الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَعْرَابِيٍّ فَأَكْرَمَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «تَعَاهَدْنَا؟» فَأَتَاهُ الْأَعْرَابِيُّ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَا حَاجَتُكَ؟» قَالَ: نَاقَةٌ بِرَحْلِهَا وَأَعْنُزٌ يَحْتَلِبُهَا أَهْلِي، فَقَالَ «أَعْجَزْتَ أَنْ تَكُونَ مِثْلَ عَجُوزِ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟» فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: وَمَا عَجُوزُ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ «إن موسى عليه السلام لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَسِيرَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَضَلَّ الطَّرِيقَ، فَقَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ لَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ: نَحْنُ نُحَدِّثُكَ أَنَّ يوسف عليه السلام لما حضرته الوفاة أخذ علينا موثقا من الله أن لا نَخْرُجَ مِنْ مِصْرَ حَتَّى نَنْقُلَ تَابُوتَهُ مَعَنَا، فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: فَأَيُّكُمْ يَدْرِي أَيْنَ قَبْرُ يُوسُفَ؟ قَالُوا: مَا يَعْلَمُهُ إِلَّا عَجُوزٌ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ.
فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَقَالَ لَهَا: دُلِّينِي عَلَى قَبْرِ يُوسُفَ، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَا أَفْعَلُ حَتَّى تعطيني حكمي، فقال لَهَا: وَمَا حُكْمُكِ؟ قَالَتْ: حُكْمِي أَنْ أَكُونَ مَعَكَ فِي الْجَنَّةِ، فَكَأَنَّهُ ثَقُلَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَقِيلَ لَهُ: أَعْطِهَا حُكْمَهَا- قَالَ- فَانْطَلَقَتْ مَعَهُمْ إِلَى بُحَيْرَةٍ- مُسْتَنْقَعِ مَاءٍ- فَقَالَتْ لَهُمْ: أَنْضِبُوا هذا الماء، فلما أنضبوه قالت: احفروا، فلما حفروا اسْتَخْرَجُوا قَبْرَ يُوسُفَ، فَلَمَّا احْتَمَلُوهُ إِذَا الطَّرِيقُ مثل ضوء النهار» وهذا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جَدًّا، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَلَمَّا أَصْبَحُوا وَلَيْسَ فِي نَادِيهِمْ دَاعٍ وَلَا مُجِيبٌ، غَاظَ ذَلِكَ فِرْعَوْنَ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ لِمَا يُرِيدُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الدَّمَارِ، فَأَرْسَلَ سَرِيعًا فِي بِلَادِهِ حَاشِرِينَ، أَيْ مَنْ يَحْشُرُ الْجُنْدَ وَيَجْمَعُهُ كَالنُّقَبَاءِ وَالْحُجَّابِ، وَنَادَى فِيهِمْ إِنَّ هؤُلاءِ يَعْنِي بَنِي إِسْرَائِيلَ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ أَيْ لِطَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ أي كل وقت يصل منهم إلينا مَا يَغِيظُنَا وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ أَيْ نَحْنُ كُلَّ وَقْتٍ نَحْذَرُ مِنْ غَائِلَتِهِمْ، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْتَأْصِلَ شَأْفَتَهُمْ، وَأُبِيدَ خَضْرَاءَهُمْ، فَجُوزِيَ فِي نَفْسِهِ وَجُنْدِهِ بِمَا أَرَادَ لَهُمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ أَيْ فَخَرَجُوا مِنْ هَذَا النَّعِيمِ إِلَى الْجَحِيمِ، وَتَرَكُوا تِلْكَ الْمَنَازِلَ الْعَالِيَةَ وَالْبَسَاتِينَ وَالْأَنْهَارَ وَالْأَمْوَالَ وَالْأَرْزَاقَ، وَالْمُلْكَ وَالْجَاهَ الْوَافِرَ فِي الدُّنْيَا كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها [الأعراف: 137] الآية، وَقَالَ تَعَالَى: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ [القصص: 5- 6] الآيتين.
[سورة الشعراء (26) : الآيات 60 الى 68]
فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60) فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قالَ كَلَاّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64)
وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (68)
ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ فِرْعَوْنَ خرج في جحفل عظيم وجمع كبير، هو عبارة عن
مَمْلَكَةِ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فِي زَمَانِهِ، أُولِي الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَالدُّوَلِ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَالْوُزَرَاءِ وَالْكُبَرَاءِ وَالرُّؤَسَاءِ وَالْجُنُودِ، فَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ مِنْ أَنَّهُ خَرَجَ فِي أَلْفِ أَلْفٍ وَسِتِّمِائَةِ أَلْفِ فَارِسٍ، مِنْهَا مِائَةُ أَلْفٍ عَلَى خير دُهْمٍ، وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: فِيهِمْ ثَمَانِمِائَةِ أَلْفِ حصان أدهم، وفي ذلك نظر، والظاهر أن ذلك مِنْ مُجَازَفَاتِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَاللَّهُ سبحانه وتعالى أعلم، والذي أخبر به القرآن هُوَ النَّافِعُ، وَلَمْ يُعَيِّنْ عِدَّتَهُمْ إِذْ لَا فَائِدَةَ تَحْتَهُ، إِلَّا أَنَّهُمْ خَرَجُوا بِأَجْمَعِهِمْ.
فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ أَيْ وَصَلُوا إِلَيْهِمْ عِنْدَ شُرُوقِ الشَّمْسِ، وهو طلوعها، فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ أَيْ رَأَى كُلٌّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ صَاحِبَهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ وذلك أنهم انْتَهَى بِهِمُ السَّيْرُ إِلَى سَيْفِ الْبَحْرِ، وَهُوَ بحر القلزم، فصار أمامهم البحر وقد أدركهم فرعون بِجُنُودِهِ، فَلِهَذَا قَالُوا إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ أَيْ لَا يَصِلُ إِلَيْكُمْ شَيْءٌ مِمَّا تَحْذَرُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي أَمَرَنِي أَنْ أَسِيرَ هَاهُنَا بِكُمْ، وهو سبحانه وتعالى لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ، وَكَانَ هَارُونُ عليه السلام فِي الْمُقَدِّمَةِ، وَمَعَهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ، وَمُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ، وَمُوسَى عليه السلام فِي السَّاقَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُمْ وَقَفُوا لَا يَدْرُونَ مَا يَصْنَعُونَ، وَجَعَلَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ أَوْ مُؤْمِنُ آلَ فِرْعَوْنَ، يَقُولُ لِمُوسَى عليه السلام:
يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَاهُنَا أمرك ربك أن تسير؟ فيقول، نعم، فاقترب فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْقَلِيلُ، فَعِنْدَ ذلك أمر الله نبيه موسى عليه السلام أَنْ يَضْرِبَ بِعَصَاهُ الْبَحْرَ، فَضَرَبَهُ وَقَالَ: انْفَلِقْ بإذن الله.
وروى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن حمزة بن محمد بن يوسف عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ أَنَّ مُوسَى عليه السلام لَمَّا انْتَهَى إِلَى الْبَحْرِ قَالَ: يَا مَنْ كَانَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَالْمُكَوِّنُ لِكُلِّ شيء، والكائن بعد كُلِّ شَيْءٍ، اجْعَلْ لَنَا مَخْرَجًا، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: أَوْحَى اللَّهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ إِلَى الْبَحْرِ أَنْ إِذَا ضَرَبَكَ مُوسَى بِعَصَاهُ فَاسْمَعْ لَهُ وَأَطِعْ، فَبَاتَ الْبَحْرُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَلَهُ اضْطِرَابٌ، وَلَا يَدْرِي مِنْ أَيِّ جَانِبٍ يَضْرِبُهُ مُوسَى، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِ مُوسَى، قَالَ لَهُ فَتَاهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ:
يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَيْنَ أَمَرَكَ ربك عز وجل؟ قَالَ: أَمَرَنِي أَنْ أَضْرِبَ الْبَحْرَ، قَالَ: فَاضْرِبْهُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، أَوْحَى اللَّهُ- فِيمَا ذُكِرَ لِي- إِلَى الْبَحْرِ أَنْ إِذَا ضَرَبَكَ مُوسَى بِعَصَاهُ فَانْفَلِقْ لَهُ، قَالَ: فَبَاتَ الْبَحْرُ يضطرب ويضرب بَعْضُهُ بَعْضًا فَرَقًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَانْتِظَارًا لِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ، وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فضربه بها، ففيها سلطان الله الذي أعطاه، فانفلق، ذكر غير واحد أنه جاء فكناه، فَقَالَ: انْفَلِقْ عَلَيَّ أَبَا خَالِدٍ بِحَوْلِ اللَّهِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ أَيْ كَالْجَبَلِ الْكَبِيرِ، قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ وَالضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: هُوَ