الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير سورة النّور
وهي مدنيّة
[سورة النور (24) : الآيات 1 الى 3]
بسم الله الرحمن الرحيم
سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَاّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3)
قوله تعالى: سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها
…
الآية معنى «فرضنا» : أوجبنا وأثبتنا، وقال الثَّعْلَبِيُّ والواحِدِيُّ: فَرَضْناها أي: أوجبنا ما فيها من الأحكامِ، انتهى، وقال البخاريُّ «1» : قال ابن عباس «2» : سُورَةٌ أَنْزَلْناها: بَيَّنَّاها، انتهى. وما تقدم أَبْيَنُ.
ص: فَرَضْناها الجمهور: بتخفيف الراء أي: فرضنا أحكامها، وأبو عمرو وابن كثير: بتشدِيْدِ الراء: إما للمبَالَغَةِ في الإيجاب، وإما لأَنَّ فيها فرائضَ شَتَّى، انتهى.
والآيات البَيِّنَاتُ: أمثالُها ومواعِظُهَا وأحكامُها.
وقوله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ
…
الآية، هذه الآية ناسخة لآية الحَبْسِ باتِّفاق، وحكم المُحْصَنِينَ منسوخٌ بآية الرجم والسُّنَّةِ المتواترة على ما تقدّم في سورة النساء، وقرأ الجمهور «3» :«رَأْفَةٌ» بهمزة ساكنة من رَأَفَ إذا رَقَّ وَرَحِمَ، والرأفة المَنْهِيُّ عنها هي [في]«4» إسقاط الحَدِّ، أي: أقيموه ولا بدّ، وهذا تأويل ابن عمر «5» وغيره.
(1) ينظر: البخاري (8/ 301) كتاب التفسير: باب سورة النور.
(2)
أخرجه الطبريّ (9/ 256) برقم (25706) ، وذكره السيوطي (5/ 36) ، وعزاه لابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حارثة عن ابن عباس.
(3)
ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 161) ، و «البحر المحيط» (6/ 394) ، و «الدر المصون» (5/ 208) .
(4)
سقط في ج.
(5)
أخرجه الطبريّ (9/ 256) برقم (25709، 25710) ، وذكره البغوي (3/ 321) ، وذكره ابن عطية (4/ 161) ، وابن كثير (3/ 261، 262) ، والسيوطي (5/ 37) ، وعزاه لعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
وقال قتادة وغيره: هي في تخفيف الضَّرْبِ عنِ الزُّنَاةِ «1» ، ومِنْ رأيهم أَنْ يُخَفَّفَ ضربُ الخمر، والفِرْيَةِ دون ضرب الزنا.
وقوله تعالى: وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أي: إغلاظاً على الزناة، وتوبيخاً لهم، ولا خلافَ أَنَّ الطائفة كُلَّمَا كَثُرَتْ فهو أليق بامتثال الأمر، واختلف في أَقَلِّ ما يجزِىءُ فقال الزُّهْرِيُّ: الطائفة: ثلاثةٌ فصاعداً «2» ، وقال عطاء: لا بُدَّ من اثنين «3» ، وهذا هو مشهورُ قول مالك فرآها موضع شهادة.
وقوله تعالى: الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً مَقْصِدُ الآية تشنيع الزنا وتشنيع 35 أأمره، وأَنَّهُ مُحَرَّمٌ على المؤمنين/ ويريد بقوله: لَا يَنْكِحُ أي: لا يَطَأُ، فالنكاح هنا بمعنى: الجماع كقوله تعالى: حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ [البقرة: 230] . وقد بيّنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح أَنَّه بمعنى الوطء، حيث قال: «لا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ
…
» «4» الحديث، وتحتمل الآية وجوها هذا أحسنها.
(1) أخرجه الطبريّ (9/ 258) برقم (25722، 25724) ، وذكره البغوي (3/ 321) ، وابن عطية (4/ 161) ، والسيوطي (5/ 37) ، وعزاه لعبد بن حميد عن الحسن، وابراهيم، وعامر، ولابن أبي شيبة، وعبد بن حميد عن شعبة.
(2)
أخرجه الطبريّ (9/ 259) برقم (25736) ، وذكره البغوي (3/ 321) ، وابن كثير (3/ 262) ، والسيوطي (5/ 38) وعزاه لابن جرير عن الزهري.
(3)
أخرجه الطبريّ (9/ 259) برقم (25734) ، وذكره البغوي (3/ 321) ، وابن كثير (3/ 262) .
(4)
أخرجه مالك (2/ 531) كتاب النكاح: باب نكاح المحلل وما أشبهه، حديث (17) من طريق المسور بن رفاعة القرظي عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير، أن رفاعة بن سموأل طلق امرأته
…
ومن طريق مالك أخرجه الشافعي في «الأم» (5/ 248) باب نكاح المطلقة ثلاثا، وابن حبان (1323- موارد)، والبيهقي (7/ 375) كتاب الرجعة: باب نكاح المطلقة ثلاثا.
قال السيوطي في «تنوير الحوالك» (2/ 6) قال ابن عبد البر: كذا لأكثر الرواة مرسل، ووصله ابن وهب عن مالك، فقال: عن أبيه، وابن وهب من أجل من روى عن مالك هذا الشأن، وأثبتهم فيه. وتابعه أيضا ابن القاسم وعلي بن زياد وإبراهيم بن طهمان وعبيد الله بن عبد المجيد الحنفي، كلهم عن مالك، وقالوا فيه: عن أبيه، وهو صاحب القصة ا. هـ.
ومن طريق ابن وهب أخرجه ابن الجارود (682)، والبيهقي (7/ 375) كتاب «الرجعة» : باب نكاح المطلقة ثلاثا.
وأخرجه البزار (2/ 194- كشف) رقم (1504) من طريق عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي ثنا مالك بن أنس عن المسور بن رفاعة، عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير عن أبيه.
قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (4/ 343) : رواه البزار والطبراني، ورجالهما ثقات، وقد رواه مالك في «الموطأ» مرسلا، وهو هنا متصل ا. هـ.
_________
- وقد ورد هذا الحديث موصولا من حديث عائشة:
أخرجه أحمد (6/ 226)، والبخاري (5/ 249) كتاب «الشهادات» : باب شهادة المختبئ، حديث (2639)، ومسلم (2/ 1055- 1056) كتاب النكاح: باب لا تحل المطلقة ثلاثا لمطلقها حتى تنكح زوجا غيره، حديث (111/ 1433)، والترمذي (2/ 293) كتاب النكاح: باب ما جاء فيمن يطلق امرأته ثلاثا حديث (1118)، والنسائي (6/ 148) كتاب الطلاق: باب إحلال المطلقة ثلاثا، وابن ماجه (1/ 621- 622) كتاب النكاح: باب الرجل يطلق امرأته ثلاثا، حديث (1932) والدارمي (2/ 161) كتاب الطلاق: باب ما يحل المرأة لزوجها الذي طلقها، والشافعي (2/ 34- 35) كتاب الطلاق، حديث (110) ، والحميدي (1/ 111) رقم (226) ، وعبد الرزاق (6/ 346- 347) رقم (11131) ، والطيالسي (1/ 314- 315) رقم (1612، 1613) ، وسعيد بن منصور (2/ 73- 74) ، رقم (1985) ، وأبو يعلى (397) ، رقم (4423) ، وابن حبان (4199- الإحسان) ، والبيهقي (7/ 373- 374)، والبغوي في «شرح السنة» (5/ 169- بتحقيقنا) من طريق الزهري عن عروة عن عائشة قالت:
جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: كنت عند رفاعة فطلقني فبت طلاقي، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير، وإنما معه مثل هدبة الثوب، فقال: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك.
وقال الترمذي: حسن صحيح.
وللحديث طرق أخرى عن عائشة:
فأخرجه البخاري (9/ 284) كتاب الطلاق: باب من قال لامرأته: أنت عليّ حرام، حديث (5265)، ومسلم (2/ 1057) كتاب النكاح: باب لا تحل المطلقة ثلاثا لمطلقها حتى تنكح زوجا غيره، حديث (114/ 1433) ، وأحمد (6/ 229) ، والدارمي (2/ 162) من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة به.
وأخرجه مسلم (2/ 1057) كتاب النكاح: باب لا تحل المطلقة ثلاثا لمطلقها حتى تنكح زوجا غيره، حديث (115/ 1433) ، وأحمد (6/ 193) ، وأبو يعلى (8/ 373- 374) رقم (4964) من طريق القاسم بن محمد عن عائشة.
وأخرجه أبو داود (1/ 705) كتاب الطلاق: باب في المبتوتة لا يرجع إليها زوجها حتى تنكح زوجا غيره، حديث (2309) ، وأحمد (6/ 42) من طريق الأسود عن عائشة.
وأخرجه البخاري (10/ 293) من طريق عبد الوهاب عن أيوب عن عكرمة [ «أنّ رفاعة طلّق امرأته، فتزوجها عبد الرحمن بن الزبير القرظيّ، قالت عائشة: وعليها خمار أخضر، فشكت إليها، وأرتها خضرة بجلدها فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والنساء ينصر بعضهن بعضا- قالت عائشة: ما رأيت مثل ما يلقى المؤمنات لجلدها أشدّ خضرة من ثوبها. قال وسمع أنها قد أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء ومعه ابنان له من غيرها، قالت: والله ما لي إليه من ذنب، إلا أنّ ما معه ليس بأغنى عني من هذه- وأخذت هدبة من ثوبها- فقال: كذبت والله يا رسول الله، إني لأنفضها نفض الأديم، ولكنها ناشز تريد رفاعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن كان ذلك لم تحلّي له أو تصلحي له حتى يذوق من عسيلتك. قال وأبصر معه ابنين له فقال: بنوك هؤلاء؟ قال: نعم. قال: هذا الذي تزعمين ما تزعمين؟ فو الله لهم أشبه به من الغراب بالغراب» ] .