الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير «سورة الأحزاب»
وهي مدنيّة بإجماع فيما علمت
[سورة الأحزاب (33) : الآيات 1 الى 5]
بسم الله الرحمن الرحيم
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (1) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (3) مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَاّئِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4)
ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (5)
قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ
…
الآية. قوله: اتَّقِ معناه: دُمْ على التَّقْوَى، ومتى أُمر أحدُ بشيء وهو به مُتَلَبِّسٌ فإنما معناه الدوامُ في المستقبلِ على مثل الحالةَ الماضِيةَ. وحذره تعالى من طاعة الكافرين والمنافقين تنبيهاً على عداوتِهم، وأَلَاّ يَطْمَئِنَّ إلى ما يُبْدُونَه من نَصَائِحِهم. والباء في قوله: وَكَفى بِاللَّهِ زائدةٌ على مذهب سِيبَوَيْهِ، وكأنه قال وكفى الله، وغيرُهُ يَرَاهَا غَيْرَ زائدةٍ متعلقَة ب «كفى» على أنه بمعنى:
اكتف بالله. واختلف في السبب في قوله تعالى: مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ فقال ابن عباس «1» : سببُهَا أن بعضَ المنافقينَ قَال: إن محمداً له قلبَانِ، وقيل غير هذا.
قال ع «2» : ويظهَرُ مِنْ الآية بِجُمْلَتِهَا أنَّها نَفيٌ لأشْيَاءَ كانت العربُ تعتقِدُها في ذلك الوقتِ، وإعلام بحقيقةِ الأمرِ، فمنها أن العربَ كانتْ تَقُول: إن الإنسانَ له قلبٌ يأمره، وقلب ينهاه، وكان تضادُّ الخواطِر يحملُها على ذلك، وكذلك كانت العربُ تعتقد الزوجة إذا ظاهر منها بمنزلة الأم، وتراه طلاقاً، وكانت تعتقد الدَّعِيَّ المُتَبَنَّى ابْناً، فَنَفَى الله ما اعتقدوه من ذلك.
وقوله سبحانه: وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ سببُها أمرُ زيد بن حارثة كانوا يَدْعُونَه:
زيد بن محمد، والسَّبِيلَ هنا سبيلُ الشرع والإيمان. ثم أمر تعالى في هذه الآية بدعاء
(1) أخرجه الطبريّ (10/ 255) رقم (28318) ، وذكره ابن عطية (367- 368) ، وابن كثير (3/ 466) ، والسيوطي (5/ 347) ، وعزاه لأحمد، والترمذيّ، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم، وابن مردويه، والضياء عن ابن عباس.
(2)
ينظر: «المحرر» (4/ 368) .
الأدعياء لآبائهم، أي: إلى آبائهم للصُّلْبِ، فمن جُهل ذلك فيه كان مولىً وأَخاً في الدين، فقال الناسُ: زيد بن حارثة وسالم مولى أبي حذيفة، إلى غير ذلك وأَقْسَطُ: معناه:
أعدل.
وقوله عز وجل: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ
…
الآية: رَفَعَ الحرجَ عَمَّنْ وَهِمَ وَنَسِيَ وأخْطَأَ، فَجَرَى على العَادَةِ من نسبة زيدٍ إلى محمدٍ، وغير ذلك: مما يشبهه، وأبقى الجناح في المُتَعَمِّدِ، والخطأُ مرفوعٌ عَنْ هذهِ الأمة عقابه قال صلى الله عليه وسلم:«وُضِعَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأُ والنِّسْيَانُ وَمَا أُكْرِهُوا عَلَيْهِ» «1» . وقال- عليه السلام: «مَا أخشى عَلَيْكُمُ الخَطَأَ وَإنَّمَا أَخْشَى العَمْدُ» «2» .
قال السُّهَيْلِيُّ: ولَمَّا نزلت الآيةُ وامتثَلَهَا زيدُ فقال: أنا زيد بن حارثة جَبَرَ الله وَحْشَتَهُ وشَرَّفَه بأن سَمَّاه باسْمِه في القرآن فقال: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً [الأحزاب: 37] ومَنْ ذَكَرَهُ سبحَانه باسْمِه في الذِّكْرِ الحكيم، حتى صَار اسمُه قرآناً يتلى في المحاريبِ، فقد نَوَّه بهِ غَايَةَ التَّنْوِيهِ، فَكَانَ فِي هذا تأنيسٌ له وعوض من الفخر بأبوّة سيّدنا محمّد صلى الله عليه وسلم له أَلَا ترى إلى قول أُبي بن كعب حين قال له النبيّ صلى الله عليه وسلم:«إنَّ اللهَ تعالى أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ سُورَةَ كَذَا، فبكى أُبَيٌّ وَقَالَ: أَوَ ذُكِرْتُ هُنَالِكَ» «3» ، وكان بكاؤه من الفرح حِينَ أخْبِرَ أن الله تعالى ذَكَرَهُ فكَيْفَ بمَنْ صَار اسمُه قرآناً يتلى مخَلَّداً لا يَبِيدُ، يتلُوهُ أهْلُ الدُّنْيَا إذا قرؤوا القرآن، وأهْل الجَنَّةِ كذلِكَ فِي الجِنَانِ، ثم زَادَهُ فِي الآية غَايةَ الإحْسَانِ أنْ قال: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ [الأحزاب: 37] يعني بالإيمان فدلَّ على أنه عند الله من أهل الجِنَانِ، وهذه فضيلةٌ أخرى هي غايةُ منتهى أمنية الإنسان، انتهى.
71 أ
(1) تقدم تخريجه.
(2)
أخرجه أحمد (2/ 308) ، والحاكم (2/ 534) ، وابن حبان (2479- موارد) من طريق جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة مرفوعا.
وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي وصححه ابن حبان.
وذكره الهيثمي في «المجمع» (3/ 124)، وقال: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح.
(3)
أخرجه البخاري (7/ 158) كتاب مناقب الأنصار: باب مناقب أبي بن كعب، حديث (3809)، وفي (8/ 597) كتاب التفسير: باب سورة (لم يكن) ، حديث (4959، 4960، 4961) ، ومسلم (4/ 1914)، كتاب فضائل الصحابة: باب من فضائل أبي بن كعب، حديث (122/ 799) من حديث أنس.