الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويظهر أَنَّ الإشارة إلى زور أقوالهم في تحريمِ وتحليلِ ما كانوا قد شرعوا في الأنعام، وحُنَفاءَ معناه مستقيمين أو مائلين إلى الحق، بحسب أن لفظة الحنف من الأضداد، تَقَعُ على الاستقامة، وتقع على الميل، والسحيق: البعيد.
[سورة الحج (22) : الآيات 32 الى 35]
ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (35)
وقوله سبحانه: ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ التقدير في هذا الموضع: الأمر ذلك، والشعائر جمع شعيرة وهي كلّ شيء لله عز وجل فيه أمر أشعر به وأعلم.
قال الشيخ ابن أبي جمرة: وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ قال:
- واستدل أبو حنيفة. بأن شريحا كان يشهر، ولا يضرب، وما روي عن عمر من أنه ضرب شاهد الزور أربعين سوطا وسخم وجهه، فمحمول على السياسة، بدلالة التبليغ إلى الأربعين، والتسخيم.
والتشهير منقول عن شريح (رحمه الله تعالى) ، فإنه كان يبعثه إلى سوقه إن كان سوقيا، وإلى قومه إن كان غير سوقي بعد العصر أجمع ما كانوا، ويقول إن شريحا يقرئكم السلام، ويقول: إنا وجدنا هذا شاهد زور، فاحذروه، وحذروا الناس منه.
واختلف القائلون بجواز الضرب، والحبس: فقال ابن أبي ليلى: يجلد خمسة وسبعين سوطا، وهذه رواية عن أبي يوسف، وفي رواية أخرى عنه: يجلد تسعة وسبعين سوطا.
وقال الشافعي: لا يزيد على تسعة وثلاثين.
وقال أحمد: لا يزداد على عشر جلدات.
وقال الأوزاعي في شاهدي الطلاق: يجلدان مائة مائة، ويغرمان الصداق.
وقال صاحب «الفتح» : اعلم أنه قد قيل: إن المسألة على ثلاثة أوجه: أن يرجع على سبيل الإصرار، مثل أن يقول لهم: شهدت في هذه بالزور، ولا أرجع عن مثل ذلك، فإنه يعزر بالضرب بالاتفاق، وإن رجع على سبيل التوبة لا يعزر اتفاقا، وإن كان لا يعرف حاله، فعلى الاختلاف المذكور.
واختلفوا في قبول شهادته بعد توبته، فذهب الحنفية إلى أنه إذا تاب شاهد الزور، وأتت على ذلك مدة، قيل سنة، وقيل ستة أشهر، والصحيح أنها مفوضة لرأي القاضي.
فإن كان فاسقا تقبل شهادته، لإن الحامل له على الزور فسقه، وقد زال بالتوبة.
وإن كان مستورا لا يقبل أصلا، وكذا إذا كان عدلا، على رواية بشر عن أبي يوسف، لأن الحامل له على ذلك غير معلوم، فكان الحال قبل التوبة وبعدها سواء، وروى أبو جعفر أنها تقبل، قالوا: وعليه الفتوى.
وقال الشافعي، وأبو ثور، وأحمد: تقبل شهادته إذا أتت على ذلك مدة تظهر فيها توبته، ويتبين فيها صدقه، وعدالته..
وقال مالك: لا تقبل شهادته أبدا، لأنه لا يؤمن على قول الصدق.
تعظيمُ شعائِرِ اللهِ، - كان من البقع أو من البشر أو مِمَّنْ شاء الله تعالى- زيادَةٌ في الإيمان وقوة في اليقين. انتهى.
وقال العراقي في أرجوزته: [الرجز]
أَعْلَامُ طَاعَةٍ هي الشعائر
…
............... ....
24 ب/ البيت.
وقالت فرقة: قصد بالشعائر في هذه الآية الهَدْيُ والأنعام المشعرة، ومعنى تعظيمها التسمين والاهتبال بأمرها، قاله ابن عباس «1» وغيرُه، ثم اخْتَلَفَ المتأوِّلُون في قوله سبحانه:
لَكُمْ فِيها مَنافِعُ
…
الآية: فقال مجاهد وقتادة: أراد أنَّ للناس في أنعامهم منافِعَ من الصُّوف، واللَّبَن، والذبح للأكل، وغيرِ ذلك ما لم يبعثها رَبُّها هدياً، فَإذا بعثها فهو الأجل المُسَمَّى «2» ، وقال عطاء: أراد لكم في الهدي المبعوثِ منافِعُ، من الركوب، والاحتلاب لمن اضطر، والأجل نحرها «3» ، وتكون «ثم» من قوله: ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ لترتيب الجمل لأَنَّ المَحِلَّ قبل الأجل، ومعنى الكلام عند هذين الفريقين: ثم مَحِلَّها إلى موضع النحر، وذكر البيت لأنَّه أشرفُ الحرم، وهو المقصود بالهدي وغيره.
وقال ابن زيد، والحسن، وابن عمر، ومالك: الشعائر في هذه الآية: مواضِعُ الحج كُلُّها، ومعالمه بمنى، وَعَرَفَةَ، والمزدلفة، والصَّفَا والمروة، والبيت وغير ذلك «4» ، وفي الآية التي تأتي أَنَّ البُدنَ من الشعائر، والمنافِعُ: التجارة وطلب الرزق أوِ الأجر والمغفرة، والأجل المُسَمَّى: الرجوعُ إلى مكة لطواف الأُفاضة، ومَحِلُّها مأخوذٌ من إحلال المحرم، والمعنى: ثم أُخِّروا هذا كله إلى طواف الإفاضة بالبيت العتيق، فالبيتُ على هذا التأويل مُرَادٌ بنفسه، قاله مالك في «الموطإ» .
(1) أخرجه الطبريّ (9/ 146) برقم (25142) ، وذكره البغوي (3/ 286) ، وابن عطية (4/ 121) ، وابن كثير (3/ 219) ، والسيوطي (4/ 647) ، وعزاه لابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس.
(2)
أخرجه الطبريّ (9/ 148) برقم (25156) عن مجاهد، وعن قتادة برقم (25160) ، وذكره البغوي (3/ 287) ، وابن عطية (4/ 121) ، والسيوطي (4/ 647) ، وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد.
(3)
أخرجه الطبريّ (9/ 148) برقم (25162) ، وذكره البغوي (3/ 287) ، وابن عطية (4/ 121) ، والسيوطي (4/ 647) ، وعزاه لسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الضحاك وعطاء.
(4)
أخرجه الطبريّ (9/ 146) برقم (25148) عن ابن زيد، وذكره ابن عطية (4/ 121) . [.....]