلُصُ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَلَا يَرَيَنَّهُ أَحَدٌ حَتَّى آتِيَكَ ثُمَّ شَخَصَتْ إِلَى سُلَيْمَانَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفِ قَيْلٍ مِنْ مُلُوكِ الْيَمَنِ تَحْتَ يَدَيْ كُلِّ قَيْلٍ مِنْهُمْ أُلُوفٌ كَثِيرَةٌ فَجَعَلَ سُلَيْمَانُ يَبْعَثُ الْجِنَّ يَأْتُونَهُ بِمَسِيرِهَا وَمُنْتَهَاهَا كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ حَتَّى إِذَا دَنَتْ جَمَعَ مَنْ عنده من الجن والإنس ممن تحت يده فقال: يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ.
وقال قتادة: لما بلغ سليمان أنها جاثية وَكَانَ قَدْ ذُكِرَ لَهُ عَرْشُهَا فَأَعْجَبَهُ. وَكَانَ مَنْ ذَهَبٍ وَقَوَائِمُهُ لُؤْلُؤٌ وَجَوْهَرٌ. وَكَانَ مُسَتَّرًا بِالدِّيبَاجِ وَالْحَرِيرِ، وَكَانَتْ عَلَيْهِ تِسْعَةُ مَغَالِيقَ، فَكَرِهَ أن يأخذ بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ. وَقَدْ عَلِمَ نَبِيُّ اللَّهِ أَنَّهُمْ متى أسلموا تحرم أموالهم ودماؤهم، فقال يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ وَهَكَذَا قَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ وَالسُّدِّيُّ وَزُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ فَتَحْرُمُ عَلَيَّ أَمْوَالُهُمْ بِإِسْلَامِهِمْ قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ قَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ مَارِدٌ مِنَ الْجِنِّ، قَالَ شُعَيْبٌ الْجِبَائِيُّ: وَكَانَ اسْمُهُ كَوْزَنَ، وَكَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ «1» ، وَكَذَا قَالَ أَيْضًا وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ. قَالَ أَبُو صَالِحٍ وَكَانَ كَأَنَّهُ جَبَلٌ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ
قَالَ ابْنُ عباس رضي الله عنه: يَعْنِي قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَجْلِسِكَ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَقْعَدِكَ، وَقَالَ السُّدِّيُّ وَغَيْرُهُ: كَانَ يَجْلِسُ لِلنَّاسِ لِلْقَضَاءِ وَالْحُكُومَاتِ وَلِلطَّعَامِ، مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إِلَى أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ قَوِيٌّ عَلَى حَمْلِهِ أَمِينٌ عَلَى مَا فِيهِ مِنَ الْجَوْهَرِ، فقال سليمان عليه الصلاة والسلام أُرِيدُ أَعْجَلَ مِنْ ذَلِكَ، وَمِنْ هَاهُنَا يَظْهَرُ أن سُلَيْمَانَ أَرَادَ بِإِحْضَارِ هَذَا السَّرِيرِ إِظْهَارَ عَظَمَةِ ما وهب الله له من الملك، وما سخر لَهُ مِنَ الْجُنُودِ الَّذِي لَمْ يُعْطَهُ أَحَدٌ قَبْلَهُ وَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، وَلِيَتَّخِذَ ذَلِكَ حُجَّةً عَلَى نُبُوَّتِهِ عِنْدَ بِلْقِيسَ وَقَوْمِهَا لِأَنَّ هَذَا خَارِقٌ عَظِيمٌ أَنْ يَأْتِيَ بِعَرْشِهَا كَمَا هُوَ مِنْ بِلَادِهَا قَبْلَ أَنْ يَقْدَمُوا عَلَيْهِ، هَذَا وَقَدْ حَجَبَتْهُ بِالْأَغْلَاقِ وَالْأَقْفَالِ وَالْحَفَظَةِ. فَلَمَّا قَالَ سُلَيْمَانُ أُرِيدُ أَعْجَلَ مِنْ ذَلِكَ قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ آصِفُ كَاتِبُ سُلَيْمَانَ، وَكَذَا رَوَى مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ أَنَّهُ آصِفُ بْنُ بَرْخِيَاءَ. وَكَانَ صِدِّيقًا يَعْلَمُ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ مُؤْمِنًا مِنَ الْإِنْسِ وَاسْمُهُ آصِفُ، وَكَذَا قَالَ أَبُو صَالِحٍ وَالضَّحَّاكُ وقَتَادَةُ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْإِنْسِ، زَادَ قَتَادَةُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ كَانَ اسْمُهُ أَسْطُومَ. وَقَالَ قَتَادَةُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ كَانَ اسْمُهُ بُلَيْخَا، وَقَالَ زُهَيْرُ بْنُ محمد هو رجل من الإنس يُقَالُ لَهُ ذُو النُّورِ. وَزَعْمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ أَنَّهُ الْخَضِرُ، وَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا.
وَقَوْلُهُ: أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ أَيِ ارْفَعْ بَصَرَكَ وَانْظُرْ، مَدَّ بصرك مما تقدر
(1) انظر تفسير الطبري 9/ 522. [.....]