الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقرأ الكِسَائِيُّ وَحْدَه بضمهما، ومعنى الأول: فيجب، ويحقّ، ومعنى الثاني: فيقع وينزل، وهَوى معناه: سقط أيْ: هوى في جَهَنَّم، وفي سخط الله- عافانا الله من ذلك-، ثم رجى سبحانه عباده بقوله: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ
…
الآية، والتوبة من ذنب تصح مع الإقامة على غيره، وهي توبة مقيدة، وإذا تاب العبد، ثم عَاوَدَ الذنب بعينه بعد مُدّة فيحتمل عند حُذَّاق أهل السنة: أَلَاّ يعيدَ اللهُ تعالى عليه الذنبَ الأول لأن التوبةَ قد كانت محْتهُ، ويُحتمل: أن يعيده لأنها توبةٌ لم يوف بها، واضطرب الناس في قوله سبحانه: ثُمَّ اهْتَدى من حيث وَجَدُوا الهدى ضمن الإيمان والعمل فقالت فرقة: ثم لزم الإسلام حتى يموت عليه.
وقيلَ: غير هذا، والذي يقوى في معنى: ثُمَّ اهْتَدى أن يكون: ثم حفظ معتقداتِه من أن تخالف الحق في شَيْء من الأَشياء فإن الاهتداءَ على هذا الوجه غيرُ الإيمان، وغيرُ العَمَلِ وَرُبَّ مُؤْمِنٍ عمل صالحاً قد أوبقه عدم الاهْتداء كالقدرية والمُرْجِئة، وسائر أهل البدع، فمعنى: ثُمَّ اهْتَدى: ثم مشى في عقائد الشَّرْعِ على طريقٍ قَوِيم- جعلنا الله منهم بمنه- وفي حِفْظ المعتقَدَاتِ ينحصر معظم أمر الشرع.
[سورة طه (20) : الآيات 83 الى 98]
وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى (83) قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى (84) قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86) قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87)
فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ (88) أَفَلا يَرَوْنَ أَلَاّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً (89) وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى (91) قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92)
أَلَاّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94) قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ (95) قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96) قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً (97)
إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَاّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً (98)
الطيبة» (5/ 48) ، و «العنوان» (130) ، و «حجة القراءات» (460) ، و «شرح شعلة» (495) ، و «إتحاف» (2/ 253) .
12 أوقوله سبحانه: / وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى الآيةَ، وقصص هذه الآية: أَن موسى عليه السلام لمَّا شرع في النهوض ببني إسرائيل إلى جانب الطور حيث كان الموعدُ أن يكلم اللهُ موسى بما لهم فيه شرفُ العاجل والآجل- رأى موسى عليه السلام على جهة الاجْتِهَاد أن يتقدم وحدَهُ مُبادراً لأمر الله سبحانه طلباً لرضائه، وحرصاً على القرب منه، وشوقاً إلى مُناجاته، واستخلف عليهم هارونَ، وقال لهم موسى: تسيرون إلى جانب الطور، فلما انتهى موسى صلى الله عليه وسلم وناجى ربَّه، زاده اللهُ في الأجل عشراً، وحينئذٍ وقفه على معنى استعجاله دون القوم ليخبره موسى أنهم على الأثر، فيقَعَ الإعلامُ له بما صنعوا، وأعلمه موسى أنه إنما استعجل طلب الرضى، فأعلمه اللهُ سبحانه: أنه قد فتن بني إسرائيل، أي: اختبرهم بما صنع السَّامِرِيّ، ويحتمل أن يريد: ألقيناهم في فتنة، فلما أخبر الله تعالى مُوسَى بما وقع، رجع موسى إلى قومه غَضْبَانَ أَسِفَا، وباقي الآية بيّن، وقد تقدّم قصصها مستوفى وسمّى العذاب غضباً من حيْثُ هو عن الغضب.
وقرأ نافعٌ «1» ، وعَاصِمٌ:«بِمَلْكِنَا» بفتح الميم، وقرأ حمزة، والكسائيّ:«بملكنا» بضمة، وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر:«بِمِلْكِنَا» بكسرة فأما فتحُ الميم، فهو مصدرٌ من ملك، والمعنى: ما فعلنا ذلك بأنا ملكنا الصواب، ولا وُفِّقْنا له، بل غلبتنا أنفُسُنا.
وأَما كسرُ المِيم، فقد كثر استعماله فيما تحوزه اليدُ، ولكنه يستعمل في الأمور الَّتي يُبْرمها الإِنسان، ومعناها كمعنى التي قبلها، والمصدرُ مضافٌ في الوجهين إلى الفاعل.
وقولهم: وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً
…
الآية سموها أوزاراً من حيث هي ثَقِيلة الأجرام، أو من حيثُ تأَثَّموا في قذفها، وقرأ أبو عمرو، وحمزةُ، والكسائيُّ:«حَمَلْنَا» بفتح «2» الحاء، والميم.
وقولهم: فَكَذلِكَ أيْ: فكما قذفنا نحن، فكذلك أيضاً ألقى السامري.
قال ع «3» : وهذه الألفاظُ تقتضى أنَّ العجل لم يصغه السامريّ، ثم أخبر «4» تعالى
(1) ينظر: «السبعة» (422، 423) ، و «الحجة» (5/ 244) ، و «إعراب القراءات» (2/ 49) ، و «معاني القراءات» (2/ 156) ، و «شرح الطيبة» (5/ 49) ، و «العنوان» (130) ، و «شرح شعلة» (496) ، و «إتحاف» (2/ 254) .
(2)
ينظر: «السبعة» (423) ، و «الحجة» (5/ 246) ، و «إعراب القراءات» (2/ 50) ، و «معاني القراءات» (2/ 157) ، و «شرح شعلة» (49) ، و «العنوان» (130) ، و «شرح شعلة» (496) ، و «إتحاف» (2/ 255) .
(3)
ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 59) .
(4)
في ج: أخبر الله. [.....]
عن فِعْل السامري بقوله: فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا ومعنى قوله جَسَداً أَي شخصاً لا رُوحَ فيه، وقيل: معناه جسداً لا يتغذى، «والخُوَارُ» : صوت البقر.
قالت فرقةٌ منهم ابن عباس: كان هذا العجلُ يخُورُ ويمشي، وقيل غير هذا «1» .
وقوله سبحانه: فَقالُوا يعني: بني إسرائيل: هَذَا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ موسى إلهه، وذهب يطلبه في غَيْرِ موضعِه، ويحتمل أن يكون قوله فَنَسِيَ إخباراً من الله تعالى عن السَّامِرِيُّ أي: فنسي السامري دينه، وطريق الحق، فالنِّسْيَانُ في التأوِيل الأول بمعنى الذهُول، وفي الثَّانِي بمعنى الترك.
ت: وعلى التّأويل الأول عوَّلَ البخاريُّ «2» : وهو الظَّاهر.
ولقولهم أيضاً قبل ذلك: اجْعَلْ لَنا إِلهاً [الأعراف: 138] .
وقول هَارُون: فَاتَّبِعُونِي أي: إلى الطور الَّذي واعدكم اللهُ تعالى إليه وَأَطِيعُوا أَمْرِي فيما ذكرتُه لكم فقال بنو إسرائيل حين وَعَظهم هارونُ، وندبَهُم إلى الحق: لَنْ نَبْرَحَ عابدين لهذا الإلَه عَاكِفِين عليه، أي: مُلَازِمين له.
ويحتمل قولُه: أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَيْ: ببني إسرائيل نحو جبل الطور، ويحتمل قولُهُ:
أَلَّا تَتَّبِعَنِ أيْ: أَلاّ تسير بسيري، وعلى طريقتي في الإصلاح والتسديد.
/ وقوله: ابْنَ أُمَ
قالت فرقة: إنَّ هَارُونَ لم يكن أَخا موسى إلا من أمه. 12 ب قال ع «3» : وهذا ضَعِيفٌ. وقالتْ فرقةٌ: كان شَقِيقَه وإنما دعاه بالأَم استعطافا برحم الأم، وقول موسى: فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ هو كما تقول: ما شأْنُكَ، وما أمرك، لكن لفظةُ الخطب تقتضى انتهارا لأن الخطب مستعمل في المكاره، وبَصُرْتُ بضم الصاد: من البصيرة، وقرأتْ فرقةٌ بكسرها «4» ، فيحتمل أن يراد من البصيرة، ويحتمل من البصر.
(1) ذكره ابن عطية (4/ 59) .
(2)
ينظر: «البخاري» (8/ 285) كتاب التفسير: باب سورة طه.
(3)
ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 60) .
(4)
قرأ بها أبو السمّال والأعمش مع فتح صاد «يبصروا» .
كما في «مختصر الشواذ» ص 92.
وينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 61) ، و «البحر المحيط» (6/ 254) ، و «الدر المصون» (5/ 49) ، و «التخريجات النحوية» ص 292.
وقرأ حمزة، والكسائيّ «1» :«بما لم تُبْصروا» بالتاء مِنْ فوقُ، يريد مُوسى مع بني إسرائيل، والرسول هنا: هو جِبْرِيلُ عليه السلام والأَثَرُ: هو ترابٌ تحت حافر فرسه.
وقوله: فَنَبَذْتُها أَيْ: على الحلي، فكان منها ما ترى، وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي أي: وكما وقع وحدث قربت لي نفسي، وجعلت «2» لي سُؤْلاً وإرباً حتى فعلته، وكان موسى عليه السلام لا يقتل بني إسرائيل إلَاّ في حدٍّ أو بوحْيٍ، فعاقبه باجتهاد نفسه بأن أبعده ونحَّاه عن الناس، وأمر بني إسرَائيل باجتنابه، واجتناب قبيلته وأَلَاّ يُؤَاكلُوا ولا يُنَاكحوا، ونحو هذا، وجعل له أنْ يقول مدة حياته: لَا مِسَاسَ، أي: لا مُمَاسَّة، ولا إذاية.
وقرأ الجمهور «3» : «لَنْ تُخْلفَهُ» بفتح اللام، أي: لن يقع فيه خلف، وقرأ ابن كَثِير، وأبُو عَمْرِو:«تخلِفه» بكسر اللام، على معنى لن تستطيع الرَّوغَانَ، والحيْدَةَ عن موعد العذاب، ثم وبَّخه عليه السلام بقوله: وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ
…
الآية، وظَلْتَ وظل معناه: أقام يفعل الشيء نهاراً، ولكنها قد تُستعمل في الدائب ليلاً ونهاراً، بمثابة طَفِقَ.
وقرأ ابن عباس «4» وغيرُه: «لَنَحْرُقَنَّهُ» بضم الراء وفتح النون بمعنى لنبردنه بالمبرد، وقرأ نافعٌ وغيره:«لَنُحَرِّقَنَّهُ» وهي قراءةٌ تحتمل الحرق بالنار، وتحتمل بالمبرد. وفي مصحف ابن مَسْعُود «5» :«لنذبحنه ثم لنحرقنه ثم لننسفنه» وهذه القراءةُ هي مع رواية من روى أن العِجْلَ صار لحماً ودماً، وعلى هذه الرواية يتركب أن يكون هناك حرقٌ بنارٍ، وإلَاّ فإذا كان جماداً مِنْ ذهب ونحوه، فإنما هو حرق بمبرد، اللَّهم إلَاّ أَن تكون إذابة، ويكون النسف مُسْتعاراً، لتفريقه في اليمِّ مذاباً.
(1) ينظر: «السبعة» (424) ، و «الحجة» (5/ 249) ، و «إعراب القراءات» (2/ 52) ، و «معاني القراءات» (2/ 158) ، و «شرح الطيبة» (5/ 50) ، و «العنوان» (130) ، و «إتحاف» (2/ 255) .
(2)
في ج: جعلته.
(3)
ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 62) ، و «البحر المحيط» (6/ 256) ، و «الدر المصون» (5/ 51) ، و «السبعة» (424) ، و «الحجة» (5/ 249) ، و «إعراب القراءات» (2/ 53) ، و «معاني القراءات» (2/ 158) ، و «شرح الطيبة» (5/ 50) ، و «العنوان» (130) ، و «شرح شعلة» (496) ، و «إتحاف» (256) .
(4)
وقرأ بها علي وعمرو بن فائد.
ينظر: «المحتسب» (2/ 58) ، و «الكشاف» (3/ 85) ، و «المحرر الوجيز» (4/ 62) ، و «البحر المحيط» (6/ 257) ، وزاد نسبتها إلى حميد، وأبي جعفر في رواية.
وهي في «الدر» (5/ 52) .
(5)
وقرأ بها أبي.
ينظر: «الكشاف» (3/ 85) ، و «المحرر الوجيز» (4/ 62) ، و «البحر المحيط» (6/ 257) .