الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله: إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً راجع إلى الفتيات وذلك أَنَّ الفتاةَ إذا أَرادت التَّحَصُّنَ فحينئذ يمكن ويُتَصَوَّرُ أَنْ يكونَ السيد مُكْرِهاً، ويمكن أن ينهى عن الإكراه، وإذا كانت الفتاة لا تريد التحصنَ فلا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُقَالَ للسيد: لا تُكْرِهها: لأَنَّ الإكراه لا يُتَصوَّرُ فيها وهي مريدة للفساد، فهذا أمر في سادة وفتياتٍ حالُهم هذه، وذهب هذا النظرُ عن كثير من المفسرين/: فقال بعضُهم: قولُه: إِنْ أَرَدْنَ راجِعٌ إلى الأيامى في قوله: وَأَنْكِحُوا 38 ب الْأَيامى مِنْكُمْ، وقال بعضهم: هذا الشرط في قوله: إِنْ أَرَدْنَ مَلْغِيٌّ ونحو هذا مِمَّا هو ضعيف، والله الموفق للصواب برحمته.
قلت: وما اختاره ع «1» هو الذي عَوَّلَ عليه ابن العرَبيِّ «2» وَنَصَّهُ، وإنما ذكر الله تعالى إِرادة التَّحَصّنِ من المرأة لأَنَّ ذلك هو الذي يصور الإكراه، فأَمَّا إذا كانت هي راغبةً في الزنا، لم يتحصل الإكراه فحصلوه إنْ شاء الله، انتهى من «الأحكام» وقرأ ابن مسعود «3» وغيره:«فَإنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إكْرَاهِهِنَّ [لهُنَّ] «4» غَفُورٌ رَحِيمٌ» ثم عَدَّد سبحانه نِعَمَهُ على المؤمنين في قوله: وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ليقع التحفظ ممّا وقع أولئك فيه.
[سورة النور (24) : الآيات 35 الى 37]
اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (36) رِجالٌ لَاّ تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (37)
(1) ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 182) .
(2)
ينظر: «أحكام القرآن» (3/ 1386) . [.....]
(3)
وقرأ بها ابن عباس، وسعيد بن جبير.
قال أبو الفتح: اللام في «لهن» متعلقة ب «غفور» لأنها أدنى إليها، ولأن فعولا أقعد في التعدي من فعيل، فكأنه قال: فإن الله من بعد إكراههن غفور لهن. ويجوز أن تكون أيضا متعلقة ب «رحيم» ، وذلك أن ما لا يتعدى قد يتعدى بحرف الجر ألا تراك تقول: هذا مارّ بزيد أمس، فتعمل اسم الفاعل، وهو لما مضى؟ فكذلك يجوز تعلق اللام في «لهن» بنفس «رحيم» .
ينظر: «المحتسب» (2/ 108) ، و «الكشاف» (3/ 240) ، و «المحرر الوجيز» (4/ 182) ، وزاد نسبتها إلى جابر بن عبد الله.
(4)
سقط في ج.
وقوله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
…
الآية: النور في كلام العرب الأضواء المُدْرَكَةُ بالبصر، ويُسْتَعْمَلُ مجازاً فيما صَحَّ من المعاني ولاح فيقال: كلام له نور، ومنه الكتاب المنير، والله تعالى ليس كمثله شيء فواضح أَنَّهُ ليس من الأضواء المُدْرَكَةِ، ولم يبقَ إلَاّ أَنَّ المعنى مُنَوِّرُ السموات والأرض، أي: به وبقدرته أنارت أضواؤها، واستقامت أمورها، كما تقول: الملك نور الأمة، أي: به قِوام أمورها وصلاحُ جملتها، والأمر في الملك مجاز، وهو في صفة الله تعالى حقيقة مَحْضَةٌ، وقرأ «1» أبو عبد الرحمن السلمي وغيره:«الله نَوَّرَ» - بفتح النون والواو المشددة وفتح الراء- والضمير في نُورِهِ يعود على الله تعالى قاله جماعة، وهو إضافة خلق إلى خالق، كما تقول: ناقة الله، وبيت الله، ثم اختلفوا في المراد بهذا النور، فقيل: هو محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل: هو المؤمن، وقيل: هو الإيمان والقرآن، وفي قراءة أبيّ بن كعب:«مَثَلُ نُورِ المُؤْمِنِينَ» والمشكاة: هي الكُوَّةُ غير النافذة فيها القنديل ونحوه، وهذه الأقوال الثلاثة يطّرد فيها مقابلة جزء من المثال بجزء من المُمَثَّلِ، فعلى قول من قال: الممثّل محمد صلى الله عليه وسلم وهو قول كعب الأحبار- فرسول الله صلى الله عليه وسلم هو المشكاة أو صدره، والمصباح هو النبوة وما يَتَّصِلُ بها من علمه وهداه، والزجاجة: قلبه، والشجرة المباركة: هي الوحي، والزيت: هو الحجج والبراهين. وعلى قول مَنْ قال: إنَّ المُمَثَّلَ به هو المؤمن- وهو قول أُبَيِّ بن كعب «2» -، فالمشكاة صدره، والمصباح: الإيمان والعلم، والزجاجة: قلبه، والشجرة القرآن، وزيتها: هو الحجج، والحكمة التي تضمنها قولُ أُبَيٍّ فهو على أحسن الحال يمشي في الناس كالرجل الحي في قبور الأموات، وتحتمل الآية معنى آخر، وهو أَنْ يريدَ: مَثَلُ نورِ الله الذي هو هداه في الوضوح كهذه الجملة من النور، الذي تتخذونه أنتم على هذه الصفة التي هي أبلغ صفات النور، الذي هو بين أيديكم أَيُّها البشر وقال أبو موسى:
المشكاة: الحديدة أو الرَّصَاصَةُ التي يكون فيها القنديل في جوف الزجاجة، والأوّل أصحّ.
(1) وقرأ بها عبد الله بن أبي ربيعة.
ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 183) ، و «البحر المحيط» (6/ 418) ، وزاد نسبتها إلى علي بن أبي طالب، وأبي جعفر، وعبد العزيز المكي، وزيد بن علي، وثابت بن أبي حفصة، والقورصي، ومسلمة بن عبد الملك.
وينظر: «الدر المصون» (5/ 219) .
(2)
أخرجه الطبريّ (26088) ، وذكره البغوي (3/ 345) ، وابن عطية (4/ 183) ، وابن كثير (3/ 289) ، والسيوطي (5/ 87) وعزاه لعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والحاكم وصححه عن أبيّ بن كعب.
وقوله: فِي زُجاجَةٍ لأَنَّه جسم شَفَّافٌ، المصباحُ فيه أنور منه في غير الزجاجة، والمصباح: الفتيل بناره.
وقوله: كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ أي/ في الإنارة والضوء، وذلك يحتمل معنيين: إمَّا أن 39 أيريد أَنَّها بالمصباح كذلك، وإمَّا أَنْ يريد أَنَّها في نفسها لصفائها وجودة جوهرها، وهذا التأويل أبلغ في التعاون على النور قال الضَّحَّاكُ: الكوكب الدُّرِّيُّ: الزهرة «1» .
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «2» : «تَوَقَّدَ» - بفتح التاء والدال-، والمراد: المصباح، وقرأ نافع وغيره:«يُوقَدُ» أي: المصباح.
وقوله: مِنْ شَجَرَةٍ أي من زيت شجرة، والمباركة: المُنَمَّاةُ.
وقوله تعالى: لَا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ قال الحسن «3» : أي: ليست هذه الشجرة من شجر الدنيا وإنَّما هو مَثَلٌ ضربه الله تعالى لنوره، ولو كانت في الدنيا لكانت إمَّا شرقِيَّةً وإمَّا غربِيَّةً، وقيل غيرُ هذا.
وقوله سبحانه: يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ
…
الآية مبالغة في صفة صفاته وحُسْنِهِ.
وقوله: نُورٌ عَلى نُورٍ أي: هذه كلها ومعان تكامل بها هذا النورُ المُمَثَّلُ به، وفي هذا الموضع تمّ المثالُ، وباقي الآية بَيِّنٌ.
وقوله تعالى: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ قال ابن عباس وغيره»
: هي المساجد المخصوصةُ بعبادة الله التي من عادتها أنْ تُنَوَّرَ بهذا النوع من المصابيح. وقوله:
أَذِنَ اللَّهُ: بمعنى: أمر وقضى، وتُرْفَعَ قيل: معناه تُبْنَى وتُعَلَّى قاله مجاهد «5» وغيره كقوله تعالى: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ
…
[البقرة: 127] .
(1) ذكره ابن عطية (4/ 184) ، والسيوطي (5/ 89) ، وعزاه لابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الضحاك.
(2)
ينظر: «السبعة» (455- 456) ، و «الحجة» (5/ 324) ، و «إعراب القراءات» (2/ 109) ، و «معاني القراءات» (2/ 207) ، و «شرح الطيبة» (5/ 90) ، و «العنوان» (139) ، و «حجة القراءات» (500) ، و «شرح شعلة» (514) و «إتحاف» (2/ 298) .
(3)
أخرجه الطبريّ (9/ 327) برقم (26124) ، وذكره البغوي (3/ 347) وابن عطية (4/ 185) ، والسيوطي (5/ 90) ، وعزاه لابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن.
(4)
أخرجه الطبريّ (9/ 329) برقم (26129، 26130) ، وذكره البغوي (3/ 348) ، وابن عطية (4/ 185) ، والسيوطي (5/ 90) ، وعزاه لابن أبي حاتم عن ابن عباس.
(5)
أخرجه الطبريّ (9/ 329) برقم (26131، 26132، 26133) ، وذكره البغوي (3/ 348) ، وابن عطية (4/ 186) ، والسيوطي (5/ 91) ، وعزاه لعبد بن حميد عن مجاهد.
وقال الحسن «1» : معناه تُعظَّم ويُرْفَعُ شأنها، وذكر اسمه تعالى هو بالصلاة والعبادة قولاً وفعلاً، ويُسَبِّحُ لَهُ فِيها أي: في المساجد، بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ قال ابن عباس «2» :
أراد ركعتي الضُّحَى. [والعصر، وإنَّ ركعتي الضحى]«3» لفي كتاب الله وما يغوص عليها إلَاّ غَوَّاصٌ ثم وصف تعالى المسبحين بأنهم لمراقبتهم أمرَ الله تعالى وطلبهم رضاه، لا يشغلهم عن الصلاة وذكرِ الله شيءٌ من أمور الدنيا.
قلت: وعن عمر- رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يُجْمَعُ النَّاسُ فِي صَعِيدٍ وَاحَدٍ، يَنْفُذُهُمُ البَصَرُ، ويُسْمعُهُمُ الدَّاعِي، فَيْنَادِي مُنَادٍ: سَيَعْلَمُ أَهْلُ الْجَمْعِ لَمِنَ الْكَرَمُ اليَوْمَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ يَقُولُ: أَيْنَ الَّذِينَ كَانَتْ تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ [السجدة: 16] ، ثُمَّ يَقُولُ: أَيْنَ الَّذِينَ كَانُواْ لَاّ تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ إلى آخر الآية، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: سَيَعْلَمُ أَهْلُ الجَمْعِ لَمِنِ الكَرَمُ اليَوْمَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَيْنَ الحَمَّادُونَ الَّذِينَ يَحْمَدُونَ رَبَّهمْ؟» مختصراً «4» رواه الحاكم في «المستدرك على الصحيحين» وله طرق عن أَبي إسحاقَ، انتهى من «السلاح» ، ورواه أيضاً ابن المبارك من طريق ابن عباس قال: «إذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ نادى مُنَادٍ: سَتَعْلَمُونَ اليَوْمَ منْ أَصْحَابُ الكَرَم، لِيَقُمْ الحَامِدُونَ لِلَّهِ تعالى على كُلِّ حَالٍ، فَيَقُومُونَ، فَيُسَرَّحُونَ إلَى الجَنَّةِ، ثُمَّ يُنَادِي ثَانِيَةً: سَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الكَرَمِ لِيَقُمِ الَّذِينَ كَانَتْ جُنُوبُهُمْ تتجافى عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ قَالَ: فَيَقُومُونَ، فَيُسَرَّحُونَ إلى الجنَّة، ثُمَّ يُنَادِي ثَالِثَةً: سَتَعْلَمُونَ اليَوْمَ مَنْ أَصْحَابُ الكَرَمِ لِيَقُمَ الَّذِينَ كَانَتْ: لَاّ تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ
فيَقُومُونَ، فَيُسَرَّحُونَ إلى الجَنَّة» . انتهى من «التذكرة» . والزكاة هنا عند ابن عباس: الطاعة للَّه «5» .
وقال الحسن «6» : هي الزكاةُ المفروضة في المال، واليوم المخوف: هو يوم القيامة،
(1) أخرجه الطبريّ (9/ 330) برقم (26141) ، وذكره البغوي (3/ 348) ، وابن عطية (4/ 186) ، والسيوطي (5/ 91) ، وعزاه لعبد الرزاق عن الحسن.
(2)
أخرجه الطبريّ (9/ 331) برقم (26144) ، وذكره ابن عطية (4/ 186) ، والسيوطي (5/ 93) ، وعزاه لابن أبي شيبة، والبيهقي في «شعب الإيمان» عن ابن عباس.
(3)
سقط في ج.
(4)
أخرجه الحاكم (2/ 399) من حديث عقبة بن عامر الجهني.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح، وله طرق عن أبي إسحاق ووافقه الذهبي.
(5)
أخرجه الطبريّ (9/ 332) برقم (26153) ، وذكره ابن عطية (4/ 186) . [.....]
(6)
ذكره ابن عطية (4/ 186) .