الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في إهلاك مال أيوبَ، وفي إهلاك بنيه وقرابته، ففعل ذلك أجمع، واللَّه أعلم بصحة ذلك، ولو صَحَّ لوجب تأويله.
وقوله سبحانه: وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ، أي: وتذكرة وموعظة للمؤمنين، ولا يعبد الله إلّا مؤمن.
[سورة الأنبياء (21) : الآيات 85 الى 88]
وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86) وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)
وقوله سبحانه: وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ المعنى: واذكر إسماعيلَ، وقوله سبحانه:
وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً التقدير واذكر ذا النون، قال السُّهَيْلِيُّ: لما ذكر اللَّه تعالى يُونُسَ هنا في معرض الثناء، قال: وَذَا النُّونِ، وقال في الآية الأخرى: وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ [القلم: 48] / والمعنى واحدٌ، ولكن بين اللفظين تفاوتٌ كثير في حسن 19 ب الإشارة إلى الحالتين، وتنزيلُ الكلام في الموضعين والإضافة بذي أشرف من الإضافة بصاحب لأنَّ قولك «1» : ذو يضاف بها إلى التابع، وصاحبُ يُضَافُ بها إلى المتبوع.
انتهى.
والنون: الحوتُ، والصاحب: يونس بن متى- عليه السلام وهو نبيٌّ من أهل نَيْنَوَى.
وقوله: مُغاضِباً قيل: إنَّهُ غاضب قومه حين طال عليه أمرهم وَتَعَنُّتُهُمْ، فذهب فارّاً بنفسه، وقد كان اللَّه تعالى أمره بملازمتهم والصبرِ على دعائهم، فكان ذلك ذَنْبَه، أي: في خروجه عن قومه بغير إذن ربه.
قال عِيَاض: والصحيح في قوله تعالى: إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً أَنَّهُ مُغَاضِبٌ لقومه لكفرهم، وهو قول ابن عباس، والضَّحَّاكِ «2» وغيرهما، لا لربه إذْ مغاضبة اللَّه تعالى معاداة له، ومعاداةُ اللَّه كفر لا يليق بالمؤمنين، فكيف بالأنبياء- عليهم السلام؟! وفرار
(1) في ج: قوله وذا.
(2)
أخرجه الطبريّ (9/ 73) برقم (24749) عن ابن عباس، (24750) عن الضحاك، وذكره السيوطي (4/ 597) وعزاه للبيهقي في «الأسماء والصفات» عن ابن عباس، وعزاه أيضا لابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الضحاك.
يونس عليه السلام خشيةَ تكذيب قومه بما وعدهم به من العذاب.
وقوله سبحانه: فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ معناه: أَنْ لن نضيق عليه، وقيل: معناه:
نقدر عليه ما أصابه، وقد قُرِىء «نقَدِّرَ» عليه بالتشديد «1» ، وذلك، كما قيل لحسن ظَنِّهِ بربه:
أَنه لا يقضى عليه بعقوبة، وقال عياض في موضع آخر: وليس في قصة يونس عليه السلام نَصٌّ على ذنب، وإنما فيها أَبَقَ وذهب مغاضباً، وقد تكلمنا عليه، وقيل: إنما نقم الله- تعالى- عليه خروجه عن قومه، فارّا من نزول العذاب. وقيل: بل لَمَّا وعدهم العذابَ، ثم عفا اللَّه عنهم، قال: واللَّهِ لا ألقاهم بوجه كذَّابٍ أبداً، وهذا كله ليس فيه نَصٌّ على معصية. انتهى.
وقوله سبحانه: فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ. قالت فرقة: معناه: أن لن نضيق عليه في مذهبه من قوله تعالى: يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ [الرعد: 26]، وقرأ الزُّهْرِيُّ:
«نُقَدِّرُ» «2» بضم النون، وفتح القاف، وشَدِّ الدال، ونحوه عن الحسن.
وروي: أَنَّ يونس عليه السلام سجد في جوفِ الحوت حين سمع تسبيح الحيتان في قعر البحر.
وقوله: إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ: يريد فيما خالف فيه من ترك ملازمة قومه والصبر عليهم، هذا أحسن الوجوه، فاستجاب اللَّه له.
ت وليس في هذه الكلمة ما يَدُلُّ أَنَّهُ اعترف بذنب، كما أشار إليه بعضهم، وفي الحديث الصحيح:«دَعْوَةُ أَخِي ذِي النُّونِ، في بَطْنِ الْحُوتِ: لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ، إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، مَا دَعَا بِهَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ- أَوْ قَالَ: مُسْلِمٌ-، إلَاّ اسْتُجِيبَ لَهُ» «3»
(1) وهي قراءة الزهري والحسن كما ذكرهما المصنف بعد.
وقرأ بها ابن أبي ليلى، وأبو شرق، والكلبي، ويعقوب.
كما في «مختصر الشواذ» ص (95)، وينظر:«المحرر الوجيز» (4/ 97) ، و «البحر المحيط» (6/ 311) ، ونسبها للزهري حسب. وهي في «الدر المصون» (5/ 105) .
وحكاها القرطبي (11/ 219) عن عمر بن عبد العزيز والزهري.
(2)
ينظر القراءة السابقة.
(3)
أخرجه الترمذي (5/ 529) كتاب الدعوات: باب (82) حديث (3505)، والنسائي في «الكبرى» (6/ 168) كتاب عمل اليوم والليلة: باب ذكر دعوة ذي النون، حديث (10492) ، وأحمد (1/ 170) ، والحاكم (1/ 505) ، والطبريّ (9/ 78) ، والبيهقي في «شعب الإيمان» (1/ 432) رقم (620) كلهم من حديث سعد بن أبي وقاص.
والحديث ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (4/ 599) ، وزاد نسبته إلى الحكيم في «نوادر الأصول» ، وابن أبي حاتم، والبزار، وابن مردويه.