الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة فاطر (35) : الآيات 38 الى 39]
إِنَّ اللَّهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (38) هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَاّ مَقْتاً وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَاّ خَساراً (39)
يُخْبِرُ تعالى بعلمه غيب السموات والأرض، وإنه يعلم ما تكنه السرائر وما تنطوي عَلَيْهِ الضَّمَائِرُ، وَسَيُجَازِي كُلَّ عَامِلٍ بِعَمَلِهِ، ثُمَّ قال عز وجل هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ أَيْ يَخْلُفُ قَوْمٌ لِآخَرِينَ قَبْلَهُمْ وَجِيلٌ لِجِيلٍ قَبْلَهُمْ. كما قال تعالى: وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ [فاطر: 39] أَيْ فَإِنَّمَا يَعُودُ وَبَالُ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً أَيْ كُلَّمَا اسْتَمَرُّوا عَلَى كفرهم أبغضهم الله تعالى، وَكُلَّمَا اسْتَمَرُّوا فِيهِ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِخِلَافِ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّهُمْ كُلَّمَا طَالَ عُمُرُ أَحَدِهِمْ وَحَسُنَ عَمَلُهُ، ارْتَفَعَتْ دَرَجَتُهُ وَمَنْزِلَتُهُ فِي الْجَنَّةِ وَزَادَ أَجْرُهُ وَأَحَبَّهُ خَالِقُهُ وَبَارِئُهُ رَبُّ العالمين.
[سورة فاطر (35) : الآيات 40 الى 41]
قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَاّ غُرُوراً (40) إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (41)
يَقُولُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقُولَ لِلْمُشْرِكِينَ: أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَيْ مِنَ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْدَادِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَيْ لَيْسَ لَهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ. وَقَوْلُهُ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ أَيْ أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ كتابا بما يقولونة مِنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ؟ لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً أَيْ بَلْ إِنَّمَا اتَّبَعُوا فِي ذَلِكَ أَهْوَاءَهُمْ وآراءهم وأمانيهم التي يمنوها لِأَنْفُسِهِمْ وَهِيَ غُرُورٌ وَبَاطِلٌ وَزُورٌ.
ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ قُدْرَتِهِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي بِهَا تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ عَنْ أَمْرِهِ وَمَا جُعِلَ فِيهِمَا مِنَ الْقُوَّةِ الْمَاسِكَةِ لَهُمَا، فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا أَيْ أَنْ تضطربا عن أماكنهما، كما قال عز وجل: وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ [الْحَجِّ: 65] وَقَالَ تَعَالَى: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ [الرُّومِ: 25] وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ [فاطر: 1] أَيْ لَا يَقْدِرُ عَلَى دَوَامِهِمَا وَإِبْقَائِهِمَا إِلَّا هُوَ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ حَلِيمٌ غَفُورٌ أَيْ يَرَى عِبَادَهُ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِهِ وَيَعْصُونَهُ، وَهُوَ يَحْلُمُ فَيُؤَخِّرُ، وَيَنْظُرُ وَيُؤَجِّلُ وَلَا يَعْجَلُ، وَيَسْتُرُ آخرين ويغفر، ولهذا قال تعالى: إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً.
وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ هَاهُنَا حَدِيثًا غَرِيبًا بَلْ مُنْكَرًا، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ
الجنيد، حدثني إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ شِبْلٍ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَحْكِي عَنْ مُوسَى عليه الصلاة والسلام عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ: وَقَعَ فِي نَفْسِ مُوسَى عليه الصلاة والسلام: هَلْ يَنَامُ اللَّهُ عز وجل؟ فَأَرْسَلَ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكًا فَأَرَّقَهُ ثَلَاثًا، وَأَعْطَاهُ قَارُورَتَيْنِ فِي كُلِّ يَدٍ قَارُورَةٌ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَحْتَفِظَ بِهِمَا، قَالَ: فَجَعَلَ يَنَامُ وَتَكَادُ يَدَاهُ تَلْتَقِيَانِ، ثُمَّ يَسْتَيْقِظُ فَيَحْبِسُ إِحْدَاهُمَا عَنِ الْأُخْرَى حَتَّى نَامَ فَاصْطَفَقَتْ يَدَاهُ فَانْكَسَرَتِ الْقَارُورَتَانِ، قَالَ: ضَرَبَ اللَّهُ لَهُ مَثَلًا إِنَّ الله عز وجل لَوْ كَانَ يَنَامُ لَمْ تَسْتَمْسِكِ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَيْسَ بِمَرْفُوعٍ بَلْ من الإسرائيليات المنكرة، فإن موسى عليه الصلاة والسلام أَجَلُّ مِنْ أَنْ يُجَوِّزَ عَلَى اللَّهِ سبحانه وتعالى النوم، وقد أخبر الله عز وجل فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ بِأَنَّهُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ [الْبَقَرَةِ: 255] وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى لَا يَنَامُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يخفض القسط ويرفعه، ويرفع إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ أَوِ النَّارُ، لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ» «1» .
وَقَدْ قَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ «2» : حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟ قَالَ: مِنَ الشَّامِ، قَالَ: مَنْ لَقِيتَ؟ قَالَ: لَقِيتُ كَعْبًا، قَالَ: ما حدثك؟ قال: حدثني أن السموات تَدُورُ عَلَى مِنْكَبِ مَلَكٍ، قَالَ: أَفَصَدَّقْتَهُ أَوْ كَذَّبْتَهُ؟ قَالَ: مَا صَدَّقْتُهُ وَلَا كِذَّبْتُهُ، قَالَ: لَوَدِدْتُ أَنَّكَ افْتَدَيْتَ مِنْ رِحْلَتِكَ إِلَيْهِ بِرَاحِلَتِكَ وَرَحْلِهَا، كَذَبَ كَعْبٌ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ [فاطر: 41] وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إِلَى كَعْبٍ وَإِلَى ابْنِ مسعود رضي الله عنه.
ثُمَّ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ حُمَيْدٍ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ذَهَبَ جُنْدُبٌ الْبَجَلِيُّ إِلَى كَعْبٍ بِالشَّامِ فَذَكَرَ نحوه. وقد رأيت في مصنف للفقيه يَحْيَى بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُزَيَّنٍ الطُّلَيْطِلِيِّ سَمَّاهُ- سَيْرَ الْفُقَهَاءِ- أَوْرَدَ هَذَا الْأَثَرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ الطَّبَّاعِ عَنْ وَكِيعٍ عَنِ الْأَعْمَشِ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا زُونَانُ يَعْنِي عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ الْحَسَنِ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: السَّمَاءُ لَا تَدُورُ، وَاحْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَبِحَدِيثِ «إِنَّ بِالْمَغْرِبِ بَابًا لِلتَّوْبَةِ لَا يَزَالُ مَفْتُوحًا حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ
(1) أخرجه مسلم في الإيمان حديث 293، 295، وابن ماجة في المقدمة باب 13، وأحمد في المسند 4/ 395، 401، 405.
(2)
تفسير الطبري 10/ 421.